Sunday, June 29, 2008

الدفاع عن الدمقراطية بانتهاكها




بعد نصف قرن من الممارسة النيابية, نكتشف أن الدمقراطية لم ترسخ ولم تتأصل في المجتمع الكويتي, وقد تكون تراجعت بسبب سيادة السذاجة السياسية, وضعف التربية السياسة, والأمر لا يتعلق فقط بحفظ مواد الدستور وقوانينه, ولكنه يتعلق بشخصية الإنسان وممارساته في الحياة, وهذا ينطبق على الحوار بين الأفراد, وعلاقة الرجل بزوجته وأبنائه, فالاختلاف بالرأي يعني منع الآخر من إبداء رأيه, واحتكار الحقيقة, فالرجل في الأسرة لا يعرف معنى الدمقراطية, بل هو الآمر الناهي, ورأيه ينفذ رغم أي اعتبار, فالحوار يأخذ طابع "الخناقة" والنهر والنهي.
فقبل فترة دهشت من موقف جمعيات النفع العام, التي أصدرت بياناً ضد ما سمي بلجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة, ومن ضمنه أن وفداً من الجمعيات سيقابل صاحب السمو الأمير لكي يتخذ قراراً ضد هذه اللجنة, والغريب أن هذه اللجنة ولدت تحت قبة البرلمان, ومكافحتها يجب أن تكون في نفس المكان, كما أن هناك مؤسسات مدنية أخرى, ووسائل أخرى لإيصال الرأي, وتحقيق الأهداف بما فيها القضاء, وحتى ضغط الشارع, ولكن ليس بالتأكيد الشكوى عند أمير البلاد, رغم أن القانون لا يمنع الأفراد والمؤسسات من مخاطبة الأمير مباشرة أو بأي وسيلة أخرى, لكننا دولة مؤسسات ولسنا مجتمعاً قبلياً, نذهب لنشكي أمورنا إلى شيخ القبيلة.
ودهشت أكثر عندما اقترح بعض أعضاء مجلس الأمة, قانوناً بمعاقبة من يتحدث عن الحل غير الدستوري لمجلس الأمة, أو يتبنى هذا الرأي بالسجن والغرامة, وهذا معيب ومخجل, ويدل على أن حتى ممثلي الشعب في البرلمان لا يفهمون بالدمقراطية, فكيف يمكن الدفاع عن الدستور بطرق غير دستورية, أن أسجن من يخالفني الرأي توجد فقط في النظم الدكتاتورية!
نحن ضد لجنة الظواهر السلبية, لكننا لسنا بصدد منع مقترحيها من إبداء آرائهم وإن كانت خاطئة وغير دستورية بنظرنا, ونحن كذلك ضد الحل غير الدستوري لمجلس الأمة, لكن ليس من حق أحد أن يجرم الرأي, ويسن قوانين تحجر على آراء الآخرين, وإلا أي دمقراطية هذه؟!
