Sunday, February 1, 2009

أوباما بين الثابت والمتحرك




شاهدت مساء الثلاثاء 27 يناير الماضي, لقاء قناة العربية الفضائية, مع الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما, تركز فيه الحوار حول علاقة الإدارة الأمريكية الجديدة بالعالمين العربي والاسلامي وقضاياهما.
وكنت قبل انتخاب الرئيس أوباما, واثناء حملته الانتخابية, أتابع ردود فعل الإنسان العربي والمسلم, وموقفه من هذا الرئيس ذو الأصول الإسلامية, والذي يشكل انتخابه علامة فارقة بالسياسة والعرف الأمريكيين, بصفته ينتمي إلى أصول أفريقية.
ورغم أني كنت على يقين, أن وجود أي رئيس أمريكي, مهما كانت ديانته أو عرقه, لن يشكل فرقاً في الاستراتيجية السياسية الأمريكية, إلا أني تابعت بدقة آراءه في اللقاء المذكور.
كان واقعياً إلى حد كبير, فهو يؤكد على حماية المصالح الأمريكية, ويؤكد على أن الحلف الأمريكي مع إسرائيل, أمر لا يمكن الخروج عنه في السياسة الأمريكية, وهذا الحلف يعني حماية إسرائيل من أي عدوان, ومن أية جهة كانت, وكذلك يعني مد إسرائيل بكل ما تحتاجه من سلاح للدفاع عن نفسها, كما أنه أعلن أنه ضد الإرهاب ومنظماته, التي تقتل الأبرياء.
وقد شكل صدمة بواقعيته هذه, للواهمين والعاطفيين, الذين يعتقدون أنه يكفي أن يكون اسم والده حسين, ويكفي انه من أصول إسلامية وأفريقية, لكي يلغي السياسة الاستراتيجية الأمريكية, والمتمثلة بمصالحها في قارات العالم, والمتمثلة في العرى الوثيقة مع دولة إسرائيل, فمهما تغير رؤساء أمريكا, وأياً كان الحزب الحاكم, فالثابت هو السياسة الاستراتيجية الأمريكية.
لكن أوباما لم يكن ينظر إلى السياسة بمنظور ضيق, بمنظور السطوة والاستحواذ فقط, لكنه ركز على أمر مهم وهو الاحترام المتبادل بين أمريكا والشعوب الأخرى, وخاصة العالمين العربي والإسلامي, وإلغاء المواقف المسبقة حول الأديان والأعراق, والحوار المتبادل وتقبل الاختلاف, وهي قيم وثقافة يحتاج العالم وخاصة الإسلامي تعلمها, بغض النظر عن صدق إدعاءات أوباما.
في هذا الوقت الذي تحتاج فيه شعوب العالم, إلى العيش بتجاور سلمي, والتركيز على مصلحة الفرد وازدهار معيشته وتقدمه, لا يوجد طريق غير تقبل الاختلاف, وتبادل المنفعة, ولا يمكن لأي نظام معزول, أو خارج سياق هذه القيم البشرية, أن يستمر دون إلحاق الضرر بشعبه, وبالشعوب الأخرى.
وإن أردنا أن نكون واقعيين, فعلينا أن نفكر بصدق, هل حققت العمليات الإرهابية, وعمليات قتل الأبرياء, أي تقدم علمي أو تعليمي أو صحي أو معاشي لشعوبنا؟ بل كلما إزدادت نبرة العنف واللاعقلانية, إزدادت شعوبنا تعاسة, وتخلفت أنظمتنا سواء كانت دموقراطية أم شمولية, سواء كانت ثيوقراطية أم جمهورية.
نحن نرهق شعوبنا بمغامرات وأجندات, دون النظر لمصلحة الفرد, ونخوض حروباً "دون كيخوتية", ونعرف مسبقاً أننا لن ننتصر فيها, ويستخدم البعض القضايا النبيلة للشعوب, لتدمير هذه الشعوب, وهذا ينعكس سلباً على دولنا داخلياً وخارجياً.
مر قرن من الزمان, حاولت فيه دولنا العربية والإسلامية اللحاق بمسيرة العالم, لكنها كانت تصطدم دائماً بالمواقف المسبقة, والشعارات العاطفية دون سند مادي, وانساقت أنظمتنا مع زعيق التخلف, فلم تنتج مواقفها غير الشجب والاستنكار, وضخ الأموال التي تذهب عادة إلى جيوب الفاسدين, ولا تستفيد منها الشعوب في تقدمها الاقتصادي أو النهضوي, لتتكرر الأفعال عقد بعد عقد.
كل مبادرة سواء كانت من نظام عربي أو إسلامي أو حزبي, هي تكسب سياسي وتسجيل حضور, على حساب تقدم شعوبنا ونهضتها, وإذا راقبنا الظواهر الفريدة لدينا, واختلافنا عن بقية دول العالم, نجد أن الكل يتقدم ببطء أو بسرعة مناسبة, إلا دولنا تتراجع عن مشروعاتها التنموية, فتتحول المؤسسات المدنية إلى أطلال تشي بنية بناء وتنمية قديمتين.
لن نلحظ تغييراً كبيراً في السياسة الأمريكية, تجاه القضايا العربية والإسلامية, وخاصة قضية الشعب الفلسطيني, لكن البديل هو اعتماد لغة الحوار المفتقدة ليس بين شعوبنا والشعوب الأخرى, وليس بين شعوبنا والشعوب العربية الأخرى, ولكن ضمن الشعب الواحد, والبرلمان الواحد.
وعلى صعيد الداخل, الالتفات إلى التنمية ورفع مستوى المواطن العربي, والارتفاع بوعيه لمواجهة قضاياه المزمنة, بعقلانية وفكر مستنير, بعيداً عن المزايدة السياسية, والمصالح الضيقة, ترسيخ مفاهيم الدمقراطية والتحضر.

No comments: