Saturday, January 5, 2008

لماذا الكتابة؟





لماذا الكتابة؟! لا يوجد سؤال يحمل من الاستفزاز والتحدي لأي كاتب مثل هذا..لماذا تكتب؟! كمن يسألك: لماذا تتنفس, وبدقة أكبر كمن يسألك عن سبب وجودك في الحياة, سؤال بعمر الزمن, ولا توجد اجابة جاهزة, سؤال يحمل أسرار مولدك, حياتك, ومماتك, ولاتوجد إجابة واحدة..بم أجبت قبل خمسة وعشرين سنة؟ بم أجبت قبل عشر سنوات؟ ماذا ستجيب بعد سنة واحدة؟ ..
سؤال يحمل من السذاجة ومن العمق ما يجعلك تتساءل: من أنا؟! سؤال يحيي فيك روح العبث والمسؤولية في آن واحد..سؤال يستعيد كل ذاكرتك المؤلم منها والمفرح..الانتصارات والهزائم..الحب والكراهية..اللذة والألم..الحيرة والوعي..الزيف والحقيقة..سؤال يدفعك لاستحضار كل صداقاتك وعلاقاتك وكل الوجوه والعيون التي أسعدتك وآلمتك, التي كشطت من لحمك و التي غذتك..
لا يوجد سؤال ينبشك كهذا, الم نقل انه يحمل سر الكون..
من يجرؤ على دحرجة سؤال كهذا ثم يستدير؟! يقتنصك في لحظة استرخائك فيربكك..دون إحساس بتأنيب ضمير..أو يصفعك به بقسوة قفاز التحدي؟
هل فقد السؤال قيمته بمرور الزمن؟ هل السؤال بقيمته؟ أم بقيمة السائل؟ أم المسئول؟..مجه صيارفة الصحافة المفلسين حتى بهت ..وهاهو ينفتح أمامك مرة أخرى كالمدى..
صحيح , لماذا أكتب؟!
لو كانت اللا أدري مشبعة لأجبت بها, طاعناً السائل بخاصرته لينتهي الأمر, ولكن ماذا عن صدى السؤال؟! فمنذ بكارة البشرية والسائل يموت والسؤال يبقى, هذا كل ما في الأمر..لا أدري لا تغلق الاحتمالات بل تفتحها على مصراعيها , والسؤال الذي لا يفنى ولا يستحدث من عدم.. أزلي و تاريخي في الوقت نفسه..مطلق ونسبي..علمي وأدبي..تقدمي ورجعي..متعدد الوجوه والأصوات والعيون..
لماذا تكتب؟! لم يسأل الكاتب مثل هذا السؤال؟! أليست الكتابة بداهة؟ كالحياة .. هل يسأل الإنسان لم يعمل؟ لم ينجب؟ لم يعيش؟ لم لا يترك الكاتب وشأنه..الصحافة تسأله لم يكتب والناقد يسأله لم يكتب والقارئ يسأله لم يكتب والسلطة تسأله لم يكتب..هل لأن الكتابة فعل يحتمل الخطيئة أو الفروسية؟ يقترف جرم البناء أو الهدم؟ لا فرق..هل للكتابة تأثير وقوة كي تأخذ دوافعها كل هذه الأهمية؟!..وفي الأساس لم توجد أهداف لأي نشاط إنساني؟! ما دخل الآخرين بما تكتبه وحدك؟ ماذا يعنيهم مما ينتجه فكرك ووجدانك؟ أليست الكتابة تحقيقاً ورضاء ذاتياً؟ ولكن ما قيمة الذات إذا لم يكن للآخرين وجود..تخيل كاتب مهم في جزيرة معزولة..تخيل كاتب أقل أهمية في جزيرة معزولة..ما الفرق؟! هل تكتسب الكتابة أية أهمية دون وجود الآخر..القارئ..المتلقي؟! ولكن هل يعني ذلك انك تكتب كي ترضي الآخر؟! إذا ماذا عن ذاتك؟!..من اخترع المعادلات؟ الجدل؟ العلاقة التبادلية؟ الديالكتيك؟ أم أنها أزلية وتاريخية كالسؤال ذاته: لم تكتب؟
من يمنعك الآن من رفض الكتابة؟ من رفض التعب و وجع الرأس؟ للأسف لا أحد..لكن من يمنع الآخرين من لومك إذا لم تستمر بالكتابة؟ أيضاً لا أحد..
لطالما تساءلت لماذا فجر النازيون قبر بوشكين أثناء غزوهم للإتحاد السوفييتي..ولماذا ترفض السلطات التركية إدخال رفات الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت كي يدفن في وطنه الذي كرس له كل أشعاره ..ولماذا استهدف صدام حسين المؤسسات الثقافية أولاً أثناء غزوه للكويت..ولماذا يغتال خفافيش الظلام أفضل منتجي الأدب والثقافة والفكر..ولماذا قال غوبلز مساعد هتلر:" كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي"..؟!
ربما تكمن في الإجابة كل أسرار الكتابة وسحرها..
في معادلة الزيت والفتيل لا يرى الإنسان الاحتراق بل النور هو الذي يعنيه..ماذا عن معادلة الكاتب والكتابة؟..الكاتب والوعي؟..الكاتب والانتماء؟..الكاتب والحياة؟..الكاتب والمجتمع؟..الكاتب والكاتب؟..الكاتب و السكون والحركة؟..الكاتب والنور والظلام؟..العدل والظلم..الحاجة والرغبة..الالتزام والعبث... إلى مالا نهاية من التساؤلات و المعادلات والخيوط التي تربط الكاتب بهذا الكون, بهذا الوجود..
إن أية إجابة جاهزة لهذا السؤال المشهر في وجهك تعني النهاية, وفساد المتعة في نهايتها, مع أن لكل شئ نهاية و لانهاية حسب زاوية النظر, فان الإجابة في كل زمان ومكان وأياً كان نوع السائل يجب أن تبدأ دائماً هكذا..صحيح لماذا أكتب؟!










No comments: