Sunday, January 11, 2009

التدمير الذاتي




البشر لديهم نزعة للتدمير الذاتي, أحياناً تكون من خلال سلوكات سلبية, مثل التدخين وتعاطي المخدرات, ومثل التهور في قيادة السيارات, أو ارتياد مناطق الخطر, أو الدخول في مشاجرة تتطور إلى استخدام أسلحة.
وأحياناً يتجه الإنسان إلى مثل هذه الأمور دون وعي منه, وأحياناً يدمن الإنسان على الإثارة, والاحساس بارتفاع هرمون الأدرينالين في الدم, ونرى أحياناً ظاهرة الجندي الذي يلقي بنفسه في مرمى النيران, رغم أنه يعيش عيشة هادئة مسالمة في حياته العادية.
لكن اذا تساءلنا ما الحاجة الأساسية للإنسان, كي يعيش بسعادة, وما هي النزعة الدافعة للحياة, السلم أم العداء؟ نجد أن السلم والانسجام والصفاء, هي ما يبحث عنه الإنسان, وكل اعتداء بدأ من جنس البشر كان للاستحواذ والسيطرة والتملك, فابتداء من الإنسان الأول, إنسان الكهوف, كان الاعتداء من أجل السيطرة على المناطق ومصادر الغذاء.
وقد أثبت العلم أنه لكي يعيش الإنسان بصحة بدنية ونفسية جيدة, يجب أن يعيش بأفكار ومشاعر إيجابية, وهذا يساعد أجهزته الداخلية على العمل بكفاءة, ويقوي من مناعته, وهو ما يسمى بردة الفعل البيولوجية الإيجابية, أما إذا كانت أفكاره ومشاعره سلبية, مثل الكراهية والحقد والغضب, فإن هرمون الأدرينالين يرتفع في دمه من موقع غدتي الأدرينالز فوق الكليتين, وأعراضه معروفة مثل سرعة دقات القلب, وضيق النفس, وجفاف الحلق وغيرها من الأعراض, وارتفاع هذا الهرمون يسبب ضغطاً غير طبيعي على أجهزة الإنسان الداخلية, ويضعف مناعته, وهو ما يسمى بردة الفعل البيلوجية السلبية, وهذا يؤدي لأمراض الإنسان البدنية, بما فيها الأمراض الخطيرة مثل السرطانات, وأمراض القلب والشرايين.
الشر عند الإنسان ليس متأصلاً في تكوينه, بل هو ممارسة وشعور مكتسب, ووظيفة هرمون الأدرينالين ليس الشر والكراهية, بل الوظيفة الأساسية منه هو المواجهة أو الهرب Fight or flight, اي يساعد الإنسان وتنبيهه للهرب من خطر الحيوانات المتوحشة, أو مواجهتها, والكلوكوز المفرز في هذه اللحظة, يمنحه طاقة إضافية لذلك, لكن عبر قرون وقرون مارس الإنسان على الإنسان أصناف العداء والاعتداء, والكراهية والحروب, وسخر جزء كبيراً من ذكائه وخبرته, للسيطرة وصنع الأسلحة المادية والمعنوية, لكي تتحقق له الغلبة, ولذا تراودة فرحة ولذة وحشية لحظة الانتصار, وأصبح دم العدو المراق أو انكسارة, مصدر فخر للمنتصر الافتراضي.
ثم مع مرور الزمن أصبح سوء الظن هو الأصل, والموقف المسبق هو ما يقود السلوك البشري, فالإنسان المختلف عنا, أو ندنا أو شريكنا في الحياة, هو عدونا, حتى يثبت العكس, ولذا اخترع الإنسان السلام برفع اليد, ليري الطرف الآخر أن يديه خالية من السلاح.
ولم تعد فقط الشعوب أو الانتماءات المختلفة, هي التي تعادي بعضها, ولكن أصبح الأخوة والأزواج, وأصحاب الانتماء الديني والعرقي الواحد, فالمسلم يقتل المسلم, ويشعر بالانتصار واللذة الوحشية, فالعراقي يقتل العراقي, والأفغاني يقتل الأفغاني, والاسرائيلي يقتل الفلسطيني, والدافع هو السيطرة والتملك, فقبل أن تسيطر حماس على البرلمان, كان الإسلاميون يرفضون حتى على توقيع عريضة مناصرة للشعب الفلسطيني, لأن قيادته كانت ليبرالية, ومحاربتهم جائزة, أما اليوم فبسبيل السيطرة الإسلامية, يخرج هؤلاء رافعين الأحذية, رغم أن الشعب الفسطيني لم يتغير.
هذا ينطبق على الأزواج الذين ينسون في لحظة, كل الإيجابيات والأشياء المشتركة, فما أن يختلفوا حتى يكيلوا التهم للآخر, ويشوهوا سمعته, ويعينوا أفضل المحامين, لا للخروج بسلام من العلاقة, ولكن للحصول على أكثر المكاسب, والانتصارات مستخدمين كل الأسلحة المتاحة, بما فيها الأبناء, لأن الكراهية والعداء هي الدافع, الأدرينالين هو لذة المخاطرة.
فمشروع الاستيلاء على منصب رئيس الوزراء, يجند من أجله أعضاء مجلس الأمة, ويرصد له أموال ضخمة, والهدف هو السيطرة والتملك, وليس مهماً تدمير بلد ومشروعاته التنموية, وحتى الحكام الدكتاتوريين على استعداد لقتل شعوبهم في سبيل السيطرة.
لم يتخلص الإنسان, وخاصة في المجتمعات المتخلفة, من إرث العداء والكراهية, وعندما اكتشف نزعة الشر, لم يكتشف أنها نزعة للتدمير الذاتي, أو لم يهتم لذلك, فعلي وعلى أعدائي.

No comments: