Tuesday, September 7, 2010

رجال الدين والخدمات الاجتماعية



لدي أصدقاء قساوسة مسيحيون لبنانيون منذ سنوات طويلة، منهم الدكتور الأب إيلي كسرواني، وهو شخصية لبنانية مرموقة على مستوى لبنان والعالم، وهو صاحب علم ومؤلفات في النصوص الموسيقية الآرامية، التي قضى زمناً من عمره في البحث عنها من خلال الآثار، وقد يكون هذا التخصص من النوادر، ولديه اهتمام كبير بالموسيقى، فالآراميين نحتوا النوت في الصخور، وأولوا الموسيقى أهمية مثلهم مثل جميع الحضارات البشرية، بما فيها الحضارة الإسلامية، التي كانت أول من استخدم الموسيقى في العلاج النفسي.
لدى القساوسة المسيحيين تقسيم للعمل الاجتماعي فيما بينهم، إضافة إلى واجباتهم الدينية، فمن المعروف أن رهبان الأديرة، كانوا يوفرون منتجاتهم الغذائية ذاتياً، أي كانوا وما زالوا يزرعون الخضروات والفواكه، وينتجون الحليب من الماعز والأبقار التي يربونها، وما يفيض يوزعونه على القرى والضيع، أو يبيعونه بأسعار رمزية، علماً بأن كل إنتاجهم عضوي.
وهم زاهدون بالمال والثراء، إلا ربما قلة غير ملتزمة، ولكنهم يفعلون المستحيل لمساعدة المحتاجين من كل الديانات والطوائف، سواء مسلمة من كل المذاهب، أو مسيحية من كل الطوائف، سواء كانت مساعدات معنوية أم مادية، فهم إن دعت الحاجة، يعملون كمعالجين نفسانيين.
فإذا كان الأب كسرواني يدرس في الجامعات، ويطوف بفرقته الموسيقية لجمع التبرعات، فإن الأب بول الميكانيكي الماهر، يشتري السيارات المعطوبة، ثم يصلحها بيديه، ويبيعها بسعر أعلى لصالح إحدى الأسر المحتاجة، كما أنه يدرس تطوعاً الموسيقى لأطفال الفقراء، وهناك الكثير من الخدمات الاجتماعية، تقدم كل حسب اختصاصه أو قدراته.
وقد كنت موجوداً بالصدفة، عندما اتصلت سيدة مسلمة، أرادت مساعدة لابنها "علي"، لكي يحصل على عمل ليعيل والدته وأخوته، كما كنت موجوداً أيضاً عندما طلبت إحدى الأسر المسلمة مساعدة، كي يكمل إبنها تعليمه، وعمل أحد القساوسة سمسار عقارات، عندما أرادت إحدى الأسر الهجرة من لبنان، وكان لديها عقار أرادت أن تبيعه، وحتى أن القساوسة قدموا خدمات بتنظيف الشواطئ والشوارع.
واهتمت الكنيسة اهتماماً استثنائياً بالعلم، فأول مطبعة في الشرق جلبتها الكنيسة اللبنانية عام 1610م، كما أن أول جامعة لبنانية "الجامعة اليسوعية"، كانت من تأسيس الكنيسة في القرن التاسع عشر، كما أن الرهبان حرصوا على المحافظة على اللغة العربية، في ظل الاستعمار العثماني، فعلموها لأبنائهم في الأديرة.
الغريب في الأمر، ورغم معرفتي الطويلة بهؤلاء القساوسة، لم تتم محاولة تبشيري بالدين المسيحي، بل كانوا يحرصون على تهنئتي بالمناسبات الدينية الإسلامية، مثل شهر رمضان والأعياد، والمولد النبوي.
كانت مناسبة المقال، هو قدوم عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا بالخير والسلام والمحبة.

osbohatw@gmail.com

No comments: