Sunday, March 9, 2008

تأويل الأدب



نادراً ما يكون الأدب خطاباً مباشراً للقارئ, وقليل من الأعمال الأدبية تعتبر تسجيلاً تاريخياً دقيقاً للواقع أو نقلاً حرفياً له, وهنا تكمن مشكلة رقيب الإعلام في كثير من الأحيان, ومشكلة بعض القراء في العشرين سنة الأخيرة, فقد لاحظت أن القراءة قديماً كانت سلوكاً مألوفاً, ولذا فالقارئ يعرف أن ما يقرأه هو أدب صيغ بشكل فني يشبه الواقع, بل يستند على الواقع, من هنا تأتي متعة استخدام الخيال عند القارئ, أما في السنوات الأخيرة فقد قل الإقبال على القراءة بشكل عام, والأدب بشكل خاص حتى نكاد نبالغ بالقول أننا نقترب من الأمية الأدبية, ولذا ففهم القارئ بمن فيهم الشباب للأدب أصبح فهماً سطحياً, يخلو من متعة الخيال والاكتشاف.
وبلغ الأمر إلى رفع قضاياً على أدباء, أو منع إبداعات أدبية فقط لأن القارئ أو الرقيب أول العمل الأدبي أو فسره أو أخذه بمفرداته دون فهم عميق, أو دون فهم لماهية الأدب ووظيفته, أو حتى لأهميته كمرآة لتقدم وتحضر المجتمع, فأصبح بعض الأدباء مراقبين ذاتيين قساة تجاه ما يكتبون أو حتى ما يفكرون به, وهو أمر خطير على مستوي الإبداع والفن, ومستوى التذوق الأدبي والفني في المجتمع, فالتذوق الأدبي يبدأ بالانحدار في المجتمع عندما يبحث الرقيب أو القارئ عن الحقائق في النص الأدبي, وليس عن المجازات والأبعاد الفلسفية والجمالية في النص, بغض النظر عن الموضوع المباشر أو المفردات.
فكلمات لها علاقة بالجنس أو الدين أو السياسة, تعتبر من المحرمات في الدول المتخلفة, وتعبر عن مستوى الفهم والتعامل مع النصوص الأدبية, ويبدأ تعامل القارئ معها بنية سلبية بالدرجة الأولى, بحيث يغيب العقل وتبدأ العاطفة بأخذ زمام النوايا, فعندما يذكر الكاتب مفردة "بدوي" تثار زوبعة عاطفية متعصبة دون تحديد لمعنى الكلمة, وكأنها تعني الانتماء القبلي, رغم أن الإسلام جاء ليلغي بداوة أو بدائية الجاهلية, وكذلك عندما يذكر الكاتب كلمة سني أو شيعي أو حتى اسم تاريخي كمعاوية أو يزيد, حتى يغيب العقل ويتهم الأديب بالتخريب وإثارة الفتنة, ومثلاً رغم أن المواطنين من أصول فارسية هم جزء مهم وقديم في هذا البلد, إلا أن الفن والأدب الكويتيين وعبر عشرات السنين, لم يتعامل مع هذه الشريحة الكويتية بعاداتها وثقافتها التي تشكل إحدى الثقافات في المجتمع, مثل ثقافة الشرائح التي جاءت من نجد أو من الصحراء أو من العراق أو غيرها من الجهات.
والمشكلة هي بالهروب من الواقع, وعدم الاعتراف به بسلبياته وإيجابياته, وأتذكر في إحدى السنوات احتج البعض على وجود قناني خمر ومشاهد شخص سكران في إحدى عروض التخرج لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية, واحتجاج آخر على ذكر أسرة متفككة في إحدى المسلسلات, واحتجاجات على ذكر زواج المتعة في إحدى المسلسلات, وغيرها, وكل تلك الأمور موجودة في الواقع ونكرانها لا يلغيها, فهل إذا مثل أحد شخصية كافر مثل أبو لهب فهذا يعني دعوة للكفر؟ هل عدم ذكر التاريخ سيلغيه؟
لدي بعض أمثلة خاصة تعكس ضحالة فهم الأدب وتأويله, فعندما منعت الرقابة روايتي "بدرية" ثم سمح بها لاحقاً, سألني الرقيب:"من تقصد بهذه الشخصية"؟ وعندما نشرت قصتي "إرادة المعبود في حال أبي جاسم ذي الدخل المحدود", أولاً ظن بعض القراء أني أقصد والدي جاسم, فنسجت قصص على معاناة والدي في الحصول على منزل, وهذا بالطبع غير صحيح, ثانياً قال لي أكاديمي مرموق:" أؤكد لك أن أبا جاسم لم يذهب لمكتب وزير الإسكان, لأني سألت أحد أقربائي الذي يعمل في مكتب الوزير وقال:"لم يحضر شخص بهذا الاسم ليطلب مقابلة الوزير", وفي إحدى قصص مجموعة قمبار, كان هناك رجل يتشفى ويسخر من زوجته بسبب دمل في عينها, وكانت ردة فعل مدرسات ابنتي كالتالي:"هل هناك مشكلة بين والديك؟ لماذا يعامل والدك والدتك بهذه الطريقة", وفي عمل آخر كان الرجل يتذمر من سلوك أبنائه, فقال أحد أبنائي لوالدته:"لماذا يصورنا والدنا بهذه الصورة البشعة"؟
هذه نماذج قليلة من أمثلة كثيرة لدي, وأنا متيقن أن كل كاتب وأديب لديه أكثر من هذه الأمثلة, فدائماً يظن القارئ أن الرواية هي تجربة شخصية, أو حتى مذكرات.
لا ننكر أن بعض الكتاب يقسرون ويقحمون الجنس أو الدين بفجاجة في أعمالهم, لكن هؤلاء كتاب سطحيون, يريدون لفت النظر وتسويق بضاعتهم, لكنهم لن يعيشوا في أذهان ووجدان القراء وسيتلاشون على مر التاريخ.
اختلف القارئ المثقف والمتذوق, واختلفت الدولة التي أعطت للثقافة والأدب تقديراً استثنائياً, إلى دولة الكاتب بها متهم حتى قبل بدء الكتابة, وخلقت بتخلف التعليم وضمور الثقافة قارئ يحاكم الأدب ولا يفهم أهميته لمجتمعه.

3 comments:

Aldenya said...

نحن في بلد
" الأغلبية لا تقرأ "


حينما أذهب للعمل حاملة رواية ما
يستغرب كل من حولي لدرجة أنني سمعت
إحداهن تقول بوجهي
" فراغة "
!!

والحرية في الكتابة
ومقص الرقيب
يلعبان لعبة
" توم وجيري "
للأسف

وليد الرجيب said...

aldenya

أظن نحتاج إلى غرس فكرة أن يقرأ الإنسان في أماكن عامة دون خجل أو اعتبارات للآخرين
أنا دائما آخذ كتابي معي لأجلس في مقهى وأقرأ
لن تحل مشكلة القراءة إلا بالتربية والمناهج وتدريب أنفسنا على القراءة
تحياتي

مريضة ٌ بالوطن said...

اين من الممكن ان اجد روايتك ( إرادة المعبود في حال أبي جاسم ذي الدخل المحدود) حيث انني بحثت عنها تقريبا في جميع الاماكن التي الجأ اليها دائما لشراء الكتب ولم اجدها , وشكراً