Saturday, July 31, 2010

الفوضى الخلاقة



ما زالت الولايات المتحدة متمسكة بخطها السياسي، المبني على ما أسمته ب"الفوضى الخلاقة" في العالم، وبالأخص في منطقتنا، رغم تبادل الأدوار بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ورغم الأوهام التي رافقت نجاح الرئيس أوباما.
وهي ما زالت تتخبط في أزمتها الاقتصادية، ولم تصل إلى حل ثابت لها، كما أنها لم تستطع معالجة أزماتها في أفغانستان والعراق، وتبحث عن طرق لتخفيف الضغط عنها.
فهي من ناحية تظهر التشدد ضد إيران وبرنامجه النووي، مقابل المرونة مع سوريا، لكن ذلك لا ينفي نية التصعيد والعدوان، من خلال الخطط العسكرية التي أعدها روبرت غيتس وأعلن عنها، للتعاطي مع دول المنطقة، مثل إيران والعراق، وسوريا ولبنان.
وما النبرة التصعيدية التي سادت الأجواء اللبنانية مؤخراً، حول الاتهام الظني لبعض عناصر حزب الله في جريمة اغتيال رئيس الوزاء الأسبق رفيق الحريري، إلا شرارة يراد من ورائها فتنة، تعيد لبنان إلى أجواء 1975.
وفي انتظار صدور الاتهام الظني، الذي سيكون بمثابة قنبلة موقوتة، يعول اللبنانيون المتخوفون من سخونة الأوضاع في بلادهم، على التهدئة العربية، التي يقودها خادم الحرمين الشريفين، التي على الأقل يمكن أن تؤجل الفتنة والمواجهة، إلى إشعار آخر.
وإذا كان الشعار الذي طرحته الولايات المتحدة بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 1929، وهو "التدمير الخلاق"، وافتعال حروب لاقتسام ثروات العالم، وكانت نتيجتها الحرب العالمية الثانية، فإنه في ظل القطبية الأحادية، ولمحاولات الخروج من هذه الأزمة غير العادية، فإن خلق مناطق توتر في العالم، وتأجيج الفرز والمواجهات الطائفية، بما سمي "الفوضى الخلاقة"، مع عدم استبعاد قيام حروب مدمرة، لن يكون حلاً بل سيخلق بؤر نار، خاصة في منطقتنا الاستراتيجية، المؤهلة أكثر من غيرها لافتعال الأزمات فيها.
إن التعويل الحقيقي لتفويت الفرصة، على إشعال فتنة وحرب أهلية لبنانية، يكمن في رغبة الشعب اللبناني، ووعي قواه السياسية بجميع طوائفه، كما يكمن بتضامن عربي حقيقي.

osbohatw@gmail.com

Friday, July 30, 2010

ما قبل وما بعد القمر



في لقاء بالتلفزيون المصري, مع العالم فاروق الباز, ذكر خلالها بعض الحقائق العلمية اللطيفة, حيث قال بما معناه, أن كل المنجزات العلمية, التي أتت بعد نزول الإنسان على القمر في الستينيات, جاءت استلهاماً من الرحلات الفضائية.
فمثلاً كانت المركبات الفضائية, محاطة بشرائح معدنية, تحميها من الاحتراق, عند اختراقها للغلاف الجوي, نزولاً إلى الأرض, ومن بعدها أستخدم هذا المعدن, في صناعة أواني التيفال التي تستخدم في الطبخ, ولا يلتصق الطعام في قاعها, كما أنه لخطورة استخدام الصمغ وغيره, للصق التعليمات التي يسترشد بها الملاح الفضائي, بدلاً من الإمساك بها في يده, والعمل باليد الأخرى, هذا الصمغ قد يسبب الاحتراق, أو يؤثر على الأكسجين داخل المركبة, فبدلاً من ذلك, تم اختراع مادة لاصقة غير كيماوية, ولاحقاً استخدمت هذه المادة, للصق أحزمة الأحذية الرياضية, بدلاً من استخدام الخيوط.
وعند التفكير بكيفية التواصل, بين رواد الفضاء, وبين الأرض, تم اختراع الأقمار الصناعية, واستخدمت لاحقاً لبث المحطات الفضائية, والاتصالات المختلفة, مثل الهواتف النقالة, والانترنت.
ومن المعروف, أن معظم التكنولوجيا التي يتنعم بها الإنسان, منذ القرن العشرين على الأقل, كانت بالأساس لخدمة الاستخبارات الأمريكية, مثل أجهزة الكمبيوتر, والانترنت, والكاميرات الحرارية, وكاميرا أشعة أكس, وحتى سيارات الدفع الرباعي, ففي اثناء الحرب العالمية الثانية, طلب الجيش الأمريكي من الشركات المصنعة للسيارات, صنع سيارة تحتمل الطرق الوعرة في أوربا, ولا تتأثر بالمستنقعات, وتقدمت إحدى هذه الشركات, بنموذج جيب الولز المكشوف, ليصبح في آخر نموذج سيارة الهمر العسكرية, واليوم تعتبر السيارة ذات الدفع الرباعي المدنية, من أفخر السيارات.
إذن فمن الواضح أنه عندما تفكر الولايات المتحدة بالذات, بكل جهود علمائها, باختراع أو ابتكار علمي, هي لا تفكر بشعبها بالدرجة الأولى, ولكنها تفكر بجيشها واستخباراتها أولاً, وبعدما يتم استنفاد الغرض من هذا الاختراع, أو يتم تطويره, يطرح بشكل تجاري على الناس, فكل ما نتمتع به من تسهيلات علمية, جاءتنا من أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

osbohatw@gmail.com

Sunday, July 25, 2010

يا خليج



لم تعد كلمات بدر شاكر السياب ذات معنى، عندما قال:" يا خليج يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى..وينثر الخليج من هباته الكثار على الرمال، رغوة الأجاج، والمحار" في قصيدة أنشودة المطر، ولم تعد كلمات محمد الفايز ذات معنى، عندما قال:" هو البحر في أحشائه الدر كامن، فهل ساءلوا البحار عن صدفاته".
أنا أعشق الخليج، فهو يحتل قسم كبير من طفولتي، وأعشق صوت موجه المهدهد كترنيمة استرخاء، وأعشق زرقته ومداه، وأعشقه لأنه كان مصدر رزق أجدادي، وأعشقه لأنه صمد في وجه المحتل، عندما طوقه بالأسلاك الشائكة.
ولم يكن الخليج مصدر اللؤلؤ والسمك فقط، ولكنه كان طريق الكويتيين للانفتاح على الثقافات الأخرى، حيث جاب السندباد الكويتي عبابه، إلى الهند وأفريقيا وحتى فرنسا، وكان لهذا الخليج الفضل في تشكيل الوعي الثقافي المميز، والذائقة الفنية المتطورة.
لكن هذا الخليج الذي حمل على سطحه سفن الحضارات، وكان ممراً للتبادل التجاري، وطريقاً شائكاً للغزو البرتغالي، وكان شاهداً على تطور وانحطاط الدول على ضفافه، شهد هذا الخليج شرور الإنسان التي وصلت إلى أعماقه.
فها هي رحلة إحياء ذكرى الغوص ال22، التي ينظمها النادي البحري، تحت رعاية سمو أمير البلاد، تعلن أنه لم يعد هناك محار في الخليج، وإن التلوث والفساد وصل إلى خليجنا العتيد، وإن سوء الإدارة قد تعدى الأجهزة الحكومية، ليصل ويشمل البحر والبر.
البيئة الكويتية التي كانت ثرية، عانت من الإهمال عاماً بعد عام، فاختفت أعشاب ونوير البر، واختفت طيور الربيع، وتراكمت النفايات ومخلفات البناء على الشواطئ، وتحول لون الخليج من لازوردي رائق، إلى قاتم بلون الأسن.
فكيف يمكن تنفيذ خطة تنمية، دونما اصلاح البيئة وبالأخص البحرية؟ دون الاهتمام بالثروة السمكية، إحدى أهم مصادر الأمن الغذائي للكويتيين، الا يكفي أن سعر الأسماك قد تضاعف بشكل جنوني، ونحن دولة بحرية؟

osbohatw@gmail.com

Friday, July 23, 2010

الكويتيون لا يشعرون بالسعادة


أجرى معهد غلوب الأمريكي مسحاً حول مدى سعادة الشعوب، ونشرته مجلة فوربس للمشاهير (جريدة النهار 21 يوليو)، وكانت نتائج البحث أن شعوب شمال أوربا هم الأسعد في العالم، إذ احتلت الدنمارك المركز الأول، وتلتها فنلندا ثم النرويج، وجاءت اسرائيل في المركز الثامن، والولايات المتحدة في المركز 14، والسعودية في المركز 58، والإمارات في المركز 20، أما الكويت فكانت في المركز 23.
وارتكز تقييم المعهد على اجابات منها، "مدى شعور المواطن بالاحترام والتقدير وسهولة الحياة في بلده"، وقد أثار تفاوت مستوى الشعور بالسعادة بين الشعوب، حيرتي واهتمامي بصفتي مختص بالشؤون النفسية والاجتماعية.
فهل يعقل بأن شعب الإمارات أكثر سعادة من شعب الكويت الذي يعيش في ظل الديموقراطية؟ وهل يحصل المواطن الإسرائيلي على الاحترام والتقدير وسهولة الحياة، أكثر من المواطن الكويتي؟
ولأن مهنتي هدفها سعادة ونجاح الناس، فقد انتبهت إلى حقيقة أن "الضغوط النفسية" هي عنوان المشكلات النفسية، التي تصادفني في عيادتي، وهذه الضغوط النفسية تصيب كل البشر، ما دام لديهم جهاز عصبي، ولكن هناك من يحسن التعامل مع هذه الضغوط، بينما يتركها البعض لتتفاقم، وتتطور إلى مشكلات أخرى مثل القلق الشديد والمخاوف.
ومعظم حالات القلق التي تراجعني، تتعلق بالأمان المادي، وبالخوف من المستقبل، والقلق على الأبناء وتعليميهم وصحتهم، والخوف من فقدان مصدر الرزق، وهي مخاوف قد لا يكون لها أساس، ولكنها موجودة بسبب معطيات الواقع، وأخبار الصحف.
فعندما يضرب الفساد أطنابه بالبلد، وترتفع أسعار اللحوم والمواد الغذائية، وعندما تغيب هوامش الحرية، ويتم التلاعب بثروة البلد، مصدر عيش جميع الكويتيين، وعندما تنتشر الجريمة، وتنتشر الواسطة والمحسوبية، ويعين في مؤسساتنا الرسمية أشخاص غير أكفاء، وتتضاعف أعداد حاملي شهادات الدكتوراه المزورة، وعندما يحاط البلد بالأخطار الخارجية، وعندما لا تحمل وعود المسؤولين أي مصداقية، وتزدحم الشوارع، وتكثر حوادث السير، وتنقطع الكهرباء في عز القيظ، وعندما لا يجد المريض سريراً في المستشفى، وغيرها الكثير، فذلك يدعو للقلق المرضي، ولا يدعو للسعادة.
المركز 23 في سعادة الشعوب افضل من غيرها، لكن ماذا عن السنة القادمة، والتي تليها؟ ماذا عن سنوات تنفيذ خطة التنمية؟

osbohatw@gmail.com

Tuesday, July 20, 2010

عظمة البساطة



ولد في مثل هذا اليوم 21 يوليو 1899، الأديب الأمريكي الفذ أرنست همنجواي، والذي يعتبر من أبرز الأدباء الأمريكان في القرن العشرين، وحصل على جائزتي بوليتزر ونوبل على أعماله، وخاصة روايته العبقرية "العجوز والبحر"، وتحولت معظم أعماله إلى أفلام سينمائية.
ومن أبرز أعماله "والشمس تشرق أيضاً"، "وداعاً للسلاح"، "ثلوج كليمنجارو"، "العجوز والبحر"، وغيرها الكثير، حيث امتاز أسلوبه بالبساطة، أو السهل الممتنع، بعيداً عن التنميق والزخرفة، التي يتهافت عليها اليوم كتابنا الشباب العرب، كما كانت لديه قدرة هائلة في التحكم بالأسلوب القصصي الحديث، الذي ساهمت في تشكيله كتاباته وتقاريره الصحفية.
اشترك همنجواي في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وتأثر في الحرب الأهلية الاسبانية، فكتب "وداعاً للسلاح"، وعاش حياته مغامراً محباً للصيد، وكأن لاشيء يشبعه مثل الإثارة، وقد عاش كما يقول تجربة العودة من الموت، بعد أن جرح بشظايا قنبلة انفجرت قربه.
وكان لا يكتب إلا بعد أن يهيئ ما يريد كتابته في ذهنه، بل كان يردد الجمل والحوارات ليسمعها لنفسه، وكان يستيقظ من النوم ويتجه مباشرة إلى آلة الطباعة، ويكتب واقفاً لساعات، وتنثال كلماته بثراء لغوي آسر، وهو لا يكتب كلمات "لا يمكن تحمل سماعها" كما يقال، ولذا لا يمكن لقارئ أن يرفض أو ينزعج من كتاباته، ولذلك فكتاباته واسعة الانتشار في العالم.
وقد منحه حب المغامرة والسفر، وحبه للكتابة الصحفية آفاقاً واسعة من الاطلاع المتنوع، إضافة إلى رؤية عميقة، تحول الموضوعات إلى قضايا، مثل رائعته "العجوز والبحر"، التي تضم شخصية واحدة وهي رجل عجوز على قارب صغير، وسمكة كبيرة عالقة بسنارته، ومضمون الرواية هو علاقة العجوز بالسمكة، التي أصبحت قضيته.
عاش همنجواي في عدة أماكن، في باريس حيث احتك بالأدباء العظماء، وخاصة الأمريكان الذين اعتادوا العيش في فرنسا، وعاش في اسبانيا، واستقر في كوبا، وكانت حياته حافلة بالأحداث.
أثار انتحاره عام 1961، وقبله انتحار والده، وبعده انتحار ابنته، تأويلات خاطئة عند الناس، لكن العلماء أثبتوا أنهم كانوا مصابين بمرض وراثي يتسبب في تلف البنكرياس، ويؤثر على الحالة العقلية.
لهمنجواي مكانة خاصة عندي، لأنني قرأته وتأثرت به، في سنوات ما قبل المراهقة، واستطاع بعظمة بساطته تشكيل وعيي الأدبي.

osbohatw@gmail.com

Monday, July 19, 2010

النهج الماكارثي



على ضوء التحدي الودي، بين سعادة سفير الولايات المتحدة السيدة ديبورا جونز، وجريدة الراي (الراي، السبت 17 يوليو)، حول عدم زج حكومة الولايات المتحدة لمخالفيها بالرأي في السجن.
اقول أنه لم يوجد نظام لم يسجن معارضين سياسيين، لا رأسمالي ولا اشتراكي، لا في الماضي ولا في الحاضر، والتاريخين البعيد والقريب، يشهدان أن كثيراً من السياسيين الذين حوكموا وسجنوا، كان ذنبهم رأيهم المخالف لنظام الحكم أو لسياسته، سواء كانوا عنيفين أم مسالمين.
وفي كتاب "كثيرة هي الجرائم- المكارثية في أمريكا"، لمؤلفته إيلين ستشكر ، والذي طبع في جامعة برينستون عام 1999، تذكر مؤلفته القمع السياسي باسم الأمن القومي في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي، والذي قاده السيناتور مكارثي، وعرفت المرحلة باسم المكارثية، هذا القمع الذي جاء بحجة القضاء على الخطر الأحمر أو الأفكار الشيوعية، وطالت الآلاف من الكتاب والفنانين والمثقفين والمحامين، فتم التحقيق معهم، وسجن المئات منهم وطرد أكثر من 12 ألف من وظائفهم، منهم مخرجين وممثلين سينمائيين، بما سمي "القائمة السوداء في هوليود"، وكان أشهرهم تشارلي تشابلن ومارلين مونرو، كما طالت الملاحقة السياسة الكاتب المسرحي العالمي المرموق آرثر ميللر، وكانت تلك "من أكثر اللحظات المخجلة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث"، كما عبرت بعض الأدبيات الأمريكية، فأفادت تقارير الاستخبارات الأمريكية CIA مثلاً، "أن تشارلي تشابلن خطر على الأمن القومي الأمريكي".
وخلال حملة التطهير الواسعة في صفوف الكتاب والمثقفين، منعت المكارثية نشر أية أفكار تتفق وأفكار هؤلاء، كما تم خنق حرية الفكر والنقد في الجامعات.
ولكن هذه الحملة ألغيت لاحقاً، بعد مطالبات واسعة من الشعب الأمريكي، لأنها تخالف الدستور الأمريكي، ورد الاعتبار للملاحقين سياسياً، وتم تكريمهم.
وفي عمودها بعنوان "إبقاء أمريكا آمنة تكتيك يمثل المكارثية" في جريدة ديلي يونيفرستي أوف واشنطن في 8 مارس 2010، كتبت إميلي مكفادن عن الحملة التي أطلقتها ليز تشني ابنة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشني، ضد وزارة العدل في نظام أوباما، والتي اسمتها "وزارة الجهاد"، واستهدفت تسعة محامين (أطلق سراح اثنين منهم)، لأنهم تمسكوا بالدستور من خلال دفاعهم عن المتهمين في تفجيرات 11 سبتمبر، وهذا ليس تاريخاً بعيداً.
وما زال سعي البشرية إلى واقع يحترم فيه الاختلاف، ويعطى فيه حق الاعتراض والنقد في ظل القانون، وقد يكون الطريق ما زال طويلاً لمثل هذا التحضر والإنسانية.

osbohatw@gmail.com

Saturday, July 17, 2010

تقليد كويتي عريق



لعل من فضائل المجتمع الكويتي، واحدى عاداته وتقاليده العريقة، هي التواصل المباشر بينه وبين الحاكم، ومشاركة أسرة آل صباح الأسر الكويتية، في أفراحها وأتراحها، ومخالطة أبناء الشعب في الدواوين والأماكن العامة، وهذه السنة بدأت منذ بداية نشوء الدولة.
فعلى مدى قرون، وفي ظل حكم جميع حكام الكويت، لم يكن هناك حجاباً بين الشعب الكويتي وحكامه، بل كان الحكام مبادرين باللقاء والتشاور، وحتى بعد أن استقلت الكويت، وارتضت لنفسها نظاماً ديموقراطياً، ووضعت دستوراً ينظم علاقة الشعب بالحاكم، ظلت هذه العلاقة الأسرية، بين أبناء الشعب وبين الأسرة الحاكمة.
وقد مرت البلاد خلال تاريخها، بظروف وأحداث صعبة، بل كارثية كما حدث أثناء الغزو والاحتلال، لكن الكويت بشعبها وحكامها، خرجوا من هذه المحنة، أكثر تلاحماً وأكثر تمسكاً بالشرعية وبالدستور، مثبتين قرناً بعد قرن أهمية هذه العلاقة الصحية، في الحوار والتواصل المباشر، بين الشعب والحاكم وأسرة الصباح بشكل عام.
وفي الأشهر الأخيرة، تعرضت البلاد إلى حالة احتقان سياسي، أثارت قلقاً وتوتراً لم يشهده تاريخ الحياة السياسية في الكويت، وهز الاستقرار الذي تتمتع به الكويت، وهو أمر لم يكن في مصلحة مستقبل البلاد، ولا لأفق التعاون من أجل التنمية، ولا لسمعة الكويت.
لكن صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، والأسرة الحاكمة الكريمة، خيبوا ظن ومسعى من أراد الصيد في الماء العكر، والتفرقة بين أبناء الشعب، والتحريض على أبنائه المخلصين، فأعادت هذه الأسرة الكريمة وعلى رأسها والد الجميع، الاعتبار للثوابت الكويتية الأصيلة، المبنية على الحكمة والمحبة والثقة والحوار، وبذا قطع الطريق على محاولات الزج بالمقام السامي والذات الأميرية في الخلافات السياسية، واقحام السطلة القضائية فخر الكويتيين، في هذه الخصومات.
والآن تنفس الكويتيون الصعداء، بعودة الاستقرار والأمان، اللذان يجب أن يرافقهما تأكيد التوافق الوطني على مستقبل تقدم البلاد، والذي يتطلب النظر بجدية لعملية الإصلاح السياسي والإداري، ومكافحة الفساد المعرقل الأساسي للتنمية، والدفع بالحوار البناء والمسؤول، ليكون في أجواء من الحرية والانفتاح.
* *
إن تكرار تصريحات بعض المسؤولين العراقيين العدائية تجاه الكويت، والتجمهر الأخير لمواطنين عراقيين على الحدود بين البلدين، تذكرنا دائماً بضرورة التمسك بوحدتنا وبيقظتنا.

osbohatw@gmail.com

Wednesday, July 14, 2010

انقلابات يوليو

يصادف اليوم مرور اثنين وخمسين عاماً على ثورة 14 يوليو العراقية، والتي أسقط الشعب العراقي خلالها، السلطة الملكية والاستعمار الإنجليزي، وأسقط كذلك حلف بغداد العدواني، وقضى على الإقطاع المجحف بحق الفلاحين، الذين كانوا يشكلون غالبية السكان، وسن قانون الإصلاح الزراعي، وكان ذلك عام 1958.
كما يصادف اليوم مرور أكثر من مئتي عام على هدم أكثر السجون بشاعة في تاريخ البشرية، وهو سجن الباستيل في باريس، خلال الثورة الفرنسية عام 1789، والتي تم فيها اسقاط الملكية والاقطاع، والسلطة الدينية الكاثوليكية.
وكانت ثورة 14 يوليو في العراق، انقلاباً عسكرياً مدعوماً من الأحزاب والتنظيمات الوطنية والقومية، وتحالفت معها كل قطاعات وفئات الشعب، من فلاحين ومثقفين ونساء ورجال، وقاد هذا الانقلاب الذي تحول إلى ثورة شعبية، الضابط عبد الكريم قاسم، الذي لقب بالزعيم، وكان الهدف هو حكم ديموقراطي مستقل، بسلطة متداولة، ووضع دستور جديد يضمن حقوق وحريات أفراد الشعب، ويلغي الطغيان بالحكم الذي أرساه نوري السعيد.
وكانت تلك الثورة، ضمن المد القومي وحركة التحرر الوطني في البلدان العربية، التي استقلت وحررت شعوبها من الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، مثل مصر وسوريا ولبنان، ولاحقاً الجزائر وغيرها.
لكن سرعان ما خان قادتها أو بطانتهم، المبادئ التي قامت من أجلها هذه الثورات، وقدمت خلالها شعوبها الدماء والسجن والتنكيل، فعبد الكريم قاسم الذي طالب بضم الكويت للعراق، لقى مصير بائس على يد انقلاب 1963، الذي رعته ومولته الولايات المتحدة، خاصة بعد صدور قانون 1961م، تم على اثره حصول العراق على نسبة 99.5% من اراضيها غير المستثمرة، وفقدان أمريكا مصدر هام للطاقة، وفقدانها حليفاً ضد الدول العربية التي تحررت، وحول ذلك كرر علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي قوله:" جئنا بقطار أمريكي".
ثم تحول هذا الحكم البعثي، في عهد صدام حسين، إلى آلة دكتاتورية جهنمية ضد أبناء شعبه، والشعوب المجاورة، وارتكب خلاله مجازراً ضد شعبه، وامتلأت سجونه بالمعارضين، وانتهى صدام بالمشنقة، ونتمنى أن يسود الاستقرار والسلام في العراق، وأن يلتفت للبناء والتنمية، لما فيه خير للعراق وللأمة العربية.
ومن قبيل الصدف، ان معظم الانقلابات وبالأخص العربية، تمت في شهر يوليو، مثل ثورة 23 يوليو في مصر، والحركة التصحيحية في سوريا ايضاً في يوليو، وكذلك الثورة العراقية.

osbohatw@gmail.com

أما آن الوان؟



أصدر جلالة ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مؤخراً، أربعة مراسيم تضمنت تعديلاً لمسمى وزارة الثقافة والإعلام، لتصبح وزارة الثقافة، وإنشاء هيئة تسمى هيئة شؤون الإعلام، يرأسها الشيخ فواز آل خليفة بدرجة وزير.
وقد سبقتنا مملكة البحرين قبل ذلك، بإضافة الثقافة إلى الإعلام، بل إن الثقافة تسبق الإعلام بالتسمية والاهتمام، حيث كان المسمى "وزارة الثقافة والإعلام"، وكذلك فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لديها "وزارة الثقافة والإعلام".
وقد كتبت كثيراً ومنذ سنوات، عن أهمية أن يكون للكويت بالذات وزارة ثقافة، وتحويل وزارة الإعلام إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون، بسبب الارتباط العضوي بين الكويت وشعبها والثقافة.
فقد كان وما زال خيار الكويت الأول هو الثقافة، وهي ما كان يميز هذه الدولة الصغيرة، بل كان خيارها الثقافي سبباً في احترام المثقف العربي لها، وسبباً في تعاطف الشعوب معها اثناء الاحتلال، فكما قيل على لسان أحد مواطني البرازيل، الذي كان من أصول عربية أثناء الاحتلال:"دولة تصدر هذا الكم من المطبوعات، لا يمكن أن تكون معتدية".
ولا أحد ينكر دور الكويت التاريخي، في المساهمة في تعليم أبناء الإمارات، وإنشاء محطة تلفزيون بها، وتزويدها بأرشيف ثقافي ضخم من تلفزيون الكويت، وإنشاء مراكز صحية في الإمارات والبحرين، كما لا أحد ينكر إنشاء الكويت لمدارس ومراكز، في فلسطين والهند وغيرها، وإنشاء جامعة ضخمة في صنعاء.
فالكويت انفتحت على الشعوب، واغترفت من ثقافاتها، بسبب من النشاط التجاري البحري لأبناء الكويت، وشكلت بذلك شخصية الإنسان الكويتي، الذي يقدر الثقافة تقديراً عالياً، ويكفي أن أول مدرسة نظامية تأسست عام 1912، وأول مجلة صدرت عام 1928، فتحولت الكويت صغيرة المساحة، وقليلة السكان، إلى هامة ثقافية عالية بين الدول.
وعندما أمر أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، بإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1973، وضع بذلك أساساً لوزارة ثقافة، ولعل المجلس المذكور قد لعب دوراً ثقافياً مرموقاً داخل وخارج البلاد.
وبالتأكيد كان تغيير اسم وزارة الإرشاد والأنباء إلى وزارة الإعلام، مواكباً لروح العصر آنذاك، ولكن الاستحقاق الذي تأخر كثيراً، هو إلغاء وزارة الإعلام، وإنشاء وزارة الثقافة في الكويت.

osbohatw@gmail.com

علمني وطني

الآن، وقد بدأت الإجراءات لتنفيذ الخطة التنموية، التي طال انتظارها لعقود، نتمنى أن ينظر إلى الجانب الأهم من موضوع التنمية، والاهتمام بالجانب الأعمق والأكثر ديمومة لهذا الموضوع، وهو الجانب الثقافي، أو المتعلق بالإنسان الكويتي.
فالنهضة تعني نهضة الإنسان لا العمران، وهي منه وإليه، وتعني تحضير أجيال المستقبل لتحمل مسؤولياتهم، في التنمية المستدامة واللحاق بالركب الدولي، في التطور والتقدم بجميع مناحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
وعندما نركز على أمر الثقافة، فنحن نتحدث عن كفاءة التعليم، وهو مطبخ القادة والكوادر والكفاءات، يجب أن يكون تعليماً متطوراً وحديثاً، يركز على تحفيز التفكير والبحث والحوار، وينمي روح الالتزام والمسؤولية البناءة، والمواطنة الدستورية، وحب العمل والوطن.
والتنمية الثقافية تعني أيضاً، السلوك والمشاعر السوية، والحفاظ على اسم البلد، كل في موقعه، سواء في المدرسة، او العمل، أوحتى بسلوك القيادة في الشوارع والطرقات، ورفع المستوى الأخلاقي انطلاقاً من البيت والمدرسة والإعلام، والتدريب على احترام الاختلاف في وجهات النظر.
والجانب التهذيبي في الثقافة، يعني الاهتمام بالتجليات الإبداعية لها، وهي الفنون والآداب، إذ يقال إذا أردنا قياس تحضر بلد ما، فلا بد أن نعرف عدد المسارح فيه، فالإنسان هو أولوية أولى للتنمية والنهضة.

***
كنت من المحظوظين الذين بدأوا تعليمهم في أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتربوا على كل ما ذكرته سابقاً.
علمني وطني أن أحبه وأفديه، علمني السلوك الراقي، ورفع لدي حس المسؤولية، علمني أن الديموقراطية قيمة بشرية كبرى، علمني لكي أكون كويتياً، يجب أن تكون أخلاقي رفيعة، وأن أحترم الجميع، وكان أبي رحمه الله يكرر على مسامعي:" ما يكبر إلا السمادة، ولا يتعالى إلا الدخان"، وأعطاني درساً في التواضع لم أنسه.
علمني وطني الكثير من القيم النبيلة، التي حاولت غرسها في أولادي وأحفادي، وأعلمهم قليلاً مما علمني هذا الوطن.

osbohatw@gmail.com

وصلنا إلى تلبيس التهم

في المهرجان التضامني الذي أقامه التحالف الوطني الديموقراطي، تضامناً مع سجين الرأي خالد الفضالة، والذي شارك فيه مجموعة من أعضاء مجلس الأمة، إضافة إلى كتاب وناشطين سياسيين وحقوقيين، في هذا التجمع لفت نظري ما قاله الكاتب والمحامي الأستاذ محمد عبد القادر الجاسم، عن أن هناك نية "لتلبيس" الكاتب الأستاذ أحمد الديين، قضية أمن دولة، كما أن هناك نية لمحاكمة النائب الأستاذ مسلم البراك، خلال العطلة البرلمانية لمجلس الأمة.
ما لفت نظري هنا كلمة "تلبيس" أي تلفيق قضية ضد أحمد الديين، والمعروف أن الأستاذ أحمد الديين، من أكثر الكتاب الذي يكتبون، ويدلون بآرائهم ضمن الأطر القانونية والشرعية، ويحرص حرصاً تاماً على الا يتخطي القانون ولو بزلة صغيرة، وسيكون أمام أمن الدولة صعوبات لايجاد منافذ لتوجيه تهمة له.
بل إن ذلك يشي بأن النية هي ليست تطبيق قانون، بقدر ما هي استهداف لشخصيات كويتية، وملاحقة لأي نفس معارض لسياسات الحكومة، وهو أمر لم يعد مقبولاً لا سياسياً ولا إنسانياً، في ظل مجتمع دولي تختفي فيه الأنظمة الدكتاتورية باضطراد، وفي ظل اهتمام عالمي بحرية الرأي وحقوق الإنسان.
أما موضوع استهداف مسلم البراك، وهو نائب بالبرلمان الكويتي، فإنه سيثير حفيظة الكثير من الكويتيين، بل حتى استنكار من لا يوافق على آرائه وتوجهاته، وقد قلت في مقال سابق، هناك تجارب تاريخية، مرت بها الشعوب بينت أن سجن المعارضين لا يسكتهم، بل يزيد حجم التذمر والانتقاد، وهي حلقة لا تنتهي، إلا بتعديل هذه الأوضاع.
ولأن العالم أصبح قرية صغيرة، تتأثر بما يجري في أي ركن منها، يصبح الحديث عن التدخلات الخارجية غير ذي معنى، فالعالم إرتأى أن ينشأ منظمات دولية للدفاع عن حقوق الأفراد والدول، وهذا ما حدث عندما قررت الأمم المتحدة إخراج الجيوش الصدامية من أراضي الكويت بالقوة، فهل كان هذا تدخلاً خارجياً في شأن داخلي؟
ولا تتسق نية الكويت بإنشاء هيئة وطنية لحقوق الإنسان، مع إجراءات سلب حقوق الإنسان، ونرجو مرة أخرى أن تسود الحكمة، في التعاطي مع الانتقادات التي ترمي إلى الصالح العام، مهما كانت قاسية.

osbohatw@gmail.com

Monday, July 5, 2010

آه يا وطن


لا أعلم لم لم ينشر مقالي يوم السبت الماضي في هذه الزاوية، وما اللبس الذي حصل، والذي أدى لعدم نشره، بيد أني سأحاول في هذا المقال، أن أعيد كتابة مضمونه بشكل أو بآخر.
قلت أن حق التقاضي من الحقوق المشروعة، في دولة المؤسسات والقوانين، ونحن في الكويت نحترم القضاء، ونعتبره ملاذنا الأخير، ونثق به ثقة كبيرة.
وقلت كذلك أن من يعمل معرض للخطأ، ومعرض بالتالي للانتقاد، وسمو رئيس الوزراء يحمل على عاتقه مسؤوليات جسيمة، ويقود جهازاً ضخماً، كما أن على طاولة سموه، خطة تنموية هائلة، لن يكون تنفيذها سلساً أو سهلاً، بل المنطق يقول أن أخطاءً ستقع أثناء التنفيذ، وأيضاً سيتم انتقاد هذه الأخطاء، لا تشفياً ولكن لإصلاح هذه الأخطاء، ولأن نظامنا الكويتي اعتاد على تراث الصراحة وصدق السريرة والمناصحة، فالمخلصين هم من يوجهوا الانتقاد للسياسات التي يراها خاطئة، أما غير المخلصين فيتزلفون وينافقون، والبطانة الصالحة لا توغر الصدور بالكراهية، ولا تهمس بالوشاية ضد المخلصين.
ولذا لا يجب أن تضيق صدور المسؤولين ذرعاً بالنقد، بل يجب أن تسود الحكمة وسعة الصدر، والانتباه للأخطاء إن وجدت، فصديقك هو من صدقك، وليس من صدٌقك، وصديقك هو الذي يقول لك كلاماً قد لا يعجبك، ولكنه في صالحك، لا أن يقول ما تود سماعه ويعجبك.
وقلت، قد يظن البعض أن حملة التضامن مع الأستاذ محمد عبد القادر الجاسم، كانت لشخصه، مع كل التقدير، لكن هذه الحملة وما ستليها من حملات تضامنية، هي بالدرجة الأولى مع مبدأ حرية الرأي والتعبير، هذا المبدأ الذي بدأ ينتهك في الآونة الأخيرة، ضمن نهج جديد لملاحقة الكتاب والناشطين سياسياً، فحملة التضامن المحلية والعربية والعالمية، لم يكن منظموها يعرفون محمد الجاسم شخصياً، ولكن حرية الرأي أصبحت من مكتسبات الشعوب، ومن ضمنها الشعب الكويتي، وسنلاحظ تضامناً مع خالد الفضالة، بصفته أميناً عاماً لتجمع سياسي، وبصفته ناشطاً سياسياً، وللأسف فرغم إيجابيات التضامن الدولي، إلا أنه أمر يعني أن سمعة الكويت، التي كانت مناراً للحرية مشوهة.
***
الحرية لسجين الرأي خالد الفضالة.
osbohatw@gmail.com