Saturday, January 24, 2009

الدائرة والخط المستقيم




يعيش العالم العربي منذ عقود طويلة, بإشكالية الدائرة, والعيش في دائرة يعني دائماً العودة إلى نقطة البداية, وإذا راجعنا المنطق التاريخي لتقدم المجتمعات, نجد أن الدائرة تعني المراوحة وعدم التقدم إلى أمام, بالضبط كفعل البقرة مع الساقية, تدور وتدور وتسقي الغير في دورانها, ولأن الفلاح يغمض عينيها, لا تعلم إلى أين تسير, ولا أي طريق تسلك, هي تعلم أنها تنهك من المسير, وتتوهم السير في طريق يؤدي إلى هدف, لكن واقع الأمر هي تسير في دائرة, لساعات وأيام وربما لسنوات.
ولم يحدث أن راجع العالم العربي خياراته, ولم يقرر الخروج من الدائرة, ووجد في هذه الدائرة أماناً من المجهول الذي ينتظره, لو سار في خط مستقيم, في اتساق مع حركة التاريخ, والتقدم البشري.
في الألفية الثالثة, مازل العرب يتعاملون بنفس منطق بدايات القرن الماضي, حتى بعد أن أسسوا كيان جامعة الدول العربية, وبعد مرور أكثر من ستين سنة على اغتصاب دولة إسرائيل لفلسطين, مازالوا يسيرون في نفس الدائرة, يواجهون الاعتداء بردود الفعل, أما بالشجب والاستنكار المجرد, وأما بمزيد من المغامرة غير المحسوبة.
وأتذكر في بداية الغزو على الكويت, أن المقاومة غير الخبيرة, والمعتمدة على العاطفة والحماس, كانت تصطدم بمغامرة ومواجهة غير متكافئة مع الغازي, حتى بدأت تتنظم وتستخدم كل الوسائل والفنون للمواجهة, ولو ظلت على ردود فعلها في المواجهة لألحقت ضرراً بالغاً بالشعب الكويتي, ولدمرت بنيته التحتية بالكامل, ولكن تغيرت هذه المغامرة إلى عمليات مقاومة نوعية.
في ظروف التمزق العربي, وتدني مستويات التنمية الشاملة, التي لم تستطع الانقلابات العسكرية تحقيقها, وفي ظل تدهور الإنسان العربي, نتيجة لتدهور التعليم والصحة والثقافة والخدمات, إزدادت الدول العربية ضعفاً, وعدم قدرة على مواجهة تحديات العصر بما فيها معاناة الشعب الفلسطيني, والتي كثيراً ما يكون سببها التناحر الفلسطيني الفلسطيني, على حساب الشعب.
إن انتهاج الواقعية, يعني استخدام العقل لا العاطفة والانفعال, وتغطية العيوب بمؤتمرات قمة تؤدي واجب الشجب, والتبرع بأموال طائلة, قد تبني دولاً بكاملها, فالواقعية عكس الأحلام والأمنيات والسير في دائرة, الواقعية تعني الانطلاق من الواقع, تعني السير في خط مستقيم.
لا يمكن حل أي قضية عربية بردود الفعل السياسية, والشجب والاستنكار على أهميتهما, ولا يمكن مواجهة هذه القضايا بأوهام المؤامرة على الدين والعرق العربي, فالعالم يعيش على هذه الكرة الأرضية, وتتطور دوله كل على حدة بالحس والفعل البراغماتي المنفعي الواقعي العلمي.
كل المؤتمرات العربية في العقود النصرمة, فشلت في المواجهات, لأنها فشلت بالتنمية الشاملة لبلدانها, لأنها تجاهلت الأفراد في مجتمعاتها, تجاهلت المستوى المعيشي لهم, تجاهلت استثمار الإنسان, تجاهلت ثقافته وتعليمه وصحته, همشته وقمعته, وسلبت حرياته, فكل القمم العربية تعالت على مواطنيها, ونظرت إلى الأمور بنظرة فوقية ليس لها علاقة بإنسان هذه الأوطان.
وحتى تتطور الدول العربية, التي تحمل وترعى إرث التخلف والجهل, وبالتالي تواجه قضاياها, يجب عليها أن تبدأ من البداية, من الإنسان صانع الأوطان, تبدأ من الداخل, ومن الأساس وهو الاقتصاد والتنمية الشاملة, واستخدام العقلانية.
لكن للأسف أن ما يحدث في الألفية الثالثة, أننا استبدلنا العقل بالحذاء, فلم تعد لنا مكانة يحسب حسابها بين الأمم, لم تعد دول العالم تأخذنا بجدية, لتشرذمنا وخلافاتنا الطفولية, ومحاولتنا جر الميكروفون لأفواهنا, حتى طغت السياسة والشعارات على الحلول التنموية العقلانية, فلكي تؤثر بالآخرين يجب أن تبدأ بتغيير نفسك أولاً.
وأظن أن القمة الكويتية الاقتصادية التنموية الاجتماعية, كانت محاولة للخروج من الدائرة, فرغم عادة الانفعال التي خيمت عليه, إلا أن دولة الكويت وبدبلوماسية صاحب السمو الأمير العريقة, قادت المؤتمر إلى خارج المألوف, وقدمت للدول العربية خارطة تبدأ من البداية, من بوابة التقدم العربي, وهنا لا أتحدث عن المصالحة العربية, التي لا نعلم مدى جديتها, بل أقصد لأول مرة في تاريخ مؤتمرات القمة, يأتي على ذكر الشباب والمرأة والثقافة والبحث العلمي, والقطاع الخاص والربط البري, بأجندة عمل براغماتية.
مبادرة كهذه قد تعيد الكويت لمكانتها الريادية, في وسطها العربي, وسواء أخذت هذه الدول المبادرة بجدية, أم لم تأخذ بها, فقد حظيت الكويت بشرف المبادرة, وشرف نضج الرؤية, وإذا كانت الكويت تريد أن تقدم المثال, فلا بد من أن تلتفت إلى الداخل, وتشرع بالتنمية الشاملة كما طرحتها في المؤتمر, فالتنمية لا يحلها الزمن وحده, لابد من مبادرة وفعل شجاع, يستبدل الحذاء بالعقل.

Sunday, January 18, 2009

عالم بلا عقول




للصديق المسرحي والإعلامي سليمان الحزامي, مسرحية بعنوان "مدينة بلا عقول", وأظنها الأولى له, ومناسبة العنوان, أننا فقدنا قبل ايام المفكر والفيلسوف والمناضل المصري, محمود أمين العالم, وبفقده فقد العالم جزءً من عقله.
كان محمود أمين العالم, مفكراً من الطراز الأصيل والفريد, ولا أظن أن الأمة ستنجب مثيلاً له, خاض معارك فكرية في خمسينيات القرن الماضي, ووضع عهداً جديداً لاستخدام العقل, سواء في الفلسفة أو في الأدب, وساد مصطلح الاشتراكية الواقعية في الفن والأدب في العقود التي تلت ذلك, مؤسساً لمنهج في التفكير والتحليل جديد على الساحة الثقافية, ومعلماً لآلاف من المثقفين المستنيرين في العالم العربي.
كان مبدعاً مرناً, على عكس النصيين والدوغماتيين, بل حارب بضراوة ضد التحريفيين والانتهازيين, في السياسة والفكر, وحارب كذلك المراهقة السياسية, والتي اكتشف أنها موجودة في الكويت كتيار فئوي.
وبالطبع يعرفه ويحبه ويحترمه كل مثقفي الكويت, بجميع تياراتهم لسماته الإنسانية الرائعة, ودماثة أخلاقه, فهو رجل وطني دافع عن الإنسان والأوطان بكل ضراوة, ولم يحد عن مبادئه أو يهادن من أجلها, ولذا فقد حظي باحترام حتى أعدائه, ولذا سار مرشد الأخوان المسلمين في جنازته, كان يفتن الجميع بإنسانيته وتواضعه, رغم مكانته الفكرية الكبيرة, التي قدرتها الجامعات الكبيرة مثل أوكسفورد والسربون, اللتان عمل بهما كأستاذ زائر, بينما طرد من الجامعة في بلده, وعذب وسجن لآرائه وانتمائه السياسي عام 1959, هو ومجموعة من زملائه, حيث استشهد زميله شهدي عطية تحت التعذيب.
رغم أنني قرأت مؤلفاته, وعرفته عن طريقها, إلا أن لقائي الأول به كان في باريس في منتصف الثمانينات, كنت وقتها على موعد مع المناضل السياسي ميشيل كامل رحمه الله, والذي كان مقيماً في باريس, فوجدت محمود العالم يقف معه, فعرفني ميشيل به, فقال:"أنا قرأت لك حاجة", قلت:"أنا قرأت لك كل حاجة, بس كنت مراهق وقتها", ضحك بتواضع قائلاً:"ما تكبرنيش", ثم استطرد:" إلا قل لي يا وليد, أحنا ما تقابلناش قبل كده ليه؟", ضحكت وأجبته:"حضرتك استحليت السجون, من سجن لسجن", ومن يومها توطدت علاقتنا, فكنت ألتقيه بدار الثقافة الجديدة, ثم في قضايا فكرية, هو ومحمد الجندي وماجدة رفاعة, حفيدة رفاعة الطهطاوي, وبالطبع لا تقام ندوة فكرية في الكويت إلا ويكون حاضراً ومحاضراً بها, ونشطاً في تعليقاته ونقاشاته العقلانية.
ولم يكتفي هذا الرجل الموسوعي بالفلسفة والسياسة, ولكن كتب دواوين شعر, وكتب في النقد الأدبي بحرفنة واقتدار وإبداع, لم يتوقف عند التقليدي, رغم أنه كان كبيراً بالسن, إذ توفي عن عمر 87, لكنه كان مجدداً في رؤيته الأدبية والفكرية.
كان محمود العالم مقبلاً على الحياة, متفائلاً, فقبل سنتين كان يحتضر تقريباً, وظن الجميع أنه سيرحل وهو على فراشه, لكنه فاجأ الجميع عندما نهض مبتسماً, متحدياً المرض بإرادته الحديدية.
وبفقد هذا الرجل, فقدنا العقلانية, والتعامل الموضوعي مع قضايانا, وخرجنا من استخدام العقل, إلى استخدام العاطفة المظللة والمتعصبة, ليغدو موته شاهداً على موت العقل والرصانة الفكرية.
والباعث على السخرية, أنني عندما قرأت خبر وفاته في جريدة الجريدة, يوم الأحد 11 يناير الجاري, كان بجانب الخبر خبر آخر, ومانشيت يقول:" البرلمان المصري.. صدامات وحذاء", وقد رفع أحد أعضاء الإسلاميين حذاءه, في وجه نواب في الحزب الحاكم.
بعدك يا محمود سترتفع العديد من الأحذية, التي أصبحت بديلاً عن استخدام العقل.

Sunday, January 11, 2009

التدمير الذاتي




البشر لديهم نزعة للتدمير الذاتي, أحياناً تكون من خلال سلوكات سلبية, مثل التدخين وتعاطي المخدرات, ومثل التهور في قيادة السيارات, أو ارتياد مناطق الخطر, أو الدخول في مشاجرة تتطور إلى استخدام أسلحة.
وأحياناً يتجه الإنسان إلى مثل هذه الأمور دون وعي منه, وأحياناً يدمن الإنسان على الإثارة, والاحساس بارتفاع هرمون الأدرينالين في الدم, ونرى أحياناً ظاهرة الجندي الذي يلقي بنفسه في مرمى النيران, رغم أنه يعيش عيشة هادئة مسالمة في حياته العادية.
لكن اذا تساءلنا ما الحاجة الأساسية للإنسان, كي يعيش بسعادة, وما هي النزعة الدافعة للحياة, السلم أم العداء؟ نجد أن السلم والانسجام والصفاء, هي ما يبحث عنه الإنسان, وكل اعتداء بدأ من جنس البشر كان للاستحواذ والسيطرة والتملك, فابتداء من الإنسان الأول, إنسان الكهوف, كان الاعتداء من أجل السيطرة على المناطق ومصادر الغذاء.
وقد أثبت العلم أنه لكي يعيش الإنسان بصحة بدنية ونفسية جيدة, يجب أن يعيش بأفكار ومشاعر إيجابية, وهذا يساعد أجهزته الداخلية على العمل بكفاءة, ويقوي من مناعته, وهو ما يسمى بردة الفعل البيولوجية الإيجابية, أما إذا كانت أفكاره ومشاعره سلبية, مثل الكراهية والحقد والغضب, فإن هرمون الأدرينالين يرتفع في دمه من موقع غدتي الأدرينالز فوق الكليتين, وأعراضه معروفة مثل سرعة دقات القلب, وضيق النفس, وجفاف الحلق وغيرها من الأعراض, وارتفاع هذا الهرمون يسبب ضغطاً غير طبيعي على أجهزة الإنسان الداخلية, ويضعف مناعته, وهو ما يسمى بردة الفعل البيلوجية السلبية, وهذا يؤدي لأمراض الإنسان البدنية, بما فيها الأمراض الخطيرة مثل السرطانات, وأمراض القلب والشرايين.
الشر عند الإنسان ليس متأصلاً في تكوينه, بل هو ممارسة وشعور مكتسب, ووظيفة هرمون الأدرينالين ليس الشر والكراهية, بل الوظيفة الأساسية منه هو المواجهة أو الهرب Fight or flight, اي يساعد الإنسان وتنبيهه للهرب من خطر الحيوانات المتوحشة, أو مواجهتها, والكلوكوز المفرز في هذه اللحظة, يمنحه طاقة إضافية لذلك, لكن عبر قرون وقرون مارس الإنسان على الإنسان أصناف العداء والاعتداء, والكراهية والحروب, وسخر جزء كبيراً من ذكائه وخبرته, للسيطرة وصنع الأسلحة المادية والمعنوية, لكي تتحقق له الغلبة, ولذا تراودة فرحة ولذة وحشية لحظة الانتصار, وأصبح دم العدو المراق أو انكسارة, مصدر فخر للمنتصر الافتراضي.
ثم مع مرور الزمن أصبح سوء الظن هو الأصل, والموقف المسبق هو ما يقود السلوك البشري, فالإنسان المختلف عنا, أو ندنا أو شريكنا في الحياة, هو عدونا, حتى يثبت العكس, ولذا اخترع الإنسان السلام برفع اليد, ليري الطرف الآخر أن يديه خالية من السلاح.
ولم تعد فقط الشعوب أو الانتماءات المختلفة, هي التي تعادي بعضها, ولكن أصبح الأخوة والأزواج, وأصحاب الانتماء الديني والعرقي الواحد, فالمسلم يقتل المسلم, ويشعر بالانتصار واللذة الوحشية, فالعراقي يقتل العراقي, والأفغاني يقتل الأفغاني, والاسرائيلي يقتل الفلسطيني, والدافع هو السيطرة والتملك, فقبل أن تسيطر حماس على البرلمان, كان الإسلاميون يرفضون حتى على توقيع عريضة مناصرة للشعب الفلسطيني, لأن قيادته كانت ليبرالية, ومحاربتهم جائزة, أما اليوم فبسبيل السيطرة الإسلامية, يخرج هؤلاء رافعين الأحذية, رغم أن الشعب الفسطيني لم يتغير.
هذا ينطبق على الأزواج الذين ينسون في لحظة, كل الإيجابيات والأشياء المشتركة, فما أن يختلفوا حتى يكيلوا التهم للآخر, ويشوهوا سمعته, ويعينوا أفضل المحامين, لا للخروج بسلام من العلاقة, ولكن للحصول على أكثر المكاسب, والانتصارات مستخدمين كل الأسلحة المتاحة, بما فيها الأبناء, لأن الكراهية والعداء هي الدافع, الأدرينالين هو لذة المخاطرة.
فمشروع الاستيلاء على منصب رئيس الوزراء, يجند من أجله أعضاء مجلس الأمة, ويرصد له أموال ضخمة, والهدف هو السيطرة والتملك, وليس مهماً تدمير بلد ومشروعاته التنموية, وحتى الحكام الدكتاتوريين على استعداد لقتل شعوبهم في سبيل السيطرة.
لم يتخلص الإنسان, وخاصة في المجتمعات المتخلفة, من إرث العداء والكراهية, وعندما اكتشف نزعة الشر, لم يكتشف أنها نزعة للتدمير الذاتي, أو لم يهتم لذلك, فعلي وعلى أعدائي.

Sunday, January 4, 2009

اليوم العالمي للتنويم




يصادف اليوم الرابع من يناير هذا العام وكل عام, الاحتفال باليوم العالمي للتنويم, الذي أقرته الجمعية الأمريكية للمنومين National Guild of hypnotisit, وهي أكبر وأقدم جمعية في العالم, وتضم أعضاءً من جميع أنحاء العالم, منذ أن تأسست في أوائل خمسينيات القرن الماضي.
وباشر أعضاء هذه الجمعية ومنذ العام 2005م, بالاحتفال بهذه المناسبة على المستوى الجماهيري, وبكل الطرق الإعلامية والتوعوية المناسبة, مثل المحاضرا والندوات, واللقاءات في جميع وسائل الإعلام, ومن خلال ورش العمل ومواقع الانترنت.
وسبب اقتراح هذه المناسبة, هو سوء الفهم من قبل قطاعات واسعة من الناس, للتنويم العلمي ومظاهره وفوائده, وكيفيه عمله واستخداماته العلاجية, وأهم أسباب سوء الفهم هذا, هي الجهل والعرض الخاطئ والمظلل من قبل الأفلام وعروض التنويم المسرحي, والتي تظهر التنويم على أنه قدرة خارقة للمنوم, وسيطرة وتحكم تامين على عقول وتصرفات الآخرين, ولا شك بأن طريقة تقديم الأفلام والتلفزيون والمسرح للتنويم, شوهت صوره العلمية والنبيلة, وحولته من حالة ذهنية طبيعية, إلى حالة غير طبيعية وخارجة عن المألوف, وخاصة أن الناس لا تفرق بين الهواة ذوي الضعف النظري والعملي, وبين المتخصصين والمحترفين, الذين يعرفون كل تفاصيل ودقائق العملية التنويمية وطرق التدخل العلاجي من خلالها, سواء كان الاستخدام طبياً أم نفسياً أم رياضياً أم جنائياً أم تعليمياً, فاستخدامات التنويم في وقتنا الحاضر, أصبح لها تخصصات دقيقة, أي تخصص في التخصص, وأصبح له علمائه ونظرياته ومؤلفاته ومناهج تدريسه في الجامعات المتخصصة.
وهذه الأفكار الخاطئة موجودة لدى كل الشعوب بنسب مختلفة, لكن كلما كانت الشعوب متخلفة كلما ازداد غموض التنويم لديها, وتعاملت بخوف وريبة منه, وحتى المتعلمين والأطباء في هذه الدول, يصفون التنويم بالشعوذة, رغم أن أول من اكتشف العلاج بالتنويم واستخدمه هم الأطباء في القرن الثامن عشر.
ومن الأفكار الخاطئة حول التنويم, إجبار المنوم (بفتح النون) على ارتكاب جريمة, أو عمل لا أخلاقي, سحب أسراره دون إرادته, المنوم قد لا يصحو, التنويم يغسل العقل, ضعيف العقل هو الذي ينام.
ومن الطرائف أنني أسأل أحياناً هل السرقة التي حدثت في المكان الفلاني, أستخدم فيها التنويم؟ أو هل صحيح أن الصحفي الذي قذف بوش بالحذاء كان منوماً, وهل الإرهابيين منومين وهم يقومون بأعمال إرهابية؟ والجواب على ذلك هو مستحيل أن يكون التنويم أداة لهذه الأعمال, لأن العقل الباطن يرفض الأوامر والإيحاءات التي ضد قيم الشخص ومبادئه, فهو لا يفقد إرادته, بل يزداد تحكمه بنفسه, لأن تعريف التنويم, هو حالة من التركيز والانتباه الشديدين, يتم فيها تحييد العقل الواعي ومخاطبة العقل الباطن مباشرة.
والتنويم لا يشبه النوم الطبيعي, ولا يشبه الإغماءة أو الغياب عن الوعي, هو يشبه اندماجنا مع أحداث فيلم ممتع, أو رواية ممتعة, وقد ناقشني د. أحمد الربعي رحمه الله حول التنويم في مرة من المرات, وكان يخلط بين نوم الليل الطبيعي وبين التنويم الحالة الذهنية الطبيعية والموجودة لدى جميع البشر.
والغريب أنه في العالم العربي يسمونه "التنويم المغناطيسي", رغم أن ليس له علاقة بالمغناطيس أو المغناطيسية, وهذا المصطلح لا يوجد إلا في الأدبيات العربية, وحاول بعض الهواة تغييره إلى "التنويم الإيحائي", وهو من الناحية العلمية غير دقيق أيضاً, لأن التنويم حالة طبيعية نصلها بأنفسنا دون حاجة للإيحاء, بل توجد آلاف الطرق للدخول في غشوة تنويمية, دون استخدام الإيحاء.
التنويم أداة علمية علاجية رائعة, أستخدمت وما زالت تستخدم في جميع دول العالم المتقدم, وأمنيتي بمناسبة اليوم العالمي للتنويم الذي يوافق هذا اليوم, أن تتغير مفاهيمنا تجاهه, ونبدأ بالتعاطي العقلاني معه ومع كل العلوم الرصينة باحترام, حتى وإن كنا لا نعرفها, وفي الواقع نحن لا نعرف أشياء كثيرة عن الأدوية والعمليات الجراحة, ومع ذلك نتعاطى معها بثقة.(راجع كتابي علم وفن التنويم)