Saturday, February 28, 2009

انتخابات رابطة الأدباء 2 من 2



غداً سوف تجرى انتخابات مجلس إدارة رابطة الأدباء, وسيأتي مجلس إدارة جديد, للسنتين القادمتين, وليس للأربع سنوات كما ذكرت بخطأ غير مقصود في مقالي السابق.
ويأتي مجلس الإدارة المنتخب, في ظل ظروف بالغة الصعوبة, على الثقافة والمثقفين, وفي ظل مناخ معاد للحريات العامة, ومن ضمنها حرية التعبير التي كفلها الدستور الكويتي, وطال هذا المناخ المعادي للحريات, بعض الأدباء والكتاب والمفكرين, ومن ضمنهم أعضاء في رابطة الأدباء.
ومنذ سنوات تأسيسها, لعبت الرابطة كمؤسسة مدنية, وكنقابة تعنى بشئون أعضائها, دوراً ريادياً في المجتمع الكويتي, واتخذت موقفاً واضحاً في القضايا العربية, وتعرضت مثلها مثل جمعيات النفع العام الأخرى, إلى هنات وضعف وأخطاء في مسيرتها, لكنها لم تتوقف عن دورها التنويري كمؤسسة ثقافية رئيسية في هذا المجتمع.
وكونها نقابة فهي بالضرورة تجمع أطيافاً فكرية مختلفة, ولا يضيرها الاختلاف طالما كان الهدف هو الارتقاء بالشأن الإبداعي الأدبي في الكويت, والدفاع عن مصالح أعضائها, واتخاذ مواقف واضحة للدفاع عن المكتسبات الدستورية, التي أتاحت القوانين لتأسيس الرابطة, كإحدى جمعيات النفع العام, وهذا حق أصيل للشعب الكويتي.
كانت إحدى مظاهر المقاومة المدنية أثناء الاحتلال, هو خبرة الشعب الكويتي في تنظيم نفسه, والتي اكتسبها من تمرسه في العمل الجماعي المنظم, في جمعيات النفع العام.
فلا مساومة على الكويت, لا خارجياً ولا داخلياً, ولا مناص من الموقف السياسي الذي يدخل في كل تفاصيل حياتنا, من التعليم إلى الاقتصاد إلى الثقافة والأدب والفن, وهذا لا يحيل الرابطة إلى مؤسسة سياسية حزبية, ولكنه يعكس وعي أعضائها تجاه قضاياهم الوطنية, ودورهم في تنوير أفراد المجتمع, دون عمل سياسي مباشر.
وأحد الأدوار المناطة بالرابطة وأعضائها, هو إشاعة أجواء الحوار الدمقراطي المتحضر, والدفاع عن حرية الاختلاف بالرأي, والارتقاء بالممارسة الدمقراطية, والابتعاد عن مفهوم "نحن وهم", والتخلي عن الشخصانية والمواقف المسبقة, التي تنعكس حتى على الموقف من إبداع الذين نختلف معهم, فإن كانوا من جماعتنا فإبداعهم رائع, وإن كانوا ليس من جماعتنا, فإبداعهم سيئ وتافه, وقد نتوقف عند كلمة في رواية ضخمة, لمجرد أن الكاتب ليس منا.
في بداية التسعينيات, كنت مسؤولاً عن الصفحة الثقافية في جريدة الطليعة, وكتبت مقالاً أشيد فيه بالمرحوم عبد الرزاق البصير, والأستاذ الشاعر الكبير أحمد السقاف شفاه الله, وفوجئت بأحد أعضاء الرابطة يقول لي, لم أكن أتصور أنك يمكن أن تكتب عن هذين العملاقين, ظننتك منهم, ولم أعرف حتى الآن من هم, كل ما كنت أعرفه أنني كاتب كويتي, يعتز بجميع الأدباء الكويتيين ويقدرهم.
في الأسبوع الماضي نشرت مقالاً حول انتخابات رابطة الأدباء, وفوجئت بالتسفيه والهجوم علي, في تعليقات الراي الالكترونية, من قبل بعض أعضاء الرابطة, والغريب أنني أكتب هذا العمود منذ سنتين, ولم أتعرض فيه لمثل هذا الهجوم, إلا من الجماعات الإسلامية المغالية, والغريب أيضاً, أن اسلوب الهجوم والمفردات كانت متشابهة بين الإسلاميين المتطرفين, وبعض أعضاء رابطة الأدباء, فالأثنين كانا ينطلقان من ثقافة واحدة, ثقافة إلغاء الآخر, ثقافة تقول بأن الحديث عن ممارسات التطرف الإسلامي, وعن رابطة الأدباء هي من المقدسات, التي لا يجب أن يتطرق لها أحد مثلي, وكنت أتمنى أن تحمل هذه التعليقات حواراً أو رأياً مخالفاً, ولكن كل ما كان هنالك, هو التسفيه بأسلوب متدني.
وفي الأسبوع الماضي, وزعت ورقة تحمل إساءة لعضو في الرابطة, تعكس أسلوباً لا يليق بعضو في رابطة الأدباء, ويسئ إلى مكانتها الثقافية والحضارية, وإلى دورها التنويري الريادي في المجتمع, على اعتبار أن الأديب هو في طليعة المجتمع, ومدافعاً صلباً عن حرية الاختلاف في الرأي.
لكن ذلك لا يعني أن تحتكر الرابطة لفكر واحد, ومجموعة واحدة, بل يجب ان يفتح الباب على مصراعيه, لعضوية من تنطبق عليه شرط العضوية, وخاصة إذا كانت له اسهامات وإصدارات أدبية, إتفقنا أو اختلفنا في ذائقتنا حولها.
تحتاج الرابطة إلى تنوع في الوحدة, كما تقول الفلسفة, وتحتاج إلى تفعيل دورها التنويري, في هذا المجتمع الذي أحوج ما يكون لموقف المثقف الوطني المستنير, فالكويت تمر في واحدة من أسوأ مراحل التشظي, وأكبر هجوم على الحرية, وتحتاج منا للعمل كتف إلى كتف, ونبذ الخلافات الصغيرة, تحتاج إلى الحكمة, وليس إلى المواقف الطفولية.
وفي النهاية, أكرر شكري لجهود مجلس الإدارة السابق, وأشد على أيدي المجلس القادم, متمنياً له التوفيق في خدمة الأعضاء, وخدمة وطننا الكويت.

Sunday, February 22, 2009

انتخابات رابطة الأدباء




في بدايات شهر مارس المقبل, ستجرى انتخابات مجلس إدارة رابطة الأدباء, وسيأتي مجلس إدارة جديد يستمر للأربع سنوات القادمة, قد يكون نفس المجلس الحالي, أو بوجود بعض أعضائه على الأقل.
منذ انضممت إلى عضوية الرابطة في شبابي, ومعظم مجالس الإدارات تأتي بالتزكية, لقلة عدد الأعضاء في ذلك الوقت, وللتقارب الفكري بينهم, ويذكر الأعضاء الكبار حجم الانتقادات التي كانت تقال حول الشللية, والتي كانت تشكل علاقات الزمالة, وتشكل توجه مجلس الإدارة, وما يتبعه من مواقف ونشاطات.
ولكن الرؤية تحسنت قليلاً, وأصبحت أكثر مرونة, وجاءت بمجلس إدارة يتميز بحضور شبابي, وهذا المجلس حاول بجهد أن يطور في نشاطاته, وأن يسهم بدوره في حضور الرابطة الاجتماعي والسياسي, كما ساهم بترويج كتب الأدباء بطرق بعضها إبداعي وجديد, مثل وضع طاولة في إحدى الجمعيات, وهو تنفيذ للفكرة القديمة, لمكتبة متنقلة لهذه الإصدارات, كما نشط هذا المجلس منتدى الشباب المبدع, وهو ما كان الشباب يطمح له منذ زمن, وبالطبع لا يخلو الأمر لبعض الملاحظات.
العمل النقابي, هو نواة العمل الدمقراطي في المجتمع المدني, وهذا يعني ضرورة الاختلاف وعدم التطابق في وجهات النظر, ويعني احترام هذا الاختلاف, وهو صراع متحضر وسلمي من أجل مصلحة الكويت والأدب والأدباء, سواء حول الرؤية وطريقة الإدارة, أم حول الموقف السياسي المستنير, الذي طالما تبنته الرابطة في تاريخها المشرف والطويل.
وكل النقابات وجمعيات النفع العام, عاشت هذا الصراع السلمي المتحضر, وكنت عضواً في عدد لا بأس به من هذه النقابات, مثل الاتحاد العام لعمال الكويت, وجمعية الخريجين, وجمعية حقوق الإنسان الكويتية, ورابطة الأدباء, جميعها عاشت هذا الاختلاف الضروري بين الجديد والقديم, بين التقدم والمحافظة, بين الرأي والرأي الآخر, ولعل ذاك كان سبب حيويتها في ذلك الوقت, لكن كثير من هذه الجمعيات جمدت, في محاولة للحفاظ على الكراسي, دون الالتفات إلى مصلحة الجمعيات العمومية, ودون اعتبار لمتغيرات الساحة الكويتية, وبعضها حدثت فيها انشقاقات, لم يفلح معها المنشقون بتأسيس نقابة أو جمعية بديلة, رغم التجمعات الخاصة التي طرحت نفسها بديلاً عن النقابة الشرعية, إذ أن قانون الصراع, ومحاولات التغيير يجب أن تتم من داخل النقابة نفسها, ولا تتم بالمقاطعة غير الرصينة, ولا تتم بالشخصانية, وبالاعتبارات الذاتية.
وأحياناً يتم ترتيب قائمة, وفرض رئيسها بشكل غير دمقراطي, ثم بعد العمل يكتشف من ضغط لاختيار هذه القائمة أو هذا الرئيس, أنها اساءت أو أساء لهذه النقابة وهذه الجمعية, التي تم الضغط باتجاهها, حتى لا يصل غير المرغوب بهم إلى مجالس الإدارات.
ورغم أن مجلس الإدارة المعين, لم يحقق للنقابة مبتغاها, أو أهدافها, إلا أنه في سبيل عدم وصول غير الرغوب بهم, يتم تزكيتهم مرة أخرى, وأنا أتذكر أن ذلك تكرر في الخريجين, قبل الاحتلال.
إن الضغط المعنوي, ومحاولة فرض قائمة انتخابية, لا تمثل طموح الجمعية العمومية, أخر من العمل الوطني, واساء إلى العمل النقابي, ولذا أفرغت المؤسسات المدنية, والتجمعات السياسية الوطنية من جوهرها, ومن أهدافها المهنية والوطنية, وبعضها ظل لعقود في جمود, وبشكل غير فاعل في تطوير المجتمع, ولذا عزف الكثير من الناشطين السابقين في هذه الجمعيات, عن المشاركة بها.
واتمنى على رابطة الأدباء, في ظل ظروف فرض التخلف وتقييد الحريات, وتقييد الإبداع في مجتمعنا, ان تكون نموذجاً واعياً لقيمتها الريادية في المجتمع, وأن تضع لنفسها خطة هجوم ثقافية مستنيرة, وتعود لصدارة جمعيات النفع العام.
وأن أي وجه جديد أو دماء جديدة, مهما كان الاختلاف معها, تستحق الدعم والتوجيه, فأساس الرابطة هو جمعيتها العمومية, ومجلس الإدارة هو لخدمتها, مهما كان اختلافه مع بعض أعضائها, فعضوية مجلس الإدارة مسؤولية وعبء, وليست كرسياً وامتيازاً.
وأود هنا أن اشكر مجلس إدارة الرابطة الحالي على جهوده, وأتمنى التوفيق للمجلس الجديد, أياً كان أعضاؤه, في مسؤولياتهم تجاه اخوانهم وأخواتهم أعضاء الرابطة.

Monday, February 16, 2009

طاقة الكلام والكتابة




لماذا تؤثر فينا بعض الأعمال الأدبية, ولا تؤثر فينا أعمال أدبية أخرى؟ ولماذا يشدنا البعض بكلامهم, وينفرنا البعض بكلامهم؟ حتى لو كانت المفردات المكتوبة والمقالة واحدة؟
في الأعمال الأدبية والفنية, توضع مشاعر وأفكار على الورق, أو مشاعر وأفكار في المقطوعات الموسيقية, والمشاعر والأفكار هي طاقة حسب علم فيزياء الكم, ولأن البشر مستقبلين ومصدرين للطاقة, فهم يتأثرون بطاقة المشاعر في الكتابة والحديث, وحتى في الصمت.
ونتساءل لماذا أحياناً نقابل أشخاصاً لا نعرفهم, ونشعر بمحبة وانجذاب لهم, وأحياناً نقابل أشخاصاً لا نعرفهم, ونشعر بنفور حتى وإن لم يتحدثوا, والجواب هو النموج الأول طاقته إيجابية, والنموذج الثاني طاقته سلبية.
وأفكارنا ومشاعرنا بصفتها فعل, تؤثر على كل شيء في حياتنا, وتؤثر بعلاقاتنا مع الآخرين, بينما لا تؤثر الفذلكة الكلامية ولا الفصاحة, بل قد يكون لها تأثيراً سلبياً, فيحدث أن يكيل لك أحدهم المديح, لكنه لا يجد صدى في نفسك, وأحياناً يقول لك شخص كلاماً عادياً, لكنه يؤثر بعمق في نفسك, والسبب هو الطاقة.
ويستطيع الإنسان بشيء من التمرين, أن يعرف نفسية الشخص الذي أرسل له بريداً إلكترونياً, أو مسج بواسطة sms, وكما أن التعابير ولغة الجسد تعكس طاقة صاحبها, فإن نبرة الصوت كذلك ترسل طاقة, أما إيجابية وأما سلبية, ولذلك فإن أهم مهارة اجتماعية, وهي فن التواصل مع الآخرين, يجب أن تبدأ بالطاقة الإيجابية, التي تشمل الابتسامة والاستماع الجيد, حيث الاستماع فن أهم من فن الكلام, لكن دون طاقة إيجابية لن يستطيع الإنسان إيصال وجهة نظره أو إقناع الآخرين.
ومعظم العلاجات الحديثة سواء بدنية أم نفسية, تتعامل مع الطاقة, سواء طاقة المعالج أم المتلقي, وثبت علمياً أن أقوى ذبذبات في الكون هي ذبذبات المحبة, عندما قيست في أجهزة خاصة, فالتوجه للناس بمحبة يؤثر بهم حتى من دون كلام, فقد قام الجراح الاسباني أنجل سكوديرو, وهو مؤسس مدرسة العلاج بالأفكار, بإجراء عملية جراحية لكلب, وإعادة خياط الجرح بدون بنج, ولم يحتج الكلب أو يتألم, ويقول سكوديرو في كتابه الشهير, أن الكائنات جميعها تتأثر بالمشاعر والأفكار, والكلب شعر بمحبة الجراح له, وعرف أن شق بطنه لم يكن فعلاً عدائياً, ويقول سكوديرو أيضاً أن كل الأمراض منشأها نقص الحب, بما فيها الخوف والكراهية والغضب.
والجميع الآن يعرف تجربة العالم الياباني إموتو, عندما وضع زجاجتين تحتويان على رز مسلوق, وكتب على إحداها أحبك, وعلى الثانية أكرهك, وبعد شهر ظهر عفن كثير على الزجاجة التي كتب عليها أكرهك, بينما كان العفن على الثانية أقل بكثير, وهذه التجربة يجريها أطفال المدارس حول العالم.
كتبت كثيراً حول هذا الموضوع, وأن الإسلاميين المتعصبين يحاولون نسبة كل شيء إلى الدين الإسلامي, وصحيح أنه إذا قرأ أحد على الماء كلمات القرآن, تتغير بلوراته, لكن التجربة الأولى كانت من قراءة كاهن بوذي, والتي أعطت نفس النتيجة, وكذلك بالنسبة إلى موسيقى بتهوفن وموزارت.
فالكون بما فيه نحن عبارة عن طاقة, وهذا ليس له علاقة بالأديان, لكن له علاقة بطاقة الشخص, فالإنسان الصالح يستطيع التأثير بطاقة إيجابية على الأشياء وعلى الناس أياً كان دينه, وثبت أن التعصب الديني والعرقي والطائفي, ينتج عنه طاقة سلبية, لأن التعصب شعور, والشعور طاقة, وهو يؤثر في مشاعر الآخرين سلباً وإيجاباً.
عندما أكتب عملاً إبداعياً, لا أعطيه لناقد لكي يعطي رأيه, بل أعطيه لقارئ, والسبب أن الناقد سيشرح الأدب, ويطبق عليه نظريات, وإن كان لديه موقف مسبق مني, سيكون انتقاده شديداً للعمل, لكن القارئ سيتأثر بطاقة الكتابة, وسيتلقى طاقتي أثناء كتابتها, ولن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم, فإن طاقة الأعمال الأدبية, تظل موجودة عبر الزمان, وإذا استمتع الكاتب بما يكتب, فسيستمتع القارئ كذلك.

