Sunday, October 19, 2008

الأزمات لا أخلاقية




كنت بصحبة أحد الأصدقاء, الذي كان يستضيف احد المتخصصين الأجانب بالشؤون الاقتصادية, فسألت الضيف عن حقيقة أزمة انهيار النظام المالي في العالم, وانعكاس ذلك على بورصة الكويت, وحيث أنني لا أفهم بالاقتصاد, استمعت بشغف لحديثه, وحاولت استيعاب المصطلحات الاقتصادية, التي اعتبرها سمعي لغة هيروغليفية.
قال هذا الضيف, أن كل أزمة هي في الاساس أزمة أخلاقية, بدأ من الأزمات الاقتصادية, التي يسببها كبار المحتكرين, إلى الحروب, التي يقصد منها الاستيلاء على ثروات الشعوب الأخرى, إلى الأزمات الصحية والغذائية والبيئية التي يتسبب بها الفساد, إلى الأزمات السياسية, مثل ما هو حاصل عندكم في الكويت, والتي تديرها المصالح غير النزيهة, كلها بدون استثناء أزمات أخلاقية في الأساس.
وكأني وجدت نفسي, أتحدث إلى مصلح اجتماعي أو فيلسوف, لا رجل اقتصاد, فأردفت: وحتى الأزمات الزوجية, هي أزمات لا أخلاقية في الأساس, أما بسبب من خيانة, أو نزعة إلى السيطرة, أو على الأقل عدم احترام, فرد متشجعاً: بالضبط, الآن أنت تفهمني, إبحث في أي أزمة في بلدك, صغيرة كانت أم كبيرة, تجدها أزمة أخلاقية, سمي لي أي أزمة في مجتمعك, التعليم, الصحة, التنمية, البنية التحتية, الطائفية, القبلية, غياب القانون.. الخ, كلها في أساسها أزمات أخلاقية, قد تحمل مسميات مثل, الفساد, الواسطة والمحسوبية, الرشوة, التعصب, إلغاء الآخر, وعدم الإنتاجية أو الالتزام الوظيفي, مخالفة القوانين, تقييد الحريات, المخالفة والاستهانة بمواد الدستور, وحتى الجهل والتخلف يقودان إلى أزمات أخلاقية.
والمشكلة أحياناً, أن هذه الأزمات الأخلاقية ترتكب, تحت شعارات نبيلة, مثل الدمقراطية, واقتصاد السوق الحر, والدين, والدفاع عن العالم الحر.
استثارني تعبير (الأزمات ترتكب) فسألته: هل الأزمة ترتكب عن عمد؟ قال: طبعاً, وهذا يقودنا إلى سؤالك الأول, عن الأزمة المالية الأمريكية.
أنت تعلم أنه تجرى في الولايات المتحدة في هذه اللحظات, حملات لانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة, قلت: طبعاً, فأكمل: وفي الحملة تستخدم كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة للفوز, وقد علم الحزب الجمهور أن أكبر بنكين عقاريين في أمريكا, كانا يقدمان قروضاً عقارية, بلا ضمانات كافية, ولكن بسعر فائدة كبير, لكي تصب بونصات أكبر في جيوب أعضاء مجلس إدارة البنكين, ولأن أعضاء مجلسي البنكين, كانوا يتبعون الحزب الدمقراطي, الذي يمثله الرئيس بوش, عمل مرشح الحزب الجمهوري, على فضح هذه الممارسة, التي تضر بالاقتصاد الوطني, ولما أثار هذا الأمر استياء الناس, قام بوش بإعلان إفلاس البنكين, أي اتخذ إجراءً سياسياً, بدلاً من الاعتماد على رأي خبراء الاقتصاد, وقاد هذا الانهيار انهيار لآلاف البنوك والشركات المرتبطة, وانعكست هذه الأزمة على جميع أنحاء العالم, فهل رأيت؟ الأزمة أخلاقية بالأساس, غرضها الكسب السياسي, على حساب اقتصاد ومصالح الأمة.
سألته, وماذا تعتقد سيكون مستقبل هذه الأزمة على الاقتصاد الكويتي؟ قال: الاقتصاد الكويتي أفضل من غيره, والبنوك الكويتية تتشدد في ضمانات الاقتراض, ولكن المشكلة هي في الاجراءات الحكومية لحل هذه الأزمة, فقد فعلت مثلما فعل بوش في البداية, وقبل مشروع الكونغرس, قامت بإجراء سياسي وليس اقتصادي, فبدلاً من أن تدعم البنوك, وهي عمود هام من أعمدة الاقتصاد, قامت بدعم الشركات, مما يعوض كبار المستثمرين, ويضر بصغارهم, بينما يجري التفكير في أوربا بتأميم بعض البنوك.
قلت ممازحاً, وكأن ماركس يمد لسانه من قبره شماتة, فاكتفى بالابتسام, وتذكرت كم لا أخلاقية هي الرأسمالية, إذ قامت بعض الشركات في الكويت, بطرد بعض موظفيها وسلبهم حقوقهم, بطرق ملتوية, جراء أزمتها فتحول بعض أصحاب الشركات إلى وحوش.
فهل أزماتنا هي أزمات أخلاقية في أساسها, هذا يجعلني أفكر قليلاً.

No comments: