نشرت القبس سلسلة من التحقيقات، حول "تجاوزات رجال الأمن", وهو ما نوهت عنه في بعض المقالات, حيث يعكس ذلك غياب هيبة القانون, وعدم تطبيق العدالة بشكل حازم على الجميع.
قلت: أن الزي العسكري كان يبعث فينا شعور الأمان في الماضي, ولكنه الآن يسبب لنا قلقاً وعدم شعور بالأمان في بلدنا, نسي الناس شعار "الشرطة في خدمة الشعب", وحل محله "الشرطة تهديد للشعب", فمن يفترض به حمايتنا وحماية بناتنا, يقوم بانتهاك حرماتنا ويهدد بناتنا, ويسئ معاملتنا, ويخالف القوانين ويزور ويغير بالبيانات, ويتلقى رشاوى, ويبيع رخص السوق للعمالة الهامشية, وغيرها من الممارسات التي تقوض أمن المجتمع.
فعدد حالات التحرش الجنسي والخطف وانتهاك العرض, باتت منشورة بالصحف, بل آخذة بالازدياد, إضافة إلى تعاطي المخدرات وتهريبها, والاستقواء بالزي الرسمي لإهانة الناس, وسبهم وضربهم أحياناً.
كتبت بعد الحرب في العراق, أن الضباط والشرطة في نقاط التفتيش, كانوا يسمحون للابسي "الشماغات" بالمرور دون الاطلاع على هوياتهم, ولكنهم في كل مرة يوقفوني فترة, لأني ألبس بنطلوناً, وكثير من الأحيان يسألون من التي معك, قاصدين زوجتي التي تجلس إلى جانبي بالسيارة.
عندما بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م, كنت وقتها ضابطاً بالتجنيد, وكلفت بحراسة منطقة شعيبة وفحيحيل, وزودت بسبعة سيارات جيب, وعدد كبير من الجنود, وكانت سيارة القيادة المتصلة بغرفة العمليات بحوزتي, وكانت تأتيني عشرات من شكاوى المواطنين, من تعامل الجنود معهم في نقاط التفتيش, وعندما يحتج المواطن يقوم الجندي بتحطيم سيارته ب"أخمص" البندقية, وعاقبت بالسجن العديد من الجنود في حينها, وعندما اجتمعت مع قائدي اقترحت عليه ابعاد الجنود عن المناطق المدنية, وتركها لرجال الداخلية المدربين على التعامل مع الجمهور باحترام وتقدير, وشرحت له أن جنود وزارة الدفاع, لم يدربوا على التعامل مع المواطنين, ويتعاملون بهمجية وتسلط مع الناس, وبالفعل حصرت حمايتنا على منطقة شعيبة الصناعية.
والآن, نستعين بمن ليخلصنا من شرور وفساد بعض أفراد وضباط الداخلية؟! إن شكونا من مخالفات المرور, سنجد أن الدوريات أكثر من يخالف ويتهور, ويشغل الإضاءة على الدوريات بداع ودون داعي, وإن شكونا من الازدحام والتجاوزات والمضايقة في الشوارع, سنجد أن بعض الفاسدين يبيعون رخص السوق على كل من هب ودب, بمن فيهم العمالة الهامشية, بمبلغ 150 ديناراً, وإذا علمنا أن بعض السيارات القديمة تباع بمئة دينار, سيبطل العجب, ناهيك عن إلغاء المخالفات لابن القبيلة, وغيرها من حوادث المخافر, حيث القبيلة تسبق العدالة.
لكن لدي حكاية تختلف, حكى لي صديق يعرف عقيداً بالداخلية, خرج من الجمعية بلباس مدني, فوجد سائقاً هندياً يسد مخرج سيارته من المواقف, فطلب منه أن يزيح سيارته كي يخرج, ولكن السائق ظل رافعاً لزجاج النافذة "حرفياً", وفي النهاية أنزل الزجاج, وقال للضابط:"يلا ولّي", ولأن الضابط لا يستقوي بقبيلته, ولا يعتد إلا بالقانون, إتصل على الدوريات التي أتت وخالفت السائق, ولكن بعد أيام فوجئ الضابط باستداعئه لقضية اعتداء, فما حصل هو أن السائق اشتكى "لمعزبه", الذي يعمل شرطياً, فاتفق المعزب معه على جرح رقبته, والادعاء بأن الضابط فعل ذلك, وبالفعل حكم على الضابط بالسجن, وبالاستئناف أوقف التنفيذ.
لا فرق اطلاقاً بين تجاوزات الشرطة, وتجاوزات بعض الطارئين الفاسدين في مجتمعنا, تبدو الثقافة واحدة, فالعدالة مفقودة, وهيبة القانون منتهكة, والأمان مفقود بسبب هذه الثقافة التي لم نعتدها, بسبب غياب التحضر والرقي الذي لازم الكويتيين فترة طويلة من الزمن.
بحت أصواتنا ونحن نكرر: الثقافة أولاً, التنمية أولاً, فلا تنمية وإصلاح دون ثقافة وتحضر, دون عودة الاعتبار لمجتمع المؤسسات المدنية.
No comments:
Post a Comment