Sunday, February 8, 2009

نهاية دولة الرعاية الاجتماعية




في عام 1988م, تلقيت دعوة من اتحاد الكتاب السوفييت, لحضور مهرجان بوشكين الشاعر الروسي العظيم, والذي يقام سنوياً في ذكرى مولده, وأتذكر أنني التقيت وقتها الأديب المصري والصديق جمال الغيطاني للمرة الأولى, والذي جاء لمناسبة مختلفة.
كنت الضيف العربي الوحيد بين الوفود الأجنبية, وكنا نجري أحاديث جانبية موسعة, حول بلداننا وهمومنا الثقافية, وسألني رئيس الوفد البلغاري, كم يكلفكم التعليم؟ وكم تكلفكم الرعاية الصحية؟ وكم نسبة قيمة إيجارات السكن من رواتبكم؟ فأجبته ببساطة: لا شيء, كل ذلك مجاني ومكفول من الدولة, فقال ولكنكم دولة رأسمالية, قلت: الكويت دولة رعاية اجتماعية, الدولة ترعى أبنائها منذ ولادتهم وحتى مماتهم.
وقبل اسبوعين, شاهدت برنامجاً وثائقياً في "شو تايم", عبارة عن تحقيق قام به أحد الإعلاميين الأمريكيين, حول الرعاية الصحية والتعليمية في الولايات المتحدة, وفي تحقيقه وجد أن قروض التعليم للطلبة, الذين يعملون في ثلاث وظائف أحياناً كي يسددوا هذه القروض, ترهقهم وقد يحرمون من التعليم لعدم قدرتهم على السداد.
لكن الأهم أن هذا الإعلامي اكتشف, أن شركات الرعاية الصحية, وشركات الدواء, استطاعت رشوة وشراء أعضاء في الكونغرس الأمريكي, ليمرروا قانوناً يوقعه الرئيس بوش, والذي اتهمه الإعلامي بتلقي رشوة, وهذا القانون يسمح لهذه الشركات برفع اسعارها كيفما شاءت, لتتضاعف أسعار الدواء ثلاثة أضعاف, وتصبح العمليات الجراحية بمئات الآلاف من الدولارات, ولذا فالفقراء الذين يتعرضون إلى حوادث, أما أن ترفض المستشفيات علاجهم, وأما يعالجون بشكل سريع, ثم يطلبون من سيارة أجرة متعاقدين مع سائقها, على إيصال المريض إلى أقرب شارع منعزل.
وباستمرار التحقيق, اكتشف الإعلامي أن العلاج في كندا مجاني تماماً, وعندما سافر إلى بريطانيا وفرنسا, وجد ليس فقط مجانية الرعاية الصحية, ولكن المستشفيات تدفع أجرة التاكسي للمرضى, وفي فرنسا تدفع الحكومة إلى موظفة تعتني بالمرأة الوالدة حديثاً, وتقوم بالطبخ وغسل الملابس, وتعليمها التربية والرضاعة, إضافة إلى آلاف الخدمات, واكتشف أن كثيراً من المواطنين الأمريكان ينزحون إلى هذه الدول, من أجل صحة وتعليم ابنائهم.
