مرت البشرية بعدة تشكيلات اجتماعية اقتصادية عبر مراحل تطورها, واختلفت أدوات ووسائل الإنتاج, وتغيرت مواقع المنتجين والمالكين أو أصحاب العمل, وتم استعباد واستغلال قوة عمل الناس لصالح بعض الناس, سواء عن طريق الحروب والغزوات التي وفرت للمنتصر العبيد والسبايا, أو من خلال سخرة الفلاحين في الاقطاعيات, أو من خلال الحروب الاستعمارية, واستخدام الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) كعمال وكجنود, أو من خلال الاستغلال البشع للعمال في المصانع بمن فيهم الأطفال والنساء.
لكن عبر التاريخ, كانت الفئة الأكثر استغلالاً هي فئة النساء, لأنها الفئة الأقدم التي وقع عليها القهر والاستغلال, ولم يبدأ اضطهاد المرأة بسبب التقسيم البيولوجي, ولكنه بدأ بسبب التقسيم الطبقي, أي بين منتج ومالك, فبعد انتهاء العصر الماطريركي والذي كانت فيه السيادة للمرأة, حيث كانت المرأة تشارك الرجل في الصيد, وتتفوق عليه بإنجاب الصيادين, بدأ العصر الباطريركي الذي أصبحت فيه السيادة للرجل وخاصة بعد اكتشاف الزراعة وتربية الماشية, فبقيت المرأة وخرج الرجل لتحصيل رزق العائلة, وظل دور المرأة إنجاب ورعاية الأبناء, الذين هم قوة الإنتاج في المستقبل, ولذا فكلما زاد عدد أبناء الرجل كلما زادت ثرواته, مما جعل المرأة ملكية هامة, تنتج ثروات للرجل, وكلما زادت عدد نساءه زادت ثرواته, فعاش الرجل من ريع المرأة وما تنجبه.
وأصبحت العائلة تعني الملكية والانتاج, وفي اللغة الإغريقية كلمة famulus تعني العبد المنزلي, وفي اللغة اللاتينية كلمة familia تعني مجموعة عبيد ملك لرجل واحد, وتحولت المرأة إلى متاع يباع ويشترى, فمثلاً عند كثير من القبائل ومنها المنغولية, كانت تقايض المرأة بالحصان أو بالجمل, وكلما زادت خصوبتها زادت قيمتها المادية, دون أدنى احترام لآدميتها, ودون تقدير لإنسانيتها ودورها في الحياة الاجتماعية.
وأصبح عبر التاريخ وفي وعي الرجل, أن المرأة خلقت لمتعته ولزيادة ثرواته, وتقلص دورها الإنساني والاجتماعي, وسحقت آدميتها, فقيدت بالسلاسل كي لا تهرب وجلدت كالبغال عند تقصيرها في العمل داخل وخارج المنزل.
وكانت للحروب والغزوات هدف واحد, هو الحصول على مزيد من الثروات والعبيد والسبايا, وللسبايا أهمية أكبر لأنهن مصانع تنتج مزيداً من العبيد, مما يعني مزيداً من الانتاج ومزيداً من الثروات, وكانت تقاس ثروة الرجل بعدد العبيد والنساء, مقابل عصرنا هذا حيث تقاس فيه الثروات بعدد الشركات والأملاك.
وتحولت المرأة إلى ملكية خاصة ومتاعاً, يتحكم الرجل بمصيرها, ولا يعاملها بمساواة وندية, وأصبح يحجر عليها ويخفيها, كما يخفي الإنسان أمواله في خزانة, ويتعامل معها بسوء ظن, ففي عصور الظلام في أوروبا, في القرن الثالث عشر, واثناء الحروب الصليبية, كان الرجل يقيد وسط المرأة بحزام العفة, بحيث لا يفتح إلا بمفتاح يحمله الرجل معه, وما زالت بعض نماذج هذه الأحزمة موجودة في متاحف العالم, وقد قرأت في منتدى اسمه السندباد, أن شرطياً صينياً اخترع "سروال عفة", يفتح ويقفل إلكترونياً.
وحتى البغاء "أقدم مهنة في التاريخ", هو من صناعة الرجل, ففي المعابد والهياكل القديمة, كان هناك ما يسمى "بالبغاء المقدس", حيث كان الكهنة يختارون الفتيات الجميلات, للترويح عنهم وعن زوار المعبد, وأوهموا المرأة بأن ذلك شرف وواجب مقدس يرضي الآلهة.
ثم أصبح البغاء يدر ريعاً جيداً للرجل, قبل أن يصبح وسيلة عيش للمرأة الفقيرة, وما تزال بعض القبائل في مناطق مختلفة من العالم, تعتمد على الترفيه والبغاء كمدخول لها وللأسر فيها.
في المقال القادم سأتحدث عن الأرث الاجتماعي, الذي حملته المرأة معها عبر التاريخ.