Sunday, May 31, 2009

الظلم التاريخي 1 من 2




مرت البشرية بعدة تشكيلات اجتماعية اقتصادية عبر مراحل تطورها, واختلفت أدوات ووسائل الإنتاج, وتغيرت مواقع المنتجين والمالكين أو أصحاب العمل, وتم استعباد واستغلال قوة عمل الناس لصالح بعض الناس, سواء عن طريق الحروب والغزوات التي وفرت للمنتصر العبيد والسبايا, أو من خلال سخرة الفلاحين في الاقطاعيات, أو من خلال الحروب الاستعمارية, واستخدام الشعوب المستعمرة (بفتح الميم) كعمال وكجنود, أو من خلال الاستغلال البشع للعمال في المصانع بمن فيهم الأطفال والنساء.
لكن عبر التاريخ, كانت الفئة الأكثر استغلالاً هي فئة النساء, لأنها الفئة الأقدم التي وقع عليها القهر والاستغلال, ولم يبدأ اضطهاد المرأة بسبب التقسيم البيولوجي, ولكنه بدأ بسبب التقسيم الطبقي, أي بين منتج ومالك, فبعد انتهاء العصر الماطريركي والذي كانت فيه السيادة للمرأة, حيث كانت المرأة تشارك الرجل في الصيد, وتتفوق عليه بإنجاب الصيادين, بدأ العصر الباطريركي الذي أصبحت فيه السيادة للرجل وخاصة بعد اكتشاف الزراعة وتربية الماشية, فبقيت المرأة وخرج الرجل لتحصيل رزق العائلة, وظل دور المرأة إنجاب ورعاية الأبناء, الذين هم قوة الإنتاج في المستقبل, ولذا فكلما زاد عدد أبناء الرجل كلما زادت ثرواته, مما جعل المرأة ملكية هامة, تنتج ثروات للرجل, وكلما زادت عدد نساءه زادت ثرواته, فعاش الرجل من ريع المرأة وما تنجبه.
وأصبحت العائلة تعني الملكية والانتاج, وفي اللغة الإغريقية كلمة famulus تعني العبد المنزلي, وفي اللغة اللاتينية كلمة familia تعني مجموعة عبيد ملك لرجل واحد, وتحولت المرأة إلى متاع يباع ويشترى, فمثلاً عند كثير من القبائل ومنها المنغولية, كانت تقايض المرأة بالحصان أو بالجمل, وكلما زادت خصوبتها زادت قيمتها المادية, دون أدنى احترام لآدميتها, ودون تقدير لإنسانيتها ودورها في الحياة الاجتماعية.
وأصبح عبر التاريخ وفي وعي الرجل, أن المرأة خلقت لمتعته ولزيادة ثرواته, وتقلص دورها الإنساني والاجتماعي, وسحقت آدميتها, فقيدت بالسلاسل كي لا تهرب وجلدت كالبغال عند تقصيرها في العمل داخل وخارج المنزل.
وكانت للحروب والغزوات هدف واحد, هو الحصول على مزيد من الثروات والعبيد والسبايا, وللسبايا أهمية أكبر لأنهن مصانع تنتج مزيداً من العبيد, مما يعني مزيداً من الانتاج ومزيداً من الثروات, وكانت تقاس ثروة الرجل بعدد العبيد والنساء, مقابل عصرنا هذا حيث تقاس فيه الثروات بعدد الشركات والأملاك.
وتحولت المرأة إلى ملكية خاصة ومتاعاً, يتحكم الرجل بمصيرها, ولا يعاملها بمساواة وندية, وأصبح يحجر عليها ويخفيها, كما يخفي الإنسان أمواله في خزانة, ويتعامل معها بسوء ظن, ففي عصور الظلام في أوروبا, في القرن الثالث عشر, واثناء الحروب الصليبية, كان الرجل يقيد وسط المرأة بحزام العفة, بحيث لا يفتح إلا بمفتاح يحمله الرجل معه, وما زالت بعض نماذج هذه الأحزمة موجودة في متاحف العالم, وقد قرأت في منتدى اسمه السندباد, أن شرطياً صينياً اخترع "سروال عفة", يفتح ويقفل إلكترونياً.
وحتى البغاء "أقدم مهنة في التاريخ", هو من صناعة الرجل, ففي المعابد والهياكل القديمة, كان هناك ما يسمى "بالبغاء المقدس", حيث كان الكهنة يختارون الفتيات الجميلات, للترويح عنهم وعن زوار المعبد, وأوهموا المرأة بأن ذلك شرف وواجب مقدس يرضي الآلهة.
ثم أصبح البغاء يدر ريعاً جيداً للرجل, قبل أن يصبح وسيلة عيش للمرأة الفقيرة, وما تزال بعض القبائل في مناطق مختلفة من العالم, تعتمد على الترفيه والبغاء كمدخول لها وللأسر فيها.
في المقال القادم سأتحدث عن الأرث الاجتماعي, الذي حملته المرأة معها عبر التاريخ.

Sunday, May 24, 2009

وانتصرت الكويت




يثبت الشعب الكويتي مرة أخرى, أنه لا يرضخ للترهيب والتهديد والتكفير, يثبت هذا الشعب أنه يحب وطنه ويتوق لحريته, وأنه عنيد في تحقيق أحلامه وعودة وطنه إلى طريق النماء والتقدم.
قال الشعب الكويتي كلمته, ورد الصفعة بصفعة أقوى, وخرج الكويتيون وعملوا كتفاً إلى كتف لنصرة وطنهم, ولم يخيبوا الرجاء, كما فعلوا عند احتلال بلدهم, إلتفوا واصطفوا في وحدة وطنية عصية على أعدائهم.
وضع الرجل يده بيد المرأة, وصوتوا للكويت, صوتوا للمستقبل, واوصلوا الرسالة الكويتية الواضحة, والتي فحواها لا لإهانة الشعب الكويتي, لا لتقييد حرياته باسم الدين, لا لإهانة المرأة الكويتية والانتقاص من حقها, لا للتخلف والجهل, لا لاستغلال الدين من أجل المصالح الشخصية, لا للخداع والكذب والتشويه اللاأخلاقي ضد أبناء وبنات هذا الوطن.
انتصرت الكويت عندما انتصرت المرأة, وتوجت نضالها بانتزاع حقها من أنياب التخلف, وأثبتت للعالم أجمع أنها ابنة هذا الشعب الذي لا يلين, انتصرت المرأة وأضيأت أربع شمعات في سماء الدمقراطية الكويتية, وصفق لها العالم أجمع.
ظلت المرأة تناضل من أجل مشاركتها بالسلطة, أكثر من خمسين عاماً, ولم يتوقف نضالها, ولم تيأس رغم محاولات المتخلفين لمنعها من نيل حقوقها, وأثبت نجاحها وقوف الجميع رجال ونساء, من اجل عودة التحضر للكويت, كان الرجل شريكاً وحليفاً للمرأة في قضاياها, كما تجلت الوحدة الوطنية درساً للعازفين على أوتار الطائفية البغيضة, فصوت السني للشيعية, وصوتت الشيعية للسني.
اختار الشعب الكويتي بوعي, اختار المخلص للوطن, اختار المتحضر والعاقل, ورفض الصراخ الهمجي, ورفض أن تعلو الطائفة والقبيلة فوق الوطن, وكان اختياره رداً مدوياً على العابثين بأمن واستقرار البلد, فسقط التيار الديني بشكل فادح, وتراجعت مراكزهم, وتقدم الشباب وتقدمت المرأة ليحتلوا المراكز الأولى, وأثبت الشعب أنه ليس "شعب ما كاري", بل هو شعب عينه على وطنه ومصالح أبنائه.
ومن فزن من النساء الفاضلات, لم يعتمدن على القبيلة, ولم يستخدمن الرشوة والمال السياسي, ولكنهن فزن بقدراتهن الذاتية, بطرحهن العقلاني, وبمراكزهن العلمية, وبالاختيار الحر وبالإرادة الحرة للشعب الكويتي.
ووجودها تحت قبة البرلمان وحده, كفيل بتغيير مسار العمل الدمقراطي وقيمه, ستفرض التهذيب ولغة الحوار الحضارية, ستفضح بوجودها داخل المجلس الممارسات البدائية, والشجار اللاأخلاقي والطفولي, سيكون وجودها مبعث فخر وطمأنينة لنا نحن الكويتيين, الذين انتظرنا التغيير منذ ثلاثين عاماً.
وها هو الأمل الجديد, يطل كفجر جديد على الكويت وأهلها, استطاعت المرأة تغييرنا من الداخل, ولم تستطع جميع اللحى إلا أن تزيدنا سقماً ويأساً وإحساساً بالظلم والقهر, وخوفاً على مستقبل أبنائنا.
ولكي يكتمل هذا الحلم, نود أن يتم اختيار وزراء على مستوى هذا المجلس, وزراء متحضرون لا يخافون من التهديد, ولا يرضخون لواسطات النواب وضغوطهم, وزراء ووزيرات أكفاء يقودون البلد إلى التنمية المستحقة منذ زمن بعيد, ويضعون أيديهم بأيدي النواب والنائبات, لإصلاح ما دمره التخلف, وبناء ما عطلته الممارسات غير المخلصة.
نريد سلاماً يعطي المجال للتفكير الواضح وللعمل الجاد, ولنبدأ صفحة جديدة لتعود الكويت "وطن من جديد".

Sunday, May 17, 2009

وماذا بعد؟




انتهت أمس المعركة الانتخابية, واختار الشعب الكويتي ممثليه في البرلمان, والذي نرجو أن يكون اختياراً مناسباً للمرحلة القادمة, التي تحتاج إلى حس وطني عال بالمسئولية, يكون عنوانه كل الجهود للتنمية واعادة بناء الكويت, بعدما عطلته ودمرته يد الأنانية, وضيق الأفق.
وقد أظهرت الأيام القليلة, والتي سبقت يوم الانتخاب, وعياً شعبياً ومن جميع الفئات, بضرورة المبادرة لإنقاذ البلد من براثن الضياع والمجهول, وتبدى هذا الوعي بتحركات شبابية تطوعية, ومؤسسات ذات نفع عام, ومبادرات فردية, وحتى من بعض وسائل الإعلام الشريفة, دلت على حرص الشعب الكويتي على الديمقراطية الغالية, التي ناضل من أجلها الأجداد والآباء.
كان رد الشعب الكويتي على الغوغائية والتخلف واضحاً, فالمدونات الشبابية والأفلام السينمائية التوعوية جواباً أكيداً على التساؤل: "اين الشباب الكويتي؟", كان الاستقبال الحاشد لسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد, جواباً واضحاً على أخلاقيات الشعب الكويتي وقيمه, سواء كانوا معه أو ضده, لكنهم بالتأكيد ضد الإساءة والتجريح, كانت الحملة لمناصرة المرأة والدفاع عن أسيل العوضي رداً على التكفير والفتاوي غير الشرعية, وأخيراً كانت ندوة حمد الجوعان الحاشدة جواباً قاطعاً لمن حاول التعويل على انتصار القبيلة والطائفة على الدولة, على من وضع خطوطاً حمراء, وهدد الدولة واستهتر واستهان بقوانينها, وتحداها أن تقف بوجه القبيلة والانتماء المزدوج.
تكلم الشعب بصوت عال, وأثبت حبه الكبير لوطنه, وأثبت عدم رهبته من الصوت العالي, وعدم خوفه من تحريك المجاميع وسد منافذ الشوارع, وعدم انخداعه وإذعانه للترهيب الديني وطرق التكفير اللاأخلاقية, وانتهازية التيارات الإسلامية, وأجندتها التي ترمي لوأد حريات الشعب وإرادته الحرة, وتدعو إلى تفتيت وحدة الشعب الوطنية, من أجل مصالحها التي غدت مكشوفة للجميع, وغلفت هذه المصالح بغلاف الدين.
والآن ماذا بعد؟ ألا يستحق كل هذا الحب والإخلاص من الشعب الكويتي, حكومة تحقق آماله, وتعيد له تفاءله؟ حكومة قوية متآلفة من رجال ونساء أكفاء, تطمئن الناس على مستقبل أطفالهم, ألا يستحق كل ذلك الوفاء, وفاء مقابلاً من الحكومة؟
الشعب يريد أن يرى تغيراً في رؤية الحكومة لمستقبل الكويت, يريد جرأة في مواجهة معطلي التنمية, والمقتاتين على أزمات البلد, يريد أمناً حقيقياً وتطبيقاً مستحقاً للقانون, يريد جدية في تنفيذ مشروعات التنمية, وتطوير البنى التحتية, يريد إنشاء المستشفيات والمدارس وتحسين الطرق, والقضاء على الأزمات المرورية, يريد ضرب الفساد واقتلاع جذوره, يريد تعليماً راقياً ومواكباً للتقدم العالمي, يستثمر الإنسان الكويتي لبناء مستقبل بهي ومشرق.
الشعب يستحق تطبيقاً عادلاً للقانون, وإعادة لهيبة الدولة والقضاء, يريد أن يكون المتنفذ الوحيد في البلد هو الشعب الكويتي, وليس الأفراد الفاسدين والسارقين للمال العام, يريد أن تستعاد الكويت من خاطفيها, بعد غياب ثلاثين سنة.
وماذا بعد؟ نريد أن تتوحد القوى الوطنية بجميع أطيافها, وتعمل كتفاً بكتف, من أجل لا عودة الانحطاط الذي تسبب به المارقين والباصقين في صحن نعمة الكويت, من اجل نبذ التشظي بين المخلصين, والاصطفاف ضد قوى الظلام والتخلف, ضد النهب والإرهاب.
آن الأوان لنهضتنا, من أجل الكويت أمنا.

Saturday, May 9, 2009

كفاءة




هذا الوطن لا يتوقف عن إنجاب المخلصين, الذين يضعون الكويت أولاً, في مقدمة اهتماماتهم, حريصون على مصالحه ورفعته وسمعته, في مقابل من يبحث عن مصالحه الشخصية على حساب الوطن, حتى لو تطلب الأمر بان يعتقل ليخرج بطلاً ثورياً, حتى لو تطلب الأمر شراء الذمم, والكذب والحيلة والزعيق البدائي, والذي يعتبره المتخلفين شجاعة, حتى لو تطلب الأمر خيانة مبادئ هذا الوطن ووحدته الوطنية, حتى لو تطلب الأمر الدوس على القانون والدستور, من أجل القبيلة والطائفة.
يظل هناك مخلصين واوفياء للكويت, يفرحون لفرحها ويتألمون لألمها, وعلى استعداد لفدائها بأرواحهم, هؤلاء وعوا أهمية حسن اختيار النواب, ووجدوا أن الحل للأزمات الشاملة للبلد, وإعادتها لقطار التنمية والتقدم, لا يكون إلا باختيار النائب الذي يملك حساً عالياً بالمسؤولية الوطنية, وصوتاً منخفضاً حكيماً محاوراً بالحجة والاقناع, وحكومة قوية ذات رؤية وقرار.
تحت شعار "فكر.. الكفاءة أولاً", انطلقت لجنة كفاءة التطوعية الشبابية, ونشرت مبادئها الوطنية, وشروط النائب ذي الكفاءة, للمساهمة بإنهاء حالة التدهور الشامل, والجور على الوطن, والمزايدات السياسية الفارغة, وتفتيت المجتمع الكويتي, وأنشأت مدونة توعوية باسم كفاءة.
كما قامت لجنة تطوعية شبابية أخرى, بإنتاج أفلام توعوية, تحت عنوان "صوت للكويت" vote 4 Kuwait, وهي تدعو الشعب الكويتي لاختيار المرشح الوطني, الحريص على البناء والتنمية.
ويعمل شباب وشابات تجمع صوت الكويت, عملاً جاداً ودؤوباً, من أجل توعية الناخبين بأهمية حسن اختيار المرشح, إضافة إلى لجنة مراقبة الانتخابات, المكونة من شباب وشابات يدفعهم حب الكويت, للعمل المجهد من أجل انتخابات مشرفة, تليق بالكويت وسمعتها الدمقراطية.
وفي هذه الانتخابات, نرى بوضوح استعدادات المرأة الكويتية, سواء كانت مرشحة أم ناخبة, وحرصها على المشاركة الواعية, بإيصال من يستحق أن يمثلها من الجنسين.
ولذا سيكون هناك تغيير في شكل ومضمون المجلس القادم, حتى وإن كان طفيفاً, إلا أن تبدل الوعي قد حدث بالفعل, وبدأت الأغلبية الصامتة بإيصال صوتها عبر العمل لوصول المرشح المنتظر, الذي يعول عليه الكويتيين لإعادة قطار العمل السياسي والدمقراطي على السكة.
كل ذلك يحدث بأيدي وعقول وقلوب الشباب والشابات, بدون منة أو أجر أو غاية سوى رفعة الوطن, وقد أثبت الشباب أنهم أهل للمسؤولية, مثلما أثبتوا ذلك في صمودهم ومقاومتهم أثناء الاحتلال, أثبتوا أنهم ضد الاحباط واليأس, أثبتوا أنهم الدرع الواقي الحقيقي لأمان الوطن, وحفظه من التشظي.
ففي الوقت الذي تزيد فيه بعض الأصوات النار أواراً, في الطرح الفئوي البغيض, واستخدام كل الأدوات المشروعة وغير المشروعة, من أجل الوصول إلى كرسي البرلمان, تقوم مجاميع الشباب والشابات, بأعمال رائعة من أجل انقاذ الدمقراطية من براثن الجهل والتخلف, وتقف مواقف مشرفة من أجل تحسين صورة الإنسان الكويتي أمام العالم.
هؤلاء الشباب والشابات, هم مثال المواطنة الصالحة, وهم الإضاءة والإيماءة بأن الكويت باقية, وألقها عائد لا محالة, هم الأمل في ظل الاحباط, هم الوعي الجديد في مواجهة التخلف, هم الوردة في صحراء قاحلة.
نتمنى أن نكون قد وعينا الدرس, وأفقنا من الصفعة القاسية, وقررنا أن نحسن اختيار المرشح الذي يحب الكويت.

Sunday, May 3, 2009

نافذة الوطن



صباح اليوم, فتحت الستارة, وفتحت النافذة, واستقبلت ضوء الشمس, واستنشقت النسيم البارد, والقيت نظرة على الوطن بعين عاشق, كان هذا وما يزال سلوكي اليومي منذ سنوات طويلة, أستنشق نسمة الوطن وأعقبها ب:"هذا يوم جميل, ونهار سعيد", وأنطلق في كتاباتي اليومية, متفائلاً بمستقبل مشرق لأولادي وأحفادي.
لكن هذا الصباح كان مختلفاً, كابياً, حزيناً, وكان منظر الكويت بمنازلها وشوارعها منظر بائس, كأرملة فقدت للتو زوجها وحبيبها, وشاخت وذوت بسرعة قياسية, رغم عمرها الفتي, اغتربت بالفقد, حتى جفت الدموع.
في الأوطان الأخرى, كلما عتقت المدينة كلما إزدادت بهاءً وجمالاً, وارتفعت أثمانها ثقافياً ومكانة وحباً لدى سكانها, أما مدينتي فتذوي وترخص وتهان, وتفقد بريقها وألقها على يد قاطنيها, حتى تغيب ملامحها المألوفة المحببة إلى نفسي كل صباح باكر.
هناك شيء مفتقد في عيني الكويت, وشعور مفتقد في صدري, منعني من الكتابة لساعات, وجعل طعم القهوة والشاي مراً في فمي, لكنني أدركت أن المرارة ليست في القهوة والشاي, ولكن المرارة في قلبي, إحساس بالفقد والحزن, ولو كانت الكويت إنساناً لحضنتها, ولربت على ظهرها, ومسحت دمعتها بيدي.
لم تعد هذه الكويت التي عرفتها, لم يعد هذا الوطن العزيز القوي, الجميل الفتي المفعم بالحداثة والسباق مع التنمية والتقدم, لم يعد ملاذ الطفولة السعيدة, والحضن الآمن للجميع, تغيرت ملامحه الجميلة, وأصبح عنواناً لجحود من رفعهم وأعزهم, رجموه ببشاعاتهم بعدما شبعوا, وكثرت سكاكين الوطن, التي سنت لعقود, انتظروه حتى سمن, ثم نحروه من الوريد إلى الوريد, متشفين بمنظر ورائحة الدم.
كانت مؤامرة تحاك منذ سنوات, على العاشق والمعشوق, وأتى وقت تنفيذ المخطط والأجندة اللتان حيكتا في الظلام, في غفوة الزمن, وحسن ظن الوطن, لتأتي الطعنة في القلب الذي أحب, وتقطع اليد التي أطعمت.
كان هذا الصباح حزيناً, ومنظر الوطن بائساً, كانت البيوت والشوارع كئيبة, والأشجار كالحة, لم يكن هو الوطن السعيد الذي أطل عليه كل صباح من نافذتي, كانت في أطراف الشارع مدرسة تشبه السجن, وعلى الطرف الآخر مسجداً عليه كتابات متطرفة تدعو إلى الكراهية ونبذ حب الوطن, كراهية تدعو إلى تهجير الكويتيين العاشقين لوطنهم, تدعو إلى وأد البحر لأنه يثير غرائز العشق والفداء, تدعو إلى حرق معالم الحضارة والتحضر, لأنهما ضد المخطط والأجندة, تدعو إلى قطع رؤوس الورود, لأنها تعبر عن الحب, تدعو إلى حرق الأخضر وتمجيد اليابس.
لم يعد هذا وطني الذي أعرفه, بل هذا وطن تلبس فيه كمامات على الأنوف, وتوضع فيه سدادات في الآذان, وعصابات على العيون, هذا وطن على شفا الانكفاء, يريدون له أن يكون وطن الظلام, بدلاً من وطن النهار, يريدون له أن يكون وطن الخنادق والمتاريس.
أطل من النافذة وأتساءل: متى تعود يا وطن؟ متى تستعيد عافيتك؟ وملامحك الكويتية؟ متى تستعيد بهاؤك؟ متى تنتصر لنفسك؟ متى ينتصر لك شبابك وشاباتك؟
أغلقت النافذة على الوطن الحزين, وأسدلت الستائر, وجلست لأكتب عشقي.