هناك أناس في الكويت ضد الدمقراطية, ويقولونها علناً, لكن الدستور كفل حرية الرأي, مثلما كفل حرية المعتقد, وهي من أساسيات الدمقراطية التي تربينا عليها, فهل كنا شعباً وحكومة ومجلساً تشريعياً ومؤسسات مجتمع مدني وتجمعات وطنية, نتشدق ونطلق شعارات فقط؟ أم أن هذه الأساسيات نقضت عن عمد من قبل قوى التخلف؟
أنا أظن أن الأمرين لعبا دوراً في ممارساتنا غير الدمقراطية, فالدمقراطية وممارستها تبدأ من الأسرة والمدرسة, فينمو المواطن والدمقراطية في دمه وجزء أصيلاً في شخصيته, فأول ما يجب تعلمه هو احترام الرأي الآخر, واحترام دينه ومذهبه ومعتقداته, لكنه في الواقع أول ما يتعلمه هو القمع, قمع الرأي وإلغاء الآخر وآدميته, فهكذا بنيت شخصيته في البيت والمدرسة, فأساليب التربية الأسرية, والمناهج الدراسية, وعلاقة المدرس بالتلميذ, لا ترسخ الدمقراطية في أذهان ووجدان وسلوك الإنسان, ولا نعلم عن المستقبل, فقد تقود هذه المناهج إلى تفجير التلميذ لنفسه لنسف الرأي الآخر.
أما قوى التخلف التي أساسها التكفير والعداء للتقدم وللمجتمع وأتهام الناس بالزندقة والفاحشة والانحلال الأخلاقي, تتهم الناس بأنهم يريدون مزيداً من اللقطاء, ويمنعوهم من الفرح, يمنعوهم من اختيار طريقة تعليم أبنائهم.
هؤلاء لم يتربوا في مؤسسات مجتمع مدني ديمقراطي, بل تربوا على إلغاء الدمقراطية, إلغاء الثقافات المخالفة لها, والمعتقدات المخالفة لها, والأفكار والآراء المخالفة, إلغاء حتى الدستور الذي يعملون في ظله ويستفيدون منه لتنفيذ مخططهم لإلغائه.
ترهل الفكر السياسي, وانصرفت الأنظار عن المنطلق الأساسي, وساد التشوش وعدم التركيز, وأدخل الناس في نفق التيئيس, ونسينا أن لدينا ميزة لا يملكها غيرنا, لدينا دستور إن تمسكنا به انتصرنا, وإن تخلينا عنه انهزمنا كشعب, فماذا نريد لأبنائنا بعد عشرين سنة؟ لنعمل الآن!

