Monday, June 29, 2009

الشغب




الشغب أو Riot باللغة الإنجليزية, تعني خروج مجاميع غير منظمة إلى الشوارع, تدفعها مشاعر غضب أو رغبة بالانتقام, أو ردة فعل أشبه بالعشوائية, وغالباً ما يصاحب أعمال الشغب, تخريب متعمد للممتلكات الخاصة والعامة, وكذلك السرقة والجريمة.
ومن أعمل الشغب المعروفة, تلك التي تكون نتيجة للتعصب الرياضي, أو ما يسمى بشغب الملاعب, وتلك التي تكون بسبب تعصب ديني أو عرقي أو طائفي أو قبلي.
وتختلف أعمال الشغب عن مطالبات الحقوق المدنية, التي كفلتها دساتير الدول المتقدمة, مثل حق التجمع والاعتصام والتظاهر السلمي, وهو حق أصيل للشعوب باعتبارها مصدر السلطات جميعاً, وباعتبار أن حقوقها العادلة هو ما يصيغ القوانين, فلا قانون يجب أن يكون ضد حقوق الناس, وهو ما يسمح للناس بمراقبة تطبيق هذه القوانين.
فتجمعات ومظاهرات المطالبة بالحقوق السياسية والمدنية, ليست مطالبات فئوية أو ضيقة أو خاصة بقبيلة أو طائفة, ولكنها مطالبات تنظمها مؤسسات المجتمع وقوى الضغط المدني, وتشمل كل أفراد المجتمع بفائدتها, وباختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والطائفية, ومثل هذه المطالبات لا تلجأ إلى الشغب والتدمير لأنها منطلقة من دوافع وطنية, ولا تنطلق من عداءات مع فئات المجتمع الأخرى, وتحدث هذه المطالبات لأسباب لا حصر لها, مثل تحسين المستوى المعيشي, أو المطالبة بالحقوق السياسية, أو حتى التصدي للأطماع الخارجية.
لكن هذه المطالبات السلمية تزعج الأنظمة الدكتاتورية, والفاسدة, وتسميها أعمال شغب, وتلجأ لا إلى الاستماع إلى رأي الناس كما حدث مع حركة "نبيها خمس", بل تلجأ إلى قمع حركة الجماهير السلمية, وأحياناً بطريقة وحشية, وتستخدم كل وسائل الإعلام والدين, لكي تدين هذه المطالبات والتحركات, مثلما قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات, عن حركة يناير 1979م, "دي انتفاضة حرامية, مش انتفاضة شعبية", كما خرج وقتها الشيخ الشعراوي الذي كان وزيراً للأوقاف في ذلك الوقت على ما أظن, وأدان هذه الإنتفاضة.
وبالطبع تستغل هذه المطالبات السلمية, من بعض المستفيدين من الأزمات لإثارة الفوضى وحرف هدف الجماهير, وإعطاء صورة مشوهة لتحركها, كما أن من السلوكات المألوفة للأنظمة الفاسدة في مثل هذه الظروف, هو إرسال من يبث الفوضى ويمارس التخريب المتعمد بين هذه الجماهير, لإعطائها العذر لقمعها.
ومن صفات أعمال الشغب, أنها تنتهي بسرعة دون تأثير إيجابي, بينما أعمال المطالبة بالحقوق المدنية, فتأتي بثمارها ولو بعد حين, كما أن جماهير الشغب تتناقص مع الوقت, بينما جماهير المطالبة تتزايد مع الوقت, ولنا في تحرك أيام الأثنينات في الكويت خير مثال للمطالبة بالحقوق السياسية, ولنا في الشغب القبلي ضد رجال الأمن وضد المؤسسات الأمنية, مثال آخر لم نحصل على نتائجة النهائية بعد.
لكن هل الشغب يقتصر على مجموعات كثيرة من الناس فقط؟ بالطبع لا, فالطلبة المشاغبين عادة يكونون أعداد قليلة, ليس لهم تأثير في مسيرة التاريخ, كما أن أعضاء مجلس الأمة المشاغبين, يخسرون كل يوم مؤيدين لهم, ومثلما أن المشاغبين يخرجون إلى الشارع, مستغلين حقوق الشعوب بالتظاهر, يستغل أعضاء مجلس الأمة المشاغبين الحق الدستوري بالاستجواب, من أجل الانتقام وتحقيق التكسب بطريقة طفولية, لكن مثله مثل أي شغب لن يكون له تأثير إيجابي على مسيرة الشعب الكويتي.

