Sunday, May 3, 2009

نافذة الوطن



صباح اليوم, فتحت الستارة, وفتحت النافذة, واستقبلت ضوء الشمس, واستنشقت النسيم البارد, والقيت نظرة على الوطن بعين عاشق, كان هذا وما يزال سلوكي اليومي منذ سنوات طويلة, أستنشق نسمة الوطن وأعقبها ب:"هذا يوم جميل, ونهار سعيد", وأنطلق في كتاباتي اليومية, متفائلاً بمستقبل مشرق لأولادي وأحفادي.
لكن هذا الصباح كان مختلفاً, كابياً, حزيناً, وكان منظر الكويت بمنازلها وشوارعها منظر بائس, كأرملة فقدت للتو زوجها وحبيبها, وشاخت وذوت بسرعة قياسية, رغم عمرها الفتي, اغتربت بالفقد, حتى جفت الدموع.
في الأوطان الأخرى, كلما عتقت المدينة كلما إزدادت بهاءً وجمالاً, وارتفعت أثمانها ثقافياً ومكانة وحباً لدى سكانها, أما مدينتي فتذوي وترخص وتهان, وتفقد بريقها وألقها على يد قاطنيها, حتى تغيب ملامحها المألوفة المحببة إلى نفسي كل صباح باكر.
هناك شيء مفتقد في عيني الكويت, وشعور مفتقد في صدري, منعني من الكتابة لساعات, وجعل طعم القهوة والشاي مراً في فمي, لكنني أدركت أن المرارة ليست في القهوة والشاي, ولكن المرارة في قلبي, إحساس بالفقد والحزن, ولو كانت الكويت إنساناً لحضنتها, ولربت على ظهرها, ومسحت دمعتها بيدي.
لم تعد هذه الكويت التي عرفتها, لم يعد هذا الوطن العزيز القوي, الجميل الفتي المفعم بالحداثة والسباق مع التنمية والتقدم, لم يعد ملاذ الطفولة السعيدة, والحضن الآمن للجميع, تغيرت ملامحه الجميلة, وأصبح عنواناً لجحود من رفعهم وأعزهم, رجموه ببشاعاتهم بعدما شبعوا, وكثرت سكاكين الوطن, التي سنت لعقود, انتظروه حتى سمن, ثم نحروه من الوريد إلى الوريد, متشفين بمنظر ورائحة الدم.
كانت مؤامرة تحاك منذ سنوات, على العاشق والمعشوق, وأتى وقت تنفيذ المخطط والأجندة اللتان حيكتا في الظلام, في غفوة الزمن, وحسن ظن الوطن, لتأتي الطعنة في القلب الذي أحب, وتقطع اليد التي أطعمت.
كان هذا الصباح حزيناً, ومنظر الوطن بائساً, كانت البيوت والشوارع كئيبة, والأشجار كالحة, لم يكن هو الوطن السعيد الذي أطل عليه كل صباح من نافذتي, كانت في أطراف الشارع مدرسة تشبه السجن, وعلى الطرف الآخر مسجداً عليه كتابات متطرفة تدعو إلى الكراهية ونبذ حب الوطن, كراهية تدعو إلى تهجير الكويتيين العاشقين لوطنهم, تدعو إلى وأد البحر لأنه يثير غرائز العشق والفداء, تدعو إلى حرق معالم الحضارة والتحضر, لأنهما ضد المخطط والأجندة, تدعو إلى قطع رؤوس الورود, لأنها تعبر عن الحب, تدعو إلى حرق الأخضر وتمجيد اليابس.
لم يعد هذا وطني الذي أعرفه, بل هذا وطن تلبس فيه كمامات على الأنوف, وتوضع فيه سدادات في الآذان, وعصابات على العيون, هذا وطن على شفا الانكفاء, يريدون له أن يكون وطن الظلام, بدلاً من وطن النهار, يريدون له أن يكون وطن الخنادق والمتاريس.
أطل من النافذة وأتساءل: متى تعود يا وطن؟ متى تستعيد عافيتك؟ وملامحك الكويتية؟ متى تستعيد بهاؤك؟ متى تنتصر لنفسك؟ متى ينتصر لك شبابك وشاباتك؟
أغلقت النافذة على الوطن الحزين, وأسدلت الستائر, وجلست لأكتب عشقي.

No comments: