Sunday, December 28, 2008

الكويت خلوج




الخلوج هي الناقة التي ضاع صغيرها, أو الحوار, وكما يقول أهل نجد:"خلوج ضيع ولدها السواريح", والمعروف أن الناقة عندما تفقد صغيرها, تنوح بعويل يشبه عويل الثكلى وبكاء يؤثر بالرعاة, وتظل تشعر بالفقد لفترة طويلة.
والخلوج أيضاً قصيدة مشهورة للشاعر محمد عبد الله العوني, وهي من عيون الشعر النبطي النجدي, حيث يقول العوني في مطلعها:
خلوج تجذ القلب باتلا عوالها تكسر بعبرات تحطم سلالها
تهيض مفجوع الضمير بحسها إلى طوحت حسه تزايد هجالها
وهي من القصائد التي أثرت في وجدان الناس وغيرت حتى من مصائرهم, وهناك العديد من القصائد المتميزة في التراث, مثل قصيدة الشاعر الكويتي حمود الناصر البدر, والتي قيلت أثناء توجه الشيخ مبارك الكبير لمعركة الصريف, والتي يقول فيها:
يا راكبين أكوار ست تبارا فج النحور فحاز ما بين الأزوار
قطم الفخوذ معلقمات الفقارا كوم على كيم من القفر ضمار
وأيضاً مثل قصيدة الشريف بركات وفيها ينصح ابنه, ويقول فيها:
يا ذيب إن جتك الغنم في مفاليك توخى لين الرعايا تعداك
من أول يا ذيب تفرس باياديك واليوم جا ذيب على الفرس عداك
والحر مثلك يستحي يصحب الديك وإن صاحبه عاعا معاعات الادياك
وهناك العديد من روائع الشعر في التراث, فيها الكثير من الحكم والعبر والدروس, ولست هنا بصدد استعراض القصائد العظيمة, والتي يعرفها كثير من الناس, ولكني عندما تذكرت قصيدة الخلوج, عدت إليها كي أستمتع بمعانيها.
ومحمد العوني ولد في بلدة الربيعية شرق القصيم عام 1275ه, وسجن في الإحساء عشر سنوات لكتابته هذه القصيدة, وخرج في سن السبعين ومات بعدها عام 1321ه, وقصة هذه القصيدة أنه بعد معركة الصريف, احتل ابن الرشيد بعض بلدات نجد, وخرج على أثرها آل السليم أمراء عنيزة وآل أبا الخيل أمراء بريدة إلى الكويت فراراً من ابن الرشيد وكان معهم العوني, وترك العديد من أهل نجد ديارهم بعدما كانوا ينعمون بالخير, فيقول العوني في قصيدته:
وإلى جيت سوق العصر تاتيك غلمة تخثع بزبنات البريسم نعالها
يقولون لك يا صاح عطنا علومك بلدان نجد عقبنا وش جرالها
مير داركم من عقبكم تندب الثرى تبكي على الماضين واعزتا لها
وشيابكم تضرب على غير موجب من عقب كبر الجاه تنتف سبالها
واستنهضت هذه القصيدة أهل نجد, وجمعوا من أموالهم الخاصة, وتركوا كل ما بأيديهم ووحدو صفوفهم, واتجهوا بجيش واحد, وحررو بلادهم واستعادوا أراضيهم.
تخيلت بعد قراءتي للقصيدة, أن الكويت خلوجاً "ضيع عيالها السواريح", وأن الحكومة أتاحت الكويت وثرواتها لاستباحة السراق بتهاونها وضعف هيبتها, وأنها في يوم كانت "ذيب يفرس بأياديه", "واليوم جا ذيب على الفرس" عداها, ولأنها ارتضت مصاحبة الديك, "عاعت معاعات الأدياك", أمنت لهم ووثقت بهم, وسلمتهم الأعنة, فتنمرو عليها باسم كل شيء نبيل, باسم الدين والوحدة الوطنية والدمقراطية, ولكن الحكومة لم تسمع الشاعر بديوي الوقداني وهو يقول:
الديك يذن لو عليه الجنابة والذيب ما يومن لو كان صاحبك
آمل أن نقرأ شعرنا القديم, لنستشف منه العبر والحكم, ونستنهض هممنا قبل فوات الأوان, ونعيد للكويت مجدها وعزها الذي فقد, ونعيد أبناءها ونوقف "عوالها", ونمسح دمعة المقهور, وكما يقول الشاعر البحريني علي عبد الله خليفة:
كبيرة دمعة المقهور
وأكبر
دمعة اللي في القهر راضي

Sunday, December 21, 2008

الثقافة أساس التنمية




عندما نتحدث عن الثقافة, فنحن نعني كل النتاج المادي والمعنوي والروحي وأنماط التفكير والسلوك, لمجتمع معين في بقعة معينة وفي زمن معين, وهي بذلك تصبح أكثر اتساعاً مما يعتقده البعض, فيحصره بالمعلومات وبالعلم وبالتجليات الإبداعية مثل الأدب والفن, ليصبح محوره الأساسي هو الإنسان, وسلوكه ورؤيته وقناعاته المتقدمة, بما يضمن بناء متقدماً وراسخاً لمجتمعه.
وبالتالي فتطور الثقافة يعني تطور الإنسان وتحضره, ولا يعني عدد الروايات والمسرحيات واللوحات التشكيلية التي تنتج في المجتمع فقط, رغم أن ذلك إحدى نتائج اهتمام الدول بالثقافة بمفهومها الشامل, واتساع رؤية أفراد المجتمع ونزوعهم للتقدم والتحضر.
وقد كان لاهتمام دولة الكويت بالثقافة, وتأصلها في وجدان الكويتيين, لأسباب جغرافية وتاريخية موضوعية, وأخرى ذاتية, دور هام في سرعة تطور الكويت, واستيعابه لضرورة الدمقراطية ونهوض مجتمع المؤسسات المدنية, وهذا بالتالي انعكس على بناء الإنسان وما زالت بقايا تأثيراته في عقول بعض الكويتيين حتى الآن, وفي أنماط معيشتهم, وعلاقتهم بالدولة, وأسهم ذلك في انطلاق النهضة الفكرية والأدبية والفنية, والتي كان لها جذور تاريخية, فوضع هذا الكويت في مصاف الدول الأكثر تقدماً بين قريناتها العربية, ولم تكن الدموقراطية نبتاً عشوائياً فيها, بل نسغاً لنبت قديم تربى عليه الآباء والأجداد, فأفرز هذه الدويلة الصغيرة المتميزة عن محيطها, السائرة في طرق الحداثة.
وعندما نذكر الماضي, فليس بغرض التغني به أو البكاء على أطاله, فالماضي لا يصلح إلا للدروس والعبر وتقويم الخطى, وأي مواطن كويتي في جيلي أو أكبر لا بد وأن يذكر عقدي الستينيات والسبعينيات, وحتى بعض أجيال الشباب الآن ممن سمعوا آباءهم يتحدثون عن تلك الفترة, يتأملون بعودة نمط التفكير والسلوك المصاحب لها.
أي تفكير أو رغبة بالإصلاح أو بالتنمية, يجب أن تبدأ بالأصيل والأساسي, تبدأ بالإنسان الذي يقع عليه عبء التنمية, الإنسان المسلح بالعلم المنفتح, والثقافة الراقية التي تعنى بالسلوك المتحضر والمسؤول والنزيه, وهذا لا ينشأ من التربية الأسرية فقط, فهي وسط وحلقة أضيق من حلقة المجتمع والدولة التي تضع أطاراً ومفاهيم عامة للثقافة التي يجب أن تسود, من دون وعظ أو إرشاد, فالوسط والبيئة المجتمعية العامة, الرسمية والشعبية, كفيلة بتشكيل وعي الإنسان وثقافته ودوره الاجتماعي والأسري الواعي.
أعلم أنها مهمة ليست سهلة, لكنها ليست مستحيلة أيضاً, خاصة بعد مرور أكثر من عقدين على الفوضى التعليمية والسلوكية والثقافية, لكن عندما يتبعثر الإنسان لسبب ما, كل ما عليه هو البدء من جديد, ما دامت الرغبة الصادقة بالتغيير موجودة.
في بداية الدولة الحديثة, كان لدينا وزارة ارشاد وأنباء, ثم تطورت الرؤية إلى وزارة إعلام, فالمواطن ناضج ولا يحتاج إلى توجيه أو إرشاد, وما يقع على عاتقه هو حرية الاختيار, فلم نكن قط في دولة شمولية, أو تحت حكم دكتاتوري, والثقافة الحقيقية تنبع من الاختلاف الواعي والمسؤول.
وما يستحقه الكويتيون الآن, هو وزارة ثقافة, حتى تسهم بتنمية وعي المواطن, وتسهم كضلع أساسي في بناء التنمية المستدامة, وبذا تعكس جدية وصوابية رؤية المسؤولين حول مفهوم التنمية, وأهمية مشروعات التنمية الكبرى لسعادة ورخاء الإنسان, وهي ليست مؤسسة ثانوية أو زائدة, بل هي ضرورة قصوى ووزارة سيادية إن صح التعبير, تشكل مع وزارة التعليم المسامير الأولى للبناء القوي الذي لا يسهل انهياره.
وإذا تحجج أحد بصعوبة تنفيذ هذا المشرع الهام, وعدم ملاءمته لنصوص الدستور, فيمكن البدء بما فعلت دول الخليج, بتغيير مسمى وزارة الإعلام إلى وزارة الثقافة والإعلام كخطوة مبدئية, لا تتنافى مع مواد الدستور, ويبدأ العمل بتفكيك وزارة الإعلام, هذه العجوز المترهلة, الغاصة بالبطالة المقنعة, والتي تستنزف أموالاً طائلة من الدولة, وبعدها يأتي إنشاء هيئتي الإذاعة والتلفزيون, وتطوير عملهما, وتحويل ما يمكن تحويله من قطاعات إلى وزارات أخرى, وتصفية غير المجدي منها.
هذا ليس حلمي فقط, ولكنه حلم كل مثقف كويتي, وكل من يهتم لأمر التنمية والتقدم في هذا البلد, حتى وإن كان الهدف البعيد هو تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي, فالخطوة الأولى والمستحقة لن تكون بلا مواطن واعي.

Monday, December 15, 2008

إنقاذ العدو




بعد الهجوم الأمريكي على العراق عام 2003, نشر أحد الزملاء في الجمعية الأمريكية للمنومين, في نشرة hypnogram الشهرية والتي تصدر عن الجمعية, نشر موضوعا كان قد احتفظ به سراً, حتى تم اسقاط النظام العراقي, مفاده أن دبلوماسيين عراقيين قد قابلوه في الولايات المتحدة, وأخبروه أن أحد الأثرياء العراقيين يحتاج إلى مساعدته, وخبرته في العلاج بالتنويم, فوافق زميلنا على السفر إلى العراق بعد أن أخبر السلطات الأمريكية المختصة.
وعندما وصل إلى العراق عام 2001, اكتشف أن هذا الثري هو عدي صدام حسين, الذي كان قد أصيب في محاولة اغتيال, وكان يعاني من صعوبة في المشي, ولأن عدي كان يعرف أن هذه الصعوبة هي نفسية بالأساس وليست عضوية, بحث في الإنترنت عن أفضل المعالجين بالتنويم حتى اكتشف هذا الزميل.
وعالجه هذا الزميل الأمريكي, وعندما طلب منه أن يعود في العام 2003 وجد عدي يجري على جهاز صمم خصيصاً له, مما يعني أن العلاج بالتنويم قد أفاده, ولكنه لم يستطع اكمال العلاج لاندلاع الحرب على العراق, وظل محتفظاً بهذا السر, لا أحد يعلم به فيما عدا وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية, حتى تم اسقاط النظام العراقي.
وعند نشر هذا المقال, أثيرت معه العديد من المناقشات حول مشروعية اسعاف العدو ومعالجته, فالبعض قال أن عدي سفاح قتل العديد من الناس, واغتصب العديد من النساء, وأنه لم يكن من الواجب مساعدته, لكن الرأي استقر أخيراً على أن المساعدة لأي إنسان لا يجب أن تكون مشروطة, ودلل أصحاب هذا الرأي على مساعدة الجنود الألمان في الحرب العالمية, وكل الأمثلة التاريخية تؤيد هذا الرأي, حيث أن شرف المهنة يحتم على المعالج مساعدة الجميع, بغض النظر عن انتماءاته أو سلوكه, وعموماً حتى صدام حسين نفسه فحص طبياً وأخضع للعلاج عندما اعتقل (راجع كتابي علم وفن التنويم).
مناسبة هذا الموضوع, هو أنني قرأت في نشرة الحوار المتمدن الإلكترونية العدد 2379 بتاريخ 20 أغسطس 2008 مقالة نشرها كامل النجار, تحت عنوان قسم أبوقراط, يورد فيها خبراً عن أن نقابة الأطباء في مصر أصدرت قراراً بمنع نقل الأعضاء بين المسلمين والمسيحيين, مخالفين بذلك قسم ابوقراط الذي يقسم عليه الأطباء, والقسم الأساسي كالتالي:" أقسم بالإله الطبيب وآلهة الصحة والشفاء, وسائر الآلهة على أنه قدر استطاعتي وتقديري, سأتمسك بهذا القسم وهذا الميثاق, وأن أقصد قدر وسعي منفعة المرضى وأمتنع عما يضرهم أو يسئ إليهم, وألا أعطي دواء قتالاً ولا أشير به, ولا ما يسقط الأجنة, وأن أحفظ نفسي على النزاهة والطهر وأحافظ على السر الطبي", وبالطبع تحول القسم لاحقاً إلى القسم بالله العظيم.
الجدير بالذكر أن نقابة أطباء مصر, يسيطر عليها الأخوان المسلمين الذين يذكروننا ببعض الإسلاميين من أعضاء مجلس الأمة الذين يخالفون قسمهم كل يوم, ويذكروننا بجنوب أفريقيا أيام التمييز العنصري, الذي كان يمنع نقل الدم بين السود والبيض, بل يمنع نقل المصابين السود والبيض في سيارة اسعاف واحدة, وأيضاً يذكروننا برفض المستشفيات الإسرائيلية اسعاف بعض الفلسطينيين باعتبارهم مخربين, فما الفرق بين أخوان المسلمين في مصر وبين جنوب أفريقيا العنصرية واسرائيل؟
ليس لدي تعليق, فالموضوع يشرح نفسه, فكم ينتهك الإسلاميين مبادئ الدين باسم الدين؟ بل كم يتجردون من إنسانيتهم؟ وكم ينتهكون الديمقراطية باسم الديمقراطية؟


Tuesday, December 9, 2008

ابعاد نفسية أم سياسية




سألتني إحدى الصحفيات بصفتي المهنية "كاختصاصي نفسي" السؤال التالي:
- ما هي أسباب اعتدءات اللاعبين الرياضيين على الحكام, هل هي نفسية؟
بالطبع كان جوابي, أن هذه الاعتداءات ليست حادثة محصورة في اللاعبين, ولكنها ظاهرة سلبية تعم الكثير من القطاعات والأفراد والفئات في المجتمع, بغض النظر عن الفئات العمرية والجنسية والمستوى الاجتماعي, لذا لا يمكن ارجاعها إلى أسباب نفسية فقط, وصحيح أنه يمكن أن يسود بعد نفسي لقطاعات واسعة من المجتمع, بسبب من أوضاع استثنائية, مثل الحروب والكوارث والمجاعات والقمع السياسي, وهذه الأوضاع قد تسبب عنفاً وشغباً وعصياناً, لكن هذه الحالة لا تنطبق على المجتمع الكويتي, لأنها كانت تحدث دوماً بأشكال محدودة في المجتمع الكويتي والمجتمعات الأخرى, لكنها الآن أصبحت ظاهرة من الظواهر الجديدة للمجتمع الكويتي.
وصحيح أن هناك ما يسمى بالتمرد على السلطة, مثل تمرد المراهق على سلطة الوالدين, أو خرق القانون أو اتلاف المرافق العامة, لكن في أغلبها تأتي من السلوك المراهق المضطرب, إلا في حالات قليلة, وقد يمتد هذا السلوك حتى ما بعد سنوات المراهقة.
لكن في الحالة الكويتية, الأسباب غير ذلك تماماً, فهذه الظاهرة التي بدأت بالتنامي في السنوات الأخيرة, مردها إلى ضعف المؤسسات المدنية, وتلاشي هيبة القانون, والفوضى والفساد, والاستقواء بالجماعات وبالقبيلة, وبالتمثل ببعض ممثلي السلطة التشريعية والتنفيذية, الذين يخالفون القانون وينتهكون هيبته, مستغلين بذلك نفوذهم, مثل الأب الفاسد الذي يعطي مثلاً لأبنائه بالفساد والتخلي عن المسؤولية, فالأب الفاسد قد يخلق أسرة مفككة وممزقة حسب علم النفس, فإذا كان المثل أو الكبير يسرق, فلم لا يسرق الصغير, وإذا كانت الثقافة السائدة هي "من صادها عشا عياله", فهذه الثقافة تصبح ظاهرة يتمثل بها الصغار والأبناء.
غياب مجتمع المؤسسات المدنية, وغياب جوهر الدولة الحضارية الحديثة, كفيل بأن يجعل زمام الأمور فالتاً, وهذا الفلتان الاجتماعي يجعل الناس تأمن العقاب وتسئ الأدب, فإذا كان ممثل الأمة يستطيع أن يكون نائباً بمخالفة القوانين, ومن خلال انتخابات فرعية مجرمة قانوناً, وإذا كان هذا النائب يسن قوانيناً للتعدي على أملاك الدولة, وإذا كان يستطيع تعيين المئات من أقربائه بشكل غير شرعي, وإذا كان يستطيع أن يخرج على أدب الحوار, والتعدي على الآخرين وتجريحههم, وإذا كان يستطيع أن يبتز ليحقق مصالحه الخاصة, وأكثر وأكثر..
فلم لا يفعل ذلك أبناء الشعب في كل القطاعات؟
إن ظاهرة الاعتداء على السلطة, لا تتوقف عند اللاعبين, ولكن شهدنا في السنوات القليلة الماضية, اعتداءات على المدرسين, وعلى الأطباء, وعلى الموظفين, وعلى رجال الأمن وهم الدرع الذي يحمي أمن المواطنين, فعندما لا يعود القانون موجوداً, وهيبة الحكومة مفقودة, تحضر البدائل, مثل القبيلة والطائفة والجماعة.
أخبرني صديق (والعهدة عليه) أن إحصائية 2007 تبين أن الوفيات بسبب من حوادث المرور والمخالفات المرورية, بلغت ما يقارب وفاة في اليوم, وهي نسبة مرعبة بالنسبة لدولة صغيرة وشعب محدود العدد, كل ذلك سببه عدم احترام القانون, وحتى من يروج المخدرات سيجد له واسطة متنفذة لإخراجه من الحجز.
الأبعاد سياسية بالتأكيد, وليست نفسية, وستشهد الكويت مزيداً من هذا الفلتان, وستتدهور البلد إلى مزيد من هذه الظواهر الغريبة عليه, وستسهم إجراءات تقييد الحريات من قبل بعض أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية, بكبت يزيد النار أواراً.

Sunday, November 30, 2008

البلد مرة أخرى




عشنا جميعاً في السنوات السابقة, وحتى سنوات ما قبل الغزو, عشنا تصعيداً بعد تصعيد, لكننا لم نشعر بالخطر على البلد كما نشعر في هذه الأيام, فقد كان شعورنا بالسابق شعور الاختلاف بين أخوان, ولكنهم يتفقون على شيء واحد أساسي, وهو حب الوطن.
الآن لدي مخاوف شديدة من وجود أناس لا يحبون الكويت, وخشيتي على البلد يشاركني بها العديد من أبناء شعبي, الذين يعلقون على مقالاتي, أو يهاتفوني, فتقول إحدى الأمهات: أصبحت أخاف على مصير أحفادي, أصبحنا أغراباً في وطننا, لا نعرف إلى أين نسير, لم نخشى من الغزو الصدامي, وصمدنا في ظل الظلم والتعسف واعتقال أبنائنا وتعذيبهم, لكن خشية اليوم أكبر, لأنها تأتي باسم الديمقراطية والوحدة الوطنية, وهما أغلى مكتسباتنا.
لم تعد كلمة تعسف تفي بما يحدث, هو نهج الخروج على المتفق عليه بين الكويتيين, منذ عقود وقرون, لم نتقن فن السياسة ولم تعد المصلحة العامة هي الأساس, بل غدت المصالح الشخصية, والضيقة منها هي سياسة البلد, ودغدغة مشاعر الناس فوق كل اعتبار, فوق الكويت البلد المنكوب بأبنائه.
الحكمة وحدها تقطع الطريق على من بيده الزيت والشرارة, الحكمة التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا, هي ما ينقذ البلد, ليست المعارضة هي ما نخشاه, فالمعارضة هي إحدى خصال الكويتيين, عندما يجدون خطأ أو انحرافاً عن مصلحة الكويت, المعارضة تسهم بالبناء والتنمية, لكن ما يحدث لا يمت للمعارضة بشيء, فالممارسة النيابية هي ممارسة أخلاقية, عرفناها عند رجال عظام, نأوا بأنفسهم وبأرواحهم النظيفة عن هكذا أخلاق.
نعيد ونكرر, المطلوب هو رأس البلد, وليس حكومتها أو رئيس حكومتها, المطلوب تنفيذ أجندتهم في القضاء على كل شيء جميل نعتز ونفتخر به, المطلوب نشر ثقافة التخلف والإرهاب, وتحويل البلد إلى أفغانستان ثانية, وتحويل خيراته إلى جيوبهم, المطلوب هو القضاء على أي بذرة أمل لمستقبل أبنائنا وأحفادنا, هذا المستقبل الذي أصبح إرهاقاً على كواهلنا.
لم يبق من كويت المحبة والثقافة شيء إلا ودمر, كان التسامح والتحضر والحوار المتمدن سمات راسخة في هذا المجتمع, وأصبح الصراخ والابتزاز السياسي والتهديد والارهاب سمات في المجالس النيابية المتعاقبة, يكرهون الدمقراطية وكل ما يمت بصلة لها, يكرهون فرحة الناس واعتدالهم الديني, يكرهون الثقافة والجمال.
طفح الكيل وفاض من عبثهم بالبلد, من التأجيج الطائفي والقبلي, من المؤامرة المستمرة على هوية البلد وتحضره, نريد استرداد الأمان, نريد استرداد وطننا الغالي.

Sunday, November 23, 2008

البلد




لم تمر البلاد على أزمة كهذه الأزمة التي تعصف بالوطن والمواطنين, حتى كدت أصدق وأؤمن بنظرية المؤامرة على الكويت, وإلا ما مبرر كل ذلك؟! ما مبرر التصعيد دون واعز من ضمير, وخوف على البلد والشعب, من أين أتوا بهذه الجرأة للتعدي على أمنه وأمانه؟!
بات واضحاً أن هناك بضعة أنفار لا يحبون الكويت, ويسعون بكل جهد لتدميرها, وجرنا في أتون لا أحد يعرف حدوده, يسعون لتقويض كل مكتسبات الشعب, كل ما حققه من نهضة, بضعة أنفار يسعون لتكفير الناس بالديمقراطية, بضعة أنفار استطاعو أن يرهبو الحكومة, ويقضوا مضاجع الشعب, ويحرموه من راحة البال.
جرأة وعدم إحساس بالمسؤولية, تتجاوز أدب الحوار المتحضر والمتمدن, إلى صراخ وفوضى, تشعرنا بأننا لسنا في دولة مؤسسات, ينظمها دستور وقوانين, بل في صحراء أو غابة, تشعرنا بأننا نتعرض لغزو من نوع آخر, نوع أخطر من الغزو العسكري, غزو من إسلام سياسي من داخل نسيجنا الاجتماعي, يسعى لفرض أجندته علينا بالترهيب.
قلنا وقال غيرنا منذ سنوات, أنه لا يجب التراخي مع جماعات الإسلام السياسي, والرضوخ لضغوطهم, لأنها ستؤدي بالبلد إلى الهاوية والانحطاط, فمنذ تنفذهم والبلد في إنحدار في جميع المناحي, التعليم والصحة والثقافة والرياضة, والسياسة, ووصل شعورهم بالتسيد على المجتمع, لدرجة طلبو من صاحب السمو الأمير تغيير رئيس الوزارة, والمطالبة برأسه بالاستخدام المتعسف للأدوات النيابية, والقادم أخطر, القادم المطلوب هو رأس البلد نفسها.
بلغ الاستقطاب القبلي والطائفي, مبلغاً خطيراً, فبعدما كان مستتراً أصبح علنياً وبصوت عال, وهم يعلمون علم اليقين أن نتيجة ذلك هو تدمير ما تبقى من أطلال البلد, يفعلون ذلك دون خوف أو وجل من قانون أو محاسبة, لأنهم أقوى من وزارة الداخلية وأقوى من النظام, أو هكذا يعتقدون.
هم أقلية في المجتمع, لكنهم استطاعو وضع خطوط حمراء مهددين الحكومة والشعب ومحذرين من تجاوزها, فالقبيلة خط أحمر, والسلف والأخوان خط أحمر, والتخلف خط أحمر, حتى استيقظنا في بلد مختطف مغتصب.
نحن نقول: الكويت خط أحمر, والدستور خط أحمر, والحريات خط أحمر, حرية التعبير والتفكير والمعتقد والأديان, كلها خطوط حمراء, ولن نسمح كشعب بالمساس بها, ونذكرهم بأن محاولات الماضي لم تنجح, ولن تنجح الآن أو في المستقبل بالمساس بمكتسبات الشعب الكويتي.
القادم أخطر إذا تم السكوت وترضية هؤلاء النفر, والدليل أن القوات الخاصة في وزارة الداخلية, لم تستطع منع الانتخابات الفرعية, بل تم الاعتداء على ضباطها وأفرادها ومخافرها, رحلت هيبة القانون لدرجة أن مجموعة مجرمة من الجنسية الكورية, اعتدت على رجال الداخلية, لأن مشهد الأحداث في الانتخابات الفرعية, كان مثالاً للجميع أنه لم تعد هناك هيبة واحتراماً للقانون.
لا أعلم كيف ستكون الكويت عليه عند نشر هذا المقال, لكن لو حل المجلس حلاً غير دستوري لا سمح الله, فإن الخطر سيزداد, وستدخل البلد في نفق مظلم لا مخرج له, وهذا ما يريده البعض, وسنضيع كشعب في متاهات الفساد, والتردي في جميع المجالات, وسيحقق هؤلاء أمنياتهم بالاستيلاء على الكويت.
البلد ياجماعة في خطر, ونحن فقط وبتكاتفنا نستطيع حمايتها.

Saturday, November 15, 2008

جناح الذبابة يشفي الأيدز؟





غزة- آفاق - خاص

قال باحث فلسطيني مختص في العلوم القرآنية إن إحدى أكبر شركات الدواء في العالم استفادت من حديث نبوي عن الذباب في استخلا
ص مضاد حيوي يعتبر الأقوى على الإطلاق في رفع مناعة مرضى الأيدز وتدمير كل أنواع الميكروبات. وقرأ الدكتور على المزين الحديث الذي رواه البخاري وقال: قال الرسول "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفا".
وشرح المزين الذي كان يحدث في برنامج بعنوان "لعلكم تتفكرون" على تلفزيون "الأقصى" التابع لحركة "حماس" في 19 سبتمبر الماضي، الحديث وقال "طبعا في هذا الحديث يتضح بوضوح تام أن الرسول يقرر حقيقة علمية واضحة بأن الذباب إذا وقع في الإناء فيجب على الإنسان قبل أن يشرب هذا الإناء أن يغمس الذبابة داخل المشروب ثم لينزعها وليشرب ذلك الشراب فإنه لن يضره.. لماذا يارسول ... لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء".
وذكر المزين أن كنيسة ألمانية قامت بدفع مبالغ طائلة لإثنين من العلماء لإثبات ان هذا الحديث ليس صحيحا، للطعن في الإسلام، إلا أن النتيجة التي توصل إليها العالمان بعد أخذهم عينات من أجنحة الذباب وتحليلها كانت مخالفة لتوقعات الكنيسة.
وقال المزين "خرج العلماء - أي أقصد العالمين - بنتيجة مذهلة فقالوا إن الذباب يحتوي في أحد جناحيه على كميات هائلة جدا جدا من أنواع البكتيريا التي يحملها عندما يقع على مخلفات الطعام المتعفنة وخلافه مما يتغذى عليه الذباب ... أما في الجناح الآخر فقد خلق الله له قدرة عالية جدا على حمل مضادات هذه الميكروبات".
وأضاف "وعندما سمعت شركة "باير" الدوائية وهي من أكبر الشركات الدوائية على مستوى العالم، عندما علمت بهذا البحث استفادت منه فائدة عظيمة إذ قامت بعمل مايسمى بالمزارع الحيوية التي يتم تربية الذباب فيها ليستخرج من أجنحتها مضادا حيويا يعتبر الأقوى على الإطلاق".
وذكر المزين أن هذا المضاد الحيوي هو عبارة عن كورس من خمس حبات يستعمل لرفع مناعة مرضى الإيدز، وتدمير كل أنواع الميكروبات التي يعانون منها. ويتساءل المزين "من أين اكتشوا هذا الدواء؟" ويجيب بقوله "من هذا الحديث".
(أنتهى الخبر)
ونتساءل لم يحتقرنا العالم! لأننا نسئ إلى أنفسنا بالجهل والكذب باسم الدين, لأننا لا نحترم ديننا, ونسئ إليه في كل مناسبة, ومنذ أن سيطرت القوى الدينية
على عالمنا العربي والإسلامي, وجرتنا إلى مجاهل التخلف, منذ أن تراخت الحكومات وتواطأت لتقوية نفوذهم.
هذا الباحث الجليل الدكتور المزين, يكذب كذبة كبيرة حين يقول أن جناح الذبابة يحتوي على مضادات حيوية, تقضي على مرض الأيدز, فالأيدز هو فيروس والمضادات الحيوية هي للميكروبات, فلا يتأثر الفيروس بالمضادات إطلاقاً, ويصر الباحث بالعلوم القرآنية على أن مرضى الأيدز مصابين بميكروب!!
ربما هو أعرف من علماء العالم الكفار, أو يظن بأن كل المسلمين والعرب جهلة ومغفلين, ويسهل الكذب عليهم.
وأنا أنصح لكشف كذب هذا الرجل وأمثاله, الدخول على مواقع شركة "باير", والشركات الأخرى لتبيان حقيقة الرجل, وخطر مثل تلك الترهات على العقول, وعلى سمعة ديننا.
أنا لا أفهم لماذا تدفع شركات مبالغ ضخمة لعلماء, كي يثبتوا عدم صحة حديث؟! هذا إن كانوا يعرفونه, لكنها عقليتنا المريضة التي تتوهم أن شعوب الكرة الأرضية تتآمر علينا, نعيش بالكراهية والأحقاد, ولا نتمثل بدين السلام والسماحة والمحبة
.

Saturday, November 8, 2008

الاستياء




تصلني العديد من الملاحظات, من القراء يعبرون فيها عن استيائهم الشديد, من أوضاع البلد, مما يدل على أن هناك نسبة كبيرة من الشعب صامت على غضب وامتعاض واحباط, وهذا الاستياء أصبح سمة عامة, وأختار احدى الرسائل التي أرسلها الأخ عدنان محمد, وهي بعنوان وطني سلمت للتخلف, لتنشر بتصرف.
* * *
مع الاعتذار الشديد للقصيدة الخالدة وللنشيد الوطني، لكاتبه ولملحنه ولمن رعاه ليكون بصمة مميزة لوطن كبير، ولكل فرد من افراد هذا الوطن ممن تمتد جذوره في هذه الارض الصبورة تجاة كل الناكرين لها والمنكرين لابناءها المخلصين ولكل النكرات التي تقتات من خيراتها بطفيلية لم نشهدها بتاريخ البشرية.
مناسبة هذا العنوان هو حدثان مرا علينا مرور الكرام كالعادة خلال الاسبوع المنصرم ، وان أخذ احدهما ردود افعال ولكن على ..... استحياء !!!!
شئ ما يثير الاستغراب من حالة الجمود والسلبية التى تنتاب أهل البلد الذين شهد التاريخ لهم حيويتهم وتفاعلهم مع الاحداث وصولا الى كل الانجازات الكبيرة في جميع المجلات بأيدي خلاصة أبناءه ممن حملوا الراية ليعلنوا للعالم بان هذه الارض هى ارض ولاَدة وهي بالتاكيد ارض مثمرة بكل المجالات التي تخدم وتؤثر ايجابا بالحياة الانسانية.
الحدث الاول: خبر من الاخبار المنوعة، ورد ضمن نشرة اخبار الساعة الثانية ظهرا عبر قناة دبي الفضائية، وهي بالمناسبة قناة تستحق المتابعة لما تتمتع من حرفية في المجال الاعلامي وتحضى بمتابعة عدد مؤثر من المتابعين *، القصد... الخبر نقله مراسل القناة لدى الكويت، كان الخبر يتعلق باحتفال اقيم لاختيار ملكة جمال الاغنام!!، ولم يوفر المراسل جهدا باستطلاع المشاركين من اصحاب الاغنام او الجمهور الغفير الذي حضر هذه التظاهرة (الثقافية)، فبدا ان مذيع القناة بدأ بابتسامة وانهى الخبر بعلامة استفهام علت محياه لبلد ترك كل المشاكل التي يئن منها ليتفرغ لمثل هذه الاحتفالية الانسانية، ولا يخفى على المتابع الفطن وغير الفطن سر تلك الابتسامه!! فغدونا كوميديا مواقف ساخرة على الفضائيات وما اكثرها منذ فترة ليست بقصيرة، تبدأ بحفلات الشتم بمجلس الشعب ولا تنتهي عند (عرضه)امام مبنى العدل والذي يعتبر رمزا من رموز هذا البلد بمناسبة حصول احدهم على حكم قضائي يعطيه كرسيا وثيرا يتشرف به بالمجلس ويقيل آخر.
الحدث الثاني: وهو مانقل عن قيام اللجنة التشريعية بمجلس الامه بالغاء قانون تجريم الانتخابات الفرعية، والدفع بعدم دستورية توزير كلا من وزيرتي التربية والاسكان بسبب ملابسهما!!!!! ، والخبر اسخف من ان نعلق عليه، فالشباب رئيس اللجنة والاعضاء لديهم مشكلة ما تجاه المرأة بشكل عام، و لكن لا يمكن تجاهله فهو يعطى اشارات واضحة لا لبس فيها للقادم مع الايام ان ظل التشريع بهذة الطريقة وبهكذا مواضيع هامشية لا تخدم بلدا ولا تلدا.
سيدي، يبدو ان لدينا مشكلة ما في البلد فمثلك خبير، الناس يا سيدي ليست مطمئنة لما يحدث، ومع احترامي الشديد لحجم التفاؤل التي تتسم بها مقالاتك بجريدة الراي، من ان هذا الشعب لا ولن يقهر ودروس التاريخ شاهدة للعيان، الا ان مزاج الناس ليست على ما يرام وهذا لعمري هو المؤشر الصادق لما يجري.
فنحن والله اعلم يبدو اننا وضعنا بقطار الموت وهو ينحدر بنا بسرعة كبيرة نحو المجهول، ولو انه لم يعد مجهول بل هو معلوم بامتياز فقصص التاريخ لا تختلف كثيرا حينما يتم قياسها على الحالات المشابهة، ولعل اوضح مثال لقصص التاريخ ما جرى في بلاد الاندلس بعد ان ضرب الفساد والفوضى اطنابه بتلك الدول فآلت الى ما آلت اليه.
سيدي .. هذه بلاد الشيخ عبدالله السالم ومن سبقوه ومن لحقوه، هذه بلد عبدالله الفضالة وعبدالعزيز حسين وعوض دوخي وحمد الرجيب، بلد خليفة القطان وخالد النفيسي وعبدالعزيز النمش وغيرهم كثيرون من الرجال الافذاذ الذين حملوها بين جنبيهم وفي عقولهم وقلوبهم، يبدو الآن ان هناك أناساً اضحوا في مقدمه الركب يتحدثون عن تاريخ لا نعرفه, ويدَعون وطنية ليس لهم شان بها وكأنهم اغراب يشرَعون للاغراب ويضفون شرعية لمن لا يستحقها، معروف كيف وجدوا وتنفذوا، ولا حول ولا قوة الا بالله.
هل من المعقول ان يكون لدينا على سبيل المثال فنان فذ كالفنان سامي محمد ذلك النحات الذي يشهد له الكثيرون، هل يعقل ان لا يكون له اي عمل فني بعاصمة القائد عبدالله السالم بدعوى التحريم؟ ، هناك تدمير منظم ومسح مقصود لذاكرة الوطن وتاريخه.. فهل يعقل ان يزال اسم حامل لواء التنوير والثقافة وهو علم من الاعلام شاء من شاء وابى من ابى وهو المرحوم حمد الرجيب، هل يعقل ان يزال اسمه من على مسرح وهو الاب الروحي للحركة المسرحية، وهو بالمناسبه مسرح موغل بالتواضع ولا يليق باسمه ... ولا يزج بالفاعل الى المسائلة والعقاب؟ هناك من يريد ويدفع لصياغة تاريخ جديد لحقبة جديدة وشعب جديد, جاؤوا مبشرين بالفوضى والفساد مقررين طمس تاريخ اصيل ليحل محله تاريخ مسخ!
الحال يا سيدي لا يدعو للتفائل، ولكن السؤال الكبير هو ........ هل دخل هذا الشعب في صمت اهل الكهف؟؟

المقهور / عدنان المحمد علي

*(
احصائية غير رسمية وغير موثوق

Sunday, November 2, 2008

المدونات واقع جديد




في ندوة برابطة الأدباء, تحدثت عن المدونات كعالم افتراضي, ومتنفس للشباب للتعبير بحرية عن مشاعرهم, وأفكارهم السياسية, دون كشف هويتهم أو جنسهم, وأصبحت هذه المدونات شائعة في الكويت, وحظي بعضها بشهرة بين المدونين.
أنا بدأت التدوين الإلكتروني متأخراً, وذلك في عام 2007م, لكني لاحظت بعض المدونات التي تعكس واقعاً جديداً, في التدوين والنشر, لم يعتده صاحب الورقة والقلم, ولم يعتده العمل السياسي, أو جماعات الضغط التقليدية, ففرضت هذه المدونات واقعاً جديداً, سياسياً وثقافياً واجتماعياً, وحتى في مجال الأعمال.
فالتعبير عن الموقف السياسي قديماً, كان يأخذ شكل المنشور, الذي يهرب بطرق مختلفة سواء في داخل البلد الواحد, أو تهريبه عبر الحدود لبلدان أخرى, لكن المدونات نقلت على صفحاتها الرأي السياسي ليصل إلى القارئ خلال ساعات أو دقائق, ويلاقي ردة فعل فورية, فالدعوة للاحتجاج والاعتصام قديماً, كانت تأخذ طرقاً كلاسيكية, أحدثها الهاتف, لكن مع المدونات أصبح التنادي شبه فوري, ونقل الخبر مصوراً سواء كان تصويراً فوتوغرافياً, أم على شكل فيدو أصبح آنياً.
ونعلم كيف ساهمت المدونات, بالدفاع عن الحقوق السياسية للمرأة الكويتية, والدفاع عن الحريات, وفرض تغييرات سياسية أساسية, مثل تقليص الدوائر إلى خمس, في حملة "نبيها خمس" الشبابية, فالمدونات أسقطت الحكومة ومجلس الأمة في ذلك الوقت, وأصبحت صوت الشباب, الذين كانوا يعتبرون أنفسهم مهمشين من قبل القوى السياسية التقليدية, متهمين هذه القوى بعدم خلق صفوف ثانية في العمل الوطني.
وتعكس الكثير من المدونات, وعياً سياسياً ناضجاً وجديداً على الساحة, وتقلب مفاهيم الأقلية والأغلبية, إذ تدعي القوى الظلامية أنها أغلبية في المجتمع, لكن بإحصائية بسيطة لمواقف المدونين, نجد أن الأغلبية لا تعني الوصول إلى البرلمان من الناحية الفعلية, وخاصة أن قوى التخلف تمارس طرقاً غير مشروعة للوصول إلى البرلمان, مثل الانتخابات الفرعية المجرمة قانونياً.
كما فرضت هذه المدونات, واقعاً ثقافياً جديداً, إذ ينشر في بعضها شعر جميل, وخواطر ومعان رائعة, قد تفضح ضعف بعض الأسماء الأدبية, لأنها تكتب بصدق بعيداً عن القلق الذي يسببه الرقيب والناقد على حد سواء, كما تسهم بشكل أكثر فعالية, بمعرفة الأدباء لرصيدهم الجماهيري, فكثير من المدونات أنشأها معجبون بأدباء, وينظم لها مئات وآلاف من الأعضاء, الذين يعبرون عن رأيهم بالكاتب, وهذا الأمر لا تتيحه وسائل الإتصال الأخرى, وهناك أدباء تضخمهم وسائل الإعلام دون أن يكون لديهم قاعدة من المعجبين, بيد أن المدونات شكلت إنصافاً لكثير من الأدباء, ووضحت حجم قرائهم ومعجبيهم.
ومن الناحية الاجتماعية, أصبح التواصل بين الشباب سهلاً, في مختلف الدول, وتشكلت صداقات مبنية على توافق الآراء الثقافية والسياسية, أو الاهتمامات بين الجنسين, خاصة في الدول المحافظة, التي يصعب فيها تلاقي الجنسين, فأصبحت دوائر الزمالة والصداقة أوسع, وتغيرت بذلك مفاهيم لكثير من الأمور التقليدية والمعتادة.
وحتى في مجال الأعمال, اعتمد كثير من رجال العمل على الإنترنت, والتدوين الألكتروني, والمؤتمرات الإلكترونية لتسيير أعمالهم, وتسهيل الاتصال والترويج.
قد يقول البعض أن المطلعين على الجريدة, أكثر من المطلعين على المدونات الإلكترونية, وهذا صحيح في الوقت الحالي, لكن الواقع الجديد يفرض ثقافة جديدة كل يوم, وبتسارع مذهل, إذ ينظم بشكل يومي آلاف من الشباب, لهذه التقنية, وقريباً سيكون لدينا واقعاً جديداً ومختلفاً عن الواقع الذي نعرفه, وهذا يشبه بالضبط التحول من الكتابة والقراءة على الورق, إلى الكتابة والقراءة الإلكترونية.

Monday, October 27, 2008

تشريع ضد الدستور




ما زالت قوى التخلف, تدفع بالبلاد إلى مزيد من الانهيار, وتجاوز الدستور والقوانين, ظناً منها أنها استولت على الكويت, وبدأت بتنفيذ أجندة الجهل والتخلف والرجعية, بتشريعات تقيد حريات المجتمع.
وأخيراً خرجت علينا اللجنة التشريعية البرلمانية, بتشريعات تخالف الدستور ومواده الأساسية المتعلقة بالحريات, وتكرس الفوضى والنظام القبلي, على حساب دولة المؤسسات, بإلغاء تجريم الانتخابات الفرعية للقبائل, وتفريغ الدمقراطية من محتواها, وضرب منجزات المجتمع, ومكاسبه التي حصل عليها منذ عقود, وأعلنت اللجنة بهذا السلوك أنها وصية على الشعب الكويتي.
وعندما يأتي أشخاص, اعتلوا كرسي البرلمان بطريقة غير شرعية, وبمخالفة صريحة للدستور والقوانين, والأعراف الانتخابية, ويشرعوا بجواز الجرم, ويحللوه رغم إدعائهم التمسك بتعاليم الإسلام, ويفرضوا بنفس الوقت على الشعب الكويتي حتى لباسه, فهذا يعني انهياراً للمبادئ التي اختارها الشعب لنفسه, وتحدياً لإرادته ومنجزاته, وتحدياً للرغبة الأميرية.
عمت الفوضى في هذا المجتمع الآمن, وأصبحت استهانة البعض حتى بالقضاء والمحكمة الدستورية, فهم يجيرون النظام المؤسسي لمصالحهم الخاصة, سواء كان نظاماً دمقراطياً, أو قضائياً, لكنهم ينقضون على هذه المؤسسات, عندما تخالف مصالحهم, وعند أول فرصة سانحة لهم.
دخلوا في النظام البرلماني لأغراض محددة, ليس من بينها التنمية أو الإصلاح أو التقدم, فهم أعداء التقدم والتنمية, كل غرضهم هو امتصاص خيرات البلد, من خلال المناقصات, العلاج بالخارج, وبتوظيف أصحابهم بمناصب قيادية, والاستيلاء على أملاك الدولة, واسقاط القروض.
كل مطالبة أو انتصار شعبي, يثير حنقهم وحفيظتهم, فانتصار الحركة الشبابية لتقليص الدوائر, وحق المرأة السياسي في الترشيح والانتخاب, ووصولها إلى الوزارة, كل ذلك يثير غضبهم, وحتى مطالبة الشعب بحقوقه, مثل إلغاء قانون منع الاختلاط, كلها أمور تخل بتوازنهم فيتهمون الشعب بالفسوق والفجور, وألفاظ أخرى خارج آداب الإسلام, لكن لا مانع من أن تنتخبهم المرأة سواء كانت محجبة أم غير محجبة, وتلك انتهازية وفساد أخلاق, ليس لهما علاقة بالإسلام, ولا بأي دين آخر.
يتفننون في تشكيل لجان, تعمل ضد حريات الشعب, وتفرض وصاية حتى على السلطة التنفيذية في الدولة, فتارة لجنة الظواهر السلبية الدخيلة, وتارة يتحايلون على اجتماع اللجنة التشريعية, لكي يصوتوا بالإجماع ضد مكتسبات الشعب الدستورية, هم فقط يستخدمون النظام الدمقراطي لكي يقوضوه, ويستبدلوه بنظام القرون الوسطى ومجتمع الجاهلية, فمال الدولة غنيمة حلال, وصوت الشعب الذي يرفض وصايتهم كافر.
أن قرار اللجنة التشريعية البرلمانية, بعدم دستورية توزير نورية الصبيح وموضي الحمود, لمخالفتهم ما أسمته ضوابط شرعية, فيه احتقار للمرأة التي لا تصلح برأيهم إلا للإنجاب والمطبخ, هذه المرأة الكويتية التي حققت إنجازات علمية, وفكرية وثقافية ونضالية لم يحققها بعضاً منهم, وقدمت للكويت أكثر مما قدم البعض من الرجال.
ولكن كل ما يفعلوه, هو محاولة فاشلة لإيقاف عجلة التقدم, وسلب المكتسبات الوطنية من الشعب الكويتي, كل ما يفعلوه هو فضح أدوارهم الرجعية أمام التاريخ, وكشف تآمرهم على حريات المواطنين, ومحاولة تجيير الدستور والنظام الدمقراطي لمخططات أحزابهم وجماعاتهم.
يقول الشاعر بديوي الوقداني:
الديك يذن لو عليه الجنابة والذيب ما يومن لوكان صاحبك.

Sunday, October 19, 2008

الأزمات لا أخلاقية




كنت بصحبة أحد الأصدقاء, الذي كان يستضيف احد المتخصصين الأجانب بالشؤون الاقتصادية, فسألت الضيف عن حقيقة أزمة انهيار النظام المالي في العالم, وانعكاس ذلك على بورصة الكويت, وحيث أنني لا أفهم بالاقتصاد, استمعت بشغف لحديثه, وحاولت استيعاب المصطلحات الاقتصادية, التي اعتبرها سمعي لغة هيروغليفية.
قال هذا الضيف, أن كل أزمة هي في الاساس أزمة أخلاقية, بدأ من الأزمات الاقتصادية, التي يسببها كبار المحتكرين, إلى الحروب, التي يقصد منها الاستيلاء على ثروات الشعوب الأخرى, إلى الأزمات الصحية والغذائية والبيئية التي يتسبب بها الفساد, إلى الأزمات السياسية, مثل ما هو حاصل عندكم في الكويت, والتي تديرها المصالح غير النزيهة, كلها بدون استثناء أزمات أخلاقية في الأساس.
وكأني وجدت نفسي, أتحدث إلى مصلح اجتماعي أو فيلسوف, لا رجل اقتصاد, فأردفت: وحتى الأزمات الزوجية, هي أزمات لا أخلاقية في الأساس, أما بسبب من خيانة, أو نزعة إلى السيطرة, أو على الأقل عدم احترام, فرد متشجعاً: بالضبط, الآن أنت تفهمني, إبحث في أي أزمة في بلدك, صغيرة كانت أم كبيرة, تجدها أزمة أخلاقية, سمي لي أي أزمة في مجتمعك, التعليم, الصحة, التنمية, البنية التحتية, الطائفية, القبلية, غياب القانون.. الخ, كلها في أساسها أزمات أخلاقية, قد تحمل مسميات مثل, الفساد, الواسطة والمحسوبية, الرشوة, التعصب, إلغاء الآخر, وعدم الإنتاجية أو الالتزام الوظيفي, مخالفة القوانين, تقييد الحريات, المخالفة والاستهانة بمواد الدستور, وحتى الجهل والتخلف يقودان إلى أزمات أخلاقية.
والمشكلة أحياناً, أن هذه الأزمات الأخلاقية ترتكب, تحت شعارات نبيلة, مثل الدمقراطية, واقتصاد السوق الحر, والدين, والدفاع عن العالم الحر.
استثارني تعبير (الأزمات ترتكب) فسألته: هل الأزمة ترتكب عن عمد؟ قال: طبعاً, وهذا يقودنا إلى سؤالك الأول, عن الأزمة المالية الأمريكية.
أنت تعلم أنه تجرى في الولايات المتحدة في هذه اللحظات, حملات لانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة, قلت: طبعاً, فأكمل: وفي الحملة تستخدم كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة للفوز, وقد علم الحزب الجمهور أن أكبر بنكين عقاريين في أمريكا, كانا يقدمان قروضاً عقارية, بلا ضمانات كافية, ولكن بسعر فائدة كبير, لكي تصب بونصات أكبر في جيوب أعضاء مجلس إدارة البنكين, ولأن أعضاء مجلسي البنكين, كانوا يتبعون الحزب الدمقراطي, الذي يمثله الرئيس بوش, عمل مرشح الحزب الجمهوري, على فضح هذه الممارسة, التي تضر بالاقتصاد الوطني, ولما أثار هذا الأمر استياء الناس, قام بوش بإعلان إفلاس البنكين, أي اتخذ إجراءً سياسياً, بدلاً من الاعتماد على رأي خبراء الاقتصاد, وقاد هذا الانهيار انهيار لآلاف البنوك والشركات المرتبطة, وانعكست هذه الأزمة على جميع أنحاء العالم, فهل رأيت؟ الأزمة أخلاقية بالأساس, غرضها الكسب السياسي, على حساب اقتصاد ومصالح الأمة.
سألته, وماذا تعتقد سيكون مستقبل هذه الأزمة على الاقتصاد الكويتي؟ قال: الاقتصاد الكويتي أفضل من غيره, والبنوك الكويتية تتشدد في ضمانات الاقتراض, ولكن المشكلة هي في الاجراءات الحكومية لحل هذه الأزمة, فقد فعلت مثلما فعل بوش في البداية, وقبل مشروع الكونغرس, قامت بإجراء سياسي وليس اقتصادي, فبدلاً من أن تدعم البنوك, وهي عمود هام من أعمدة الاقتصاد, قامت بدعم الشركات, مما يعوض كبار المستثمرين, ويضر بصغارهم, بينما يجري التفكير في أوربا بتأميم بعض البنوك.
قلت ممازحاً, وكأن ماركس يمد لسانه من قبره شماتة, فاكتفى بالابتسام, وتذكرت كم لا أخلاقية هي الرأسمالية, إذ قامت بعض الشركات في الكويت, بطرد بعض موظفيها وسلبهم حقوقهم, بطرق ملتوية, جراء أزمتها فتحول بعض أصحاب الشركات إلى وحوش.
فهل أزماتنا هي أزمات أخلاقية في أساسها, هذا يجعلني أفكر قليلاً.

Sunday, October 12, 2008

ظواهر سلبية




أستغرب من غياب لجنة الظواهر السلبية الدخيلة, عن ظواهر في منتهى الخطورة, بدأت تنتشر في المجتمع الكويتي, وتؤثر على الأمن الاجتماعي والنفسي للمواطن, وخاصة لدى الأطفال.
فمسلسلات وبرامج شهر رمضان, التي تعد انعكاساً ومثالاً واضحاً على الانحطاط الثقافي, بدأ يتضح عام وراء عام, فقد تضمنت بعض المسلسلات مشاهد خطيرة, عن عمل السحر والشعوذة, وإخراج الجن من ظفر الإنسان, وكانت حصيلة هذه المشاهد المتدنية, أن أصيب مجموعة من الأطفال بحالة هلع ورعب وكوابيس, تطلبت جهداً كبيراً لمعالجتهم, أو التخفيف من تأثيراتها عليهم, ناهيك عن أن هذه الأعمال تكشف تخلف المجتمع الكويتي, واهتماماته, وكأنه لم يعد هناك أعمال درامية ناضجة لكتاب كويتيين, وكأننا نعيش في كويت لا نعرفها.
كما انتشرت خلال رمضان, البرامج التي تشوه وتسخر من الشعوب العربية الأخرى, وهي ظاهرة تخلق العداء بين الشعوب الشقيقة, عرضت هذه البرامج دون إحساس بالمسؤولية, أو دون إدراك لخطر الإحتقان الإقليمي, الذي يتطلب نشر ثقافة السلام والمحبة, أليست تلك ظاهرة تستحق الإهتمام من لجنة قمع الحريات؟
والظاهرة الأخرى الخطيرة والسلبية, هي المعارك الشبابية التي حدثت في المجمعات التجارية, أثناء العيد, والتي تطورت إلى التهديد بالأسلحة النارية, وأيضاً ظاهرة التحرش الجنسي الجريئة, دون خوف من رادع قانوني, وكذلك تنامي ظاهرة التعصب والنخوة القبلية, على حساب مجتمع المؤسسات المدنية.
وظاهرة أخرى خطيرة وسلبية وجريئة, يمارسها بعض أعضاء مجلس الأمة, مثل طرح مشروعات بقوانين للاستيلاء على المال العام, وأملاك الدولة, وظاهرة سلبية أخرى بدأت تتنامى, وهي ظاهرة العنف الطلابي أثناء الإنتخابات, ولعلها إنعكاس لما يحصل في المجتمع.
هذه الظواهر الخطيرة, ذات الإنعكاسات المدمرة لمجتمعنا, لا تعني للجنة الظواهر السلبية شيئاً, بل ثبت بأن هذه الظواهر, بدأت منذ أكثر من عقدين, وتحديداً بعد سيطرة التيارات المتأسلمة, وسعيها لكبت الحريات, ومنع وسائل اللهو البرئ للشباب, هذا الكبت هو ما يولد الإنفجار, حسب الحقائق العلمية والفلسفية, هذه القوى هي التي سمحت ونشرت ثقافة السحر, في معارض الكتب والمحطات الفضائية, وحاربت الأدب والأدباء والمفكرين, وما زالت في حرب دون كيخوتية مع التكنولوجيا والتقدم العلمي, وبودها إلغاء الانترنت بصفته ظاهرة سلبية, ولم تعمد هذه القوى إلا لنشر الطائفية المدمرة, والعصبية القبلية, التي كان من أبرز مظاهرها السلبية, العنف والشغب وتحدي رجال الأمن وقوانين البلد, معتبرة أن القبيلة فوق الوطن, ونذكر أن أحد أعضاء لجنة الظواهر السلبية استعان بالنخوة القبيلية عندما حوصر من قبل مناقشات الجمهور في إحدى الندوات.
دافعوا عن سرقات المشاريع التنموية, التي تعد بمئات الآلاف من الملايين, وجاهروا بعدائهم للدستور, وعزمهم على نسف مواده, وخاصة المادة الثانية منه, ركزوا عدائهم على الفرح وحريات الناس, وتقدم العلم, وتركوا مسلسلات السحر والشعوذة, تدمر في النشئ, باركوا العنف والإرهاب بأنواعه, وحاربوا تسامح الإسلام مع الأديان الأخرى, أصيبوا بتخمة الغرور لظنهم أنهم أصبحوا أكثرية, ولاعتقادهم بأنهم استطاعوا تغيير مجرى التاريخ, ونسوا أن هذا الشعب وإن صمت طويلاً فهو لا يقهر, ألغوا الآخر بتعنت, وبالغوا برؤيتهم الشمولية, نشروا الجهل والتخلف والفساد, ومنعوا حرية التفكير والتعبير, حتى ضحكت علينا الشعوب المجاورة.

