Sunday, March 16, 2008

لم يكن لدى الربعي معارف




عندما سئلت "الأم تيريزا": "أنت ضد الحروب, لماذا لا تخرجين معنا في مظاهرة ضد الحروب" أجابت: "لا أريد, لكن إن كانت لديكم مظاهرة مع السلام العالمي, فأنا مستعدة في أي وقت".
هكذا كان د. أحمد الربعي رحمه الله إيجابياً, فهو مع الهدوء وليس ضد الغضب, مع الصحة وليس ضد المرض, بعض المناضلين السياسيين يركزون على سلبيات الطرف الآخر, بينما كان الربعي يركز على إيجابياته ونقاط الالتقاء, كان يدعو لرؤية أجمل ما في الكويت بدلاً من التركيز على الفساد, كان يقول لدينا بحر جميل وصحراء جميلة, لدينا شعراء رائعين وفنانين مبدعين, لا نحتاج إلى استنزاف طاقاتنا في السلبيات فهذا لن يحلها, بل ستتضخم في أذهاننا.
لم يكن أحمد متهافتاً, بل كان يجذب إليه أجمل الأشياء, ويستمتع بكل تفاصيل الحياة, واثق ومطمئن, واثق من فوزه بالانتخابات النيابية أو في لعبة "كوت", عرف سر الحياة, وقانون الجذب الكوني الذي يعرفه قلائل من الناس, دون أن يحيد عن مبدأه النضالي وعشقه لوطنه.
وعندما ننوي الكتابة عن أحمد الربعي, نحتار من أين نبدأ, فهو رجل كوني, موسوعي, استثنائي, كان مناضلاً سياسياً, ولم يكن رهين النظرية أو النظرة الضيقة, بل كان شجاعاً بمرونته ضمن خطه النضالي الذي اكتسب نضجاً مع مرور الزمن, ووجد بالتفكير الأشمل ألواناً وإزهاراً بعيداً عن اللون الرمادي الذي يضرج السياسة الآنية.
ورغم معرفة بعض السياسيين المثقفين لأهمية الأدب والفن, إلا أنهم نادراً ما يقرءونه ويستمتعون به, ويستمدون منه بعد نضالي وفهم للواقع, ونادراً ما تجدهم في المعارض التشكيلية والمسارح والعروض الموسيقية, لكن أحمد كان شاعراً رقيقاً وعاشقاً للفنون والآداب, حاضراً دائماً في المناشط الثقافية, قارئاً نهماً للأدب, وضيفاً دائماً في رابطة الأدباء, كان في ذهنه منذ سنوات مشروع كتابة رواية, وعندما أصيب بالمرض نصحه أحد الأصدقاء المشتركين بالشروع في كتابتها, على اعتبار أن الكتابة وممارسة الفن هي عوامل شفاء من الأمراض.
ورغم أنه كان صاحب قلم رفيع المستوى, إلا أنه لم يصدر كتاباً, وحسناً فعلت جريدة القبس بطباعة جزء من مقالاته "أربعائيات", لتضيف إلى المكتبة الإنسانية فكراً مستنيراً, رغم أن حقه أكبر فحجم ما كتبه وشارك به من ندوات كان كبيراً.
لم يكن لديه معارف, فكل إنسان عرفه يشعر بأنه صديقه الشخصي, وهذا أمر صحيح بالنسبة له أيضاً فكل معارفه أصدقاء له, وقد كان فناناً بالتواصل الاجتماعي, يترك انطباعاً للوهلة الأولى, يوزع طاقة إيجابية على الجميع.
تزاملنا في التجمع الطلابي الديموقراطي الكويتي, والذي كنت أرأس تحرير مجلته الشهرية "صوت الطالب", وذلك أثناء دراساتنا العليا بالولايات المتحدة الأمريكية في بداية الثمانينيات, وكان صديقاً لكل الطلبة والطالبات المتناثرين في الولايات, ولدى كل منهم حكاية معه.
لم يكن يضع حدوداً واعتبارات في صداقاته, لا للسن ولا للمستوى الاجتماعي أو الجنس أو العرق, فابني الكبير ولد بالولايات المتحدة, وحمله أحمد أثناء مؤتمر التجمع في كاليفورنيا, ثم في السنوات الأخيرة أصبحا صديقين حميمين متلازمين طوال الوقت.
في آخر زيارة له لرابطة الأدباء, دخل وكان يضع كماماً على أنفه وفمه, وكان الإنهاك بادياً عليه, جاء ليسأل الأدباء والأساتذة عن بيت شعر للمتنبي, به إشكالية نحوية أثارت فضوله, كان يقرأ ويتابع باهتمام رغم المرض, كان يستخدم الشعر والقراءة لمقاومة المرض, ولو كان أحد غيره لانزوى منتظراً منيته.
كنت قد أوقفت سيارتي بعيداً بسبب الازدحام, وطلبت من زوجتي أن تنتظرني ريثما أقوم بواجب العزاء, كان الشارع المؤدي للبيت مزدحماً, وكانت الديوانية مكتظة, وعندما عدت لسيارتي التفت إلى زوجتي قائلاً:" هذا الرجل سيدخل الجنة بإذن الله", وعندما تساءلت زوجتي عن قصدي أجبت:" من أحبه الناس, أحبه الله".
وداعاً أحمد

1 comment:

Hamad Alderbas said...

رحمة الله عليه

كان انسانا جميلا بقلبه و عقله وبلسانه