والغريب أنه اكتشف أن العلاج الوحيد المجاني في الولايات المتحدة, موجود في قاعدة غوانتنامو الأمريكية, والتي تحوي معتقلين متهمين بالإرهاب, وغامر هذا الشخص بنقل رجال الإطفاء المتضررين من عملية 11 سبتمبر إلى غوانتنامو, والذين يسميهم الأمريكان أبطال 11 سبتمبر, بعد ما فقدوا الأمل في الرعاية الصحية داخل الولايات الأمريكية, ولكن رجال الجيش رفضوا دخولهم القاعدة, فدخلوا كوبا بشكل غير شرعي, وتلقوا علاجاً متقدما مجانياً في إحدى المستشفيات, وحصلوا على الأدوية بسعر 5 سنت, بينما كانوا يحصلون عليها بمئات الدولارات في أمريكا.
يحدث ذلك في الولايات المتحدة, ذات المداخيل الضخمة, لأن الهدف هو الربح وإثراء الشركات على حساب رعاية الشعب الصحية والتعليمية, ففي الوقت الذي سنت فيه بريطانيا قوانين الرعاية التعليمية والصحية وخاصة لكبار السن عام 1948م, أي بعد انتهاء الحرب العالمية, وخروجها مثخنة بالجراح, وفي الوقت الذي تخصص فيه الدول المتقدمة مبالغ هائلة, لتقدم ورخاء شعوبها, تنحى الولايات المتحدة قائدة العالم الحر منهج استغلال شعبها, وتركه عرضة لنهب الشركات الكبيرة.
ذكرني ذلك بما يحدث حالياً في الكويت, التي كانت دولة الرعاية الاجتماعية في يوم ما, فقد وجه عدد كبير من الكويتيين والكويتييات, العاملين في القطاع الخاص, رسالة استغاثة إلى صاحب السمو أمير البلاد, من خطر الطرد من أعمالهم, كما اتخذت بعض الشركات الكبيرة قررات بتخفيض رواتب موظفيها بنسب كبيرة, كما قلصت شركات أخرى امتيازات موظفيها, وخيرتهم بين تقديم الاستقالة, أو قبول هذه التخفيضات.
ورغم أن هؤلاء الموظفين يدخلون ملايين الدنانير لهذه الشركات, ورغم انه لم تتأثر رواتب وامتيازات المسؤولين الكبار في هذه الشركات, إلا أن لا أخلاقية الرأسمالية تكشف دائماً عن وجهها القبيح, وجه الجشع واستغلال الإنسان.
وحتى بوجود بقايا لهذه الرعاية الصحية والتعليمية, إلا أن الفساد وتردي الخدمات, تدفع الناس إلى اختيار المدارس والمستشفيات الخاصة مرغمين.
وقد تحدثت إلى بعض الشباب الذي تم التضييق عليهم لتقديم استقالاتهم من هذه الشركات, والذين يعيشون برعب وعدم أمان, وربما يتعرضون للسجن, بسبب القروض والالتزامات الأسرية التي تثقل كاهلهم.
وفي ظل وجود مؤسسات تعليمية وجامعة متدنية, وفي ظل مستشفيات ورعاية صحية متخلفة, وفي ظل سياسة تفنيش المواطنين, وتنفيع الشركات من أموال الشعب, ماذا تبقى من دولة الرعاية الاجتماعية؟ ماذا تبقى من جوهرة الخليج؟

Sunday, February 1, 2009

أوباما بين الثابت والمتحرك




شاهدت مساء الثلاثاء 27 يناير الماضي, لقاء قناة العربية الفضائية, مع الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما, تركز فيه الحوار حول علاقة الإدارة الأمريكية الجديدة بالعالمين العربي والاسلامي وقضاياهما.
وكنت قبل انتخاب الرئيس أوباما, واثناء حملته الانتخابية, أتابع ردود فعل الإنسان العربي والمسلم, وموقفه من هذا الرئيس ذو الأصول الإسلامية, والذي يشكل انتخابه علامة فارقة بالسياسة والعرف الأمريكيين, بصفته ينتمي إلى أصول أفريقية.
ورغم أني كنت على يقين, أن وجود أي رئيس أمريكي, مهما كانت ديانته أو عرقه, لن يشكل فرقاً في الاستراتيجية السياسية الأمريكية, إلا أني تابعت بدقة آراءه في اللقاء المذكور.
كان واقعياً إلى حد كبير, فهو يؤكد على حماية المصالح الأمريكية, ويؤكد على أن الحلف الأمريكي مع إسرائيل, أمر لا يمكن الخروج عنه في السياسة الأمريكية, وهذا الحلف يعني حماية إسرائيل من أي عدوان, ومن أية جهة كانت, وكذلك يعني مد إسرائيل بكل ما تحتاجه من سلاح للدفاع عن نفسها, كما أنه أعلن أنه ضد الإرهاب ومنظماته, التي تقتل الأبرياء.
وقد شكل صدمة بواقعيته هذه, للواهمين والعاطفيين, الذين يعتقدون أنه يكفي أن يكون اسم والده حسين, ويكفي انه من أصول إسلامية وأفريقية, لكي يلغي السياسة الاستراتيجية الأمريكية, والمتمثلة بمصالحها في قارات العالم, والمتمثلة في العرى الوثيقة مع دولة إسرائيل, فمهما تغير رؤساء أمريكا, وأياً كان الحزب الحاكم, فالثابت هو السياسة الاستراتيجية الأمريكية.
لكن أوباما لم يكن ينظر إلى السياسة بمنظور ضيق, بمنظور السطوة والاستحواذ فقط, لكنه ركز على أمر مهم وهو الاحترام المتبادل بين أمريكا والشعوب الأخرى, وخاصة العالمين العربي والإسلامي, وإلغاء المواقف المسبقة حول الأديان والأعراق, والحوار المتبادل وتقبل الاختلاف, وهي قيم وثقافة يحتاج العالم وخاصة الإسلامي تعلمها, بغض النظر عن صدق إدعاءات أوباما.
في هذا الوقت الذي تحتاج فيه شعوب العالم, إلى العيش بتجاور سلمي, والتركيز على مصلحة الفرد وازدهار معيشته وتقدمه, لا يوجد طريق غير تقبل الاختلاف, وتبادل المنفعة, ولا يمكن لأي نظام معزول, أو خارج سياق هذه القيم البشرية, أن يستمر دون إلحاق الضرر بشعبه, وبالشعوب الأخرى.
وإن أردنا أن نكون واقعيين, فعلينا أن نفكر بصدق, هل حققت العمليات الإرهابية, وعمليات قتل الأبرياء, أي تقدم علمي أو تعليمي أو صحي أو معاشي لشعوبنا؟ بل كلما إزدادت نبرة العنف واللاعقلانية, إزدادت شعوبنا تعاسة, وتخلفت أنظمتنا سواء كانت دموقراطية أم شمولية, سواء كانت ثيوقراطية أم جمهورية.
نحن نرهق شعوبنا بمغامرات وأجندات, دون النظر لمصلحة الفرد, ونخوض حروباً "دون كيخوتية", ونعرف مسبقاً أننا لن ننتصر فيها, ويستخدم البعض القضايا النبيلة للشعوب, لتدمير هذه الشعوب, وهذا ينعكس سلباً على دولنا داخلياً وخارجياً.
مر قرن من الزمان, حاولت فيه دولنا العربية والإسلامية اللحاق بمسيرة العالم, لكنها كانت تصطدم دائماً بالمواقف المسبقة, والشعارات العاطفية دون سند مادي, وانساقت أنظمتنا مع زعيق التخلف, فلم تنتج مواقفها غير الشجب والاستنكار, وضخ الأموال التي تذهب عادة إلى جيوب الفاسدين, ولا تستفيد منها الشعوب في تقدمها الاقتصادي أو النهضوي, لتتكرر الأفعال عقد بعد عقد.
كل مبادرة سواء كانت من نظام عربي أو إسلامي أو حزبي, هي تكسب سياسي وتسجيل حضور, على حساب تقدم شعوبنا ونهضتها, وإذا راقبنا الظواهر الفريدة لدينا, واختلافنا عن بقية دول العالم, نجد أن الكل يتقدم ببطء أو بسرعة مناسبة, إلا دولنا تتراجع عن مشروعاتها التنموية, فتتحول المؤسسات المدنية إلى أطلال تشي بنية بناء وتنمية قديمتين.
لن نلحظ تغييراً كبيراً في السياسة الأمريكية, تجاه القضايا العربية والإسلامية, وخاصة قضية الشعب الفلسطيني, لكن البديل هو اعتماد لغة الحوار المفتقدة ليس بين شعوبنا والشعوب الأخرى, وليس بين شعوبنا والشعوب العربية الأخرى, ولكن ضمن الشعب الواحد, والبرلمان الواحد.
وعلى صعيد الداخل, الالتفات إلى التنمية ورفع مستوى المواطن العربي, والارتفاع بوعيه لمواجهة قضاياه المزمنة, بعقلانية وفكر مستنير, بعيداً عن المزايدة السياسية, والمصالح الضيقة, ترسيخ مفاهيم الدمقراطية والتحضر.