Sunday, October 5, 2008

قصة داوود 2 من 2




لم يكن من السهل نقل تمثال داوود, رائعة مايكل أنجلو, من الورشة إلى ساحة بيازا ديل سنيوريا, مركز مدينة فلورنسا الحضاري, فالتمثال ضخم يبلغ خمسة أمتار طولاً, منحوت ببراعة لا تماثلها براعة عبر تاريخ فن النحت.
كان نقل التمثال الضخم, مهمة صعبة, خاصة أثناء مروره في أزقة فلورنسا الضيقة, لكن مايكل أنجلو وبعض أصدقائه العباقرة, بنوا حوله قلعة صغيرة, وحبال ورافعات لهذا الغرض, واستغرقت رحلة داوود أربعة أيام, ولكي يتجنبوا أعمال التخريب من قبل المتطرفين, حرس التمثال ليلاً ونهاراً, وعلى مدار الساعة, بواسطة حرس خاص, ومع ذلك تعرض التمثال إلى قذف الحجارة, من قبل بعض الصبيان الذين تم تحريضهم, ولكن السلطات سجنتهم لعدم احترامهم للفن.
وفي الثامن من يونيو عام 1504م, وصل "العملاق" كما أطلق عليه الفلورنسيين, أعتاب ساحة سنيوريا, لكنه لم يرفع على قاعدته الرخامية, ويعرض أمام الشعب الفلورنسي, حتى الثامن من سبتمبر في نفس العام, وفي احتفال ضخم تجمع الجمهور في الساحة, مذهولين من الجمال العاري, الذي لا يشبه شيئاً رؤوه في السابق, وكان التمثال ذو النظرة الواثقة والحازمة حتى ذلك الوقت, يربط مع قصة داوود في الإنجيل, كانت تلك النظرة تمثل قوته البدنية والأخلاقية.
ولكنه لاحقاً جسد في خيال الفلورنسيين, نموذجاً للفضيلة الحضارية, وتحذيراً لأعداء الحرية, وأكد الأكاديميون بالإجماع على القيمة الحضارية لداوود, وربط البعض بينه وبين أفكار دانتي, والبعض بأفكار أفلاطونية, ولكن معظم الأفكار كانت تصب على ما يمثله داوود النبي, المدافع عن الإيمان والعدالة, إضافة إلى ما يمثله هرقل, من القوة البدنية والذكاء.
لكن بعد محاولات التخريب, التي حرض عليها المتخلفين والمتعصبين, في عام 1527م, أخذ الدوق كوزيمو على عاتقه مهمة إصلاحه عام 1543م, ماخذا بالاعتبار الأهمية الكبرى للتمثال بالنسبة الشعب, وقد يبدو غريباً أن العاهل الذي اضعف قوة المؤسسات الديمقراطية للجمهورية, وحتى بانعكاساتها الفنية, يهتم بترميم التمثال, كما تحدث بتقدير عن مايكل أنجلو وكل الفنانين والمفكرين, لكنه كما قيل كان يمارس استراتيجية سياسة منافقة, بسبب من سطوة الفن وتأثيره على شعب الجمهورية الفلورنسية, إذ لا يمكنه إيقاف عجلة التقدم والتاريخ, ومن ذلك الوقت تمت الإشادة بتمثال هرقل وبقية التماثيل, حتى أن كوزيمو قام بنفسه بمقارنة عمل حكومته, بالجهد المبذول في نحت الأبطال الأسطوريين, ولم يعمد أو يجرؤ على إبعاد داوود وما يمثله من مبادئ حضارية, من المكان الذي اتخذه سكناً خاصاً له لاحقاً, بل نصب نفسه كمصلح للتنمية, ولثقافة وحضارة السلام, ولكنه في نفس الوقت أعاد توزيع التماثيل قرب داوود, حتى يقلل من قيمته المؤرقة له.
بعد تعرض التمثال لعوامل الطبيعة على مر القرون, وفي منتصف القرن الثامن عشر, لوحظ تأثر رخام تمثال داوود, فتقرر نقل التمثال إلى أكاديميا دللا بيلي آرت, في عام 1882م, حيث كان المكان مغطى, بمبنى من طراز عصر النهضة, وتم تكليف أحد الفنانين, بصنع نسخة مشابهة لكي توضع مكان داوود الأصلي, لكن لم يحظى تمثال آخر منسوخ بما حظي عليه هذا التمثال.
وعلى الرغم من أجواء التحضر والدمقراطية, التي سادت عبر العصور, إلا أن عقلية الجهل والتخلف والتخريب, ظلت موجودة عن بعض الشاذين, ففي عام 1991م, قام مهووس بمهاجمة التمثال بمطرقة, وكسر الأصبع الكبير للقدم اليسرى للتمثال, ولولا سطوة الفن, لما حمل معه كل هذا الحب وهذه الكراهية والخوف.
لكن أثبت التاريخ, فيما لا يدع مجالاً للشك, أنه مهما طالت عصور الظلام, ومحاربة الدمقراطية, والجمال والفرح الإنساني, سيأتي يوم قريب بمقياس التاريخ البشري, يجرف فيه القبح والتخلف, ولن يبقى غير التقدم وحلم البشرية بالسعادة والرخاء.

Sunday, September 28, 2008

قصة داوود 1 من2




استغرقني الدخول إلى متحف غاليريا دلا أكاديميا, ساعة وأربعين دقيقة, في طابور طويل يضم جنسيات ولغات مختلفة, فقط لمشاهدة تمثال داوود الأصلي في فلورنسا, ويعتبر تمثال داوود, رائعة مايكل أنجلو, أكثر الأعمال الفنية كمالاً, من الناحية الفنية والجمالية, عبر كل تاريخ فن النحت.
ويظن معظم الناس, أن مايكل أنجلو قصد به النبي داوود, ولكن كان الهدف الحقيقي من هذا العمل كان سياسياً.
كان في الأصل كتلة ضخمة من الرخام الأبيض, تابعة لأوبرا دل دومو في فلورنسا, حفرت من الجبل لنحت داوود, وعرض العمل مبدئياً على النحات أوغستينو دي دوتشيو عام 1462م, ثم لاحقاً للنحات أنتونيو روسيلينو عام 1476م, لكن الاثنين تراجعا جزعاً, أمام هذه الكتلة الضخمة, التي تحتاج إلى تقنيات هائلة وجهود كبيرة, كانت كتلة الرخام غير صماء, بل كانت تحوي مسامات, وفوق ذلك كانت طويلة ونحيفة, تصلح لجسم نحيف من تماثيل العصر القوطي, أكثر منها لجسم عضلي والذي يمثل عصر النهضة.
وعرضت الكتلة على العبقري ليوناردو دا فنشي, فاعتذر لصعوبة التنفيذ, فظلت الكتلة منسية في باحة أوبرا دل دمومو الخلفية حتى عام 1501م, حيث كانت تلك السنوات حرجة على جمهورية فلورنسا, فقد نفيت أسرة المديتشي عام 1494م, ودعت المثقفين والفنانين والأدباء والمفكرين للوقوف مع حكومتها.
وأخبر مايكل أنجلو بواسطة صديق, عن كتلة الرخام, وفكرة التمثال وهي عودة فلورنسا وحكم المديتشي, فقبل أنجلو هذا التحدي, وخاصة أنه كان يريد قياس موهبته, أمام فناني جيله الأفذاذ, وخاصة الشباب الذين فشلوا بالتعامل مع هذه الكتلة, فقاموا ببتر أجزاء منها, ثم توقفوا, كل ذلك شكل تحد حقيقي لمايكل أنجلو.
وخول أنجلو رسمياً في 16 أغسطس 1501م, وبدأ المشروع فوراً, وفي بداية سبتمبر, بدأ الفنان باختبار صلابة ونوعية الكتلة, وفي أوكتوبر بني حاجزاً خشبياً حول الكتلة, وسقالة.
كان تقدمه في العمل سريعاً حتى 25 يناير 1504م, وبعد أكثر من أربع سنوات كان داوود, التمثال الضخم مكتمل عملياً, وحظى العمل بفضول وتقدير مواطنيه, أما لجنة الفنانين التي كانت تعرف كيف كانت الكتلة, وصفته وكأنه نهض من الموت.
لكن التمثال أثار غيرة وانتقادات منذ البداية, من قبل المتعصبين والمخربين.
ويذكر جيورجو فاساري, في كتابه الذي خصصه لمياكل أنجلو, في ظل الإطراء والتمجيد الذي حصل عليه أنجلو, أن بيير سوديريني أعاب على التمثال بأن قال أن أنفه كبير جداً, وتظاهر بأنه سيعدل هذا الأنف بأزميله, وصعد السقالة, وفي هذه اللحظة نثر أنجلو بعض غبار الرخام الذي كان يخفيه بيده, فابتعد سورديني عن التمثال, وهنا قال أنجلو:" والآن ما رأيك؟"
بعدها تم قبول العمل, وقدمت للفنان اربعمئة سكودو على هذا العمل الإستثنائي, ودارت نقاشات حول أفضل موقع له, ولم يكونوا يرغبون بوضع هذا العمل الرائع, أمام جدار, حتى وإن كان جدار الدمو, وتشكلت لجنة من أشهر فناني العصر, ولكن ليوناردو دا فنشي العجوز, اقترح وضع التمثال في ساحة لوجيا دلا سنيوريا, أمام جدار يطلى بلون داكن, لكي يبرز بياض الرخام, كانت هذه هي فكرة دا فنشي التي يطبقها على أعماله في الاستوديو الخاص به, لكنها لم تكن فكرة مايكل أنجلو, فداوود نابض بحياة, ولم يخلق ليوضع أمام جدار أسود, ككنيسة بائسة.
رغم أنه لم يتم إدخال أنجلو في اللجنة, إلا أن صوته وصل عبر الفلورنسيين الذين أطلقوا على داوود "العملاق", ووضع في ساحة دل سنيورياً, في القلب الحضاري لمدينة فلورنسا.
وفي المقال القادم سأذكر كيف تم نقل تمثال داوود الرائع, على مدى أيام والصعوبات التي واجهتهم.

Sunday, September 21, 2008

مشاهدات




كانت زيارة قرية سان جمنيانو ضمن مخططي, وهي قرية قديمة على قمة جبل بمنطقة تشانتي في مقاطعة توسكانيا الجميلة, وتطل على حقول عنب شاسعة, وقد اكتمل بناءها في القرن الحادي عشر, ومعمارها مازال على طراز القرون الوسطى, وقد كانت تعتبر معبراً تجارياً بين روما وفلورنسا في العصور الوسطى, ثم إلى سائر أوربا في السنوات اللاحقة.
سان جومنيانو قرية مليئة بالمفاجآت, ويمكن رؤية أبراجها العالية من بعيد, وكأنها منارة للمسافرين, وتحيط بالقرية أسوار عالية تجعلها تبدو كقلعة من قلاع الماضي, وعند الغروب تبدو كقلعة تحترق, وتبدو مثل قصص الخيال عندما يرتفع القمر بين ابراجها, وكل أزقتها الضيقة مرصوفة بالحجارة منذ ذلك الزمان, وتنتشر الحوانيت والمقاهي في هذه الأزقة, وأزقتها تفضي إلى ساحات صغيرة, يعرض الفلاحون فيها منتجاتهم المختلفة, التي يصنع بعضها يدويا, وبعضها بأدوات قديمة لكن ذكية, مثل عجينة المكرونا والحلويات وأنواع الأغذية المختلفة, إضافة إلى المشغولات اليدوية.
والقرية مكتظة طوال العام بالسائحين, ولكل فصل من فصول السنة فيها ميزته وجماله, مزدحمة لدرجة أنك قد لا تحصل على موقف لسيارتك في المواقف العامة بسهولة, لدرجة أن الأكتاف تتصادم في الأزقة, وتنتظر دورك للجلوس إلى مقاهيها التاريخية الجميلة.
وقد التقيت بسائحين إنجليز وأمريكان, درسوا تفاصيل القرية في بلدانهم قبل أن يزوروها, سواء في الإنترنت أو من خلال الكتب والفيديو, بل اكتشفت أن البعض يؤجر من خلال الإنترنت, دليلاً أو مرافقاً سياحياً يشرح لهم التفاصيل الجمالية والتاريخية, وهذا تكرر معي في معظم الأماكن التي زرتها, وأعجبت باهتمام السائح الأجنبي, وحبه للتعلم من الثقافات الأخرى, بينما لنا اهتمامات أخرى أبرزها التسوق, والاستهزاء بالشعوب الأخرى وعاداتهم.
هناك تفاصيل كثيرة في هذه القرية الصغيرة, وقد لا يكفي يوماً كاملاً لاكتشافها أو التعرف عليها, لكنها بحق تستحق اهتمام السائحين بها, وهي وسينا وتشيانتي في توسكانيا.
وزرت عدد من القرى والمدن الإيطالية, لكني وقعت في حب مدينة فيرونا, وهي مدينة صغيرة ساحرة في شمال إيطاليا, فيها عدد كبير من المعالم الأثرية والثقافية, فيها الأرينا arena, وهو عبارة عن مسرح روماني كبير, تعرض به الأوبرات المشهورة, مثل كارمن وعايدة, التي اضررت للتأجيل يومين في المدينة لحضورها, وقد كان عرضاً رائعاً, أخرج بطريقة فخمة, إذ من المعروف أن أوبرا عايدة تعتبر من أطول الأوبرات, قد تصل مع الاستراحات إلى أربع ساعات, وكنت محظوظاً بحصولي على كرسي في الصفوف الأمامية.
والسائحون يحجزون لحضور الأوبرا مسبقاً, وغالباً عن طريق الإنترنت, وبعض الأوربيين يأتون ليلة واحدة من بلدانهم وخاصة القريبة مثل سويسرا, لحضور هذه الأوبرات, خاصة إذا علمنا أن القيادة سهلة دون قيود حدودية, أو تعطيل.
والأرينا تقع في ساحة كبيرة جميلة, تنتشر بها مقاهي شهيرة ونوافير, ويتفرع من هذه الساحة عشرات الأزقة المليئة بالمقاهي الصغيرة.
ويزور المدينة ملايين السائحين من مختلف دول العالم, سواء لحضور عرض فني, أو لزيارة بيت جولييت وشرفتها الشهيرة, حيث يتزاحم العشاق للتصوير فيها أو تحتها, كما تزدحم حوائط المدخل بالكتابات من جميع اللغات, لكنني لم أجد كتابة عربية, مع أن العرب "حبيبة", لكني يبدو أن الزواج ينهي الحب عندهم, كان هناك أزواج من مختلف الشعوب كبار بالسن, يبدو حبهم كبيراً لبعضهم.
وقد لا يعلم البعض أن قصة روميو وجولييت, قصة الحب المأساوية, كتبت كرواية على يد ماثيو باندللو في القرن الرابع عشر, لكن عبقرية شكسبير الذي كتبها بين العام 1595 و1596, ونشرت عام 1597م هي ما جعلها عملاً خالداً.
في فيرونا تفاصيل جميلة, قلاع وحدائق وأزقة, وفن على ناصية كل الطرقات والساحات.


Sunday, September 14, 2008

رحلة التعلم




في إجازاتي أحاول دائماً التعلم, فالسفر فرصة مميزة للتعلم والاكتشاف, ولذا أختار إيطاليا كمحطة لأنها بلد تتسم بالثراء الثقافي وكما يقال أنها بلد غني فقير, وبلداننا فقيرة غنية, لذا تستقطب إيطاليا ملايين السائحين على مدار العام, والذين يأتون من جميع أنحاء الأرض للاستمتاع بمخزونها الثقافي, ولو زارها الإنسان عشرات المرات فلن يوفيها حقها, هذا إذا كان يبحث عن الثقافة والفن, وليس التسوق.
كان لدي خطة أعددتها مسبقاً وبعناية, بعد بحث في الإنترنت عن القرى والمدن والمعالم والمتاحف وصالات الفنون التشكيلية وعروض الأوبرا وغيرها, لكني وجدت نفسي أخرج عن الخطة التي رسمتها لرحلتي, وذلك لمزيد من الاكتشاف والتعلم.
وما ساعدني على التعلم أكثر بضعة أمور, منها أنني قررت استئجار سيارة للتنقل بين المدن بدلاً من القطار, مما أتاح لي المرور ورؤية عشرات القرى والمدن الصغيرة والكبيرة, إضافة إلى المناظر الطبيعية, من جبال ووديان وأنهار وبحيرات وحقول, والحديث مع أكبر عدد من الإيطاليين الودودين والكرماء, ومقارنة سلوك الأوربيين بسلوك المهاجرين كالعرب والأفارقة, الذين يعملون في أحط المهن بما فيها القوادة والدعارة, أو عمال رخيصين في الفنادق والمطاعم, و يختص الأفارقة بالأعمال غير الشرعية, كبيع بضاعة مسروقة أو مغشوشة, وليس علينا أن نتساءل لماذا يكرهنا الغرب, ما دمنا نمثل أدنى الفئات وأدنى سلوك, لا يحق لنا القول بأنها مؤامرة على العروبة والإسلام, فنحن المتآمرين على أنفسنا.
لكن عندما يتعرف الإيطالي عليك جيداً, ويسمع منطقك, واشتراكك معه في الأخوية البشرية, يبدأ باحترامك, وقد فوجئت في أحد الأيام بهدية جميلة من مدير الفندق, تعبيراً عن الصداقة والاحترام, لكن مثله مثل بقية شعوب العالم, لديه فكرة مسبقة عن العربي والمسلم, والتي نكرسها بكل فخر وكل يوم في بلدان العالم.
وما ساعدني أيضاً على زيادة فرص التعلم, هو أنني اخترت الطرق الريفية والجبلية الضيقة بدلاً من الطرق السريعة, وهذا أتاح لي رؤية التاريخ ومظاهره, ورؤية الطبيعة, واختيار المحطات التي أتوقف بها, وأتعرف على سكانها, والاقتراب من الناس والثقافة, وبالنسبة لي كان ذلك من أجمل فرص التعلم.
وما ساعدني أيضاً جهاز GPS أو Navigator أو جهاز الملاحة, هذه التقنية التي كنت أجهلها, لكني تعلمتها واستفدت منها كثيراً, ولأن الجهاز يعمل على الأقمار الصناعية, وهناك تحديث سنوي للخرائط, عمل الجهاز بدقة متناهية, واستطاع إيصالي إلى الأزقة الضيقة التي يصعب اكتشافها على الخرائط العادية, ودلني على مطاعم صغيرة منزوية في الجبال لاتوجد على الخرائط, وقرى نائية سياحية وغير سياحية.
لكن في جميع الأماكن السياحية والساحات, هناك دائماً دوريات شرطة لحماية السائحين من عمليات النشل وغيرها, وتوجد أيضاً سيارات اسعاف ومسعفين, وما لاحظته أيضاً أن المكتبات تفتح حتى الثانية عشرة منتصف الليل وهي مكتظة دائماً بالناس, بينما المطاعم تغلق في أغلب الأحيان قبل هذا الوقت.
كما أن جميع المنتجات هي إيطالية التي تحرص على استقطاب السائحين والاستثمارات, لتحقيق رخاء الشعب, عكس بلادنا الطاردة للاستثمار ورؤوس الأموال والسياحة.
وأخيراً لو كانت لجنة الظواهر السلبية في إيطاليا, لاعتقلت جميع الإيطاليين وجميع السائحين من الدول المختلفة, ولأعادت أوربا إلى عصور الظلام.

Sunday, September 7, 2008

الخيميائي 5 من 5




قبل أن يصبح كلينتون رئيساً للولايات المتحدة, طلب من أحد المعالجين بالتنويم تعليمه كيفية مخاطبة الجماهير, والتأثير فيهم, وهذا ما حدث فقد كانت الدعاية الانتخابية مؤثرة وجاذبة للجماهير, فالسر يكمن دائماً بالبدايات.
ونذكر خطبة مارك أنتوني في رثاء يوليوس قيصر, بعد أن سمح له بروتس بها لكن بروتس لم يكن يعلم أن مارك انتوني, سيغير التاريخ في أربع كلمات فقط, إذ قال:" أيها الرومان, يا أبناء وطني, أسمعوني, أعيروني آذانكم", وفي هذه اللحظة دخل الجمهور في غشوة تنويمية, فالبدء بكلمة عاطفية أو بصوت تنويمي, كفيل بتنويم الناس والتأثير عليهم, وفي الواقع من يقرأ مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير, لا بد وأن تشده هذه الخطبة الذكية ذات الإيحاءات والمجازات المبهرة, التي أقامت حرباً أهلية أستمرت لسنوات, بين أنصار أوكتافيوس ومارك أنتوني وبين أنصار بروتس, كانت نتيجتها أن أصبح مارك أنتوني شخصية هامة في التاريخ, ويذكره الناس أكثر مما يذكرون النبيل بروتس, أو قيصر الذي قال:" vini vidi vichi "أتيت, ورأيت, وغزوت".
وفي علم التنويم والعلاج به, يعتبر الكلام أو الإيحاء والمجاز والصوت من أهم العوامل التي يرتكز عليها العلاج الناجح, فإذا استخدمنا الحكاية في التربية ستشكل شخصية الطفل حتى يكبر مثلما حدث مع بوشكين الذي كان يستمع إلى حكايات مربيته, فشكلت شخصيته وكل أشعاره, ومعروف أن الشاعر الروسي العظيم بوشكين غير اللغة الروسية القديمة إلى اللغة الحالية, كل ذلك سببه تأثير الإيحاء والمجاز.
نعلم جميعاً أن كليلة ودمنة كتبت في العصر العباسي الأول, والحوارات فيها على لسان الحيوانات, مما يعطي المجاز قوة أكبر, وحتى في العلم الحديث يقال أن أفضل معلم يجيب على أسئلتنا في عقولنا الباطنة, هو الشخصية الكرتونية أو حيوان أليف.
الخيميائي أو Alchemist هي رواية عالمية للكاتب البرازيلي بولو كوللو نشرت بالانجليزية عام 1993 وهذه الرواية التي بيعت بشكل واسع, بنيت أساساً على المجاز, أو الحكمة, وهي حكاية صبي راعي أغنام حلم بكنز قرب الأهرامات المصرية, وذهب بحثاً عنه, وأثناء رحلته قابل رجال حكماء, تعلم منهم الكثير عبر الحكمة والمجاز, تعلم منهم مهارات أو أسرار الكون من خلال الحكايات, هذه الرواية الآسرة عبارة عن نص تنويمي, حول كيف يسير الإنسان إلى مصيره أو هدفه بالحياة, وحول أهمية الإصرار لتحقيق الهدف, برسم الهدف في العقل الواعي وجعل العقل الباطن أو قوى الكون تحققه, وكيف أن العيش بحد ذاته هو تحقيق للهدف, وذلك بالتعلم فنحن نعيش لنتعلم, ونتعلم كيف نعيش.
الرواية مليئة من أولها إلى آخرها بالمجازات والحكايات والحكم, ولكني سأذكر مثالين منها, الأول أن الصبي الراعي قابل حكيم لكي يعلمه سر الحياة, وكان الرجل الحكيم يعيش في قصر جميل مليئ بالتحف والسجاد الثمين, فطلب من الصبي أن يمسك بملعقة بها نقطتين من الزيت وقال له تجول في القصر وشاهد التحف وعد لي بعد ساعتين ولكن حاذر على الزيت كي لا يندلق من الملعقة, وعندما عاد بعد ساعتين سأله الحكيم: ماذا شاهدت, أجاب الصبي كان كل همي المحافظة على الزيت, فلم أر شيئاً, قال له الحكيم إذهب مرة أخرى وشاهد كل تحفة وعد ثانية, ذهب الصبي وعندما عاد شرح للحكيم ما شاهده, فقال له الحكيم ولكن أين الزيت؟ سر الحياة أن تشاهد كل روائع العالم دون أن تدلق الزيت أو تنساها.
المجاز الثاني, أن الصبي ذهب إلى عراف وطلب منه معرفة مستقبله, فقال له العراف: لماذا تريد معرفة المستقبل؟ فإن كان مستقبلك جيداً فلن تعمل اليوم, وإن كان سيئاً فستظل قلقاً وحزيناً منذ اليوم, فقط عش يوماً بيوم.
أعلم أن موضوع الإيحاء في الأدب يحتاج إلى بحث كبير, والكثير من الكتابة, لكن للعلم لا توجد أي كتابات عربية أو أجنبية تناولت موضوع العلاقة بين الأدب والتنويم.

Sunday, August 31, 2008

شكسبير 4 من 5




يقول شكسبير على لسان هملت:" لايوجد شيء حسن أو شيء سيئ ولكن عقولنا تجعله كذلك", وهذا الإيحاء والمجاز يمكن استخدامهما للعلاج والتغير, وقد استخدمته كثيراً لمساعدة عملائي على التغير, ومن هنا تأتي قوة تأثير الأدب, فكل شيء يبدأ بفكرة تتحول إلى فعل يتحول إلى عادة تشكل نمط شخصية وإذا عرفنا نمط الشخصية نعرف مصير ومستقبل الشخص.
عندما كنت في الابتدائية حاول بعض الصبية ضربي, ففوراً بدأت باخبارهم بقصة خيالية, ولا أعرف كيف تفتق ذهني عنها فدخلوا في غشوة تنويمية, وتغير بؤبؤ العين وانشدوا بجمدة, ومن حدث لحدث ومن شخصية لأخرى, حتى رن الجرس فتوقفت عن الحكاية, فألحوا أن أكمل فقلت لهم غداً أكمل, وفي الغد أتوا في الاستراحة فأكملت لهم رغم أني لا أعرف ماذا أقول لكن شيء يجر شيء, فأدركت أن لدي سلطة ولا أحتاج للعضلات.
وفي العطلة الصيفية, كان والدي رحمه الله يجعلني مسؤولاً عن أخوتي بصفتي الأكبر, حتى لا يخرجوا في الحارة في الظهر, بينما يأخذ قيلولته, فكنت أجمعهم وأحكي لهم حكاية خيالية, تنتهي عندما يستيقظ والدي, وأكملها ظهر اليوم التالي, حكاية تبدأ في بداية العطلة الصيفية وتنتهي في نهايتها, وكان أخوتي ينشدون للأبطال والقراصنة والتنين, لدرجة أن أصغرنا تبول على نفسه, لأنه لا يريد تفويت كلمة, وهذا يذكرني بشهرزاد عندما كانت تحكي لشهريار فتؤجل إعدامها.
نعم للقص والأدب سطوة كبيرة على الفكر والمشاعر, وتسهم بفعالية بغيير النفس, ففي سينما حولي الصيفي بالستينيات كانت تعرض أفلام فريد شوقي, وفي نهاية كل فلم كان الصبيان يتعاركون نفس فريد شوقي, وفي العصور الوسطى خرج الناس من مسرحية في مظاهرات, لأن المسرحية كانت تنتقد قيام النبلاء بالنوم مع العروس في ليلتها الأولى وقبل زوجها.
شكسبير بين تأثير الإيحاء في رائعته "ماكبث", فعندما كان ماكبث شاباً مر بثلاث ساحرات أخبرنه أنه سيصبح ملكاً ومن يقتله لم تلده أمه, وأصبح ملكاً وفكر أي إنسان لم تلده أمه, كل البشر يولدون, إذاً لن أموت أبداً.
ويصف شكسبير كيف أصبح ماكبث مغروراً وجباراً لدرجة أن الممالك الأخرى تضررت منه ومن هجماته, كما أن زوجته انتحرت وألقت بنفسها من أسوار القلعة, وهربت جميع حاشيته, وترك وحيداً في قلعته.
وفي يوم قرر نبلاء الممالك أن يشكلوا جيوشاً مشتركة لهزيمة جيش ماكبث الجبار, وعندما علم ماكبث لبس درعه وجلس على عرشه ممسكاً بسيفه, ولما وصلت الجيوش وجدوا باب القلعة مفتوحاً, وخشوا من خديعة, فأرسلوا بعض الفرسان ليدخلوا داخل القلعة, فلما دخلوا وجدوا ماكبث الواثق أنه لن يموت, جالساً بهدوء ولما تقدموا قتلهم جميعاً بكل بساطة, ولما لم يخرج الفرسان أرسل النبلاء فرساناً أكثر, وتكرر ما حدث مع الدفعة الأولى, فظلوا حائرين ماذا يفعلون, وماذا يمكن أن يكون بالداخل, فخرج في هذا الوقت ماكبث وخاطب الجيوش قائلاً:" هل أنتم مجانين تأتون لتقتلوني, أنا ماكبث من يقتلني لم تلده أمه" وفجأة سمع صوتاً يقول:" استدر أيها الكلب أنا لم تلدني أمي, ولكن انتزعت من بطنها انتزاعا" (أي ولد قيصرياً), وما أن سمع ماكبث هذا القول حتى تداعت قوته, ولم يستطع أن يحمل سيفه, فصعد ماكدف الدرج بينما كان ماكبث يتراجع وقطع رأسه.
الإيحاء والفكرة جعلا ماكبث قوياً جباراً واثقاً من خلوده, والإيحاء قتله, وأدب شكسبير يزخر بالكثير من الإيحاءات والمجازات والأفكار التي تعلم البشرية منها الكثير من الحكم, وأيضاً يزخر الأدب الحديث بقوة التأثير والتغيير.

شمشون وعنترة 3 من 5




ما قيمة الأدب دون تأثيره على مشاعرنا وأفكارنا, وبالتالي سلوكنا؟ فالكلمة لها مفعول سحري على أذهاننا, فبرأيي السحر الحقيقي يكمن في الأفكار أما الكلمة فهي وعاء لهذه الأفكار, وقد مرت على البشرية حكايات كثيرة, ما صمد منها هو ماأثر بنا, حتى في حالة الشخصية والحدث الوهمي, مثل شخصية رستم في الشهنامة, فهو شخصية خيالية ابتدعها الفردوسي, لكي يكون لدى الفرس بطل كأخيلس, وبلغ تأثر الفرس وفخرهم برستم أنهم حفروا له قبراً في قمة جبل في شيراز, لكن في الواقع لم يكن هناك غير إيحاءه وتأثيره.
والملاحظ أن الشخصيات البطولية التي نسجت حولها أساطير, تتشابه في أوجه كثيرة, أو تكون عالمية مثل كلكامش وشمشون.
فشمشون كان يعتقد أن مصدر قوته الجبارة هو شعره, ولذا كان يبقيه طويلاً, وقد بلغ شمشون أو سامسن _كما يطلق عليه الغرب_ من القوة أنه حارب جيوش الملك بفك حمار, ولم يستطع الملك رغم كل المحاولات أن يعتقله, ففكر بأقوى سلاح يضعف الأبطال, وهو المرأة فأرسل دليلة التي جعلته يقع في حبها, وسقته نبيذاً حتى ثمل ثم قامت بقص شعر رأسه, وكان جنود الملك مختفين خلف الأشجار, فأشارت دليلة لهم, فقبضوا عليه, وعندما حاول المقاومة قالت له دليلة:" تلمس شعرك" وعندما فعل انهارت قوته, فقيد وأخذ إلى الملك الذي أمر بتسبيل عينيه, وربط بسلاسل على ساقية أو طاحونة, وظل لأشهر يدفع بالطاحونة وهو يبكي خيانة دليلة التي أحبها كثيراً, وبعد أشهر تلمس شمشون شعر رأسه بالصدفة فوجده قد طال كالسابق, فأحس بالقوة والثقة تعودان إليه, كسر قيده, وذهب مستنداً على الجدران يتبع الصوت, حتى وصل إلى القاعة الرئيسية, وقف بين عمودين وقال:"علي وعلى أعدائي يارب" ودفع العمودين وانهار المعبد على الجميع.
شعره الطويل يعطيه الإيحاء بالقوة, وهو فكرة يستخدمها الرياضيين تحت التنويم في المباريات الأولمبية, فمثلاً كلما صفق الجمهور ازدادت سرعة اللاعب, أو كلما عزف بوق عزفاً معيناً ازداد حماس اللاعبين, أي يقوم المنوم بخلق رابط شرطي.
أما في حالة عنترة بن شداد, فإن تأثيره الإيحائي على الآخرين يأتي من اسمه وهيئته وصوته, فمن المعروف أن لعنترة صرخة حرب مميزة وقوية, ويقال أنه يجعل الخيول تجفل في المعارك بهذه الصرخة, وعندما أطلق عليه الأسد الرهيض سهماً وهو في العراق, كما اعتاد مع اسرته وحاشيته بعد أن أصبح أميراً, في تلك اللحظة لم يتألم عنترة بل قال شعراً, فظن الأسد الرهيض أنه لم يصبه فشهق ومات وهرب عبده, وبعد أيام طلب عنترة من أخيه شيبوب وزوجته عبلة أن ينقل إلى أرض الشربة والعلم السعدي, وهي منازل عبس, فوضعوه على محفة مغطاة, وركبت عبلة كوكبة حصانه وساروا به, وفي الصحراء هجم عليهم قطاع طرق من البدو, فخافوا ولكن عنترة رفع ستارة المحفة وصرخ صرخته المعروفة, فخاف البدو وهربوا.
عندها اقترح عنترة أن يضعوه على حصانه ويذهبوا بسرعة إلى قبيلة عبس كي يأتوا ويحملوه, واستند على رمحه الطويل وهو على حصانه فوق تلة, فإذا مر البدو وشاهدوه يخشون الاقتراب منه أو من عبس, فظل على هذه الحال ليومين, فاحتار البدو هل هو ميت أم يقول الشعر, فأرسلوا مهرة صغيرة أمام كوكبة فتحرك الحصان إلى الأمام وسقط عنترة على ظهره, فقال البدو:"لقد حميت أهلك حياً وميتاً".
وعندما كان في المعارك يضرب الضعيف ضربة يرتاع لها قلب الشجاع, في الواقع كان يبث الخوف بهذا الإيحاء, فقد كان اسمه وهيئته وصوته إيحاءً إلى الآخرين.
هناك تفصيلات كثيرة لإيحاءات في هذه الحكاية, وفي الأساطير بشكل عام, إلا أن المساحة لا تحتمل, وفي المقال القادم سنتطرق إلى أبي الأدباء شكسبير, وهي مرحلة تاريخية أخرى, لكن شكسبير أعطى قوة للإيحاء بفهم واع للنفس البشرية في كثير من أعماله.

الحكايات والأساطير 2 من 5




منذ فجر التاريخ, استخدم الإنسان القصص والحكايات بحثاً عن المثالية, ولتغيير حياته وحل مشكلاته, والبحث عن إجابات لأسئلته, ولوضع قوانين تنظم سلوكه ورغباته, ولوضع أطر وقواعد طموحاً في حياة سعيدة منتجة, تقوده للتحضر والأنسنة.
واستخدم الإنسان خياله وإمكاناته العقلية, لخلق حياة بديلة لا توجد فيها مآس أو ألم, بمحاولة منه لخلق عبر ومواعظ, بالتأثير على عقول ومشاعر المستمعين والقراء لا حقاً, وأدرك منذ البدء أهمية الفكرة والإيحاء للتغيير, سواء لمشاعر إيجابية وذلك لارتباط الفكر والشعور بعلاقة جدلية, أو للتعليم والتربية, فقد ثبت في العلم الحديث أن العقل يقبل التغير أما بوجود خيارات أمامه وإما بواسطة الحكاية, لكنه يقاوم التوجيه والوعظ المباشرين.
كما أن الأدب والفن يرفعان من المستوى الشعوري الإنساني, ويزيدان من مستوى تهذيبه وتحضره, لذا تستخدم الموسيقى كثيراً في التهدئة والاسترخاء, أو تهذيب دواخلنا, والمعروف أن الإنسان كلما استخدم خياله, كلما زادت آفاق معرفته واتسعت حدود الاعتقاد لديه.
ما يهمنا هنا الإيحاء ضمن الأدب نفسه وتأثيره على الشخوص الاسطورية, ففي الإلياذة يذكر هوميروس أن ثيتيس أم أخيلس أمسكته من كعبه عندما كان صغيراً, وغطسته في نهر مقدس, كي لا تؤثر به الأسلحة, فغمر الماء كل جسده ما عدا كعبه.
وعاش أخيلس حياته كلها شجاعاً بطلاً تاريخياً, لا يهاب الموت لعلمه أن الماء المقدس شكل لجسده درعاً يمنع السيوف والرماح والسهام من اختراقه, كما أنه قال لصديقه الحميم بتروكيلس:" اقهر الخوف تقهر الموت", وفي طروادة قاتل لعشر سنوات وقتل الكثير من الأبطال, بمن فيهم هكتور بطل طروادة, ودخل أخيلس طروادة مع من دخلوا في خدعة الحصان, ولكن باريس الذي بدأ هذه الحرب بسبب سرقتة للجميلة هيلين, رماه بسهم فأصاب كعبه الذي لم يمسه الماء المقدس, ولأنه يعرف أن السهم أصاب منطقة غير محمية في جسده, وقع فانهالت عليه السهام فمات.
يقينه وقناعته أن لا سلاح يضره, جعله يدخل المعارك بقلب قوي, وقناعته أن منطقة ضعفه هي كعبه, اضعفته, ومن هناك جاء مثل "كعب أخيلس" كتعبير عن نقطة الضعف.
والأساطير والحكايات مليئة بالإيحاءات, والإيحاء فكرة مرئية أو مسموعة أو ملموسة, مثل صرخة عنترة بن شداد, أو اسمه أو هيأته التي سنأتي على ذكرها في المقال القادم, وهذا الإيحاء يشكل مع الوقت قناعة أو يغير القناعة الموجودة أصلاً ويستبدلها بأخرى, وهذا ما يستخدمه علم التنويم, ويستخدمه أيضاً من يعمل بالشعوذة.
وهذا ما يجعل الأدب الصادق مؤثراً على المشاعر والقناعات, بينما الأدب المصطنع لا يترك أي أثر عند المتلقي, كالنفاق والمجاملة الزائفين أو كالذهب المزيف.
في المقال القادم سوف أتناول الإيحاء في أسطورة شمشون وقصة موت عنترة بن شداد, ونحن كمتلقين تأثرنا بإيحاءات الحكايتين, وشخوص الحكايتين تأثرا وأثرا على الآخرين كذلك.

الإيحاء في الأدب 1 من 5




في السنوات الأخيرة, اكتشفت أن العلوم باختلافها والآداب, يجمعها أشياء مشتركة, فعلم النفس والطب والفلسفة والفيزياء والرياضيات والآداب والفنون, كلها تنطلق من نواة واحدة, هي عقل الإنسان وتحديداً الأفكار, وهي تشبه الخلايا الجذعية التي تشكل بقية الإنسان وتفاصيله المتخصصة, مثل العظام والعيون والآذان..الخ.
والقوانين العلمية الحتمية, أي التي تعمل بغض النظر عن وعينا بها, تنطبق على كل شيء في الكون بما فيها أفكارنا ومشاعرنا وتكويننا البيولوجي, ومثل هذه القوانين الفيزيائية, قانون الجاذبية وقانون الفعل ورد الفعل لاسحاق نيوتن, وقانون النسبية لأينشتاين.
وعقولنا الباطنة تستجيب للإيحاء, وتتعامل معه وكأنه حقيقة وواقع, كما تحدث ردة فعل بيولوجية, ونستطيع عبر خيالنا وذاكرتنا استدعاء كل ما يخص حواسنا الخمس, فبالخيال نستطيع العودة للماضي والذهاب للمستقبل, والانتقال في المكان.
وحسب قوانين الفيزياء, وقوانين العقل الباطن, وقوانين علم تأثير الأفكار والعلاج بها noesiology & noesitherapy, فإن هناك ردة فعل بيولوجية بدنية لأفكارنا ومشاعرنا وأخيلتنا, فإذا كانت أفكارنا إيجابية فإن كل عضو وخلية وعصب في أجسادنا تعمل بكفاءة تامة, وتكون مناعتنا قوية, وعقولنا تطيعنا بدقة, ونستطيع في هذا الوضع تخدير أنفسنا ويتوقف النزيف فوراً وتلتئم الجروح بسرعة قياسية, ويستطيع الإنسان مخاطبة أي عضو في داخله, فمثلاً يستطيع الإنسان خفض ضغط دمه بمجرد التفكير بذلك, ويستطيع القضاء على السرطان بسرعة كبيرة, كما تجرى بهذه الطريقة عمليات جراحية وعمليات ولادة, ولوحظ أن الطفل الذي يولد بهذه الطريقة يكون ذكاؤه عالياً ونموه سريعاً, كما يمكن للإنسان إذابة الشحم في جسمه, ووقاية نفسه من الأمراض, وإطالة عمره, ويقول ابن سينا:"أن الفكرة قوية جداً, وقادرة على شفاء الناس أو مرضهم".
وقد رأيت فلماً علمياً لرجل شل جسمه وتوقفت كل وظائفه الحيوية, ما عدا أفكاره وتعبيره برمش العين, كان قد أصيب بحادثة تحطم طائرته الخاصة, يقول هذا الرجل: إذا كنت تملك أفكارك فأنت تملك كل شيء, ولذا قررت الخروج من المستشفى مشياً على قدمي في عيد الفصح, وفي نفس اليوم الذي حدده بفكره خرج ماشياً بصعوبة من المستشفى.
من أسس هذا العلم وهذه المدرسة هو الجراح الاسباني أنجل سكوديرو, الذي تشرفت بالتواصل معه والتدرب على يديه, وقد علمت العديد من الناس هذه الطريقة ليساعدوا أنفسهم, فمثلاً أتتني امرأة لديها ورم سرطاني تحت الابط حجمه 8 سم, ورأيت الأشعة والتقرير اللذان يؤكدان على وجود هذا الورم, وكان الأخصائي قد أعطاها موعداً بعد أربعين يوماً لأخذ عينة, فعلمتها طريقة القضاء على السرطان, ولم أرها إلا بعد أن ذهبت لأخذ العينة منها, قالت:" أن الأمر يبدو كالمعجزة عندما فحصت لم يكن هناك أي أثر للورم", وإمرأة أخرى كانت قد زارتني للتخلص من الضغط النفسي, ولكني رأيتها تحرك ذراعيها بصعوبة, فقلت لها :"ما رأيك أن أعلمك طريقة للتخلص من جمود ذراعيك"؟ فوافقت, ولما بدأت باستخدام هذه الطريقة ذهلت من النتيجة الفورية, حتى أنها قالت لي أنت عملت سحر؟ فقلت: أبداً هذا علم.
وبالطبع الأفكار والمشاعر هي طاقة, فإذا كانت أفكارنا ومشاعرنا إيجابية فطاقتنا إيجابية, والعكس صحيح, وهذا ينطبق على الفن والأدب, فهي عبارة عن أفكار ومشاعر ولذا فهي تعدينا بالطاقة, والعالم الياباني إيموتو عرض الماء لمجموعة من السمفونيات لبيتهوفن وموزارت ودفوراك, وجمد هذا الماء فوجد أن كريستال الماء أصبح جميلاً جداً, ثم عرضه مرة أخرى لمشاعر وأفكار سلبية فخرج الكريستال بشعاً, وعرض أرزاً في زجاجتين كتب على أحدها أحبك وعلى الثانية أكرهك فبعد شهر عفن الأرز المعرض للأفكار والمشاعر السلبية, ومعظم هذه التجارب العلمية موجودة على الإنترنت.
ويطول الحديث عن تأثير الأفكار, وفي المقالات القادمة سأذكر نماذج من الأدب وتأثير الإيحاء فيه والأدب يقدم نموذجاً قوياً لتأثير الإيحاء, هذا العالم المذهل الأخاذ منذ الأساطير والحكايات الشعبية إلى الأدب الحديث.

Tuesday, August 5, 2008

الإجازة السنوية

لدواعي السفر في إجازتي السنوية لن أنشر في هذه المدونة لأربعة أسابيع
بيد أني أرسلت إلى الجريدة خمسة مقالات بعنوان الأدب والإيحاء, وهو موضوع لم يتم التطرق اليه لا في الأبحاث العربية أو الأجنبية, وربطت الأدب بعلم العلاج بالتنويم, وحالما أعود من إجازتي سأنشر المقالات
مع تحياتي للجميع

Sunday, August 3, 2008

الفلسفة المحظورة




إذا كان ما يتناقل أن اللجنة العليا لتطبيق الشريعة تنوي تقديم مشروع إلى صاحب السمو الأمير بإلغاء مادة الفلسفة من مناهج الثانوية صحيحاً, وكذلك تغير ملابس الرياضة للطالبات إلى ملابس أكثر احتشاماً من احتشامها الحالي, أظننا نتجه إلى مزيد من التدهور وإلى عصر ظلام.
فالكنيسة قد منعت الفلسفة ومنعت استخدم العقل في القرون الوسطى أو ما سميت بعصور الظلام, وقامت باحراق كتب ابن رشد والعلماء العرب, تلك الكتب التي نهضت بالعالم الإسلامي وجعلته منارة للعلم والتقدم, واعتبرت الفلسفة هرطقة وكفر.
وقد كنت قد توقعت أن يتم تغييب العقل والتفكير تدريجياً في الكويت, لأن الفكر الإسلاموي السياسي لا يقبل بالحوار والرأي الآخر, فهو يبدأ بالكلام بهدوء ثم إذا حوصر بالمنطق والعقل يبدأ بالتهديد بالدين, ومؤخراً إذا نوقش بالدين يتجه إلى النخوة القبلية, إن كل إجراء وكل مشروع قانون هو اتجاه للسيطرة على البلد ومقدراته, فالتخلف هو البيئة المناسبة لهم للسيطرة وهذا بالضبط ما حصل مع الكنيسة في عصور الظلام, والتي قادت أوروبا إلى الفقر والجوع والدمار والجهل لقرون, ويبدو أن أهداف جماعات الأديان السياسية تتشابه, وتعشق التخلف والانحطاط كي تسهل السيطرة على الدولة وبالتالي نهبها.
فالفلسفة هي ما جعلت العالم يتقدم وينفتح فكرياً ويصبح مركزاً مالياً وتجارياً, وهذا ما يجعل الحلم الكويتي بالتنمية والاصلاح يتبخر, لقد بدأنا بالدخول إلى نفق مظلم منذ عقد الثمانينات, والآن ازداد النفق عتمة.
كل شيء في الكويت يشير إلى التدهور, مشروع قانون لمراقبة الانترنت ليضيف إلى قائمة قمع الحريات قمعاً أشد, وكأن القوانين المقيدة للإبداع وما يسمى بالمسموع والمرئي ولجنة الظواهر السلبية لا تكفي, ولا نعلم ماذا تريد السلطتين التنفيذية والتشريعية, محاولاتهما كمحاربة دون كيخوتا للطواحين, كيف يعقل السيطرة على شبكة معلومات دولية؟! فروايتي الجديدة مثلاً معروضة على الرقابة منذ أكثر من أسبوعين, لكن كثير من القراء اشتروها الكترونيا وأنزلوها على أجهزتهم خلال دقائق, ايعقل أنهم لا يعلمون, أم أنهم يجهلون ما يجري بالعالم, أيعقل أن تشكل مجموعة سلفية نسائية تدعو إلى العيش (بعيداً عن الحضارة الكافرة)؟! وهذا ما نشرته النهار, أي مركز مالي نريد أن نصبح عليه وبلدنا على هذا المستوى, منع التفكير والإبداع ومحاربة التقدم, والاتجار بالبشر, متى كانت الكويت الآمنة للمواطن والوافد ترتد إلى عصور العبودية؟!
سمعنا بالخمسينيات والستينيات وقرأنا في مناهجنا الدراسية عبارات مثل (العيش الكريم) و(العدل والمساواة) و(النهضة والتقدم), واليوم وكأننا عدنا إلى الكهوف, إن السلف المتباهي بفوزه المؤقت يعتقد أنه سيطر على البلد, ويريد أن يجعل المجتمع سلفياً, ولم يقرأ التاريخ جيداً, هذا إذا كان يقرأ أو يعرف القراءة, فالتاريخ يقول أن كل فكر متخلف مهما ساد فمصيره إلى الزوال, وأن البقاء للتقدم, سواء كان فكراً تسلطياً من حكم أو من جماعة.
ما مصير أطفالنا وأحفادنا في ظل ظلام وجهل وتخلف وسطحية؟! ما ذنب أجيالنا القادمة بما يعده الظلاميون من خطط لانتهاك خصوصياتنا, ونهب أموالنا, وتدمير ثقافتنا وتحضرنا؟!
وأنا على يقين أن الخطوة القادمة لهم هي الدراسة المنزلية للبنات, ثم منعهن من الدراسة, وبذلك يعودون بنا إلى الصراعات الفكرية بين علماء الدين المستنيرين وبين جهلة الدين المتعصبين في بدايات القرن الماضي.
أبداً, لن يستطيعوا قهر هذا الشعب الأبي, لن يستطيعوا جره إلى الخلف, حتى وان استخدموا الإرهاب بأشكاله المقيتة, لن يستطيعوا إهانة الشعب الكويتي.

Monday, July 28, 2008

الظواهر الإيجابية




سألني أحد المحررين بالصحف الجديدة, والذين يعتمدون على الهاتف في عملهم, دون أن ينتقلوا إلى موقع الحدث أو الشخص المعني, وعادة يهاتفون في أوقات مزعجة, يكون فيها الإنسان نائماً أو تعباً, المهم أنه سألني سؤال أثار استيائي.
السؤال:" مارأيك في اقتراح بعض النواب بضرورة إعادة التجنيد الإلزامي, بسبب انتشار ظاهرة الشباب الناعم؟"
لا أخفي أن ردي كان حاداً وغاضباً على هؤلاء النواب وضيق أفقهم, رغم أنه من حقهم طرح آرائهم, لكن عجيب كيف يحاولون إثبات آرائهم الدخيلة على علم الاجتماع وعلم النفس, فهناك مبالغة في اعتبار الشذوذ ظاهرة, وأنا الأخصائي والباحث, وأعرف هذا الأمر جيداً, فعدد فاقدي الهوية الجنسية قلائل, وكثير منهم يريد التغير بسبب رأي المجتمع, رغم أن العلم قال أن 90% من هؤلاء ولدوا بأدمغة أنثوية, والمسترجلات ولدوا بأدمغة رجالية, أو بهرمونات تخالف أشكالهم الجنسية, أي لا ذنب لكثير منهم.
ولا أريد أن أكشف أسرار المهنة, وفضائح البعض, لكن أريد أن أذكر بما نشرته الصحف عن اغتصاب طفل في أحدى رحلات جمعية اسلامية, وفي جعبتي الكثير لكن شرف المهنة وأخلاقي الشخصية تمنعني من ذلك.
ثانياً: أنا مع إعادة التجنيد الإلزامي, فالتجنيد علمني حمل السلاح وخطط القتال والانضباط, مما أفادنا أثناء فترة الاحتلال, لكن التجنيد لن يحل محل الأسرة في التربية, ولن يعالج مشكلة الشذوذ, وأتذكر عندما كنت مجنداً في عام 1980 أن أحد المبتلين بالشوذ, كان أكثرنا انضباطاً وتحملاً للمسؤولية, بينما كان بعض المنتمين للتيارات الإسلامية يتهربون ويتمارضون ويبحثون عن واسطات لإعفائهم من المهام, وجل همهم كان تحريض المجندين على التبرع للمجاهدين الأفغان ضد الجيش السوفييتي, وعندما نسألهم ولماذا لا نتبرع لفلسطين؟! كانوا يتذمرون ويقولون لنقد على الحديد الحامي, وأحد هؤلاء أصبح عضواً في مجلس الأمة.
فثبت أن التجنيد لا يغير الإنسان, التجنيد يعزز الوطنية والأخلاق والانضباط, ويعلم إطاعة أوامر المسؤول وألي الأمر والقيادة, ويعلم الدفاع عن الوطن, وهذا ينطبق على الرجل والمرأة.
هناك الكثير من الظواهر الإيجابية في مجتمعنا أبرزها صمودنا أمام أكثر الجيوش وحشية, لم نهرب ولم نرمي جنسياتنا ونظهر الأخرى, تمسكنا بالشرعية بحق وليس للانتفاع ونهب المناقصات, وليس لسن قوانين للاستيلاء على أملاك الدولة.
من الظواهر الإيجابية أن لدينا شباب مبدعون ومثقفون, يرفضون تحويل جوهرة الخليج إلى دولة طالبان, يرفضون الظواهر السلبية التي يمثلها هؤلاء, يرفضون تكميم الأفواه, من الظواهر الإيجابية مظاهرات أيام الإثنين دفاعاً عن الدمقراطية والدستور, دون أدنى عداء مع السلطة والحكومة.
من الظواهر الإيجابية أننا تعلمنا وتعبنا على أنفسنا, ولم نشتري الشهادات, وشاركنا في الثقافة والتنمية والبناء ورفعة الوطن, من الظواهر الإيجابية أن أمرأة كويتية شاركت في إطفاء حرائق الآبار.
من الظواهر الإيجابية أننا وقفنا صفاً واحداً وما زلنا ضد التخلف والإرهاب الفكري والفعلي, والذي سنشفى منه قريباً, من الظواهر الإيجابية أن شباباً يافعاً غير وقف باخلاص لتغيير عدد الدوائر, فتراكض أعضاء مجلس الأمة ليركبوا الموجة.
من الظواهر الإيجابية أن شبابنا يحترم المرأة ويقدر دورها ولا يحتقرها ويعاملها بدونية, لا يقبل أن تسير خلفه بل يسير معها جنباً إلى جنب, من الظواهر الإيجابية أن شبابنا يحترم علم البلاد ويقف للسلام الوطني, وقد تدمع عيناه لأغنية وطنية.
من الظواهر الإيجابية أننا دولة أنتجت أدباء ومفكرين وفنانين, ولدينا آلاف من الابداعات المكتوبة والمرسومة والمؤلفة, ويحترمنا القاصي والداني لثقافتنا وتحضرنا.
إذا كنت سأتحدث عن الظواهر الإيجابية في بلدنا فلن أتوقف, فقط الشذوذ هو هذا الفكر المتخلف الذي يخالف منطق التاريخ, وسينتهي قريباً بالظواهر الإيجابية.

Friday, July 25, 2008

موستيك


صدر لي عن دار الفارابي رواية جديدة بعنوان موستيك, وهي ما زالت عند رقابة وزارة الإعلام بانتظار أن تحول إلى لجنة الرقابة, مما يعني أن الرقيب قد وجد فيها ما يبرر منعها, والغريب أن الناس بدأت بشرائها أما الكترونيا من مكتبة
www.arabicebook.com
ومكتبة نيل وفرات دوت كم, وموقع الفارابي لبيع الكتب
وبدوري سأشكر الرقابة على دعايتها المجانية في حال غضت النظر عن التقدم العلمي والتكنولوجي ومنعتها
إذ حتى الآن هناك العديد من القراء لها, إذ تباع النسخة الالكترونية ب4 دولارات ونصف على هذا الموقع
http://www.arabicebook.com/Items/item-display-preview.aspx?IID=1666
كما بدأ بعض القراء العرب يرسلون لي آرائهم بالرواية, وهنا في الكويت مازالت حبيسة عند الرقابة بانتظار رأي الحكماء في إمكانية تداولها
كما وضع بعض الشباب والشابات لنك لها في الفيس بوك, هذه الصفحة التي انشأها المعجبين بوليد الرجيب باسم
الأديب وليد الرجيب, مما زاد نسبة المبيعات
والرقابة ما زالت متوجسة من خطرها على المجتمع
ومتوجسة من غضب لجنة التخلف وتكميم الأفواه
لجنة الظواهر السلبية الدخيلة
الزائلة قريباً
والتي لن تستطيع منع روايتي

Sunday, July 20, 2008

ما العمل ؟




في زيارة كريمة من النائب صالح الملا لرابطة الأدباء, طرحت خلالها موضوعات هامة عن دور نواب الأمة في نصرة الثقافة بالكويت, حيث أنها أساس الحياة والتنمية والتطور.
وفي الواقع قد تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية, التي تطرح بها مسألة الثقافة بجدية ووعي, فحتى في أيام كتلة نواب الشعب في السبعينيات, لم تطرح هذه المسألة بوعي كاف, إذ كانت دائماً تخلط الثقافة بتجلياتها الإبداعية, مثل الأدب والفن, ولم يكن ينظر لها باعتبارها مجمل النتاجات المادية والفكرية وأنماط التفكير والسلوك لمجتمع معين في زمن معين, وأساس الثقافة هو التعليم المواكب للعصر, والذي يصنع مواطناً مسؤولاً وواعياً لدوره في البناء والتنمية, ومحافظاً على مكتسباته الدستورية وأهمها حرياته المقدسة.
في هذا الحوار الممتع, الجميع ألقى اللوم على الجميع, فالنائب الفاضل ألقى اللوم على الأدباء والمفكرين الجالسين في أبراجهم العاجية, وصالوناتهم الأدبية, والأدباء ألقوا اللوم على النواب ذوي النفس التقدمي, والذين لم يهتموا لقضية الثقافة تحت قبة البرلمان.
في الواقع جميعنا محقون وجميعنا مخطئون, ففي الماضي الجميل كان للمثقف صوت قوي, وكانت الدولة تستمع له, ونواب الشعب يقدرونه, وكانت مؤسسات المجتمع المدني قوى ضاغطة, وكان نواب الشعب يمثلون الشعب ويستندون إلى الدستور, لكن كل ذلك تغير.
أصبح هناك تخبطاً في معالجة القضايا, وضعفاً في تناولها, وانكفاءً من قبل أصحاب الشأن, فرغم الخطورة المتنامية على الإنسان الكويتي جراء محاولات تقييد حرياته من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة, ومن قبل الاجراءات الحكومية, إلا أن ردة فعل القوى الوطنية كانت بمزيد من التخبط, فخلال الشهرين الماضيين تشكلت أكثر من مجموعة شبابية للدفاع عن الحريات, في الوقت الذي يجب به تجميع ورص الصف الوطني, وتوحيد الكلمة.
كما لم يعد لجمعيات النفع العام دور مبادر, بل اقتصر دورها في أحسن الأحوال على ردود فعل دفاعية, وأقصى رد فعل لها هو إقامة ندوة أو جلسة حوار, لكن التحشيد اقتصر على التذمر والفضفضة والتنفيس, بينما قوى الظلام تعمل وتقدم مشاريع بقوانين لانتهاك الدستور والسيطرة على البلد.
الآن, ما العمل؟
في ظني أن الأمر يحتاج إلى عمل واقعي, فعلي, يجب أولاً توحيد الصف الوطني تحت أجندة عمل ورؤية واضحة للخطوة العملية القادمة, يكون الجميع متفقين عليها دون شخصانية, فالوقت لا ينتظر ولا يحتمل الجدل العقيم والمماطلة, فهناك مواد دستورية نستطيع الانطلاق منها بمشاريع قوانين, بعد أن يجتمع النواب ذوي النفس التقدمي بفئات المجتمع, مثل الأدباء والفنانين والرياضيين والنساء والطلبة وغيرهم, عبر مؤسسات المجتمع المدني, لأخذ آرائهم في الشأن العام والخاص, لصياغة مشاريع القوانين, ثم يجمع النواب أكبر عدد من زملائهم الذين يتفقون مع مشاريعهم لإقرار هذه القوانين في المجلس.
وعلى سبيل المثال, يمكن إعداد مشروع بقانون أن يكون الرقيب في وزارة الإعلام حاصلاً على الشهادة الجامعية بتخصص أدب ولغة عربية, ما داموا مصرين على رقابة الفكر والإبداع.
والنواب لا يستطيعون لوحدهم تحقيق مطالب الأمة, يجب أن يكونوا مدعومين من المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني, وقوى الضغط السياسي, وهذه الأخيرة كثيرة وقوية ومؤثرة إذا وحدت جهودها.
يجب أن نتوقف فوراً عن التذمر والدفاع عن أنفسنا, ونبدأ فوراً بالمبادرة المدروسة, ونوقف التشوش الذهني, ونعمل بثقة ونعي مصادر قوتنا التي تبدأ بحبنا للوطن, وتمسكنا بالدستور.

Monday, July 14, 2008

سوق الفتاوي



وصلني هذا الإيميل من أحد الأخوة القراء, وطلب مني نشره, وها أنا أنشره كما هو فقط لكي ننتبه إلى كيف يمكن أن يكون مستقبل الكويت في ظل لجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة, والخطورة المترتبة على هكذا فكر.



بقدر ما تثير هذه الفتاوى الضحك بقدر ما تثير الرغبة فى البكاء.. والحقيقة أنها تثير الرغبة فى ضحك كالبكاء.. فى الوقت الذي يستعد فيه الآخرون للصعود للمريخ.. ويفكرون فى مرحلة ما بعد الذرة.. وفى الوقت الذي تنفجر فيه ثورة الاتصالات جيلا بعد جيل.. تنفجر فى وجوهنا فتاوى مقيتة تدفع العاقل للجنون وتدفع الحليم للغضب.. والمؤسف أن تنشرها شبكة الإنترنت التي يستخدمها الآخرون فى نشر كل ما هو نافع ..
وهذه جملة منها
1-(نص الفتوى (أن من أخطر المفاسد التى بليت بها أمتنا العظيمة ما يسمى بالكرسى وما يشبهه من الكنبات وخلافها
لماذا؟

أولا
أن السلف الصالح كانوا يجلسون على الأرض ولم يستخدموا الكرسى ولم يجلسوا عليه ولو فيها خير لفعله الرسول الكريم

ثانيا
أن هذه الكراسى وما شابهها صناعة غربية وفى استخدامها ما يوحى بالإعجاب بها وبصناعها وهم الغرب، وهذا والعياذ بالله يهدم ركنا عظيما من الإسلام وهو الولاء والبراء.

ثالثا
أن جلوس المرأة على المقعد مدعاة للفتنة، كما انه يؤدى إلى كثير من الرذائل ,أن الجلوس على الكرسى رذيلة وزنى لا شبهة فيه.

رابعا
أن الجلوس على الأرض يذكر المسلم بخالق الأرض

**********
تحريم إهداء الزهور الطبيعية أو الصناعية للمريض
للشيخة ام انس
وقد أفـتـى احـد جـهابـذة الفتـاوي بتـحـريـم جلوس النساءعــلي الكـراسـي بـحـجـة ان الكـرســي.... مـذكـر
***********

قال تعالى «يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير». فى السياق ذاته أباح الشيخ علي الخضير الكذب وشهادة الزور على من خالف رأى السلف وذلك لنصرة الإسلام
***********
فتوى تحريم كرة القدم
فجاءت من الشيخ عبدالله النجدى فى 36 صفحة تحت عنوان «الكرة تحت أقدام الصالحين»،
فكرة القدم وقوانينها من أفكار الكفار ولايجوز التشبه بهم
ووضع الشيخ عبدالله النجدى «15» شرطا لممارسة رياضة كرة القدم
أولها أن يكون اللعب بقصد تقوية البدن بنية الجهاد فى سبيل الله أو الاستعداد له،
وليس لضياع الوقت والفوز
يجب أن تكون بدون الخطوط الأربعة مع عدم ذكر كلمات «فاول وبلنتى وكورنر»، و
ألا يكون عدد اللاعبين 11 شخصا، إما أن يزيد أو يقل
يكون اللعب شوطا واحدا أو ثلاثة حتى يختلفوا عن الكفار
وألا يلعبوا وقتا إضافيا
وأن يكون اللعب بدون حكم فلا داعى لوجوده
ويجب ألا يشاهدهم مجموعة من الناس أو الشباب أثناء اللعب..>>>لايكون يقضوا حاجة
وإذا ما انتهت اللعبة فلايجب أن يتحدثوا عن لعبهم أو مهارة بعضهم
وإذا ما سجل أحدهم الكرة بين الحديد والخشب أى «هدف» فلا يفرحون ويجرون وراءه ويقبلونه
ولايجعلون ما يسمى بالاحتياطى
أما إذا ما وقع أحد اللاعبين فيأخذ حقه الشرعى كما فى القرآن
ويجب على زملائه أن يشهدوا أن الشخص الذى أوقعه تعمد كسره ليحصل على هذا الحق
وذكر أيضا أن اللعب يجب أن يكون بالملابس العادية لا بالفانلات المرقمة والبنطلونات الملونة لأنها ليست من ملابس أهل الإسلام.
*******
فتوى تحريم اللغة الإنجليزية
وردت عن الشيخ ابن عثيمين، ورد فيها حرفيا: (إن شيخ الإسلام ابن تيمية قال فى كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم) فإن اللسان العربى شعار الإسلام وأهله ولايصح لمسلم التكلم بغيره . والذى أراد أن الذى يعلم ابنه اللغة الإنجليزية منذ الصغر سوف يحاسب عليه يوم القيامة لأنه يؤدى إلى محبة الطفل لمن ينطق بها من الناس.
*******
فتوى تحريم لبس الكعب العالى للمرأة
لأنه يعرضها للسقوط
,كما أن الكعب العالى يظهر قامة المرأة بأكثر مما هى عليه، وفى هذا تدليس وإبداء لبعض الزينة
*********
أما الشيخ ناصر الفهد فقد أصدر فتوى فى تحريم أداء التحية العسكرية
*********
أفتى شيخان هما عثمان الخميس وسعد الغامدى بتحريم الإنترنت على المرأة بسبب خبث طويتها ولايجوز لها فتحه إلا بحضور محرم مدرك لعهر المرأة ومكرها.
؟؟؟
لاتعليق
*********
وأصدر الشيخ السعودى إبراهيم بن صالح الخضيرى القاضى بالمحكمة العامة فى الرياض فتوى يحرم فيها مشاهدة قناة الحرة؟؟؟
*******
أما فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز فقد جاءت فى تحريم القول بدوران الكرة الأرضية
ونص الفتوى جاء فيه: إن القول بدوران الأرض قول باطل والاعتقاد بصحته مخرج من الملة لمنافاته ما ورد فى القرآن الكريم من أن الأرض ثابتة قد ثبتها الله بالجبال أوتادا قال تعالى «والجبال أوتادا» وقوله «وإلى الأرض كيف سطحت» وهى واضحة المعنى، فالأرض ليست كروية ولا تدور كما بين لنا الله سبحانه وتعالى، وأضاف: وقد يكون دورانها أو تغييرها من غضبه سبحانه، كما فى قوله «أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض» ..سبحانك يارب
********
أما هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى السعودية فقد رفضت تسجيل أحد منتجات إحدى شركات نظم المعلومات،لأن اسمه يحتوى على حرفX
، والتى لاحظت الهيئة بأنها على شكل صليب مما استفز مشاعرهم الإسلامية فأمروا وزارة التجارة بمنع تسجيل المنتج. وكان من الأولى أن تطلب الهيئة إلغاء علامات الزائد والضرب من كتب الرياضيات لأنها على شكل صليب أيضا،

********
وتضم سوق الفتاوى الكثير، فهناك
فتوى للشيخ ناصر بن حمد الفهد بتحريم العطور وتحريم التصفيق،
أما الشيخ ابن تيمية فقد أصدر فتوى بتحريم علم الكيمياء ووصفه بالسحر.
والشيخ صالح الفوزان حرم السياحة أو السفر خارج المملكة السعودية تحريما قطعيا.
أما الشيخ عبدالله بن جبرين فقد أباح الجهاد ضد الشيعة ووجوب البصق فى وجوههم.
و«سوق الفتاوى» ملىء بالفتاوى الغريبة حول تحريم ربطة العنق والملابس الرياضية ولعبة البلياردو ولعبة الأطفال «البوكيمون» وغيرها من الفتاوى العجيبة. إن مثل هذه الفتاوى جعلت «سوق الفتاوى» أمرا مباحا لكل من هب ودب، ولم تترك فى حياة المسلم
شيئا حلال

Monday, July 7, 2008

الشخصانية في العمل الوطني



كانت التنظيمات السياسية الوطنية في الكويت, تعاني من مشكلات كثيرة, أضعفتها وعزلتها عن الجماهير, مشكلات مثل المركزية الدكتاتورية والشخصانية الذاتية حد النرجسية, كل التنظيمات كانت تضع لوائح تنظم العمل بشكل ديموقراطي, لكن القيادات كانت تطبق الديموقراطية بانتقائية, والمشكلة الأخرى أن تعدد هذه التنظيمات والاختلاف الطفيف في برامجها, لم يكن يصب في مصلحة رص الصف الوطني, بل شغلت بالخلافات الفكرية والنظرية, مما زاد من غربتها الشعبية.
لم يكن الانتقاد مسموحاً به, إلا إذا كان ينسجم مع توجهات القيادة, وإلا اعتبر عصياناً وسقوطاً سياسياً, وفي الجانب الآخر إذا لم تناسب البعض توجهات في تنظيمه, انشق وأسس تنظيم آخر على مقاسه, ولم يطبق الإصلاح من الداخل, فإما رأيي وإما أن هذا التنظيم منحرف.
ولو عددنا عدد التنظيمات والتجمعات وجمعيات النفع العام ذات التوجه الوطني الدمقراطي, لوجدناها كثيرة ولها ثقل سياسي واجتماعي ونوعي كبير ومميز, ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من التنظيمات, بل إلى رص صفوفها وتطوير عملها واستقطاب الشارع الكويتي, تحتاج إلى مزيد من الدمقراطية في عملها ولوائحها الداخلية.
لكن كانت دائماً الشخصانية, والذاتية, وعدم الفهم وعدم الالتزام بأسس العمل التنظيمي والنقابي, وادعاء امتلاك الحقيقة, وغياب الرؤية الاستراتيجية, هي السائدة في العقود المنصرمة, كان التنظير جاهزاً, لكن كان العمل والتنفيذ غائبين, وكان كل العمل يقع على عاتق شخص أو بضعة أشخاص, هناك من يأمر ويقرر ويوزع المهام, وهناك من يعمل (ويكرف).
كان دائماً هناك القائد الكبير, العارف لكل شيء, وكان دائماً هناك التابعون الغير مؤهلين للقيادة, الذين يضيعون في غياب القائد, ويتوقف العمل الوطني عندما يتوقف القائد عن العمل.
وعندما بدأ الشباب حركتهم الوطنية "نبيها خمس", كانت حركتهم هذه عملاً سياسياً وطنياً صحيحاً, لا تشبه ترهل أفكار وأعمال القيادات القديمة, ومن يقرأ المدونات الشبابية يجد وعياً وطنياً رائعاً, وأفكاراً خلاقة مبدعة, لا تشبه مكابرة الكبار في أبراجهم العاجية, هذه الحركة الشبابية, جددت دماء الحركة الوطنية, وأنعشت ذاكرتها النضالية, وأنعشت آمالي شخصياً.
لدي إيمان كبير بالشباب, الذي من حقه أن يتعلم ويخطئ ويتعلم من أخطائه, وأخطاء الآخرين ممن سبقوه, هؤلاء الشباب لديهم إخلاص وطني غير محدود, ولكن يبدو في بعض الأحيان أن لدى البعض منهم إرث المركزية القديمة, فقبل أيام دعيت من قبل شباب لحضور اجتماع لتأسيس تجمع وطني, غايته الدفاع عن الحريات, على ضوء وتداعيات تأسيس لجنة الظواهر السبية الدخيلة في مجلس الأمة, وفرحت كثيراً لفرصة الاستماع لأفكار الشباب, وبالفعل تعلمت كثيراً من آرائهم المبدعة, ولم أكن أود المشاركة بالنقاش, فكل هدفي كان التعلم, وفجأة طلب الرئيس أو المنسق, أن أقول رأيي, فبدأت بالحديث وفجأة قاطعني هذا المنسق قبل أن أكمل كلامي, وقال جملاً إعتراضية كبيرة, ثم عبر علي وانتقل إلى شاب كان يجلس بجانبي.
خجلت من إسكاتي بهذه الطريقة أمام شباب وشابات بعمر أبنائي الصغار, ومن تجمع يفترض أنه يدافع عن الحريات, بما فيها حرية الرأي, وبالطبع كان بإمكاني الرد والدفاع عن صوتي, لكنني فضلت السكوت والاستماع إلى بعض الآراء التي لا أوافق عليها, ولكني خشيت من القمع مرة أخرى.
ويبدو أن بعض الشباب تأثر بالشخصانية والمركزية, والبعض ينظر بدونية إلى الكبار وآرائهم, مثلما يقول المراهق لأبيه: أن زمانك ولى, وأنا أفضل منك, وفي الواقع لا فرق بين كبير يزدري الشباب, ولا بين شاب يزدري الكبير.
نقول أشياء كثيرة, ونطبق عكسها, ونغرق في خلافاتنا وتشظينا, وننسى قضيتنا الوطنية التي تجمعنا, لكن ذلك لا يمنعني من مد يدي إلى الصغير والكبير من أجل رفعة وتقدم وطني الكويت.

Sunday, June 29, 2008

الدفاع عن الدمقراطية بانتهاكها




بعد نصف قرن من الممارسة النيابية, نكتشف أن الدمقراطية لم ترسخ ولم تتأصل في المجتمع الكويتي, وقد تكون تراجعت بسبب سيادة السذاجة السياسية, وضعف التربية السياسة, والأمر لا يتعلق فقط بحفظ مواد الدستور وقوانينه, ولكنه يتعلق بشخصية الإنسان وممارساته في الحياة, وهذا ينطبق على الحوار بين الأفراد, وعلاقة الرجل بزوجته وأبنائه, فالاختلاف بالرأي يعني منع الآخر من إبداء رأيه, واحتكار الحقيقة, فالرجل في الأسرة لا يعرف معنى الدمقراطية, بل هو الآمر الناهي, ورأيه ينفذ رغم أي اعتبار, فالحوار يأخذ طابع "الخناقة" والنهر والنهي.
فقبل فترة دهشت من موقف جمعيات النفع العام, التي أصدرت بياناً ضد ما سمي بلجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة, ومن ضمنه أن وفداً من الجمعيات سيقابل صاحب السمو الأمير لكي يتخذ قراراً ضد هذه اللجنة, والغريب أن هذه اللجنة ولدت تحت قبة البرلمان, ومكافحتها يجب أن تكون في نفس المكان, كما أن هناك مؤسسات مدنية أخرى, ووسائل أخرى لإيصال الرأي, وتحقيق الأهداف بما فيها القضاء, وحتى ضغط الشارع, ولكن ليس بالتأكيد الشكوى عند أمير البلاد, رغم أن القانون لا يمنع الأفراد والمؤسسات من مخاطبة الأمير مباشرة أو بأي وسيلة أخرى, لكننا دولة مؤسسات ولسنا مجتمعاً قبلياً, نذهب لنشكي أمورنا إلى شيخ القبيلة.
ودهشت أكثر عندما اقترح بعض أعضاء مجلس الأمة, قانوناً بمعاقبة من يتحدث عن الحل غير الدستوري لمجلس الأمة, أو يتبنى هذا الرأي بالسجن والغرامة, وهذا معيب ومخجل, ويدل على أن حتى ممثلي الشعب في البرلمان لا يفهمون بالدمقراطية, فكيف يمكن الدفاع عن الدستور بطرق غير دستورية, أن أسجن من يخالفني الرأي توجد فقط في النظم الدكتاتورية!
نحن ضد لجنة الظواهر السلبية, لكننا لسنا بصدد منع مقترحيها من إبداء آرائهم وإن كانت خاطئة وغير دستورية بنظرنا, ونحن كذلك ضد الحل غير الدستوري لمجلس الأمة, لكن ليس من حق أحد أن يجرم الرأي, ويسن قوانين تحجر على آراء الآخرين, وإلا أي دمقراطية هذه؟!
هناك أناس في الكويت ضد الدمقراطية, ويقولونها علناً, لكن الدستور كفل حرية الرأي, مثلما كفل حرية المعتقد, وهي من أساسيات الدمقراطية التي تربينا عليها, فهل كنا شعباً وحكومة ومجلساً تشريعياً ومؤسسات مجتمع مدني وتجمعات وطنية, نتشدق ونطلق شعارات فقط؟ أم أن هذه الأساسيات نقضت عن عمد من قبل قوى التخلف؟
أنا أظن أن الأمرين لعبا دوراً في ممارساتنا غير الدمقراطية, فالدمقراطية وممارستها تبدأ من الأسرة والمدرسة, فينمو المواطن والدمقراطية في دمه وجزء أصيلاً في شخصيته, فأول ما يجب تعلمه هو احترام الرأي الآخر, واحترام دينه ومذهبه ومعتقداته, لكنه في الواقع أول ما يتعلمه هو القمع, قمع الرأي وإلغاء الآخر وآدميته, فهكذا بنيت شخصيته في البيت والمدرسة, فأساليب التربية الأسرية, والمناهج الدراسية, وعلاقة المدرس بالتلميذ, لا ترسخ الدمقراطية في أذهان ووجدان وسلوك الإنسان, ولا نعلم عن المستقبل, فقد تقود هذه المناهج إلى تفجير التلميذ لنفسه لنسف الرأي الآخر.
أما قوى التخلف التي أساسها التكفير والعداء للتقدم وللمجتمع وأتهام الناس بالزندقة والفاحشة والانحلال الأخلاقي, تتهم الناس بأنهم يريدون مزيداً من اللقطاء, ويمنعوهم من الفرح, يمنعوهم من اختيار طريقة تعليم أبنائهم.
هؤلاء لم يتربوا في مؤسسات مجتمع مدني ديمقراطي, بل تربوا على إلغاء الدمقراطية, إلغاء الثقافات المخالفة لها, والمعتقدات المخالفة لها, والأفكار والآراء المخالفة, إلغاء حتى الدستور الذي يعملون في ظله ويستفيدون منه لتنفيذ مخططهم لإلغائه.
ترهل الفكر السياسي, وانصرفت الأنظار عن المنطلق الأساسي, وساد التشوش وعدم التركيز, وأدخل الناس في نفق التيئيس, ونسينا أن لدينا ميزة لا يملكها غيرنا, لدينا دستور إن تمسكنا به انتصرنا, وإن تخلينا عنه انهزمنا كشعب, فماذا نريد لأبنائنا بعد عشرين سنة؟ لنعمل الآن!

Sunday, June 22, 2008

عندما غاب العقل




غاب التقدم والرخاء في الدولة الإسلامية, عندما بدأ المسلمون يلغون العقل, وحاربوا استخدامه, فتخلفت الدولة الإسلامية, وعاش المسلمون في ظلام تحت رحمة الغلاة والجهلة والمتخلفين من رجال الدين, وأصبح كل جديد بدعة, وكل بدعة حرام, مهما كان هذا الجديد, سواء كان اختراعاً يسهل حياة الناس, أم أفكاراً خلاَقة ومبدعة.
ومن الناحية العلمية, إن العقل كلما استخدم كلما ازدادت آفاق قدراته وإمكاناته, فإذا كنا في هذا العصر المتقدم, لا نستخدم أكثر من 3% من قدراتنا العقلية, فما بالك بالناس الذين منعوا من التفكير والاجتهاد قسراً أو ترهيباً؟
يحكى أن أحد أبناء عم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي طيب الله ثراه, وهو من المتزمتين, -والعهدة على الراوي- أتاه وقال:"بناتك غير ملتزمات باللباس الشرعي, ولباسهن مخالف للإسلام", فرد عليه الشيخ يوسف غاضباً:"انت تعلمني الإسلام؟! هذه حياتهن الخاصة, وحريتهن الشخصية".
كان ذلك عندما كان لدينا علماء دين عقلانيين, مثل الشيخ عبد الله النوري, وعبد الله خلف الدحيان وغيرهم, ممن يخشون الافتاء بصفته مسؤولية جسيمة, وعبء على الضمير, ولا يجب أن يترك للسفهاء والأطفال.
كل أعضاء مجلس الأمة الذين نجحوا في الانتخابات الأخيرة, تكلموا بفصاحة عن التنمية والإصلاح, فخلنا أن هذا همهم الأول, لكنهم في الجلسة الأولى شكلوا لجنة الظواهر السلبية, وطلبوا تحويل موضوع لباس الوزيرتين إلى المحكمة الدستورية, والاحتجاج على لجنة ستار أكاديمي, ووضعوا مشروع قانون للتعدي على أملاك الدولة, وأدانوا أناس احتفلوا في مكان مغلق, ووصفوا الحفل بالمجون والفجور, كان هذا إنجازهم في الجلسة الأولى, ولم يتطرق أي منهم إلى التنمية والإصلاح, ولا إلى القضايا التي تؤرق الشعب الكويتي, مثل تخلف التعليم وتدني الخدمات في مرافق الدولة, ظنوا أنهم انتصروا على الكويت وشعبها, لدرجة أن بعضهم رفض الوقوف احتراماً لعلم الكويت, والسلام الوطني.
كان همهم هو تقيد الحريات الشخصية, بمزيد من التقييد, في محاولة منهم لإعادة مشروع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كان همهم الاستيلاء على أملاك الدولة, ومخالفة القوانين, واتهام الناس بكل أنواع الاتهامات السوقية والمبتذلة, وتعطيل التنمية والاستخفاف بآمال الشعب الكويتي وطموحاته بوطن عزيز وقوي ومتقدم, فجل اهتمامهم هو ردة المجتمع وتخلفه عن ركب الحضارة.
أقوياء على وطنهم ودولتهم والنظام الذي يعيشون في ظله, ولعل كلمة صاحب السمو أمير البلاد, وتحذيره الحازم بأنه سيتدخل لضمان سير البلد نحو مشروعات التنمية, هي ما تجعلنا نتفاءل أن المركب لن تكون "سمًاري", وأن هناك عزماً على عدم السماح بالتجاوز, وأن الكويت لن تتحول إلى دولة دينية, أو قبلية, فالمرجعية هي القوانين والمؤسسات المدنية.
وهنا لا أعفي القوى الوطنية من مسؤولياتها, وعدم قدرتها على استقطاب الشارع, أو حتى رص الصف الوطني, وهذا ما أثار استياء الشباب, وجعلهم يقررون تأسيس تجمع شبابي, "تجمع صوت الكويت", لأنهم أدركوا أنهم أكثر حيوية وعملية من المخضرمين وذوي الخبرة السياسية, التي لا غنى عنها, لكن دون الاستعانة والوثوق بالطاقة الشبابية الوطنية, فستترهل هذه الخبرة السياسية.
إذا كنا لا نعول على مجلس الأمة لرقي وتقدم البلد, فالخشية أن يكون الأمر أبعد من ذلك, الخشية أن يقود هذا المجلس البلد إلى الدمار, بسبب تعطيل التنمية, وسن قوانين تتيح لهم الاستيلاء على أراضي الدولة, واستنزاف المال العام بإرسال أقربائهم للعلاج السياحي في الخارج, واسقاط القروض, ونخشى أكثر من أن يصلوا داخل بيوتنا ليحسبوا علينا كل حركة ويسمونها ظواهر سلبية, ونخشى كذلك ضياع هوية الوطن والشعب, بظواهر وسلوكات لا تمت للمجتمع بصلة.
لكن قد تأتي نجدتنا على يد مجلس الوزراء, وصحوته من التراخي والمهادنة والمجاملة, والتطبيق الحازم للقوانين على الجميع, والحد من تعدي أعضاء مجلس الأمة, على السلطة التنفيذية وعلى حريات الشعب.

Sunday, June 15, 2008

أنا كويتي حر



وأحب الكويت, وأعشق كل ما فيها, برها, بحرها, ربيعها, حرها وبردها وناسها, مثلي مثل كل الكويتيين الأحرار, الذين لم تستطع قوة في الدنيا سلبهم حريتهم, لم يستطع الوهابيون, ولم يستطع الغزو الصدامي سلبهم هذه الحرية, وعندما تسأل أي كويتي: ما أغلى شيء لديك؟ لابد وأن يجاوبك: الحرية التي جبل عليها أهلي وأجدادي, وسأنتزعها من بين فكي أسد إن اضطررت.
كنا نحلق بين موانئ الدنيا بأشرعتنا البيضاء, كأجنحة طيور النورس, مستعينين بالغناء والنغم على الشقاء, بل كنا ننثر بعضاً من أنغامنا في موانئ الآخرين, مثل ميناء عدن والمكلا, ونأتي بالأنغام التي تعجبنا من موانئ أخرى, كي نمزجها مع فنوننا, فنحن لا نرفض الآخر وفنونه, ولا ثقافته أو دينه, نحن نحب البشر بتواضع نبيل, ولذا أحبنا البشر.
نحن أبناء السندباد, نحن أبناء النمور التي كانت تكشر عن أنيابها, وتقاتل بضراوة للدفاع عن هذه الأرض وعن الحرية الغالية, نحن ابناء النور ونكره الظلام, نحن صدرنا النور إلى الشعوب الأخرى, أهلنا وأجدادنا كانوا عظماء في بساطتهم وتسامحهم وتحضرهم.
كان الكويتيون يمزحون في الخمسينيات والستينيات, فعندما يسأل أحدهم: لماذا فعلت ذلك؟ يرد:"كيفي أنا كويتي", الكويتيون يعتزون بانتمائهم لهذه الأرض, لهذا الوطن, لهذا الشعب, لأنه لا يوجد شعب يضاهيه بامتيازات الحرية, ولن تستطيع قوة في الدنيا سلب هذه الحرية من الكويتيين.
لم نجزع يوماً ولم نخف من تهديد, بل زادتنا الخطوب صلابةً وتمسكاً بحريتنا, واجهنا خطف الطائرات وقتل الأبرياء, واجهنا الإرهاب بكل أشكاله, واجهنا الاحتلال والأسر والتعذيب والتنكيل, واجهنا محاولات الانقضاض على دستورنا, واجهنا الردة ومحاولات جرنا عكس عجلة التاريخ, وكل ذلك جعلنا نتمسك أكثر بتراب الوطن, وبنموذج الشخصية الكويتية الحرة.
بنينا المدارس والمستشفيات والمؤسسات الثقافية والصحفية الحرة, وانطلقنا على دروب العلم والمعرفة والانفتاح والنور, كنا أخوان وأخوات الريح في تقدمنا, كانت الدار دار أمان لكل من يحل فيها, أياً كان أصله أو دينه, كانت ملاذاً للعرب, وللثورة الفلسطينية, وكنا دعماً لتحرر الشعوب العربية, كنا نموذجاً مضيئاً, وضعنا سقفاً عالياً للحرية وبناء المجتمع المدني, لم تستطع الدولة الأخرى الوصول له.
أنا كويتي حر, ولن تقف لجنة مخالفة للدستور ولأعراف وعادات أجدادي, بوجه حريتي وحرية أبنائي, الذي تربوا بكل فخر على حرية آبائهم وأجدادهم, وستنتهي هذه اللجنة, وستصبح وصمة مخجلة للشعب الكويتي, لكنها لن تبقى, ولن يستطيع الطارؤون على السياسة والثقافة الكويتية, فرضها على أبنائي وأبناء شعبي, وعلى هؤلاء قراءة تاريخ الكويت ليعرفوا معدن شعبها.
أنا كويتي حر, كنت هنا عندما ظن صدام أنه سلبني حريتي, كنت وأبنائي هنا وحملت السلاح والقلم دفاعاً عن حريتي وحرية أرضي, وكان أبي وجدي هنا عندما مرت الخطوب على الكويت, حمل جدي السلاح دفاعاً عن السور والجهراء, وحمل أبي السلاح ضد تهديد عبد الكريم قاسم, فالحرية والدفاع عنها في دمي ودم أبنائي, ودماء جميع الكويتيين.
لم نكن نريد عودة الكويت والشرعية من أجل اسقاط القروض, أو من أجل الاستيلاء على أملاك الدولة, أو نهب أموال الشعب من خلال المناقصات, لم نكن نفكر إلا بحريتنا وكرامتنا, ولأننا ربينا على فداء الوطن بدون شروط أو منة, لأننا ربينا على حب الكويت وعلى الحرية, التي يعتبرها كل الكويتيين خطاً أحمراً, لا يجوز تخطيه لا من سلطة تشريعية ولا من سلطة تنفيذية, ولا من كائناً كان.
أما لجنة الظواهر السلبية, فهي من الظواهر السلبية الطارئة على الكويت, ولن يكتب لها الحياة مع شعب كهذا, مثلها مثل كل محاولات الاعتداء على حقوقنا وحرياتنا.
لذلك سأظل كويتياً حراً, وسأظل أحب الكويت, ولن أتخلى عن حريتني مهما كان الثمن.



Sunday, June 8, 2008

الأمن ثقافة




نشرت القبس سلسلة من التحقيقات، حول "تجاوزات رجال الأمن", وهو ما نوهت عنه في بعض المقالات, حيث يعكس ذلك غياب هيبة القانون, وعدم تطبيق العدالة بشكل حازم على الجميع.
قلت: أن الزي العسكري كان يبعث فينا شعور الأمان في الماضي, ولكنه الآن يسبب لنا قلقاً وعدم شعور بالأمان في بلدنا, نسي الناس شعار "الشرطة في خدمة الشعب", وحل محله "الشرطة تهديد للشعب", فمن يفترض به حمايتنا وحماية بناتنا, يقوم بانتهاك حرماتنا ويهدد بناتنا, ويسئ معاملتنا, ويخالف القوانين ويزور ويغير بالبيانات, ويتلقى رشاوى, ويبيع رخص السوق للعمالة الهامشية, وغيرها من الممارسات التي تقوض أمن المجتمع.
فعدد حالات التحرش الجنسي والخطف وانتهاك العرض, باتت منشورة بالصحف, بل آخذة بالازدياد, إضافة إلى تعاطي المخدرات وتهريبها, والاستقواء بالزي الرسمي لإهانة الناس, وسبهم وضربهم أحياناً.
كتبت بعد الحرب في العراق, أن الضباط والشرطة في نقاط التفتيش, كانوا يسمحون للابسي "الشماغات" بالمرور دون الاطلاع على هوياتهم, ولكنهم في كل مرة يوقفوني فترة, لأني ألبس بنطلوناً, وكثير من الأحيان يسألون من التي معك, قاصدين زوجتي التي تجلس إلى جانبي بالسيارة.
عندما بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م, كنت وقتها ضابطاً بالتجنيد, وكلفت بحراسة منطقة شعيبة وفحيحيل, وزودت بسبعة سيارات جيب, وعدد كبير من الجنود, وكانت سيارة القيادة المتصلة بغرفة العمليات بحوزتي, وكانت تأتيني عشرات من شكاوى المواطنين, من تعامل الجنود معهم في نقاط التفتيش, وعندما يحتج المواطن يقوم الجندي بتحطيم سيارته ب"أخمص" البندقية, وعاقبت بالسجن العديد من الجنود في حينها, وعندما اجتمعت مع قائدي اقترحت عليه ابعاد الجنود عن المناطق المدنية, وتركها لرجال الداخلية المدربين على التعامل مع الجمهور باحترام وتقدير, وشرحت له أن جنود وزارة الدفاع, لم يدربوا على التعامل مع المواطنين, ويتعاملون بهمجية وتسلط مع الناس, وبالفعل حصرت حمايتنا على منطقة شعيبة الصناعية.
والآن, نستعين بمن ليخلصنا من شرور وفساد بعض أفراد وضباط الداخلية؟! إن شكونا من مخالفات المرور, سنجد أن الدوريات أكثر من يخالف ويتهور, ويشغل الإضاءة على الدوريات بداع ودون داعي, وإن شكونا من الازدحام والتجاوزات والمضايقة في الشوارع, سنجد أن بعض الفاسدين يبيعون رخص السوق على كل من هب ودب, بمن فيهم العمالة الهامشية, بمبلغ 150 ديناراً, وإذا علمنا أن بعض السيارات القديمة تباع بمئة دينار, سيبطل العجب, ناهيك عن إلغاء المخالفات لابن القبيلة, وغيرها من حوادث المخافر, حيث القبيلة تسبق العدالة.
لكن لدي حكاية تختلف, حكى لي صديق يعرف عقيداً بالداخلية, خرج من الجمعية بلباس مدني, فوجد سائقاً هندياً يسد مخرج سيارته من المواقف, فطلب منه أن يزيح سيارته كي يخرج, ولكن السائق ظل رافعاً لزجاج النافذة "حرفياً", وفي النهاية أنزل الزجاج, وقال للضابط:"يلا ولّي", ولأن الضابط لا يستقوي بقبيلته, ولا يعتد إلا بالقانون, إتصل على الدوريات التي أتت وخالفت السائق, ولكن بعد أيام فوجئ الضابط باستداعئه لقضية اعتداء, فما حصل هو أن السائق اشتكى "لمعزبه", الذي يعمل شرطياً, فاتفق المعزب معه على جرح رقبته, والادعاء بأن الضابط فعل ذلك, وبالفعل حكم على الضابط بالسجن, وبالاستئناف أوقف التنفيذ.
لا فرق اطلاقاً بين تجاوزات الشرطة, وتجاوزات بعض الطارئين الفاسدين في مجتمعنا, تبدو الثقافة واحدة, فالعدالة مفقودة, وهيبة القانون منتهكة, والأمان مفقود بسبب هذه الثقافة التي لم نعتدها, بسبب غياب التحضر والرقي الذي لازم الكويتيين فترة طويلة من الزمن.
بحت أصواتنا ونحن نكرر: الثقافة أولاً, التنمية أولاً, فلا تنمية وإصلاح دون ثقافة وتحضر, دون عودة الاعتبار لمجتمع المؤسسات المدنية.

Sunday, June 1, 2008

نعم أرجلنا في الوحل ولكن ..





عند قرب نهاية العقد الماضي أحسست "بنوستالجيا" أو شجن للقرن الماضي, وهو قرن لم يكن بشعاً في مجمله, وقد وقعت في حب بعض العقود التي عشتها والتي لم أعشها, وعندما نظرت من موقع أبعد, وجدت أن نوستالجيا وحنيناً آخر الى الألفية الماضية, وتذكرت بعض القرون التي وقعت في عشقها, لم يكن هناك بد من الاعتراف بأن العالم متناهي في الصغر.
هل هو الاحتلال الذي أصابني في أضعف نقطة بأول العقد الماضي؟! أم هو وجه العالم الجديد الذي مد إلي لسانه الكبير و أربك نظامي؟!
أنا أفهم أن الأمور لا تسير في طريق التاريخ كما تسير على " الهاي واي" أو طريق معبدة, فالحواجز تظهر أحياناً دون لافتات تحذير تسبقها, وهنا لا أعني عن نتائج بلا أسباب, ولكني أعني تلك الأمور غير المرسوم لها في نسقنا العقلي والمنطقي, فأحياناً يمكن ان يموت شخص مفتول العضلات من الغرغرينا، فقط لأنه استهان بالجرح الصغير, نحن كنا هذا الشخص.
نحن جناة وضحايا, ردعنا الشجاعة بذريعة الوحدة الوطنية وردعنا الحق بذريعة الديمقراطية, فهل يمكن تجزئة الإحباط؟! وهل يمكن تجزئة الانتصار؟! كنا جناة عندما أسدلنا ستائر ستالين, تلك التي عندما كان يمر بقطاره بين القرى فحذره أحد رفاقه أنه سينزعج من مناظر البؤس في هذه القرى فقال ستالين: "بسيطة أسدلوا ستائر القطار ولن نتألم من هذه المناظر", نحن أسدلنا ستائر ستالين على الجرح الصغير.
كنا ضحايا الأمل المخادع "لهاي واي" نسير فيه الى الخلاص, كما كنا ضحايا عندما ضحكنا كثيراً ولم نقل: " اللهم اجعله خير ", كنا ضحايا وعد من الدنيا بأننا سنكون على خير.
في عقد الفرص الضائعة قال التاريخ :"All aboard " وتخلف اثنان من السكارى كانا في البار, فملئا الدنيا صياحاً على الظلم الواقع عليهما، ثم قاما بكيل الاتهامات للتاريخ.
لم يكن السبب الأعداء الوهميين الذين اخترعهم "الرفيق بنشوني" وهي, من أكثر الروايات طرافة, بل السبب كان الخذلان من داخلنا, أضدادنا التي كنا نحملها في دواخلنا وما زلنا.
الهموم جدية بلا شك .. الهموم جدية يا أخي.
هل السر في الفكر؟ نعم هناك انحطاط في الفكر سبب ونتيجة, وهناك خطة لتدمير الشخصية الحضارية, هل ما زلنا نتوهم المؤامرة الغربية؟!.. هل ما زلنا نحلم بالدواء السحري الغربي؟!, لكن الغرب لن يستطيع معالجة شخص يرفض العلاج, بل لن يهتم ان عاش أو مات, وقد يكون الغرب نفسه يعاني من أمراض مميتة, فالرأسمالية التي أعلنت عن انتصارها النهائي بعد الحرب الباردة, خرجت من المعركة وفي قلبها خنجر, إن سحبته ماتت على الفور وإن أبقته ظلت تحتضر الى فترة أطول من المعتاد.
انحطاط الفكر هو ما جعل جماعة طالبان يدافعون باعتزاز عن جريمة تدمير التراث الإنساني في أفغانستان, هو ما جعل بعض أعضاء مجلس الأمة يهاجمون الثقافة, ويقاتلون من أجل ثقافة وقف الزمن.
نعم أن الجهود ذات الدفع الإيجابي التي قام بها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لاستعادة المجد الاقتصادي الكويتي القديم, والذي رفرف بجناحيه بعيداً في عقود الفرص الضائعة, هي جهود توقظ تفاؤلاً مع قهوة الصباح ومنشيتات الصحف..لكن ماذا عن المجد الثقافي والحضاري الذي –برأيي – صنع المجد الاقتصادي, ولولاه لكانت الوفرة النفطية مجرد إسمنتاً وأحدث الهواتف المتنقلة فقط, بيد أن الثقافة والتحضر قدما للكويت عبر عقود, قيمة مضافة..وإن شئت تميزاً..
السر في السؤال: هل نريد نقوداً "بانك نوت" أم تنمية؟!..
كانت المؤامرة على الثقافة والتحضر تأخذان مداهما عبر العقود المفقودة من تاريخ الكويت, فما أن يعرض فلم وثائقي عن الكويت حتى يبدأ بجمال وبيوت شعر تهفهف مع الرياح والغبار, حتى أعتقد أبناؤنا أن تلك هي الكويت, وتلك هي الثقافة الكويتية فقط, وليس صحيحاً أن الكويت أنجبت شعراء يسكنون في بيوت ويقرءون الكتب ويعرفون الإلياذة, فقد كان فهد العسكر أسطورة وصقر الشبيب أكذوبة, والشيخ يوسف بن عيسى والشيخ عبدالله السالم وهماً, وكل الأسماء مثل عبد العزيز حسين وعبدالله زكريا الأنصاري وعبد الرزاق البصير وغيرهم, كانت دعاية عنصرية, لم يكن في الكويت إلا إبل وفتوى ضد أصنام بوذا وفيلكا, وما السبعة آلاف عام من الحضارة والتي أثبتتها الحفريات في الصبية, إلا أحلام الطارئين من التغريبيين.
يقول أحد أعضاء مجلس الأمة: ما علاقة الغناء بالثقافة ؟ وبالمقابل يقول أكاديمي ليبرالي: ما علاقة برنامج عالم الحيوان بالثقافة؟ يالا بؤس الثقافة, أليس كورس الحضارة واحد؟ لا يمكن تجزئته مثل الإحباط والانتصار لا يمكن تجزئتهما.
هذا يمارس الجهل وذاك يمارس الجهل, وجميعهم يمارسون العنف في الوقت المناسب, لكنني أحذر دائماً من شماعة الغزو وحده, وأتنبه مرة أخرى الى الحراك الاجتماعي, والفئات التي لم تعتد تكوين المجتمع الكويتي, ولا الى حواراته من أجل مستقبله منذ عقود طويلة.
النوستالجيا لا تعني فقط التغني بالماضي الدافئ, ولكنها تعني أهم من ذلك, تعني الاستفادة من ال Left over" " العقود والقرون والألفية التي مضت, لا نريد أن نتذمر كثيراً وننسى أن العربة التاريخية تسير الى أمام.
أحمد الله أن قلبي ما زال ينبض, وعقلي ما زال يعمل, وسأصحو غداً على أمل جديد, وسأمد ذراعي علها تلتقي بذراع أخرى, كي ننتشل بعضنا من الوحل.
فرغم أن أرجلنا في الوحل, إلا أن أعيننا شاخصة الى النجوم.



· أرجلنا في الوحل لكن عيوننا شاخصة إلى النجوم مقولة لكاتب أمريكي نسيت اسمه.