Saturday, September 5, 2009

خلل في قمرة القيادة




في ظني أن الكويت تمر في هذه الفترة, بأسوأ مراحلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, حتى أكثر من فترات حل مجلس الأمة وتعليق العمل بالدستور, فالعمل السياسي البرلماني والحكومي, يتدنى إلى مراحل بدائية غير مسبوقة, رغم وجود مجلس أمة ووجود حياة برلمانية, ولكن لا يمكننا كمواطنين الافتخار بدمقراطية تخالف القانون والدستور, ولا نعتد ببعض ممثلي الشعب, الذين يحاربون مصالحه, ويستغلون الدمقراطية لمصالحهم الخاصة, ولاستنزاف ثروات البلد وابتزاز الحكومة, والغلو في مخالفتها للحصول على امتيازات وحصص من ثروة الشعب الكويتي, سواء لمصلحة ذاتية أو قبلية أو طائفية أوحزبية, عن طريق الترسيات والترضيات, والتجوال بالملفات في أروقة الوزارات.
فكم نائب بالبرلمان وصل إلى الكرسي عن طريق الفرعيات المجرمة قانوناً؟ وكم نائب يملك شركات للاتجار بالبشر؟ أو شركات مشبوهة, وكم نائب لا يؤمن بالنهج الدمقراطي, ويؤمن بالحاكمية لله, استغل الدمقراطية من أجل إقامة الدولة الإسلامية؟ وكم نائب يدعم المنظمات والأعمال الإرهابية؟ وكم نائب يريد تفتيت الوحدة الوطنية بتعصبه الأعمى والجاهل؟ بل من من النواب قدم مشروعاً تنموياً؟
والعمل الحكومي لا يقل إنهياراً في المنظومة السياسية الكويتية, فضعفها وتخاذلها عرضا البلد للسرقة وللفساد الإداري ولتردي التعليم ومخرجاته, وتوقفت الحكومة مذعورة أمام خطوط حمراء وضعها نواب التخلف, فالقبيلة خط أحمر والحديث عن مزدوجي الجنسية والانتماء خط أحمر ورفع نسبة القبول في الجامعة خط أحمر وإزالة مساجد الصفيح خط أحمر ونقد ابن تيمية خط أحمر, حتى اختفت كل الخطوط الخضراء ومعها هيبة الحكومة, وأصبحنا نتساءل من يدير البلد؟!!
وازداد الفساد والبيروقراطية والبطالة المقنعة في الإدارات الحكومية, وأصبح الفراش الآسيوي مركز نفوذ, يستطيع استخراج أية معاملة تستعصي على المواطن, ويستطيع من تحت الطاولة مالا يستطيعه الموظف الكبير, الذي يقبض راتبه وهو في بيته.
وعلى المستوى الاجتماعي, إنغمس المجتمع في الخرافات, وكرست المسلسلات للسحر والحسد والعين, وتراجع المستوى التعليمي والثقافي للمواطن, وكثرت حالات الطلاق والغياب عن المنزل, وتضخمت سجلات المخافر من عمليات الخطف وهتك العرض والإدمان, وكثرت حالات الشباب المنتمي إلى منظمات إرهابية, وأصاب المجتمع إحباط كبير, وخوف من غياب الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
وعلى المستوى الاقتصادي, فإنه ولأول مرة في تاريخ الكويت, تطرد مجموعة من الكويتيين من عملهم بشكل تعسفي, وتعاني شريحة متعلمة من الديون المتراكمة, ومن أقساط مدارس أبنائها, وتطالب قضائياً وتمنع من السفر, بسبب حرمانها من مصادر رزقها, كما تدنت القدرة الشرائية لدى المواطن, وارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية, وأصبحت المؤشرات تشير إلى منحنى متشائم, كل ذلك في ظل تعالي القوى الحية في المجتمع على أنين المواطن, وفي ظل غياب مبادرات جمعيات النفع العام صاحبة المصلحة في تطور المجتمع ورخاء أبنائه.
وتحولت دولة الكويت, التي كانت تسعى لبناء الدولة الحديثة في الستينيات, إلى دولة تعاني قصوراً في الرعاية الاجتماعية, وتدهوراً في الخدمات الصحية والتعليمية, وانحساراً في هيبة القانون, وفساداً مستشرياً في كل أوصال الدولة, وغياب المواطنة الصالحة, وغياب الرؤية لمستقبل البلد وأجيالنا القادمة.
إن قمرة القيادة في البلد, والتي يتقاسمها التشريع والتنفيذ, تعاني من خلل خطير, وأكرر خطير جداً, قد يودي بحياة الركاب, أو على الأقل يترك أثراً سيكلوجياً سلبياًً لسنوات طويلة.

No comments: