انتهت المعارك الانتخابية، وانتهى معها كل توقع بالتغيير كان مأمولاً، فقد أسفرت النتائج عن المزيد من التشرذم القبلي والإسلامي السياسي والاستقطاب الطائفي، فهل تراجع وعي الناس؟ أم أن الغلبة في الصراع السياسي الكويتي تكون لصالح التخلف، والمال السياسي، ومخالفة القوانين؟ من تراجع هنا، الناس أم سيادة الدولة، أم التنظيمات السياسية؟
نحن نرضى بنتائج الديمقراطية أياً كانت، لكن أي نتيجة للانتخابات البرلمانية، تعود إلى مجموعة عوامل، منها التراخي الحكومي خلال عقود عن تطبيق القوانين، وغياب العدالة في التعامل مع المواطنين، والسماح للفساد بالاستشراء، فغاب دور مؤسسات المجتمع المدني، واستبدلت بالقبيلة والطائفة، حتى غدت مؤسسات بأكملها تحت سيطرة القبيلة، فكل مسؤول يأتي بأبناء عمومته، فتنحت الكفاءات، وأصبحت البلد تدار بأقل قدر من الإخلاص والدقة والإبداع، وأهدرت أموال الشعب، التي كان يجب أن تنفق على التنمية، بسبب عدم النزاهة والإخلاص، وبسبب سياسة التنفيع.
تخلت الحكومة عن حزمها وردعها للمخالفين والسارقين، فلم يعد لرجل الأمن أي هيبة، ولم يعد للقانون أي اعتبار، ولم تعد الوطنية والولاء يعنيان شيئاً، حتى أصبح بعض رجال الأمن يخالفون القانون، ويستقوون باللباس العسكري على أبناء وبنات الشعب، وأصبحت المخالفات المرورية تهدد حياتنا، حتى أصبحت المراجعة في الدوائر الحكومية كابوس للمواطن، وأصبحت البطالة المقنعة هي الأصل، والنزاهة هي الاستثناء.
اختفت عقول البلد، وكوادرها الفكرية، وانتشرت بسرعة قياسية شهادات الدكتوراه المزيفة، تحت شعار "تخرج وانفع ربعك"، الذي رفعه الإسلاميون في الثمانينيات، وأصبح لدينا آلاف من المحامين الذين يدافعون عن القبيلة، أو عن الفساد، والذين سيصبحون وكلاء نيابة، ثم قضاة، هذه السلطة القضائية التي نكن لها كل الاحترام والتقدير، لنزاهتها وتميزها منذ القرن الماضي.
ساهمت الدولة بتجهيل الأجيال، عندما شجعت قوى الإسلام السياسي، وسمحت له بوضع مناهج الدراسية، تدمر العقول ولا تنميها، سمحت له بفرض أجندته السياسية على الشعب الكويتي، وفرض الإرهاب الفكري والمادي، ومحاربة التحضر بكل صوره، حتى ظنت هذه القوى أن لها سلطة فوق سلطة صاحب السمو أمير الكويت، بمحاولة تغيير رئيس الحكومة، وهو حق مطلق للأمير.
وفي ظني، أنه حتى إذا تحولت الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة، فلن يكون هناك التغير المنشود الذي يحلم به الإنسان الكويتي، فالقبيلة والطائفة والإسلام السياسي والفساد، أقوى من الدولة، فإذا لم تعرف الحكومة ماذا تريد من المستقبل، وتستعين برجال تنمويين، قادرين على قيادة البلد إلى طريق التقدم، فلا يمكن أن نعيش الأمل، وإذا لم تخضع الحكومة لصراخ النواب، وابتزازهم الذي أصبح يسئ إلى صورة الديمقراطية، فيمكن عندها أن نعيش الأمل وخطوة في الحلم.
وفي جانب آخر، فرغم الانتصار الرائع للمرأة في المعارك الانتخابية، إلا أن التنظيمات السياسية الوطنية، مدعوة للتفكير بجدية في سياساتها الانتخابية، فالوقت ليس وقت الخلاف والتمزق، والخروج على الصف الوطني، على هذه القوى أن تقدم وجوهاً شابة تمثل الطيف الوطني، وليس فقط الخبرة والقيادة، كان يجب أن تقدم وجهاً شيعياً، ووجهاً قبلياً مثلاً، إضافة للمرأة, وتبدأ منذ الآن في تنفيذ برامجها، سواء تحت قبة البرلمان أو خارجه، لتثبيت مصداقيتها، فلديها كوادر شابة رائعة، قادرة على العمل الوطني بدأب ونشاط.
التغيير الذي يمكن أن يتم في هذه المرحلة، هو تغيير شكل الحكومة التقليدي، والابتعاد عن المحاصصة، بتوزير كفاءات وطنية قوية، وتدعمها دون خوف من المجلس وصراخه ووعيده، حكومة قوية تسير في طريق التنمية، دون تردد، وغير ملتفتة للسذاجة البرلمانية، التي لا نعول عليها في التغيير، وتنمية البلد، في الوقت الراهن، وبهكذا تشكيلة.