Saturday, September 26, 2009

رحلة بالداسار ونهاية العالم



رحلة بالداسار, هي الرواية الثامنة للأديب المبدع, اللبناني الأصل أمين معلوف, كتبت في الأصل باللغة الفرنسية, وصدرت باللغة العربية عن دار الفارابي عام 2001م.
وبالداسار هو تاجر تحف وكتب ومخطوطات أثرية, من عائلة أمبرياتشي الجنوية العريقة, والتي استوطنت منطقة جبيل بلبنان من أيام الحروب الصليبية على الشرق, وفي الرواية يحصل بالداسار على كتاب "الاسم المئة", الذي يفترض وجود اسم أوصفة لله غير معروف, إضافة إلى الأسماء التسعة والتسعين, و المؤلف هو المازنداري, حصل عليه من رجل عجوز سرعان ما مات, دون أن يتمكن بالداسار من دفع ثمن الكتاب, ثم يشتريه موفد البلاط الفرنسي مارمونتيل, ويصطحبه معه في رحلة بحرية إلى القسطنطينية, ويكتشف بالداسار أهمية الكتاب الذي يبحث عنه الجميع, بل ويمنع في بعض ولايات الدولة العثمانية الحديث عنه, أو الاحتفظ بنسخة منه.
والكتاب يتنبأ بسنة نهاية العالم, وهي سنة 1666م, التي سميت بسنة الوحش, ومن سينجو من هذه النهاية, فقط من يقرأ الكتاب ويعرف بالتالي الاسم المائة لله, كما يفترض مؤلف الكتاب, ومن هنا اكتسب هذا الكتاب ومحتواه كل هذه الأهمية, لدى معتنقي الديانات السماية الثلاث, الإسلام والمسيحية واليهودية, وآمن كثير من الناس بتاريخ نهاية العالم.
وتبدأ رحلة بالداسار للبحث عن الكتاب في أغسطس 1665م, وهي رحلة مليئة بالمغامرات انتقل فيها بالداسار وابني أخته وخادمه وسيدة تبحث عن زوجها الذي هجرها, وقيل أنه مات, من جبيل إلى القسطنطينية إلى أزمير, ثم جزيرة شيو اليونانية, فجنوا ثم لندن, ليعود مرة أخرى إلى جنوا مروراً بباريس وبعض المدن الفرنسية, ملاحقاً في هذه الرحلة أثر الكتاب من مدينة لأخرى, حتى يعثر عليه عند قس مسيحي في لندن, مسجلاً أثناء الرحلة مشاهداته وانطباعاته في أربعة دفاتر يضيع ثلاثة منها.
ورحلة بالداسار, هي رحلة البحث عن الذات, رحلة القلق الوجودي الدائم الذي يرافق الإنسان في كل العصور, الرحلة تمثل السؤال الفلسفي والديني عن الحياة والآخرة, أو مصير البشرية, ولكن سنة 1666م مرت, والسنة التي تلتها مرت دون أن ينتهي العالم, لكن العقل البشري فسر الأحداث التي يمكن أن تكون طبيعية, قد تحدث في أي سنة أخرى, على أنها إشارات أو علامات لنهاية العالم, مثل حريق لندن الكبير, وظهور حاخام يهودي يدعي أنه المسيح الدجال.
عكست هذه الرواية, مهارة معلوف في دراسة التاريخ وتقصي تفاصيل المراحل والحقب, وتطويعها فنياً, كذلك عكست الحس الصحفي للمؤلف, فجاءت تفاصيل الأحداث التي سجلها في الدفاتر, كتحقيق صحفي أو سيرة ذاتية أو أدب رحلات, وهي رواية ممتعة تستحق القراءة.
هذه الرواية وأسئلتها حول الوجود, تذكرنا بالنبوءات التاريخية لنهاية الكون, وعلاماتها, فقد تنبأ البعض أن نهاية الكون ستكون في نهاية الألفية الأولى لميلاد المسيح, ثم الألفية الثانية, لكن ذلك لم يحدث, رغم جزع العديد من الناس, الذين انتحر بعضهم, وهجر بعضهم أعماله, انتظاراً لهذه النهاية.
كما أن نوسترا داموس العالم الفلكي الفرنسي المشهور بتنبؤاته, والتي ما تزال تثير جدلاً عند كثير من الناس, كان قد تنبأ في عام 1890م, بأن نهاية العالم ستكون عام 2012م, وتنبأ كذلك الصينيون واليابانيون بأن نهاية العالم ستكون عام 2012م, وقبلهم تنبؤات شعب المايا في أمريكا الجنوبية, التي تؤكد بأن نهاية العالم ستكون أيضاً في عام 2012م, حسب تقويم المايا, الذي وضعوا له جداول رياضية محكمة, تتنبأ بالكوارث والأحداث الفلكية.
وهناك كذلك تنبؤات شعبية, ليس لها سند ديني أو علمي, مثل أن من علامات الساعة, هي أن الحديد يطير ويتكلم, وقد ناقش علماء في الدين هذا الأمر ودحضوه, خاصة وأن العلم في تقدم دائم, فالحديد فعلياً طار وتكلم, ومثاله الطيارة والمذياع, بل وصل العلم إلى آفاق لا يمكن لعقل بشري, عاش قبل قرنين فقط من تخيلها.
لا يوجد بشر حتى الآن, يستطيعون تحديد نهاية العالم, سواءً استناداً إلى المعطيات العلمية أو الدينية, وما زال هذا الأمر في علم الغيب, وبعيد عن ذهنية الإنسان.

Tuesday, September 22, 2009

الغيرة المرضية



بعد حادثة حريق الجهراء, وردتني أسئلة كثيرة, بعضها من وسائل الإعلام, وبعضها من أشخاص, سواء من داخل أو من خارج الكويت, تتركز الأسئلة حول دوافع المتسببة بهذا الحريق, وهل هي سوية من الناحية النفسية, أم تعاني من مرض نفسي, جعلها فاقدة للإدراك, ولعدم تقديرها لنتائج عملها.
وبالطبع فإن الأمر مازال تحت تحقيق الأجهزة الأمنية, وللقضاء الكلمة الفيصل في إدانتها أو تبرأتها, ثانياً يجب أن تخضع المرأة لفحص وتشخيص نفسيين, من قبل اختصاصيين مهنيين محترفين, كي يقرروا حالتها النفسية العامة, وحالتها قبيل وأثناء الحادثة, وهم من يقيم حالتها النفسية, بعيداً عن التكهنات والتحليلات المبنية على تصريحات الصحافة.
لكن ماذا يمكن أن يدفع هذه المرأة لفعل ما فعلت, إن تمت إدانتها؟ وهل يمكن أن تدفع الغيرة بإنسان لارتكاب مثل هذا العمل؟
وجواباً على ذلك نقول نعم, إذا كان هذا الإنسان يعاني من الغيرة المرضية pathological jealousy, والشك المرضي doubting mania, فإنه من الوارد أن يرتكب حماقات أوحتى جرائم, دون تفكير منطقي.
فالغيرة المرضية كما يقول المختصين, هي من العواطف المرضية المركبة, التي تشتمل على فقدان احترام الذات وعدم الثقة بالنفس, مع الخوف والبغض والتقلب العاطفي, والكراهية والاكتئاب والتوتر, والشك المرضي هو ضلالات راسخة و يؤمن بها الشخص إيماناً مطلقاً, ولا يمكن مناقشته بها وإقناعه من الناحية المنطقية, حتى لو لم توجد لديه أدلة لشكه, فيترائى له الخيال واقعاً, ويتحول الأمر إلى وسواس قهري بهذا الاتجاه, ويظل في بحث دائم عن دليل خيانة للزوج أو الزوجة, مستخدماً كل أنواع المراقبة والتفتيش, يصاحبهما عنف في الكلام وعصبية, وعدم القدرة على النوم, أو أرق, ويصاحبه أحياناً شك في نوايا الشريك في التخطيط لقتله أو تسميمه.
ويقول استشاري الطب النفسي د. محمد الحسن خالد, أن المريض بالغيرة والشك, شديد الحساسية لانتقاد الآخرين له, ومفرط الحساسية لما يعتقد أنه تجريح له, رغم أنه يبدو سوياً للآخرين إلا فيما يخص موضوع الشك, ولديه حقد مستديم وعدم القدرة على الصفح والغفران لأي كان, كذلك لديه عدوانية غير مبررة مع الآخرين, كما أن لديه حالة إنكار لحالته, ويجمع وبشكل مستمر مؤيدين لفكرته مثل أبنائه الصغار وبعض أصحابه, بزرع الفكرة في أدمغتهم, ولديه عجز عن التوافق الاجتماعي, وتتميز ردود فعله بالتسرع والطيش وبعدم التفكير, وغالباً ما يلجأ للكذب.
تقول بعض الدراسات أن من بين 81 مريضاً بالغيرة والشك, 3 ارتكبوا جريمة قتل, وفي دراسة أخرى أجريت على 138 حالة, أن 25% منهم هددوا بالقتل أو الأذى مثل الفضائح, وتشويه سمعة الشريك, لكن المريض حسب الإحصائيات نادراً ما يقدم على الانتحار, بل وجدوا بعض حالات إنتحار للطرف الآخر, المشكوك به, وذلك لوضع حد لمعاناته, ولعدم قدرته على الاستمرار في تحمل غيرة وشكوك الشريك.
والغيرة المرضية قد تكون بين الأخ وأخيه, وبين الأم وزوجة ابنها, كل هؤلاء يمرون بنفس الأعراض, ويتخيلون أحداثاً ومؤامرات لم تقع بالفعل, ويصيغون سيناريو ذهني لهذه الأحداث غير الموجودة في الواقع, لكن أكثر الحالات الشائعة هي بين الزوج والزوجة, ووجد الباحثون أنها تصيب من نصف إلى 2 ونصف من المجتمع, ونسبتها أكثر عند الرجال الذين يعتبرون زوجاتهم ملكية خاصة, ويقومون برصد تصرفاتهن وتحليلها في ضوء الرغبة في السيطرة عليهن واخضاعهن.
وليس لهذا المرض علاقة بدرجة التعليم أو المكانة الاجتماعية, ويعزو بعض العلماء المرض إلى التركيب البيولوجي والوراثي والاجتماعي البيئي, أو التربية, وبعض العلماء يقولون أنه لا يوجد دليل وراثي, ولكن الجميع يتفق على عقدة النقص وفقدان الثقة بالنفس.
ولأن المريض لا يستجيب لنداء العقل ولا يمكن تصحيح سوء ظنه بالمنطق, يجب أن يخضع للعلاج الدوائي المضاد للذهان, ويمكن للعلاج المضاد للاكتئاب أن يخفف من حالته, ويجب أن يرافق العلاج الدوائي, علاج نفسي سلوكي قد يطول وقد يقصر على حسب الحالة, واعتراف المريض بمرضه, واستعداده للتغير, يساعدان على الشفاء.
تأثير هذا المرض ضار ومدمر للأسرة, وقد ينتقل بالاكتساب إلى الأبناء والبنات, لتتكرر مأساة التدمير الأسري, والجدير بالذكر, أن أعراض المرض قد تختفي بالانفصال بين الزوجين, ولكنها يمكن أن تعود أذا تزوج المريض مرة أخرى.

Saturday, September 12, 2009

عشق الدم



رغم أن شهر رمضان يدعو إلى الخير والمحبة, شهر يتنزه فيه الإنسان عن الكراهية والحقد ضد أخيه الإنسان, إلا أنني اندهشت من بعض شيوخ الدين الذين يدعون بالموت على اليهود والنصارى, ويدعون لترميل نساءهم, ولتيتم أولادهم, ويدعون عليهم بأقذع ما يمكن أن يسمعه الإنسان السوي.
وفي ظني أن هؤلاء المشايخ, منسجمين مع أنفسهم, على اعتبار أن أدعيتهم تستند إلى روح الدين الإسلامي, الذين يفهموه على طريقتهم, غير مراعين ليس فقط حرمة شهر رمضان المبارك, ولكن الأهم عقول الشباب التي ستلتقط دعوات العنف والكراهية من أفواه مشايخها, وتسعى إلى مرضاة الله كما تعلمتها من خلال القتل والدمار.
فللعنف أصول وجذور, قد لا تكون مباشرة, فمن خلال مقابلة تلفزيونية مع عضو الكونغرس الأمريكي أنتوني وينر ممثل ولاية نيويورك, عرض مناهج مدرسية سعودية, تدرس للصف الرابع والخامس, تدعو لقتل اليهود والنصارى, من خلال أحاديث لا أعلم مدى صحتها, ولكنها خطرة على العقول الصغيرة, فتلك المناهج ستشكل جزءً من تربيتهم ووعيهم, وستغرس فيهم ثقافية إقصائية تكفيرية, سلوكها العنف والقتل والدمار, حتى للمسلمين المخالفين للمذهب أو العقيدة.
ففي رسالة الجهاد لحسن البنا مؤسس حزب الأخوان المسلمين, يقول في خاتمتها:" أيها الأخوان, إن الأمة التي تحسن صناعة الموت, وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة, يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة, وما الوهم الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت, فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم, واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة, رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله" إنتهى الاقتباس.
هذه التربية الابتدائية, وتعليمات أو تحريضات القيادات الإسلامية, هي جذور الإرهاب والعنف, الذي قد تعلم الحكومات الكويتية أو لا تعلم, بأنها رعته وكبرته وساهمت باتساعه, من خلال مناهج التعليم, والمدرسين المتعصبين دينياً, ومن خلال احتضان التيارات الإسلامية السياسية, وضخ الأموال لها عبر ترسية المناقصات لصالحها, حتى أصبح لديها بنوك وشركات استثمارية ضخمة, وجمعيات في جميع مناطق وأحياء الكويت, لجمع التبرعات التي لا أحد يعلم مصيرها.
وهذا الاحتضان والتبني الحكومي للتيار الإسلامي السياسي, بدأ بإغلاق نادي الاستقلال, الذي كان يضم القوى الوطنية, وإفساح المجال لجمعية الإصلاح الاجتماعي للتوسع وفتح فروعها في جميع مناطق الكويت, بدأ بالتضييق على القوى الوطنية الفاعلة, التي كانت تدافع عن حقوق الشعب, وتطرح مشروعات تنموية, واحتضان وتشجيع للقوى التي قادت الكويت إلى التخلف, والتراجع عن مشروع بناء الدولة الحديثة, وساهمت بالتضييق على حرياته.
نحن أمة تعشق الدماء والأشلاء, لأن جذورنا التربوية تمنع الفرح, وتدعو للعنف والكراهية والتكفير والإقصاء, جذورنا التربوية تحارب الموسيقى والفنون والثقافة, وتشجع على الانتحار وقتل البشر, ومثال جرائم المسلمين ضد المسلمين في العراق وأفغانستان وباكستان, هو مثال واضح لا لبس فيه.
إن إلقاء القبض على الخلية الإرهابية في الكويت, هو واجب أمني, ولكن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد, فهذا الفكر وهذه الجذور التربوية, ستنجب مزيداً من الإرهابيين المتعطشين للدماء, المتخفين بأردية الورع والتقوى.
إن القضاء على الإرهاب يكون بالقضاء على الجذور التربوية, التي تفرخه وتغذيه, وتعطيه صكوك الغفران والشهادة, ووعد بالحور العين إن هو قتل الآخر, سواء كان نصرانياً أم مسلماً.
شاهدت فلماً مروعاً في اليوتيوب, لأب باكستاني يدرب ابنته ذات الأربعة عشر ربيعاً, على كيفية نحر رقبة إنسان, وفي تصوير آخر تقوم هذه الطفلة بنحر رقبة رجل مسلم بعد تكبيرها, وتهليل الرجال والنساء والأطفال لفعلها الوحشي, والانترنت يزخر بمثل هذه المشاهد, التي لم يطالب الإسلاميون بمنع بثها.
رحم الله شيوخ الدين التنويريين الكويتيين, أمثال الشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى القناعي والشيخ عبدالله خلف الدحيان والشيخ عبدالله النوري وغيرهم, الذين ساهموا بعلمهم وثقافتهم وسماحتهم في بناء الكويت الحديثة, الدولة المتسامحة التي احترمتها شعوب العالم لتسامحها مع الأديان.

Saturday, September 5, 2009

خلل في قمرة القيادة




في ظني أن الكويت تمر في هذه الفترة, بأسوأ مراحلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, حتى أكثر من فترات حل مجلس الأمة وتعليق العمل بالدستور, فالعمل السياسي البرلماني والحكومي, يتدنى إلى مراحل بدائية غير مسبوقة, رغم وجود مجلس أمة ووجود حياة برلمانية, ولكن لا يمكننا كمواطنين الافتخار بدمقراطية تخالف القانون والدستور, ولا نعتد ببعض ممثلي الشعب, الذين يحاربون مصالحه, ويستغلون الدمقراطية لمصالحهم الخاصة, ولاستنزاف ثروات البلد وابتزاز الحكومة, والغلو في مخالفتها للحصول على امتيازات وحصص من ثروة الشعب الكويتي, سواء لمصلحة ذاتية أو قبلية أو طائفية أوحزبية, عن طريق الترسيات والترضيات, والتجوال بالملفات في أروقة الوزارات.
فكم نائب بالبرلمان وصل إلى الكرسي عن طريق الفرعيات المجرمة قانوناً؟ وكم نائب يملك شركات للاتجار بالبشر؟ أو شركات مشبوهة, وكم نائب لا يؤمن بالنهج الدمقراطي, ويؤمن بالحاكمية لله, استغل الدمقراطية من أجل إقامة الدولة الإسلامية؟ وكم نائب يدعم المنظمات والأعمال الإرهابية؟ وكم نائب يريد تفتيت الوحدة الوطنية بتعصبه الأعمى والجاهل؟ بل من من النواب قدم مشروعاً تنموياً؟
والعمل الحكومي لا يقل إنهياراً في المنظومة السياسية الكويتية, فضعفها وتخاذلها عرضا البلد للسرقة وللفساد الإداري ولتردي التعليم ومخرجاته, وتوقفت الحكومة مذعورة أمام خطوط حمراء وضعها نواب التخلف, فالقبيلة خط أحمر والحديث عن مزدوجي الجنسية والانتماء خط أحمر ورفع نسبة القبول في الجامعة خط أحمر وإزالة مساجد الصفيح خط أحمر ونقد ابن تيمية خط أحمر, حتى اختفت كل الخطوط الخضراء ومعها هيبة الحكومة, وأصبحنا نتساءل من يدير البلد؟!!
وازداد الفساد والبيروقراطية والبطالة المقنعة في الإدارات الحكومية, وأصبح الفراش الآسيوي مركز نفوذ, يستطيع استخراج أية معاملة تستعصي على المواطن, ويستطيع من تحت الطاولة مالا يستطيعه الموظف الكبير, الذي يقبض راتبه وهو في بيته.
وعلى المستوى الاجتماعي, إنغمس المجتمع في الخرافات, وكرست المسلسلات للسحر والحسد والعين, وتراجع المستوى التعليمي والثقافي للمواطن, وكثرت حالات الطلاق والغياب عن المنزل, وتضخمت سجلات المخافر من عمليات الخطف وهتك العرض والإدمان, وكثرت حالات الشباب المنتمي إلى منظمات إرهابية, وأصاب المجتمع إحباط كبير, وخوف من غياب الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
وعلى المستوى الاقتصادي, فإنه ولأول مرة في تاريخ الكويت, تطرد مجموعة من الكويتيين من عملهم بشكل تعسفي, وتعاني شريحة متعلمة من الديون المتراكمة, ومن أقساط مدارس أبنائها, وتطالب قضائياً وتمنع من السفر, بسبب حرمانها من مصادر رزقها, كما تدنت القدرة الشرائية لدى المواطن, وارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية, وأصبحت المؤشرات تشير إلى منحنى متشائم, كل ذلك في ظل تعالي القوى الحية في المجتمع على أنين المواطن, وفي ظل غياب مبادرات جمعيات النفع العام صاحبة المصلحة في تطور المجتمع ورخاء أبنائه.
وتحولت دولة الكويت, التي كانت تسعى لبناء الدولة الحديثة في الستينيات, إلى دولة تعاني قصوراً في الرعاية الاجتماعية, وتدهوراً في الخدمات الصحية والتعليمية, وانحساراً في هيبة القانون, وفساداً مستشرياً في كل أوصال الدولة, وغياب المواطنة الصالحة, وغياب الرؤية لمستقبل البلد وأجيالنا القادمة.
إن قمرة القيادة في البلد, والتي يتقاسمها التشريع والتنفيذ, تعاني من خلل خطير, وأكرر خطير جداً, قد يودي بحياة الركاب, أو على الأقل يترك أثراً سيكلوجياً سلبياًً لسنوات طويلة.