بعد نصف قرن من الممارسة النيابية, نكتشف أن الدمقراطية لم ترسخ ولم تتأصل في المجتمع الكويتي, وقد تكون تراجعت بسبب سيادة السذاجة السياسية, وضعف التربية السياسة, والأمر لا يتعلق فقط بحفظ مواد الدستور وقوانينه, ولكنه يتعلق بشخصية الإنسان وممارساته في الحياة, وهذا ينطبق على الحوار بين الأفراد, وعلاقة الرجل بزوجته وأبنائه, فالاختلاف بالرأي يعني منع الآخر من إبداء رأيه, واحتكار الحقيقة, فالرجل في الأسرة لا يعرف معنى الدمقراطية, بل هو الآمر الناهي, ورأيه ينفذ رغم أي اعتبار, فالحوار يأخذ طابع "الخناقة" والنهر والنهي.
فقبل فترة دهشت من موقف جمعيات النفع العام, التي أصدرت بياناً ضد ما سمي بلجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة, ومن ضمنه أن وفداً من الجمعيات سيقابل صاحب السمو الأمير لكي يتخذ قراراً ضد هذه اللجنة, والغريب أن هذه اللجنة ولدت تحت قبة البرلمان, ومكافحتها يجب أن تكون في نفس المكان, كما أن هناك مؤسسات مدنية أخرى, ووسائل أخرى لإيصال الرأي, وتحقيق الأهداف بما فيها القضاء, وحتى ضغط الشارع, ولكن ليس بالتأكيد الشكوى عند أمير البلاد, رغم أن القانون لا يمنع الأفراد والمؤسسات من مخاطبة الأمير مباشرة أو بأي وسيلة أخرى, لكننا دولة مؤسسات ولسنا مجتمعاً قبلياً, نذهب لنشكي أمورنا إلى شيخ القبيلة.
ودهشت أكثر عندما اقترح بعض أعضاء مجلس الأمة, قانوناً بمعاقبة من يتحدث عن الحل غير الدستوري لمجلس الأمة, أو يتبنى هذا الرأي بالسجن والغرامة, وهذا معيب ومخجل, ويدل على أن حتى ممثلي الشعب في البرلمان لا يفهمون بالدمقراطية, فكيف يمكن الدفاع عن الدستور بطرق غير دستورية, أن أسجن من يخالفني الرأي توجد فقط في النظم الدكتاتورية!
نحن ضد لجنة الظواهر السلبية, لكننا لسنا بصدد منع مقترحيها من إبداء آرائهم وإن كانت خاطئة وغير دستورية بنظرنا, ونحن كذلك ضد الحل غير الدستوري لمجلس الأمة, لكن ليس من حق أحد أن يجرم الرأي, ويسن قوانين تحجر على آراء الآخرين, وإلا أي دمقراطية هذه؟!
هناك أناس في الكويت ضد الدمقراطية, ويقولونها علناً, لكن الدستور كفل حرية الرأي, مثلما كفل حرية المعتقد, وهي من أساسيات الدمقراطية التي تربينا عليها, فهل كنا شعباً وحكومة ومجلساً تشريعياً ومؤسسات مجتمع مدني وتجمعات وطنية, نتشدق ونطلق شعارات فقط؟ أم أن هذه الأساسيات نقضت عن عمد من قبل قوى التخلف؟
أنا أظن أن الأمرين لعبا دوراً في ممارساتنا غير الدمقراطية, فالدمقراطية وممارستها تبدأ من الأسرة والمدرسة, فينمو المواطن والدمقراطية في دمه وجزء أصيلاً في شخصيته, فأول ما يجب تعلمه هو احترام الرأي الآخر, واحترام دينه ومذهبه ومعتقداته, لكنه في الواقع أول ما يتعلمه هو القمع, قمع الرأي وإلغاء الآخر وآدميته, فهكذا بنيت شخصيته في البيت والمدرسة, فأساليب التربية الأسرية, والمناهج الدراسية, وعلاقة المدرس بالتلميذ, لا ترسخ الدمقراطية في أذهان ووجدان وسلوك الإنسان, ولا نعلم عن المستقبل, فقد تقود هذه المناهج إلى تفجير التلميذ لنفسه لنسف الرأي الآخر.
أما قوى التخلف التي أساسها التكفير والعداء للتقدم وللمجتمع وأتهام الناس بالزندقة والفاحشة والانحلال الأخلاقي, تتهم الناس بأنهم يريدون مزيداً من اللقطاء, ويمنعوهم من الفرح, يمنعوهم من اختيار طريقة تعليم أبنائهم.
هؤلاء لم يتربوا في مؤسسات مجتمع مدني ديمقراطي, بل تربوا على إلغاء الدمقراطية, إلغاء الثقافات المخالفة لها, والمعتقدات المخالفة لها, والأفكار والآراء المخالفة, إلغاء حتى الدستور الذي يعملون في ظله ويستفيدون منه لتنفيذ مخططهم لإلغائه.
ترهل الفكر السياسي, وانصرفت الأنظار عن المنطلق الأساسي, وساد التشوش وعدم التركيز, وأدخل الناس في نفق التيئيس, ونسينا أن لدينا ميزة لا يملكها غيرنا, لدينا دستور إن تمسكنا به انتصرنا, وإن تخلينا عنه انهزمنا كشعب, فماذا نريد لأبنائنا بعد عشرين سنة؟ لنعمل الآن!
No comments:
Post a Comment