Sunday, June 22, 2008

عندما غاب العقل




غاب التقدم والرخاء في الدولة الإسلامية, عندما بدأ المسلمون يلغون العقل, وحاربوا استخدامه, فتخلفت الدولة الإسلامية, وعاش المسلمون في ظلام تحت رحمة الغلاة والجهلة والمتخلفين من رجال الدين, وأصبح كل جديد بدعة, وكل بدعة حرام, مهما كان هذا الجديد, سواء كان اختراعاً يسهل حياة الناس, أم أفكاراً خلاَقة ومبدعة.
ومن الناحية العلمية, إن العقل كلما استخدم كلما ازدادت آفاق قدراته وإمكاناته, فإذا كنا في هذا العصر المتقدم, لا نستخدم أكثر من 3% من قدراتنا العقلية, فما بالك بالناس الذين منعوا من التفكير والاجتهاد قسراً أو ترهيباً؟
يحكى أن أحد أبناء عم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي طيب الله ثراه, وهو من المتزمتين, -والعهدة على الراوي- أتاه وقال:"بناتك غير ملتزمات باللباس الشرعي, ولباسهن مخالف للإسلام", فرد عليه الشيخ يوسف غاضباً:"انت تعلمني الإسلام؟! هذه حياتهن الخاصة, وحريتهن الشخصية".
كان ذلك عندما كان لدينا علماء دين عقلانيين, مثل الشيخ عبد الله النوري, وعبد الله خلف الدحيان وغيرهم, ممن يخشون الافتاء بصفته مسؤولية جسيمة, وعبء على الضمير, ولا يجب أن يترك للسفهاء والأطفال.
كل أعضاء مجلس الأمة الذين نجحوا في الانتخابات الأخيرة, تكلموا بفصاحة عن التنمية والإصلاح, فخلنا أن هذا همهم الأول, لكنهم في الجلسة الأولى شكلوا لجنة الظواهر السلبية, وطلبوا تحويل موضوع لباس الوزيرتين إلى المحكمة الدستورية, والاحتجاج على لجنة ستار أكاديمي, ووضعوا مشروع قانون للتعدي على أملاك الدولة, وأدانوا أناس احتفلوا في مكان مغلق, ووصفوا الحفل بالمجون والفجور, كان هذا إنجازهم في الجلسة الأولى, ولم يتطرق أي منهم إلى التنمية والإصلاح, ولا إلى القضايا التي تؤرق الشعب الكويتي, مثل تخلف التعليم وتدني الخدمات في مرافق الدولة, ظنوا أنهم انتصروا على الكويت وشعبها, لدرجة أن بعضهم رفض الوقوف احتراماً لعلم الكويت, والسلام الوطني.
كان همهم هو تقيد الحريات الشخصية, بمزيد من التقييد, في محاولة منهم لإعادة مشروع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كان همهم الاستيلاء على أملاك الدولة, ومخالفة القوانين, واتهام الناس بكل أنواع الاتهامات السوقية والمبتذلة, وتعطيل التنمية والاستخفاف بآمال الشعب الكويتي وطموحاته بوطن عزيز وقوي ومتقدم, فجل اهتمامهم هو ردة المجتمع وتخلفه عن ركب الحضارة.
أقوياء على وطنهم ودولتهم والنظام الذي يعيشون في ظله, ولعل كلمة صاحب السمو أمير البلاد, وتحذيره الحازم بأنه سيتدخل لضمان سير البلد نحو مشروعات التنمية, هي ما تجعلنا نتفاءل أن المركب لن تكون "سمًاري", وأن هناك عزماً على عدم السماح بالتجاوز, وأن الكويت لن تتحول إلى دولة دينية, أو قبلية, فالمرجعية هي القوانين والمؤسسات المدنية.
وهنا لا أعفي القوى الوطنية من مسؤولياتها, وعدم قدرتها على استقطاب الشارع, أو حتى رص الصف الوطني, وهذا ما أثار استياء الشباب, وجعلهم يقررون تأسيس تجمع شبابي, "تجمع صوت الكويت", لأنهم أدركوا أنهم أكثر حيوية وعملية من المخضرمين وذوي الخبرة السياسية, التي لا غنى عنها, لكن دون الاستعانة والوثوق بالطاقة الشبابية الوطنية, فستترهل هذه الخبرة السياسية.
إذا كنا لا نعول على مجلس الأمة لرقي وتقدم البلد, فالخشية أن يكون الأمر أبعد من ذلك, الخشية أن يقود هذا المجلس البلد إلى الدمار, بسبب تعطيل التنمية, وسن قوانين تتيح لهم الاستيلاء على أراضي الدولة, واستنزاف المال العام بإرسال أقربائهم للعلاج السياحي في الخارج, واسقاط القروض, ونخشى أكثر من أن يصلوا داخل بيوتنا ليحسبوا علينا كل حركة ويسمونها ظواهر سلبية, ونخشى كذلك ضياع هوية الوطن والشعب, بظواهر وسلوكات لا تمت للمجتمع بصلة.
لكن قد تأتي نجدتنا على يد مجلس الوزراء, وصحوته من التراخي والمهادنة والمجاملة, والتطبيق الحازم للقوانين على الجميع, والحد من تعدي أعضاء مجلس الأمة, على السلطة التنفيذية وعلى حريات الشعب.

Sunday, June 15, 2008

أنا كويتي حر



وأحب الكويت, وأعشق كل ما فيها, برها, بحرها, ربيعها, حرها وبردها وناسها, مثلي مثل كل الكويتيين الأحرار, الذين لم تستطع قوة في الدنيا سلبهم حريتهم, لم يستطع الوهابيون, ولم يستطع الغزو الصدامي سلبهم هذه الحرية, وعندما تسأل أي كويتي: ما أغلى شيء لديك؟ لابد وأن يجاوبك: الحرية التي جبل عليها أهلي وأجدادي, وسأنتزعها من بين فكي أسد إن اضطررت.
كنا نحلق بين موانئ الدنيا بأشرعتنا البيضاء, كأجنحة طيور النورس, مستعينين بالغناء والنغم على الشقاء, بل كنا ننثر بعضاً من أنغامنا في موانئ الآخرين, مثل ميناء عدن والمكلا, ونأتي بالأنغام التي تعجبنا من موانئ أخرى, كي نمزجها مع فنوننا, فنحن لا نرفض الآخر وفنونه, ولا ثقافته أو دينه, نحن نحب البشر بتواضع نبيل, ولذا أحبنا البشر.
نحن أبناء السندباد, نحن أبناء النمور التي كانت تكشر عن أنيابها, وتقاتل بضراوة للدفاع عن هذه الأرض وعن الحرية الغالية, نحن ابناء النور ونكره الظلام, نحن صدرنا النور إلى الشعوب الأخرى, أهلنا وأجدادنا كانوا عظماء في بساطتهم وتسامحهم وتحضرهم.
كان الكويتيون يمزحون في الخمسينيات والستينيات, فعندما يسأل أحدهم: لماذا فعلت ذلك؟ يرد:"كيفي أنا كويتي", الكويتيون يعتزون بانتمائهم لهذه الأرض, لهذا الوطن, لهذا الشعب, لأنه لا يوجد شعب يضاهيه بامتيازات الحرية, ولن تستطيع قوة في الدنيا سلب هذه الحرية من الكويتيين.
لم نجزع يوماً ولم نخف من تهديد, بل زادتنا الخطوب صلابةً وتمسكاً بحريتنا, واجهنا خطف الطائرات وقتل الأبرياء, واجهنا الإرهاب بكل أشكاله, واجهنا الاحتلال والأسر والتعذيب والتنكيل, واجهنا محاولات الانقضاض على دستورنا, واجهنا الردة ومحاولات جرنا عكس عجلة التاريخ, وكل ذلك جعلنا نتمسك أكثر بتراب الوطن, وبنموذج الشخصية الكويتية الحرة.
بنينا المدارس والمستشفيات والمؤسسات الثقافية والصحفية الحرة, وانطلقنا على دروب العلم والمعرفة والانفتاح والنور, كنا أخوان وأخوات الريح في تقدمنا, كانت الدار دار أمان لكل من يحل فيها, أياً كان أصله أو دينه, كانت ملاذاً للعرب, وللثورة الفلسطينية, وكنا دعماً لتحرر الشعوب العربية, كنا نموذجاً مضيئاً, وضعنا سقفاً عالياً للحرية وبناء المجتمع المدني, لم تستطع الدولة الأخرى الوصول له.
أنا كويتي حر, ولن تقف لجنة مخالفة للدستور ولأعراف وعادات أجدادي, بوجه حريتي وحرية أبنائي, الذي تربوا بكل فخر على حرية آبائهم وأجدادهم, وستنتهي هذه اللجنة, وستصبح وصمة مخجلة للشعب الكويتي, لكنها لن تبقى, ولن يستطيع الطارؤون على السياسة والثقافة الكويتية, فرضها على أبنائي وأبناء شعبي, وعلى هؤلاء قراءة تاريخ الكويت ليعرفوا معدن شعبها.
أنا كويتي حر, كنت هنا عندما ظن صدام أنه سلبني حريتي, كنت وأبنائي هنا وحملت السلاح والقلم دفاعاً عن حريتي وحرية أرضي, وكان أبي وجدي هنا عندما مرت الخطوب على الكويت, حمل جدي السلاح دفاعاً عن السور والجهراء, وحمل أبي السلاح ضد تهديد عبد الكريم قاسم, فالحرية والدفاع عنها في دمي ودم أبنائي, ودماء جميع الكويتيين.
لم نكن نريد عودة الكويت والشرعية من أجل اسقاط القروض, أو من أجل الاستيلاء على أملاك الدولة, أو نهب أموال الشعب من خلال المناقصات, لم نكن نفكر إلا بحريتنا وكرامتنا, ولأننا ربينا على فداء الوطن بدون شروط أو منة, لأننا ربينا على حب الكويت وعلى الحرية, التي يعتبرها كل الكويتيين خطاً أحمراً, لا يجوز تخطيه لا من سلطة تشريعية ولا من سلطة تنفيذية, ولا من كائناً كان.
أما لجنة الظواهر السلبية, فهي من الظواهر السلبية الطارئة على الكويت, ولن يكتب لها الحياة مع شعب كهذا, مثلها مثل كل محاولات الاعتداء على حقوقنا وحرياتنا.
لذلك سأظل كويتياً حراً, وسأظل أحب الكويت, ولن أتخلى عن حريتني مهما كان الثمن.



Sunday, June 8, 2008

الأمن ثقافة




نشرت القبس سلسلة من التحقيقات، حول "تجاوزات رجال الأمن", وهو ما نوهت عنه في بعض المقالات, حيث يعكس ذلك غياب هيبة القانون, وعدم تطبيق العدالة بشكل حازم على الجميع.
قلت: أن الزي العسكري كان يبعث فينا شعور الأمان في الماضي, ولكنه الآن يسبب لنا قلقاً وعدم شعور بالأمان في بلدنا, نسي الناس شعار "الشرطة في خدمة الشعب", وحل محله "الشرطة تهديد للشعب", فمن يفترض به حمايتنا وحماية بناتنا, يقوم بانتهاك حرماتنا ويهدد بناتنا, ويسئ معاملتنا, ويخالف القوانين ويزور ويغير بالبيانات, ويتلقى رشاوى, ويبيع رخص السوق للعمالة الهامشية, وغيرها من الممارسات التي تقوض أمن المجتمع.
فعدد حالات التحرش الجنسي والخطف وانتهاك العرض, باتت منشورة بالصحف, بل آخذة بالازدياد, إضافة إلى تعاطي المخدرات وتهريبها, والاستقواء بالزي الرسمي لإهانة الناس, وسبهم وضربهم أحياناً.
كتبت بعد الحرب في العراق, أن الضباط والشرطة في نقاط التفتيش, كانوا يسمحون للابسي "الشماغات" بالمرور دون الاطلاع على هوياتهم, ولكنهم في كل مرة يوقفوني فترة, لأني ألبس بنطلوناً, وكثير من الأحيان يسألون من التي معك, قاصدين زوجتي التي تجلس إلى جانبي بالسيارة.
عندما بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م, كنت وقتها ضابطاً بالتجنيد, وكلفت بحراسة منطقة شعيبة وفحيحيل, وزودت بسبعة سيارات جيب, وعدد كبير من الجنود, وكانت سيارة القيادة المتصلة بغرفة العمليات بحوزتي, وكانت تأتيني عشرات من شكاوى المواطنين, من تعامل الجنود معهم في نقاط التفتيش, وعندما يحتج المواطن يقوم الجندي بتحطيم سيارته ب"أخمص" البندقية, وعاقبت بالسجن العديد من الجنود في حينها, وعندما اجتمعت مع قائدي اقترحت عليه ابعاد الجنود عن المناطق المدنية, وتركها لرجال الداخلية المدربين على التعامل مع الجمهور باحترام وتقدير, وشرحت له أن جنود وزارة الدفاع, لم يدربوا على التعامل مع المواطنين, ويتعاملون بهمجية وتسلط مع الناس, وبالفعل حصرت حمايتنا على منطقة شعيبة الصناعية.
والآن, نستعين بمن ليخلصنا من شرور وفساد بعض أفراد وضباط الداخلية؟! إن شكونا من مخالفات المرور, سنجد أن الدوريات أكثر من يخالف ويتهور, ويشغل الإضاءة على الدوريات بداع ودون داعي, وإن شكونا من الازدحام والتجاوزات والمضايقة في الشوارع, سنجد أن بعض الفاسدين يبيعون رخص السوق على كل من هب ودب, بمن فيهم العمالة الهامشية, بمبلغ 150 ديناراً, وإذا علمنا أن بعض السيارات القديمة تباع بمئة دينار, سيبطل العجب, ناهيك عن إلغاء المخالفات لابن القبيلة, وغيرها من حوادث المخافر, حيث القبيلة تسبق العدالة.
لكن لدي حكاية تختلف, حكى لي صديق يعرف عقيداً بالداخلية, خرج من الجمعية بلباس مدني, فوجد سائقاً هندياً يسد مخرج سيارته من المواقف, فطلب منه أن يزيح سيارته كي يخرج, ولكن السائق ظل رافعاً لزجاج النافذة "حرفياً", وفي النهاية أنزل الزجاج, وقال للضابط:"يلا ولّي", ولأن الضابط لا يستقوي بقبيلته, ولا يعتد إلا بالقانون, إتصل على الدوريات التي أتت وخالفت السائق, ولكن بعد أيام فوجئ الضابط باستداعئه لقضية اعتداء, فما حصل هو أن السائق اشتكى "لمعزبه", الذي يعمل شرطياً, فاتفق المعزب معه على جرح رقبته, والادعاء بأن الضابط فعل ذلك, وبالفعل حكم على الضابط بالسجن, وبالاستئناف أوقف التنفيذ.
لا فرق اطلاقاً بين تجاوزات الشرطة, وتجاوزات بعض الطارئين الفاسدين في مجتمعنا, تبدو الثقافة واحدة, فالعدالة مفقودة, وهيبة القانون منتهكة, والأمان مفقود بسبب هذه الثقافة التي لم نعتدها, بسبب غياب التحضر والرقي الذي لازم الكويتيين فترة طويلة من الزمن.
بحت أصواتنا ونحن نكرر: الثقافة أولاً, التنمية أولاً, فلا تنمية وإصلاح دون ثقافة وتحضر, دون عودة الاعتبار لمجتمع المؤسسات المدنية.

Sunday, June 1, 2008

نعم أرجلنا في الوحل ولكن ..





عند قرب نهاية العقد الماضي أحسست "بنوستالجيا" أو شجن للقرن الماضي, وهو قرن لم يكن بشعاً في مجمله, وقد وقعت في حب بعض العقود التي عشتها والتي لم أعشها, وعندما نظرت من موقع أبعد, وجدت أن نوستالجيا وحنيناً آخر الى الألفية الماضية, وتذكرت بعض القرون التي وقعت في عشقها, لم يكن هناك بد من الاعتراف بأن العالم متناهي في الصغر.
هل هو الاحتلال الذي أصابني في أضعف نقطة بأول العقد الماضي؟! أم هو وجه العالم الجديد الذي مد إلي لسانه الكبير و أربك نظامي؟!
أنا أفهم أن الأمور لا تسير في طريق التاريخ كما تسير على " الهاي واي" أو طريق معبدة, فالحواجز تظهر أحياناً دون لافتات تحذير تسبقها, وهنا لا أعني عن نتائج بلا أسباب, ولكني أعني تلك الأمور غير المرسوم لها في نسقنا العقلي والمنطقي, فأحياناً يمكن ان يموت شخص مفتول العضلات من الغرغرينا، فقط لأنه استهان بالجرح الصغير, نحن كنا هذا الشخص.
نحن جناة وضحايا, ردعنا الشجاعة بذريعة الوحدة الوطنية وردعنا الحق بذريعة الديمقراطية, فهل يمكن تجزئة الإحباط؟! وهل يمكن تجزئة الانتصار؟! كنا جناة عندما أسدلنا ستائر ستالين, تلك التي عندما كان يمر بقطاره بين القرى فحذره أحد رفاقه أنه سينزعج من مناظر البؤس في هذه القرى فقال ستالين: "بسيطة أسدلوا ستائر القطار ولن نتألم من هذه المناظر", نحن أسدلنا ستائر ستالين على الجرح الصغير.
كنا ضحايا الأمل المخادع "لهاي واي" نسير فيه الى الخلاص, كما كنا ضحايا عندما ضحكنا كثيراً ولم نقل: " اللهم اجعله خير ", كنا ضحايا وعد من الدنيا بأننا سنكون على خير.
في عقد الفرص الضائعة قال التاريخ :"All aboard " وتخلف اثنان من السكارى كانا في البار, فملئا الدنيا صياحاً على الظلم الواقع عليهما، ثم قاما بكيل الاتهامات للتاريخ.
لم يكن السبب الأعداء الوهميين الذين اخترعهم "الرفيق بنشوني" وهي, من أكثر الروايات طرافة, بل السبب كان الخذلان من داخلنا, أضدادنا التي كنا نحملها في دواخلنا وما زلنا.
الهموم جدية بلا شك .. الهموم جدية يا أخي.
هل السر في الفكر؟ نعم هناك انحطاط في الفكر سبب ونتيجة, وهناك خطة لتدمير الشخصية الحضارية, هل ما زلنا نتوهم المؤامرة الغربية؟!.. هل ما زلنا نحلم بالدواء السحري الغربي؟!, لكن الغرب لن يستطيع معالجة شخص يرفض العلاج, بل لن يهتم ان عاش أو مات, وقد يكون الغرب نفسه يعاني من أمراض مميتة, فالرأسمالية التي أعلنت عن انتصارها النهائي بعد الحرب الباردة, خرجت من المعركة وفي قلبها خنجر, إن سحبته ماتت على الفور وإن أبقته ظلت تحتضر الى فترة أطول من المعتاد.
انحطاط الفكر هو ما جعل جماعة طالبان يدافعون باعتزاز عن جريمة تدمير التراث الإنساني في أفغانستان, هو ما جعل بعض أعضاء مجلس الأمة يهاجمون الثقافة, ويقاتلون من أجل ثقافة وقف الزمن.
نعم أن الجهود ذات الدفع الإيجابي التي قام بها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد لاستعادة المجد الاقتصادي الكويتي القديم, والذي رفرف بجناحيه بعيداً في عقود الفرص الضائعة, هي جهود توقظ تفاؤلاً مع قهوة الصباح ومنشيتات الصحف..لكن ماذا عن المجد الثقافي والحضاري الذي –برأيي – صنع المجد الاقتصادي, ولولاه لكانت الوفرة النفطية مجرد إسمنتاً وأحدث الهواتف المتنقلة فقط, بيد أن الثقافة والتحضر قدما للكويت عبر عقود, قيمة مضافة..وإن شئت تميزاً..
السر في السؤال: هل نريد نقوداً "بانك نوت" أم تنمية؟!..
كانت المؤامرة على الثقافة والتحضر تأخذان مداهما عبر العقود المفقودة من تاريخ الكويت, فما أن يعرض فلم وثائقي عن الكويت حتى يبدأ بجمال وبيوت شعر تهفهف مع الرياح والغبار, حتى أعتقد أبناؤنا أن تلك هي الكويت, وتلك هي الثقافة الكويتية فقط, وليس صحيحاً أن الكويت أنجبت شعراء يسكنون في بيوت ويقرءون الكتب ويعرفون الإلياذة, فقد كان فهد العسكر أسطورة وصقر الشبيب أكذوبة, والشيخ يوسف بن عيسى والشيخ عبدالله السالم وهماً, وكل الأسماء مثل عبد العزيز حسين وعبدالله زكريا الأنصاري وعبد الرزاق البصير وغيرهم, كانت دعاية عنصرية, لم يكن في الكويت إلا إبل وفتوى ضد أصنام بوذا وفيلكا, وما السبعة آلاف عام من الحضارة والتي أثبتتها الحفريات في الصبية, إلا أحلام الطارئين من التغريبيين.
يقول أحد أعضاء مجلس الأمة: ما علاقة الغناء بالثقافة ؟ وبالمقابل يقول أكاديمي ليبرالي: ما علاقة برنامج عالم الحيوان بالثقافة؟ يالا بؤس الثقافة, أليس كورس الحضارة واحد؟ لا يمكن تجزئته مثل الإحباط والانتصار لا يمكن تجزئتهما.
هذا يمارس الجهل وذاك يمارس الجهل, وجميعهم يمارسون العنف في الوقت المناسب, لكنني أحذر دائماً من شماعة الغزو وحده, وأتنبه مرة أخرى الى الحراك الاجتماعي, والفئات التي لم تعتد تكوين المجتمع الكويتي, ولا الى حواراته من أجل مستقبله منذ عقود طويلة.
النوستالجيا لا تعني فقط التغني بالماضي الدافئ, ولكنها تعني أهم من ذلك, تعني الاستفادة من ال Left over" " العقود والقرون والألفية التي مضت, لا نريد أن نتذمر كثيراً وننسى أن العربة التاريخية تسير الى أمام.
أحمد الله أن قلبي ما زال ينبض, وعقلي ما زال يعمل, وسأصحو غداً على أمل جديد, وسأمد ذراعي علها تلتقي بذراع أخرى, كي ننتشل بعضنا من الوحل.
فرغم أن أرجلنا في الوحل, إلا أن أعيننا شاخصة الى النجوم.



· أرجلنا في الوحل لكن عيوننا شاخصة إلى النجوم مقولة لكاتب أمريكي نسيت اسمه.