Saturday, January 12, 2008

أحلى الجزر







يصادف في فبراير القادم الذكرى الخمسين لوصول أول بعثة تنقيب في جزيرة فيلكا, ففي فبراير من العام 1958م وصلت البعثة الهولندية للتنقيب عن الآثار في جزيرة فيلكا.
وبعدها تغيرت في أذهان الكثيرين ملامح التاريخ في منطقة الكويت والجزر التابعة لها, فبعدما كان النظرة السائدة أن هذه الأرض لم تكن يوماً غير صحراء قاحلة, أصبح من الواضح العمق التاريخي السحيق لهذه المنطقة, والذي كشفت البعثة عنه في أعماق فيلكا, وأصبح هناك اهتمام عالمي بالإرث الحضاري القيم لهذه الجزيرة, وهذا ما دعى إلى الكشف والتنقيب في مناطق الكويت الأخرى, مثل تل بهيته وكاظمة والصبية وغيرها.
والمعروف أن الكويت كانت محطة ترانزيت تجاري عبر كل الحضارات القديمة, لما تمثله من موقع استراتيجي كمرفأ على رأس الخليج العربي, هذا عدا عن كونها تقع بين مناطق حضارية هامة, مثل فارس وما بين النهرين, ولم يقتصر ذلك على اهتمام الحضارات القديمة بهذا الموقع, بل أيضاً اهتمت به بريطانيا ممثلة بشركة الهند الشرقية كممر لتجارتها بين الشرق والغرب, ونقل المعتمد البريطاني مركزه من المحمرة ببر فارس والبصرة إلى الكويت, حسب الوثائق التاريخية.
وكشفت البعثة الهولندية في ذلك الوقت, عن آثار لفترة هيلنسية أو هيللينية, تمثلت في معابد وعملات وجرار وتماثيل, تعود إلى ثلاثمائة عام قبل الميلاد, في فترة استيطان قادة الاسكندر الأكبر وجنوده فيها, بعد عودة أسطوله من غزوة الهند عبر بحر العرب, والذي كان يقوده أدميرال البحر "نياركوس", وهو أحد زملاء الاسكندر في التتلمذ على يد أرسطو, وأسموا الجزيرة "إيكاروس", لأنها تشبه جزيرة إيكاروس في بحر إيجة بأجوائها وجمال طبيعتها, إذ من المعروف تاريخياً, أن جزيرة فيلكا كانت خضراء فيها أفلاج وجداول ماء عذب, وكان سكانها يزرعون القمح, وكانت تعتبر أرض الغزلان المقدسة, وجزيرة فيلكا "إيكاروس" لا تسكنها الثعابين والعقارب, ولذا أعلنت جزيرة مقدسة حسب حجر إيكاروس المنقوش عليه رسالة من انكزارخوس إلى سكان ايكاروس, والموجود حالياً بمتحف الكويت الوطني.
والتاريخ الأثري في فيلكا, لم يبدأ في استيطان الهللينيين والذي استمر لأربعمائة عام, ولكنه يسبقه بعصور أقدم بكثير, فالتنقيب كشف عن وجود آثار تعود إلى العصر البرونزي, كما اكتشفت كنيسة من العصر النسطوري, أو المسيحية الشرقية, إضافة إلى تجمع سكاني حولها.
ولا يقتصر وجود الآثار في جزيرة فيلكا وحدها, فإضافة إلى الثلاث حضارات التي اكتشفت في تل بهيته في الشويخ, اكتشفت كذلك آثار إسلامية تعود إلى العصور العباسية في منطقة كاظمة وغيرها, ومعروف أن الفرزدق مدفون في كاظمة, كما اكتشفت قبل سنوات آثار لتجمعات سكانية في منطقة الصبية عمرها أكثر من سبعة آلاف سنة.
واهتم العديد من الكتاب والباحثين بجزيرة فيلكا, لعل أبرزهم "عاشق فيلكا" الأستاذ خالد سالم, الذي كتب عدة مؤلفات تشير إلى أهميتها في التاريخين البعيد والقريب, ولعل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, يستعين به ليحكي عن ذكرياته عند وصول أول بعثة تنقيبية, فهي بالتأكيد ستكون شهادة توثيقية هامة, تضاف إلى التاريخ الثقافي الكويتي.
الآن, وهناك مشروع لتحويل جزيرة فيلكا إلى منتجعات سياحية, سيكون من الغبن طمس هذا التاريخ, وسيكون جرماً بحق الكويت وتاريخها, إذ أن ذلك التوجه ودون دراسة, سيشكل خطراً يدمر الآثار التي ما زال التنقيب جارياً عنها, ولعل هدف تحويل الكويت إلى مركز تجاري يجب أن يذكرنا بأهمية فيلكا كممر تجاري عبر التاريخ, فهذا الإرث الثقافي الآثاري هو كنز وثروة وطنية خالدة للأجيال داخل الكويت وللمجتمع الدولي.

2 comments:

حمد said...

معلومات قيمة جدا

شكرا لك استاذي الكريم

وليد الرجيب said...

شكرا لك حمد وشكرا لمتابعتك