Saturday, March 29, 2008

ثقافة الصحف الجديدة




سابقاً كانت تقاس أهمية الصحف بصفحاتها الثقافية, والقضايا الفكرية المطروحة ضمنها, ولعل واحدة من أفضل الصحف كانت "الوطن" عندما كان يرأس تحريرها الأستاذ محمد مساعد الصالح, فموضوعات الصفحة الثقافية كانت تضاهي المجلات الأدبية العربية, سواء كانت المقالات والإبداعات كويتية أم عربية وعالمية.
ومع ازدياد عدد الصحف اليومية هذه الأيام, يفترض أن يكون هناك غنى في الثقافة, فهذه الصحف استقطبت محررين للصفحات الثقافية بعضهم كتاباً مرموقين من الدول العربية, وبعضهم مبدعين, لكنهم لا يعرفون الساحة الثقافية الكويتية, ولا يبذلون جهداً للتعرف عليها ودراستها, ولا يعرفون الكتاب والأدباء الكويتيين.
وقد لا يعطي رؤساء التحرير أهمية كبيرة للصفحات الثقافية في صحفهم, لذا فالإعلانات تطال هذه الصفحات أولاً, وقد يكون هدف ملئها بالمواد هو ما يجعل هؤلاء المحررين يقابلون الأدباء والمثقفين عبر الهاتف, دون عناء اللقاء بهم وجهاً لوجه.
فأحد المحررين المحترمين خاطبني وتعامل معي بصفتي ناقداً, وأنا لست بناقد, وآخر تعامل مع كاتب شاب لم ينشر كتاباً على أنه الكاتب الكبير, وتعاملوا مع شاعر شعبي على أنه أديب كبير, لم يقرءوا تاريخ الأدب والثقافة في الكويت, ولم يعرفوا أجيال الأدباء وتطور الحركة الفكرية في الكويت, ولذا سألني أحدهم:"هل انتهى الإبداع في الكويت؟", ولا أفهم كيف يمكن أن ينتهي الإبداع عند الشعوب, فما دام هناك بشر فالإبداع يزيد ولا ينتهي, وسألني آخر:"ما تأثير حل مجلس الأمة على الثقافة في الكويت؟", أو "ما رأيك بالنائب الفلاني؟", أنا لا أقول بأنه لا يحق لأحد بأن يطرح ما يشاء, فكما يقال "لا يوجد سؤال غبي, بل هناك إجابات غبية" ولكن للأسئلة وجاهتها أيضاً.
هذه الصحف الجديدة يجب أن تكون مجالاً ثرياً للثقافة بمنظورها المتحضر والعميق, وقد تفاءلنا خيراً بالتعدد وخاصة بوجود محررين مثقفين, لكن بعد مرور وقت كاف على ظهور هذه الصحف, يجب أن يكون المحررون قد عرفوا الساحة الثقافية والأدبية في الكويت, وبودي لو اجتمع رؤساء التحرير بالمحررين الثقافيين لحظة وصولهم الكويت, وحضهم على تكثيف حضورهم للنشاطات الثقافية, وقراءة تاريخ الحركة الأدبية والثقافية, والالتقاء بالأدباء وجهاً لوجه, ومعرفة سير حياتهم.

مرة أخرى الإصلاح والتنمية

نشرت القبس في عددها الصادر يوم السبت 22 مارس الجاري يقول:" أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي أمس قانوناً يقضي بإنشاء مؤسسة برأسمال 10 مليارات دولار (ما يقارب 3 مليارات دينار كويتي), تعنى بالارتقاء بمستوى البحث العلمي, ودعم وتنشيط أعمال التأليف والنشر والترجمة, وتهدف المؤسسة إلى تصميم وإدارة برامج بناء ودعم قاعدة معرفية متطورة, والارتقاء بمستوى البحث العلمي, كما تعنى بإنشاء المتاحف والمكتبات المتخصصة ومراكز البحث ودور النشر والترجمة, وإطلاق الجوائز العالمية في مجالات الثقافة والأدب والمعرفة والعلوم, وإصدار دوريات في مختلف المجالات, وتنمية الثقافة ودعم وتشجيع المثقفين".(انتهى الاقتباس)
عندما يأسف الشعب على ما وصلت إليه الكويت من مستوى متدن من التنمية بجميع مجالاتها, فلأنه يعلم أن ذلك يعود لتدني مستوى الاهتمام بالثقافة بمفهومها الشامل, وغياب وعي الحكومة عن الضرورة القصوى للثقافة في الإصلاح والتنمية.
بل أسوأ فهناك انحطاط في التعامل مع الثقافة والأدب, فما زالت تصادر أعمال مبدعين كويتيين, وهناك ازدراء للثقافة الجادة, وتشجيع للسطحي والتافه منها, حتى بلغ الأمر إلى انحدار مستوى التعليم, وتهديد هيبة الحكومة, وانتهاك صريح للقانون من السلطة التشريعية, والانتخابات الفرعية للقبائل دليل واضح, فالكويت لم تعد لعصر نهضتها.
وفي الوقت نفسه تعي دول شقيقة, كنا نقدم لها المساعدة الثقافية والعلمية, تعي هذه الدول أهمية الثقافة, فتصرف عليها المليارات, والحكومة الكويتية تستكثر على الكويت إنشاء وزارة ثقافة.
ألم يئن الأوان؟

Sunday, March 23, 2008

آن الأوان



الآن وبعد حل الوزارة ومجلس الأمة, هي فرصة لا تعوض للنظر بجدية إلى إستراتيجية التنمية, إلى جوهر ومعنى التنمية بعقل مفتوح, آن الأوان لفهم أن التنمية لها أساسات لا غنى عنها, وأساس التنمية هو الثقافة, وقد كتبنا مراراً أن لا تنمية اقتصادية دون تنمية ثقافية, فهذا قانون حتمي يقول ما أهمية النقود والأبراج والمجمعات التجارية دون إنسان؟ فهو المصدر الأساسي للتنمية وهو المتلقي الأساسي للتنمية, وعندما يفكر المستثمر الحكيم بأساس الاستثمار لن يجد غير الإنسان, فدونه لن يستطيع البناء ولن يعود عليه عائد.
فالإنسان كان رجل الدولة الذي بنا وأسس الكويت الحديثة, والإنسان هو الذي بنا المؤسسات واحترم القانون, وهو الذي وصل بالكويت إلى مكانتها المرموقة, وهو الذي حرر الكويت من الاحتلال وأعاد بناءها, هو الذي جعل الكويت مكاناً جميلاً.
لكن عندما غاب هذا الإنسان وأصبح النظر إلى التنمية والإصلاح بسطحية وضيق أفق, محصور بالاقتصاد والتجارة والمال, تدهورت الكويت في جميع المجالات, فهل ستستفيد الكويت من حل الوزارة ومجلس الأمة حتى وإن كان ألف مرة؟ إطلاقاً فالإنسان هو الإنسان والنظرة هي النظرة, ومن يقود البلد في السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يعودوا رجال دولة, حكومة ضعيفة ليس لها قدرة على اتخاذ القرار, ومجلس يحرض على انتهاك القانون وعلى الفساد وإضعاف الدولة, والضحية هي الشعب والوطن, تدني الثقافة هي تدني لغة الحوار والخطاب ليس للإنسان السوقي, ولكن لممثل الأمة والشعب.
والنظرة للثقافة عند السلطة قاصرة في كل مرة, محصورة بالتجليات وبعض نتاجاتها الإبداعية, فقط اسأل أي مسئول كبير عن ماهية الثقافة سيقول لك هي الأدب والفن والمسرح والموسيقى, وهي ليست شيئاً أساسياً للدولة وللتنمية, لكن الثقافة هي أعمق من ذلك بكثير, هي مجمل النتاج المادي والفكري وأنماط السلوك لمجتمع معين في لحظة تاريخية معينة, الثقافة ليست القدرة على قراءة الكتب فقط, بل هي الإنسان المتحضر الذي يعي مسئولياته ويحترم وطنه وقوانين الدولة, هو النائب الذي يحفظ وعده وقسمه بالحفاظ على أمن البلد وأمواله, وليس التحريض على الاعتداء على البلد ومقدراته وأمنه, هو التعليم المنفتح المتطور المواكب للتقدم العالمي, هو صمام الأمان لهذا الوطن المترنح جراء الجهل والتخلف والتعصب.
تميزنا كدولة وشعب عندما كان المانشيت العريض لنا هو الثقافة, وتخلفنا عندما توارت الثقافة, وقفت دول العالم معنا في أزمتنا لأننا شعب لنا كيان ثقافي متقدم, ومظاهره تبدأ من الرياضة إلى الأدب والفن وصولاً إلى نظام ديمقراطي ومؤسسات مدنية.
عندما نفكر بالإصلاح لا يجب أن نفكر بالمجمعات التجارية والأبراج فقط, ولكن الإصلاح الأساسي يبدأ بالإنسان المنتج والمتلقي لهذا الإصلاح, علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً جاداً, لماذا فشلت حتى الآن خطوات الإصلاح؟ فمهما بحثنا وألقينا اللوم على بعضنا وعلى الظروف الإقليمية والعربية, لن نجد جواباً حقيقياً وواضحاً غير الإنسان وثقافته, فهو الوزير وهو النائب وهو المواطن, ومن دون وعي وثقافة فسيقاد الوطن إلى المحرقة.
آن الأوان, وهي فرصة تاريخية لا تعوض للنظر بجدية للعامل الثقافي, لوضع الإصلاح على الطريق الصحيح, فعندما أسس الأمير الراحل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, ومعهد الكويت للأبحاث العلمية, ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي, كانت نظرته شاملة للتنمية, وضع أساساً صلباً للتقدم, لذا فالاستحقاق هو إنشاء وزارة ثقافة, وقد يقول قائل هناك مأزق دستوري, وأقول هناك مخارج دستورية.
آن الأوان أن تلتفت السلطة إلى الثقافة باعتبارها عنصراً أساسياً للإصلاح والتنمية, وهو العنصر الناقص في معادلة التنمية وهو العنصر الأهم في معادلة الإصلاح, فدول الخليج سبقتنا بخطوات لأنها وجدت الجواب بالثقافة, فأسست وزارات للثقافة والإعلام, ووضعت الثقافة قبل الإعلام, والإعلام ليس كل الثقافة ولكنه انعكاس للثقافة, ولذا يجب فصل المؤسسة الإعلامية عن الثقافة.
مرة أخرى الثقافة تعني التعليم والرؤية الاقتصادية والمؤسسات القانونية والمدنية, تعني الإنسان الذي حلت من أجله الحكومة وحل من أجله مجلس الأمة.
آن الأوان لإنشاء وزارة ثقافة كويتية.

Sunday, March 16, 2008

لم يكن لدى الربعي معارف




عندما سئلت "الأم تيريزا": "أنت ضد الحروب, لماذا لا تخرجين معنا في مظاهرة ضد الحروب" أجابت: "لا أريد, لكن إن كانت لديكم مظاهرة مع السلام العالمي, فأنا مستعدة في أي وقت".
هكذا كان د. أحمد الربعي رحمه الله إيجابياً, فهو مع الهدوء وليس ضد الغضب, مع الصحة وليس ضد المرض, بعض المناضلين السياسيين يركزون على سلبيات الطرف الآخر, بينما كان الربعي يركز على إيجابياته ونقاط الالتقاء, كان يدعو لرؤية أجمل ما في الكويت بدلاً من التركيز على الفساد, كان يقول لدينا بحر جميل وصحراء جميلة, لدينا شعراء رائعين وفنانين مبدعين, لا نحتاج إلى استنزاف طاقاتنا في السلبيات فهذا لن يحلها, بل ستتضخم في أذهاننا.
لم يكن أحمد متهافتاً, بل كان يجذب إليه أجمل الأشياء, ويستمتع بكل تفاصيل الحياة, واثق ومطمئن, واثق من فوزه بالانتخابات النيابية أو في لعبة "كوت", عرف سر الحياة, وقانون الجذب الكوني الذي يعرفه قلائل من الناس, دون أن يحيد عن مبدأه النضالي وعشقه لوطنه.
وعندما ننوي الكتابة عن أحمد الربعي, نحتار من أين نبدأ, فهو رجل كوني, موسوعي, استثنائي, كان مناضلاً سياسياً, ولم يكن رهين النظرية أو النظرة الضيقة, بل كان شجاعاً بمرونته ضمن خطه النضالي الذي اكتسب نضجاً مع مرور الزمن, ووجد بالتفكير الأشمل ألواناً وإزهاراً بعيداً عن اللون الرمادي الذي يضرج السياسة الآنية.
ورغم معرفة بعض السياسيين المثقفين لأهمية الأدب والفن, إلا أنهم نادراً ما يقرءونه ويستمتعون به, ويستمدون منه بعد نضالي وفهم للواقع, ونادراً ما تجدهم في المعارض التشكيلية والمسارح والعروض الموسيقية, لكن أحمد كان شاعراً رقيقاً وعاشقاً للفنون والآداب, حاضراً دائماً في المناشط الثقافية, قارئاً نهماً للأدب, وضيفاً دائماً في رابطة الأدباء, كان في ذهنه منذ سنوات مشروع كتابة رواية, وعندما أصيب بالمرض نصحه أحد الأصدقاء المشتركين بالشروع في كتابتها, على اعتبار أن الكتابة وممارسة الفن هي عوامل شفاء من الأمراض.
ورغم أنه كان صاحب قلم رفيع المستوى, إلا أنه لم يصدر كتاباً, وحسناً فعلت جريدة القبس بطباعة جزء من مقالاته "أربعائيات", لتضيف إلى المكتبة الإنسانية فكراً مستنيراً, رغم أن حقه أكبر فحجم ما كتبه وشارك به من ندوات كان كبيراً.
لم يكن لديه معارف, فكل إنسان عرفه يشعر بأنه صديقه الشخصي, وهذا أمر صحيح بالنسبة له أيضاً فكل معارفه أصدقاء له, وقد كان فناناً بالتواصل الاجتماعي, يترك انطباعاً للوهلة الأولى, يوزع طاقة إيجابية على الجميع.
تزاملنا في التجمع الطلابي الديموقراطي الكويتي, والذي كنت أرأس تحرير مجلته الشهرية "صوت الطالب", وذلك أثناء دراساتنا العليا بالولايات المتحدة الأمريكية في بداية الثمانينيات, وكان صديقاً لكل الطلبة والطالبات المتناثرين في الولايات, ولدى كل منهم حكاية معه.
لم يكن يضع حدوداً واعتبارات في صداقاته, لا للسن ولا للمستوى الاجتماعي أو الجنس أو العرق, فابني الكبير ولد بالولايات المتحدة, وحمله أحمد أثناء مؤتمر التجمع في كاليفورنيا, ثم في السنوات الأخيرة أصبحا صديقين حميمين متلازمين طوال الوقت.
في آخر زيارة له لرابطة الأدباء, دخل وكان يضع كماماً على أنفه وفمه, وكان الإنهاك بادياً عليه, جاء ليسأل الأدباء والأساتذة عن بيت شعر للمتنبي, به إشكالية نحوية أثارت فضوله, كان يقرأ ويتابع باهتمام رغم المرض, كان يستخدم الشعر والقراءة لمقاومة المرض, ولو كان أحد غيره لانزوى منتظراً منيته.
كنت قد أوقفت سيارتي بعيداً بسبب الازدحام, وطلبت من زوجتي أن تنتظرني ريثما أقوم بواجب العزاء, كان الشارع المؤدي للبيت مزدحماً, وكانت الديوانية مكتظة, وعندما عدت لسيارتي التفت إلى زوجتي قائلاً:" هذا الرجل سيدخل الجنة بإذن الله", وعندما تساءلت زوجتي عن قصدي أجبت:" من أحبه الناس, أحبه الله".
وداعاً أحمد

Sunday, March 9, 2008

تأويل الأدب



نادراً ما يكون الأدب خطاباً مباشراً للقارئ, وقليل من الأعمال الأدبية تعتبر تسجيلاً تاريخياً دقيقاً للواقع أو نقلاً حرفياً له, وهنا تكمن مشكلة رقيب الإعلام في كثير من الأحيان, ومشكلة بعض القراء في العشرين سنة الأخيرة, فقد لاحظت أن القراءة قديماً كانت سلوكاً مألوفاً, ولذا فالقارئ يعرف أن ما يقرأه هو أدب صيغ بشكل فني يشبه الواقع, بل يستند على الواقع, من هنا تأتي متعة استخدام الخيال عند القارئ, أما في السنوات الأخيرة فقد قل الإقبال على القراءة بشكل عام, والأدب بشكل خاص حتى نكاد نبالغ بالقول أننا نقترب من الأمية الأدبية, ولذا ففهم القارئ بمن فيهم الشباب للأدب أصبح فهماً سطحياً, يخلو من متعة الخيال والاكتشاف.
وبلغ الأمر إلى رفع قضاياً على أدباء, أو منع إبداعات أدبية فقط لأن القارئ أو الرقيب أول العمل الأدبي أو فسره أو أخذه بمفرداته دون فهم عميق, أو دون فهم لماهية الأدب ووظيفته, أو حتى لأهميته كمرآة لتقدم وتحضر المجتمع, فأصبح بعض الأدباء مراقبين ذاتيين قساة تجاه ما يكتبون أو حتى ما يفكرون به, وهو أمر خطير على مستوي الإبداع والفن, ومستوى التذوق الأدبي والفني في المجتمع, فالتذوق الأدبي يبدأ بالانحدار في المجتمع عندما يبحث الرقيب أو القارئ عن الحقائق في النص الأدبي, وليس عن المجازات والأبعاد الفلسفية والجمالية في النص, بغض النظر عن الموضوع المباشر أو المفردات.
فكلمات لها علاقة بالجنس أو الدين أو السياسة, تعتبر من المحرمات في الدول المتخلفة, وتعبر عن مستوى الفهم والتعامل مع النصوص الأدبية, ويبدأ تعامل القارئ معها بنية سلبية بالدرجة الأولى, بحيث يغيب العقل وتبدأ العاطفة بأخذ زمام النوايا, فعندما يذكر الكاتب مفردة "بدوي" تثار زوبعة عاطفية متعصبة دون تحديد لمعنى الكلمة, وكأنها تعني الانتماء القبلي, رغم أن الإسلام جاء ليلغي بداوة أو بدائية الجاهلية, وكذلك عندما يذكر الكاتب كلمة سني أو شيعي أو حتى اسم تاريخي كمعاوية أو يزيد, حتى يغيب العقل ويتهم الأديب بالتخريب وإثارة الفتنة, ومثلاً رغم أن المواطنين من أصول فارسية هم جزء مهم وقديم في هذا البلد, إلا أن الفن والأدب الكويتيين وعبر عشرات السنين, لم يتعامل مع هذه الشريحة الكويتية بعاداتها وثقافتها التي تشكل إحدى الثقافات في المجتمع, مثل ثقافة الشرائح التي جاءت من نجد أو من الصحراء أو من العراق أو غيرها من الجهات.
والمشكلة هي بالهروب من الواقع, وعدم الاعتراف به بسلبياته وإيجابياته, وأتذكر في إحدى السنوات احتج البعض على وجود قناني خمر ومشاهد شخص سكران في إحدى عروض التخرج لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية, واحتجاج آخر على ذكر أسرة متفككة في إحدى المسلسلات, واحتجاجات على ذكر زواج المتعة في إحدى المسلسلات, وغيرها, وكل تلك الأمور موجودة في الواقع ونكرانها لا يلغيها, فهل إذا مثل أحد شخصية كافر مثل أبو لهب فهذا يعني دعوة للكفر؟ هل عدم ذكر التاريخ سيلغيه؟
لدي بعض أمثلة خاصة تعكس ضحالة فهم الأدب وتأويله, فعندما منعت الرقابة روايتي "بدرية" ثم سمح بها لاحقاً, سألني الرقيب:"من تقصد بهذه الشخصية"؟ وعندما نشرت قصتي "إرادة المعبود في حال أبي جاسم ذي الدخل المحدود", أولاً ظن بعض القراء أني أقصد والدي جاسم, فنسجت قصص على معاناة والدي في الحصول على منزل, وهذا بالطبع غير صحيح, ثانياً قال لي أكاديمي مرموق:" أؤكد لك أن أبا جاسم لم يذهب لمكتب وزير الإسكان, لأني سألت أحد أقربائي الذي يعمل في مكتب الوزير وقال:"لم يحضر شخص بهذا الاسم ليطلب مقابلة الوزير", وفي إحدى قصص مجموعة قمبار, كان هناك رجل يتشفى ويسخر من زوجته بسبب دمل في عينها, وكانت ردة فعل مدرسات ابنتي كالتالي:"هل هناك مشكلة بين والديك؟ لماذا يعامل والدك والدتك بهذه الطريقة", وفي عمل آخر كان الرجل يتذمر من سلوك أبنائه, فقال أحد أبنائي لوالدته:"لماذا يصورنا والدنا بهذه الصورة البشعة"؟
هذه نماذج قليلة من أمثلة كثيرة لدي, وأنا متيقن أن كل كاتب وأديب لديه أكثر من هذه الأمثلة, فدائماً يظن القارئ أن الرواية هي تجربة شخصية, أو حتى مذكرات.
لا ننكر أن بعض الكتاب يقسرون ويقحمون الجنس أو الدين بفجاجة في أعمالهم, لكن هؤلاء كتاب سطحيون, يريدون لفت النظر وتسويق بضاعتهم, لكنهم لن يعيشوا في أذهان ووجدان القراء وسيتلاشون على مر التاريخ.
اختلف القارئ المثقف والمتذوق, واختلفت الدولة التي أعطت للثقافة والأدب تقديراً استثنائياً, إلى دولة الكاتب بها متهم حتى قبل بدء الكتابة, وخلقت بتخلف التعليم وضمور الثقافة قارئ يحاكم الأدب ولا يفهم أهميته لمجتمعه.

Saturday, March 1, 2008

فعل الموسيقى



للموسيقى تأثير كبير على كل شئ, سواء الكائنات الحية أو الطبيعة, وهناك تجارب علمية تثبت ذلك, ففي تجربة تمت في القرن الماضي وما زالت تطبق, أكتشف أن الموسيقى تزيد من إدرار البقر للحليب, كما أنها تسرع من نمو الخضروات وتكبر أحجامها.
وتستخدم الموسيقى الآن لنمو الجنين بشكل صحي, وتنمية قدراته العقلية, ويقال أن بعض مقطوعات لموتزارت ترفع من نسبة ذكاء الجنين والطفل, وتساعد المرضى وذوي المشكلات النفسية على سرعة الشفاء, ولعل العرب هم أول من اكتشف العلاج بالموسيقى, وهناك متحف ألماني متخصص للآلات العربية التي استخدمت لهذا الغرض إبان العصور الأندلسية.
وقد اكتشف العالم الياباني "إيموتو" تأثير تفكير الإنسان والموسيقى على كريستال الماء, ففي مختبره قام بتعريض ماء أثناء تجمده لمجموعة من المقطوعات الموسيقية لبيتهوفن وموتزارت وغيرهم, فوجد أن كريستال الماء يتشكل بطريقة جميلة, بينما يتشكل بطريقة بشعة إذا تعرض لأفكار ومشاعر سلبية, فإذا كان هذا تأثير الأفكار والموسيقى على الماء, فكيف يكون تأثيره على الإنسان؟ وللعلم فأن جسم الإنسان يحوي أكثر من 60% من مكوناته ماء.
وهذا ما سماه الجراح الإسباني الشهير "أسكوديرو", ردة الفعل البيولوجية الإيجابية الكلية إذا تعرض الإنسان لأفكار ومشاعر إيجابية, وهذا يعني أن وظائف جسم الإنسان ومناعته تعمل بكفاءة تامة, وأن كل عضو في جسم الإنسان وكل عصب وكل خلية تعمل بشكل صحي وجيد, عكس ردة الفعل البيولوجية السلبية الكلية, التي تنتج من أفكار ومشاعر سلبية, فإنها تشكل ضغطاً على أجهزة الإنسان الداخلية, وتسبب له الأمراض بما فيها الخطيرة على المدى البعيد, ومعروف تأثير الموسيقى الحماسية مثلاً على الدورة الدموية والتنفسية وهورمونات الإنسان, وهذا ينطبق على الموسيقى الهادئة والحزينة.
يقول الكاتب العالمي غابرييل غارسيا ماركيز في مذكراته "عشت لأروي", أنه كان يستمع إلى كونشرتو البيانو الثالث لبيلا دون توقف أثناء كتابته لروايته الشهيرة "خريف البطريرك", وأن اثنين من الموسيقيين قد زاراه وقالا له, أنهما عندما كانا يقرءان هذه الرواية, كانت يتردد في عقليهما هذا الكونشرتو, دون أن يعرفا ظروف كتابة الرواية, ولم يكن ماركيز يدرك تأثير هذه المقطوعة على كتابته, وحتى عندما قدمت له جائزة عزفت هذه المقطوعة كخلفية للاحتفال, فغضب ماركيز معللاً أنه لم يكن من الواجب عزفها في هذه المناسبة, لأنها تثير لديه حماساً كبيراً.
وبإمكان الموسيقى ليس فقط التأثير على ذبذبات الدماغ ووظائف الجسم, بل يمكن أن تحسن من الكلام المكتوب الردئ, إذ يقول الموسيقار والدارس الموسيقي عمار الشريعي, تعتبر كلمات أغنية عبد الحليم حافظ "أنا لك على طول" من أسوأ الكلمات, لكن اللحن العبقري هو ما جعل منها أغنية جميلة عاشت في وجدان الناس حتى هذه اللحظة, وهناك آلاف من كلمات الأغاني التافهة لكن الناس يستمتعون للحنها ويحيدون كلماتها, ويقال أن معظم الناس يحفظون اللحن ولا يحفظون الكلمات.
ولي تجربة شخصية حول تأثير الموسيقى على الكتابة, فأثناء كتابتي للنص "إيكاروس" الذي أنجزته خلال عشرين يوماً فقط, كنت أستمع إلى بعض مقاطع أوبرالية, منها كارمن وعايدة ومعظمها لفيردي, وأثناء استماعي كنت أكتب بتدفق وبنفس وإيقاع محددين, لكن عندما أحاول الكتابة بنفس الإيقاع دون الاستماع للموسيقى, لم أكن أستطيع إطلاقاً, فأضطر إلى وضع تلك المقطوعات, واستمر بي الحال حتى الانتهاء من النص, وقد حكيت لبعض الأصدقاء عن هذه التجربة التي مررت بها دون وعي مني في البداية, وقبل أن أعرف تجارب الآخرين.
وتأثير الموسيقى على الفن التشكيلي أكبر من تأثيره على الأدب, فمعظم الفنانين التشكيليين يرسمون وهم يستمعون إلى موسيقى كلاسيكية, بل أحياناً تخلق الموسيقى فكرة للوحة.
والآن فيما يسمى تربية الجنين في الرحم, تنصح المرأة الحامل بالاستماع إلى موسيقى جميلة في فترة الحمل, مما يساعد على ولادة سهلة, ومولود ذكي صحيح بدنياً ونفسياً.
وبعد كل تلك الحقائق العلمية, هل يعقل بأن تكون الموسيقى حراماً؟!