Sunday, June 21, 2009

ثيمة الإصلاح




لعل ثيمة الإصلاح عند الأنظمة السياسية, هي الثيمة المشتركة على اختلاف هذه الأنظمة, بل استعملت في كثير من الأحيان كشعار فارغ, القصد منه الدعاية السياسية, وضرب الخصوم السياسيين, واللعب على عواطف الجماهير.
كل الأنظمة سواء كانت تقدمية أم رجعية أم دكتاتورية, تستخدم شعار الإصلاح لأغراض غالبها ليس له علاقة بالإصلاح, ولكن ألا يعني مفهوم الإصلاح هو اصلاح الخلل, أو تصحيح الأخطاء؟ أو تعديل المسار أو النهوض من العثرات؟
إذا من يرفض الإصلاح هو من يستفيد من استمرار الخطأ أو الفساد, أو المنخدع بالادعاءات والدعاية السياسية, أو المغرر به.
وفلسفة الإصلاح تعني الواقعية والشجاعة, والعمل من أجل اللحاق بمسيرة العالم, والاعتراف بتخلفنا عن القيم البشرية الكبرى والأساسية, مثل قيم الدمقراطية والحرية والمساواة, مثل الحقوق الأساسية للمواطن في الرعاية التعليمية المتطورة, والرعاية الاجتماعية والصحية, مثل المساواة بغض النظر عن العرق والجنس والديانة أو المذهب, فلسفة الإصلاح تعني دفع المجتمع باتجاه المدنية وتطبيق القانون بفاعلية أكبر.
لكن لأن شعار الإصلاح يمكن استخدامه من قبل أي تيار أو اتجاه, باتجاهاتها المختلفة, مما يوقع الإنسان العادي في تشوش وحيرة, فلا يستطيع التفريق بين المصالح الشخصية, والمصلحة العامة, إذ يستطيع أي نائب في البرلمان أن يهدد بالاستجواب بعذر الإصلاح, وتستطيع أي قوى سياسية أن تدعي أن انتقاص دور المرأة في المجتمع هو شكل من أشكال الإصلاح ودرء الفساد.
وقد تنجح هذه السلوكات المنحرفة عن مسيرة تقدم الشعوب ورخائها, لسنوات وعقود, لكنها يستحيل أن تنجح إلى الأبد, فانتصاراتها مؤقته, ولا تملك مقومات الصمود أمام منطق التاريخ, وأمام رغبة الإنسان بالعيش في سعادة وسلام, وأمام طموحه الدائم للأفضل.
لم تستطع الأنظمة الدكتاتورية الاستمرار إلى الأبد, فنظام صدام الدموي لم يستمر أكثر من ثلاثة عقود, رغم كل الوحشية التي مورست ضد الشعب العراقي, وقد يستمر غيره من الأنظمة أكثر من ثلاثة عقود, ولكن أيضاً ليس للأبد, وبعد سقوط نظام صدام بتدخل التحالف الدولي, وضح حجم رغبة الجماهير في هذا التغيير, رغم أن الآلة الدعائية كانت تبين عكس ذلك, بل كان التلفزيون يبين الأعداد الغفيرة التي كانت مؤيدة له.
والاستمرار للأبد في حرف مسيرة التاريخ, وقلب منطقه لم تكن فقط وهماً لدكتاتوريات الأنظمة, ولكنها أيضاً وهماً تعيش عليه جماعات الإسلام السياسي من كل المذاهب, فهي تنتشي لأن الجماهير تتبعها بسبب أمر لا يمكن نقاشه وهو الإسلام والدين, ولكن ماذا لو لم تحقق هذه الأحزاب حلم الجماهير البراجماتي بالسعادة والرخاء, بالتأكيد ستبدأ هذه الجماهير بالتذمر وكشف عجز هذه الأحزاب وكذبها في وعودها, ماذا لو أكتشف الناس أن أحوال المجتمع ساءت أكثر, مع وجود هذه الأنظمة والأحزاب, وتخلفت التنمية والتعليم, وتدهور الاقتصاد, وخرج المجتمع عن الانسجام الدولي في ظل ممارساتها؟
الذي يحدث عادة وعبر التاريخ, أن الشعب يأخذ زمام المبادرة ويقود حركة الإصلاح, فالشعوب لا ترفع شعارات فقط, ولكنها تفعل, ومهما بلغت هذه الأنظمة والأحزاب من غرور وثقة بالنفس, إلا أن التاريخ دائماً يفاجئها بمنطقه الذي لا يقبل الانحراف.
كانت نتيجة الانتخابات النيابية في الكويت, صدمة للقوى الإسلامية, التي كانت تظن أنها تستطيع سحب الشعب الكويتي إلى أجندتها وللأبد, كانت تظن أنها تملك الأغلبية الشعبية, وعندما اتضح أن الأغلبية هي الصامته على سخط ومضض, بدأت هذه الأحزاب تتحدث عن مؤامرة ضدها, وستبذل كل الوسائل اللاأخلاقية في تشويه هذه الرغبة الجماهيرية, وهذا ما حدث في لبنان أيضاً, وبتفاصيل مشابهة.
والمتابع للحملة الانتخابية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية, ثم نتائج هذه الانتخابات وما تمخض عنها من احتجاج جماهيري, يدرك أن هناك رغبة جادة في التغيير والإصلاح, بالطبع هذا أمر خاص بالشعب الإيراني, الذي نحترم خياراته أيا كانت, وأياً كان الفائز في إنتخابات الرئاسة, إلا أن الأمر لن يعود كما كان بالنسبة للشعب الإيراني الشقيق, وأن ما يحدث هو بداية لشيء ما, الشعب الإيراني وحده يقرره, ونتمنى له التوفيق في تحقيق آماله.
فقط نريد أن نقول, أن من يؤمن بمنطق التاريخ, يعرف بوصلة التقدم, التي لا يمكن تغييرها بأي قوة, ومهما طال الزمن.

Tuesday, June 16, 2009

العين والضغوط النفسية




تأتيني في العيادة بعض الحالات الكويتية أو من دول الخليج, ويكون تشخيص رجال الدين لهم, أو تشخيصهم الخاص, هو الإصابة بالعين أو بالجن, وبالتأكيد لا يمكنني أن أدعي أنني أفهم بالعين أو التلبس بالجن وطرق علاجهما.
ولكنني عادة أستمع جيداً لعملائي, وأتعرف على الأعراض, كي أستطيع تشخيصها علمياً, ومن ثم وضع العلاج اللازم لها, ولم يكن صعباً تشخيص هذه الحالات علمياً من خلال الأعراض التي يعاني منها العميل.
وحدث معي أن جاءتني حالات يدعي أهلها أنها متلبسة بالجن, وعندما أسألهم وكيف عرفتم ذلك, يقولون أن الشخص المصاب يسمع صوتاً داخلياً أو يرى اشخاصاً لا نراها ويتحدث إليها, وأحياناً يتحدث بأصوات مختلفة, وكأنها لأشخاص مختلفين, وفي الواقع هذه بعض حالات الفصام أو ما يسمى بمرض تعدد الشخصية M.P.D, وتعدد الشخصيات عند الإنسان المريض قد يصل إلى عشرات الشخصيات, وبعضها أنثوي ويتكلم بصوت أنثوي, وقد اكتشف العلم أنه إذا كانت الشخصية الأصلية مصابة بمرض السكر, قد لا تكون الشخصيات الأخرى مصابة به, وإذا كانت الشخصية الأصلية ضعيفة وخجولة, فإن الشخصية المكتسبة قد تكون عنيفة جداً, وإحدى الملاحظات أن الشخص المصاب يكتسب قوة جسمانية, لا يمكن السيطرة عليها, ذلك بسبب ارتفاع الأدرينالين والجلوكوز في الدم, وهي أمور تحدث مع الإنسان العادي في لحظات الغضب أو الخوف, فتزداد قوته الجسدية عند الغضب, ويصبح أسرع في الركض في حالة الخوف.
وقبل أيام كنت أشاهد فيديو وهو عبارة عن لقاء مع أحد مشايخ الدين في المملكة العربية السعودية, يشرح فيها أعراض الإصابة بالعين, ومن الأعراض التي ذكرها, الوهن والضعف وعدم التركيز, واضطراب النوم, وانعدام الشهية, والاكتئاب والرغبة في الانعزال عن الآخرين.
لكن هذه الأعراض, هي أعراض الضغوط النفسية المثبتة علمياً, فللضغط النفسي أعراض بدنية مثل, اضطراب أو آلام بالجهاز الهضمي, وصداع وآلام في الكتف والرقبة وأسفل الظهر, كذلك وهن الجسم والشعور بالإعياء, وهناك أعراض سلوكية تتعلق بالنوم والأكل, أما أن يصاب بأرق أو ينام كثيراً هرباً من المشكلة, وأما يفقد شهيته, وأما يأكل كثيراً ليعوض توتره, وهناك أعراض نفسية مثل الاكتئاب والتوتر وسرعة الغضب والرغبة بالعزلة, وهناك أعراض تتعلق بالتركيز والذاكرة, أي يقل التركيز ويصبح مشوشاً, وتضعف ذاكرته, وهناك مئات من الأعراض التي لا يجد لها الطب سبباً ملموساً, ولذا يظن الناس أن سببها أمور غيبية, لكن هذه الأعراض هي مجرد أعراض وليست أمراض, ويستطيع الإنسان بسهولة أن يتخلص منها, وبجلسة واحدة, بمجرد تفسير الحالة له, وتعليمه الاسترخاء, والذي يعتبر ضرورياً لحياتنا, ولا يمكن الاستغناء عنه حتى آخر يوم في حياتنا طالما لدينا جهاز عصبي, وهو ضروري ضرورة الأكل والشرب والنوم.
وهنا مرة أخرى, أنا لا أدعي معرفتي بأمور العين والحسد والتلبس بالجن, لكني أعرف أن الضغوط النفسية وتداعياتها مثل القلق والفوبيا, تحدث لكل البشر, وكثيراً ما زارني إمام مسجد يعاني من فوبيا اجتماعية, أو رجل دين يعاني قلق شديد أو خوف من الأماكن المفتوحة أو المغلقة, فطالما نحن بشر إذا لدينا جهاز عصبي يلتقط بشكل يومي, وكل شيء يعتبر ضغطاً نفسياً, ولكي نعيش براحة يجب أن نفرغ من جهازنا العصبي يومياً ثلاث مرات على الأقل, عن طريق الاسترخاء أو الطرق الأخرى.
لقد حل العلم اليوم, كل الأمور الغامضة, التي لا يجد لها الإنسان تفسيراً, وكلما تقدم العلم, كلما وضحت أمور حياتنا, وأصبحنا منتجين ومتفاعلين مع واقعنا أكثر.

Sunday, June 7, 2009

الظلم التاريخي 2 من 2 نساء ولسن حريم



في المقال السابق, تحدثت عن الأصل التاريخي لظلم المرأة, والذي ظل إرثه الاجتماعي حتى يومنا هذا, بتصديق المرأة لدورها الدوني, واستسلامها لتعسف الرجل واستغلاله لها, حتى بدا الأمر وكأنه جزء لا يتجزأ من تركيبتها البيولوجية, بما فيها تركيب الدماغ, والمعروف في علم البيولوجيا, أن المكتسب لعصور طويلة يصبح وكأنه جزء من الجينات, أو التطور البيولوجي, مثل الأجزاء العضوية غير المستخدمة, فإنها تضمر وتنتهي وظيفتها.
رغم وجود شواهد تاريخية, على عكس ذلك, فمثلاً عبر التاريخ كان هناك نساء يتملكن الأراضي والثروات, واستطعن إخضاع الرجل, أو على الأقل لم يستطع الرجل استغلالهن, لكن السمة الغالبة كانت ما ورثته المرأة اجتماعياً من مكانة متدنية في نظر الرجل.
ورغم تطور البشرية, وتقدم المجتمعات والعلوم, وحصول المرأة على بعض حقوقها الإنسانية المشروعة, إلا أن القوانين التي تقودها الأعراف والتقاليد في تلك المجتمعات, والدساتير لاحقاً, كلها ظلت تكبل المرأة بأغلال يصعب كسرها.
وهذه الأعراف عملت على تهيئة الأطفال منذ الصغر, على الأدوار التي اخترعها الرجل منذ عصور قديمة, لسيطرة الرجل على المرأة وعلى مقدرات المجتمع, ورسخت في ذهن الأطفال قواعد السلوك والقيم المختارة, في علاقة الرجل بالمرأة كمسلمات.
إذ فحتى وقت قريب كان البعض (ولا أدري إذا لم يزل) يقول الرجل عن زوجته "تكرم المرة" أو "كرمك الله المرة", وكأن المرأة شيء نجس وقذر ومحتقر, والنظر للمرأة بنجاسة جاءت من الكهنة اليهود, وربما قبلها, وكان العرب في الجاهلية يئدون البنات, لشعورهم بأنها عار, وكانت كل تضحيات الآلهة في الحضارات القديمة تتم بتقديم فتيات, وقليل منها قدم الرجل كقربان, إلا فيما عدا أسرى الحرب.
وحتى في عصرنا هذا, تغلبت العادة وتغلب العرف حتى على التعاليم الدينية, التي من المفترض أنها كرمت المرأة, فالمرأة في الإسلام حملت السيف وحاربت إلى جانب الرجل, وعلمت الرجال التعاليم الدينية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, وعملت وكسبت رغم أنها حملت عبأً زائداً هو عبء التربية والأعمال المنزلية.
وتأصلت هذه الأعراف وهذه التقاليد لدرجة, أن أحد أصدقائي قال لي أنه سعيد لفوز الحريم في الانتخابات, فقلت له انتهى عصر الحريم والجواري, قل نساء فمن العيب أن تصف زوجتك بالحرمة, وكذلك هناك الكثيرين ممن يدعون نصرة المرأة للحصول على حقوقها, لكنهم يعاملون زوجاتهم معاملة دونية, وبعضهم يخجل من الخروج معها علناً, ورغم أن دساتير العالم أنصفت المرأة, إلا أن الرجل تمسك بعادات العصور الماضية, ورفض إنصافها.
وما زالت المرأة في المجتمعات المتخلفة, تعاني من الظلم والجور, فما زالت تجارة الرقيق وبيع الفتيات, في البوسنة والصومال والعراق, وما زال تزويج الفتاة قسرياً في سن الطفولة, وما زال ختان البنات, وحتى بعض حالات الزواج تعتبر تحالفات مربحة, وحتى استغلال المرأة للانتحار وتفجير نفسها من أجل لقمة عيش أسرتها, أو الخلاص من واقعها المؤلم.
لكن المرأة ناضلت نضالاً دؤوباً من أجل نيل أبسط حقوقها المشروعة, وحصلت عليه, وما زالت تناضل بشجاعة وضراوة, إذهلت الرجل وأفقدته توازنه, فشن عليها حملات لا أخلاقية تتهمها بالفسق وتلفق لها تهماً تتسم بغياب الضمير والإنسانية, كل ذلك خوفاً من منافستها له, أو خروجها عن طوعه.
إن وصول المرأة الكويتية إلى البرلمان عن جدارة, كان بفضل نضالها الذي بدأ قبل خمسين عاماً, وكان واضحاً في مقاومتها الاحتلال والاستشهاد في سبيل الوطن, في الوقت الذي هرب فيه بعض الرجال, دون أن يكون هناك خطر محدق بهم.
وستظل المرأة الكويتية, تتعرض إلى محاولات الانتقاص من قدرها, وضرورة خضوعها للرجل, مرة بفرض الحجاب على نائبات البرلمان, وبما يسمى بالضوابض الشرعية, ومرة بمنعها من الاختلاط مع زميلها الرجل, وسيستخدم بعض الرجال كل إرث التخلف منذ العصور القديمة, لاستعادة السيطرة على نصف المجتمع, وعلى نصفه الآخر بالترهيب, وبتقييد حرياته.
لكن كما قلت مراراً, أنه من العبث إيقاف عجلة التاريخ, التي تسير للأمام دوماً, وإذا كان وعي الشعب الكويتي, قد أفرز اربع نساء في البرلمان, فإن الأمل أنه سيعيد الكويت إلى طريق التقدم والنماء, بتكاتف الرجل مع المرأة الأخت والبنت والزوجة والأم, مع ابنة الكويت التي لم تخيب الرجاء, لكن الطريق طويل, والنضال عسير.