Saturday, July 25, 2009

عماد التنمية



لا أحد منا يختلف حول أهمية التعليم كأساس لبناء الأوطان, فالمواطن المتعلم تعليماً جيداً وحديثاً, هو الرأسمال الأساسي للتنمية والتقدم, أما الثروات الطبيعية, فهي إلى زوال حتمي, إذا لم نحسن استثمارها.
والتعليم بالذات, لا يجب أن لا يخضع للتسيس أو الشخصانية, بل يخضع للمقاييس التربوية والعلمية, التي تحقق مصلحة الشعب بمختلف فئاته, وهذا يحتاج إلى الصدق والنزاهة والنضج ومواكبة أحدث ما توصلت له نظريات وطرق التعليم في العالم, بما لا يناقض المصلحة الوطنية.
وفي الواقع بدأت دولة الكويت, في بداية بنائها الحديث, في وضع مناهج متقدمة, تخرج كوادر ذات أفق واسع, وثقافة عالية, وفكر متسامح ونقدي وتحليلي ومقارن, أساسه الاكتشاف وليس التلقين وحشو المعلومات, وكانت هناك كفاءات تعليمية مشهود لها, كويتية وعربية, لا تركز فقط على المنهج, ولكنها تهتم بالتربية أيضاً.
ففي تربية المدارس في الكويت المتقدمة سابقاً, كانت الأخلاق والمواطنة الصالحة, من أهم أسس التعليم, فيتخرج الطالب والطالبة ولديهما ثقل نظري, ومهارات ذهنية وسلوكية, لديه القدرة على التعبير عن نفسه وعن رأيه, قولاً وكتابة, ولديه معارف واسعة.
والمناهج الكويتية تلك, ساهمت أيضاً بتخريج كوادر خليجية, بنت الدولة الخليجية الحديثة, سواء أرسلت المناهج إليها, أو انتسب أبناء الدول الخليجية إلى مدارس الكويت, ناهيك عن الأخوان العرب الذين ولدوا وتربوا ودرسوا في المدارس الكويتية.
هذه الكوادر التي درست في خمسينيات وستينيات وحتى سبعينيات القرن الماضي, ساهمت بفاعلية في بناء وإدارة مؤسسات المجتمع الحديث, بما فيها المؤسسات التعليمية, كانت كوادر واعية مثقفة, تساهم بفعالية ومسؤولية في الحدث المحلي, وكانت القراءة والمتابعة عادة اجتماعية لديها.
كنا نفخر بتعليمنا, حتى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات, عندما سيطر الإسلام السياسي على وزارة التربية, وفرض مناهج تقترب من أجندته السياسية, ونقل التثقيف الحزبي من الخلايا إلى كل أبناء وبنات الكويت, وسادت لعدة عقود حملة تجهيل, أخرجت طالباً شبه أمي, وهذا الطالب أصبح مدرساً ضعيفاً, يخرج طلبة أضعف منه, لا يفقهون من أمور العلم والحياة وحتى التربية شيئاً, وتم ترويع أبنائنا الصغار بعذاب القبر, وتحريم الفنون, وخلقوا منهم أبناء عاقين, دخلوا في صراع مع والديهم الذين تربو بانفتاح وتسامح مع الغير.
وانتشرت آفات كبيرة في المدارس, بسبب غياب التربية الصحيحة فيها, مثل انتشار المخدرات, والعنف ضد المدرسين وضد المنشآت المدرسية, وازدادت نسبة الاعتداء الجنسي على الطلبة والطالبات, وتضاعفت ظاهرة الدروس الخصوصية, وكثيراً ما حرض المدرس طلابه على الغياب, خاصة قبل وبعد العطل الرسمية, وانخفضت ساعات التدريس, لدرجة جعلت المنظمات التربوية العالمية, تحذر من خطورة قصر اليوم الدراسي في الكويت, ولكن مالا تعرفه هذه المنظمات, أن الموضوع لا يتعلق فقط بعدد الساعات الدراسية, بل بما تحويه هذه الساعات من علم ومعرفة وتربية.
وحتى طلبة البعثات والدراسات العليا, كانو يختارون بناءً على انتمائهم السياسي, فالقيادات في وزارة التربية في ذلك الوقت, كان شعارهم "تخرج وانفع ربعك", وعندما كنت في الولايات المتحدة للدراسات العليا, كنت أتابع هؤلاء الطلبة الذين كان كل همهم, هو التخرج بأي ثمن, فيدرسون في بعض الجامعات, التي يعمل فيها دكاترة عرب, يبيعون الشهادات, مثلما حدث مؤخراً في الجامعة البريطانية التي يديرها باكستانيون, والتي خرجت العديد من كوادرهم, دون حتى أن يتواجدوا فيها, ومعظمهم طلبة ينتمون إلى الإسلام السياسي, والمصيبة أنهم يدرسون في الجامعات والمعاهد الكويتية, ولا يعرفون إلا بضعة كلمات بالإنجليزية.
في منتصف الثمانينيات, كنت أعمل موجهاً للتدريب الميداني, لطلبة وطالبات قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت, واندهشت كثيراً من تقاريرهم التي كانو يكتبونها باللهجة المحلية, وكان يصعب علي تفسير أو قراءة تقاريرهم.
أظن أنه آن الأوان, إذا كنا نهدف إلى عودة الكويت, إلى مركزها المالي والتجاري والثقافي, أن نعيد تأسيس مناهجنا الدراسية, لعل وعسى نستطيع خلق مواطن قادر على البناء والتنمية, بعد عقدين أو ثلاثة.

Sunday, July 19, 2009

الكوكب الغاضب


هناك برنامج علمي وثائقي بعنوان angry planet , أو الكوكب الغاضب, وهو برنامج يتابع ما تمر به الكرة الأرضية من كوارث طبيعية, مثل الزلازل والبراكين, والعواصف, والتغيرات المناخية غير الطبيعية.
وجرى الاهتمام عالمياً بما يسمى ظاهرة الاحتباس الحراري, وعلى مستوى الدول, وليس فقط على مستوى الجمعيات المهتمة بالبيئة, فهناك اهتمام جدي في الكونغرس الأمريكي, وهناك اجتماعات على مستوى رؤساء الدولة, لمناقشة ومعالجة هذا الأمر الذي يهدد بفناء الأرض ومن عليها في المستقبل.
وظاهرة الاحتباس الحراري حسب موسوعة وكيبيديا, هو ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي, وحسب اللجنة الدولية لتغير المناخ Ipcc, فإن أغلب الزيادة الملحوظة في معدل درجات الحرارة, بسبب زيادة غازات الاحتباس الحراري, تأتي من نشاطات وتصرفات البشر, فالولايات المتحدة, هي أكبر منتج لانبعاث ثاني أكسيد الكربون, الناتجة عن نشاط البشر, ويقصد به افرازات المصانع, وبعض المنتجات الملوثة.
وهذا سيسبب مزيدا من التصحر, لانخفاض هطول الأمطار, أو انهمار أمطار حمضية تهلك النباتات, وايضاً زيادة وشدة العواصف بما فيها المغبرة, وانتشار الأمراض المعدية, وانقراض العديد من الكائنات الحية والنباتات, وغرق بعض المدن الفقيرة بسبب ارتفاع منسوب المحيطات, نتيجة لذوبان جليد القطبين.
كل ذلك سببه تصرفات الإنسان, الذي ما زال مصراً على التجارب النووية والكيميائية, وقطع الأشجار, واستخدام القنابل والمتفجرات بأنواعها, وردم النفايات النووية, واستخدام المصانع والشركات لكل الوسائل من أجل الربح ومضاعفة الربح, حتى وإن كانت على حساب قصر عمر الأرض.
تعاملنا بروح تدميرية مع كرتنا الأرضية, ولم نتعامل بمحبة, فنحن سبب الخلل والتشويه اللذين طالا الأرض والمناخ, نحن سبب الاحتباس الحراري, فالأرض كانت منسجمة مع نفسها, وجئنا بصلفنا وقلة مسؤوليتنا وتحضرنا لنربك انسجامها.
والأوطان هي جزء من هذا الكوكب, بما فيها المدن والشوارع والمتنزهات, وكل عمل لا مسؤول تجاه الأراضي والبحار والأنهار والغابات, هو مشاركة في تدمير الأرض, كل تخريب للمباني ولجمال المدينة والشوارع, هو مساهمة في التلوث والتخريب.
نحن نذكر عندما كانت الكويت جميلة ببرها وبحرها وشوارعها, نذكر عندما كانت مقراً مؤقتاً لطيور الربيع, واحدى محطات الترانزيت لطيور البط, ونذكر عندما كان البر مخضراً وزهور النوير ممتدة على مد البصر, نذكر عندما كان لدينا فراشات, نذكر عندما كانت رمال الشواطئ ناعمة نظيفة, كانت بيضاء وعذراء, وكان البحر رائقاً, والأسماك وفيرة.
تحولت شواطئنا إلى مجمعات قمامة, ومخلفات بناء. واختفت بعض أنواع الأسماك وتضاعفت أسعار ما توفر منها بسبب ندرتها, هذا ونحن بلد بحري, وقتلت مرابي الأسماك, بسبب دفن البحر للتوسع العمراني, وتغيرت بيئة قاع الخليج, بسبب العبث بالشعب المرجانية, والصيد بطريقة "الكراف" أو الجرف أيا كان الكائن البحري, حتى تحولنا إلى مستوردين للأسماك ولمنتجات البحر.
تحولت الأراضي البرية إلى صحاري قاحلة, لا تستطيع حتى الزواحف العيش بها, واختفت الثعالب وكثير من الحيوانات المألوفة, واختفت الطيور بسبب الصيد العشوائي والعبثي, واقتلع العرفج بكميات كبيرة, لاستخدامه كأعلاف للماشية, واختار البط عبور أجواء الكويت ليلاً, خوفاً من المجزرة.
وتحولت المناطق السكنية إلى مبان ومساجد من التنك, وازداد التلوث نتيجة لتضاعف عدد السيارات, بسبب الفساد وبيع رخص القيادة لأي وافد, وامتلأت الجسور بالكتابات والألوان القبيحة, وتحولت الأرصفة والشوارع إلى قمامة.
والحل لا يكون إلا بإجراءات حكومية حازمة, لا يكون إلا بحملة وطنية تشترك بها قوى المجتمع الحية, لحماية ما تبقى من الكويت, فإنشاء المحميات أمر مهم, ولكنها ليست كل الكويت, والإجراء الحقيقي يبدأ بالإنسان.
بعد كل ذلك, إلا يحق لكوكب الأرض أن يغضب؟

Sunday, July 12, 2009

المعارضة الشريفة




يتردد هذه الأيام رأي سطحي ومتهافت, على أثر الاستجواب الذي قدمه بعض النواب الأفاضل لوزير الداخلية, هذا الرأي يقول بما معناه, إنتقلت المعارضة الوطنية من المناطق الداخلية إلى المناطق الخارجية, فمن يحمل لواء المعارضة الوطنية الآن هم أبناء القبائل, أما المعارضة الكويتية التقليدية فقد إنتهت, وإن الاستجواب الأخير أثبت بطولة معارضة أبناء القبائل.
وبالطبع, إضافة إلى أن هذا الرأي يسهم في تفتيت المجتمع, ويوسع من الشرخ الاجتماعي الخطير, والذي بدأت بوادره تتضح مؤخراً بحس لا مسؤول من البعض, إضافة إلى ذلك, فإن هذا الرأي ضحل فكرياً, وخطر على المتأثرين بالرأي الصحافي, ومثير للعصبية البغيضة.
فالمعارضة الوطنية الكويتية, والتي بدأت تتبلور في بداية عشرينيات القرن الماضي, واستمرت إلى ما بعد تحرير الكويت, كانت تضم كويتيين, ومن جميع الفئات الموجودة في ذلك الوقت, ولم تكن تفكر إلا بانتمائها الوطني, ومصالح الشعب والوطن, كانت معارضة شريفة ونزيهة, وتاريخها مسجل ومحفوظ, وأسماء رجالها معروفة ومحفورة في قلوب الكويتيين.
لم تكن معارضة الصراخ والهمجية والغوغائية, لم تكن معارضة مراهقين سياسيين, لم تكن معارضة موجهة ضد نظام أو أشخاص, ولكنها كانت معارضة من أجل أهداف وطنية نبيلة, ولم تكن تستخدم الوسائل الدنيئة للوصول إلى غاياتها, بل كانت تستخدم الحوار والإقناع, والاحتجاج المتحضر.
هي المعارضة الوطنية, التي طالبت مبكراً بالمشاركة السياسية, طالبت بالدموقراطية, وطالبت بالدستور, هي المعارضة التي طالبت بتأميم النفط, وتخليص ثروتنا الوطنية من براثن الشركات الإنجليزية, هي المعارضة التي جمعت الشعب الكويتي, من أجل عودة الحياة الدموقراطية أيام الأثنينات, وكانت إحدى اجتماعاتها في منطقة الجهراء, هي المعارضة التي انخرطت في المقاومة ضد الاحتلال, هي الصامدة على أرض الوطن, هي المناشير والمظاهرات والسلاح ضد المحتل, هي الأسرى والشهداء, ومن ضمنهم أبناء المناطق الخارجية, إذا إتفقنا على هذا المصطلح, هي التي جالت في الكرة الأرضية لشرح القضية الكويتية, وحشد الدعم والتأييد لقضية الكويت العادلة, هي التي وضعت يدها بيد الأسرة الحاكمة والنظام في مؤتمر جدة, هي التي أعادت بناء وبهاء الكويت بعد التحرير.
هذه المعارضة كانت نزيهة, لم تكن تتجسس على أسرار الوزارات والأشخاص من أجل استجواب وزير, لم تكن تلك أخلاقيات المعارضة الوطنية الكويتية, كانت تحترم القادة ورجال الدولة, كانت تطرح المشاريع الوطنية, وليس مشاريعها الخاصة أو مشاريع قبيلتها أو طائفتها, كانت تحترم القوانين ولا تكسرها, كانت تستقوي بالوطن لا بالقبيلة, كانت حفنة من تراب هذا الوطن لديها أغلى من القبيلة أو الأصل, كانت معارضة قول وفعل.
أي معارضة هذه التي تقدم استجواباً لمخالفة القوانين, وهي جاءت إلى المجلس بمخالفة مجرمة من القانون؟ فمقدمي الاستجواب لم تكن عيونهم على الكويت, ولا من ضمن اهتماماتها, كان الدافع انتقاماً شخصياً, كانت معارضة مصالح, وعندما تقدم مشروعاً فيجب أن يكون مشروع تدمير لا بناء, مشروع لاستنزاف أموال الشعب لا الحفاظ عليه, مشروع للاستحواذ على أملاك الدولة, مشروع لتنفيع أبناء العمومة, مشروع لمخالفة مبادئ الأمة وتفتيت المجتمع, هي معارضة حق يراد به باطل, وإذا لم تنفذ مشاريعها التدميرية تسعى للانتقام بحجة الدفاع عن المال العام, لكنها وعلى مدار تاريخها القصير لم تطرح مشروعاً تنموياً واحداً, بل إذا لم تنفذ معاملاتها غير القانونية, هي على استعداد حتى للاعتداء بالضرب على مسؤولي الدولة.
ليس لهذه المعارضة المزعومة بعد فكري, أو فلسفة سياسية ضمن أطر الدولة والنظام, ولا تملك أي مقوم من مقومات المعارضة السياسية, أو العمل السياسي في أبسط مبادئه, وليس لديها قضية.
هذه المجموعة استفادت من انكفاء الحركة الوطنية, وفقدانها للمبادرة, واستمرارها بالفكر والعمل التقليديين, النخبوي والموسمي, اللذان يثيران استياء شبابها وشاباتها, وموقفها من استجواب وزير الداخلية, دليل على عدم قدرتها على القراءة السياسية الذكية, وفكرت فقط بالخمسة ملايين, وهذا يحتاج إلى مقالة منفصلة.
وعلى مدى تاريخها, مرت المعارضة الوطنية الكويتية بهنات وإخفاقات, لكنها مطلقاً لم تكن خبيثة أو تعمل بنوايا سيئة, أو مقاصد دنيئة, ولن تموت كحركة وطنية, فالمعارضة الشريفة والانتقاد البناء هو من مكونات الضمير الكويتي منذ تأسيسها كدولة, وهذا ما تعرفه وتحترمه القيادة السياسية.

Sunday, July 5, 2009

الإعلام الثقافي



لا أظن أنه يوجد مثقف عربي أو غير عربي, لا يعرف مكانة الكويت الثقافية, خاصة في العقود السابقة من القرن المنصرم, حيث كنا نشهد ونتابع أحداثاً ثقافية نوعية, رغم أن سكان الكويت كانوا أقل عدداً, وعدد الصحف كان أقل, وعدد المبدعين كان أقل, ووسائل الاتصال والتكنولوجيا, كانت أقل تقدماً.
ولا يعود السبب لانحسار الاهتمام لدى الشباب بالشأن الثقافي, فعدد منتجي الفن والأدب في تزايد, لدرجة صعوبة المتابعة, وفي حديث عابر مع مسؤولي مكتبة فيرجن ميجا ستور, نجد أن الإقبال على القراءة والمتابعة كبير نسبياً, ونستطيع متابعة التعليق على الكتب الجديدة في المدونات الشبابية, لكن المكتبات المتفرقة في مناطق الكويت والمتباعدة, هي ما تعاني انحسار الإقبال عليها, فالناس تقبل على المجمعات الجامعة لكل شيء, الملابس والمقاهي ودور السينما والمكتبات.
لكن بالطبع لا يخالجنا وهم, بأن معدلات الإقبال على القراءة, أو متابعة الأنشطة الثقافية قد ازدادت, فما زالت النسبة متدنية مقارنة بالدول المتقدمة.
التراجع الذي نلمسه هذه الأيام, يأتي من متغيرات موضوعية, مثل انسحاب االمؤسسات الثقافية الرسمية, من دور المبادرة والريادة, إلى دور الواجب الروتيني, فبعدما كان الهم هو نشر الثقافة, وإبراز دور الكويت الثقافي, أصبح الدور هو تنفيذ المشروعات الموضوعة قبل سنوات, وعدم محاولة تجديدها, أو وضع مشروعات ثقافية جديدة, مما جعل الدور الثقافي الكويتي باهتاً ومكروراً دون إبداع.
والسبب الآخر الذي يجعلنا نلمس خفوت الاهتمام الثقافي, هو دور وسائل الإعلام من صحافة ومحطات فضائية, ففي الصحافة الثقافية الكويتية, لا نجد تسليطاً كافياً على الإبداع الكويتي, رغم أنه في السابق ومع قلة عدد الصحف اليومية, كان يعتبر نشر الكتاب حدثاً ثقافياً, ففي العامين الماضيين صدرت عدة روايات لأدباء كويتيين, لكن لم تعالج هذه الروايات والمجموعات القصصية والدراسات على هذه الصفحات الثقافية, ونادراً ما نجد قراءة لمتخصص لهذه الأعمال, بينما في السابق كان يكتب عن الإنتاج الأدبي والفكري أكثر من كاتب في الصحافة الثقافية, لكن الآن نجد هذه الصفحات تمتلئ بكل الأخبار الثقافية العربية والعالمية.
في بداية هذه السنة صدرت أكثر من خمس روايات كويتية, هذا فقط في بداية 2009 وهو عدد لم يكن مألوفاً في سنوات الازدهار الثقافي, إن جاز لنا التعبير, في السنوات التي كان يقاس فيها أهمية الصحيفة من مستوى صفحاتها الثقافية, ولكن الآن معظم كتاب الصفحات الثقافية, لا يعرفون أدباء ومثقفي الكويت, ويستسهلون المقابلات عبر الهاتف, ومعظم الصفحات الثقافية تحولت إلى أخبار الممثلات والمطربات.
الإعلام الثقافي يعني إبراز الحدث الثقافي, وتسليط الضوء عليه, فالخبر الثقافي ثقافة بحد ذاته, ولا يقل أهمية عن الخبر السياسي, والإعلام الثقافي يعكس مدى تقدم المجتمعات, واهتمامها بالحدث والنشاط الثقافي.
وهناك سبب جوهري آخر, ساهم في غياب المشهد الثقافي الكويتي, وهو الحراك الاجتماعي, وتغير أنماط السلوك والتفكير, إذ أن ذلك يعتبر من المكونات الأساسية لثقافة أي مجتمع, وهذا يجعل حدث إنتاج كتاب وإقامة مهرجان ثقافي, أو ندوة ثقافية, على هامش الأحداث, وينظر لها الناس نظرة اسخفاف ودونية, فالثقافة تعكس الفكر والسلوك ونمط الحياة والإعلام السائد.
والثقافة تعكس وعي طبقي وفئوي, وهذه معرضة للتغير المؤقت, ولذلك نجد أن هناك تمايزاً بين الثقافة السائدة, والتي قد لا تكون متقدمة, وبين الثقافات الأخرى في المجتمع نفسه, والانحسار والتقدم يكونان مرهونان بتقدم المجتمع.