Monday, October 26, 2009

ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين




هذا عنوان كتاب للشيخ عبد الجليل عيسى, عميد كليتي اللغة العربية وأصول الدين, وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف, "1888م – 1984م", وهو كتاب عقلاني يبحث في نقاط الخلاف وأصولها بين المذاهب الإسلامية المختلفة, والكتاب متاح لمن يريد قراءته, أو تحميله من الانترنت.
ويقول الشيخ عبد الجليل في مقدمة الكتاب:"كان بعضهم يفهم الآية أو الحديث فهماً, ويفهم غيره فهماً آخر, فيناقش كل صاحبه بالتي هي أحسن, فإن كانت النتيجة اتفاقاً حمدا الله تعالى, وإن كانت الأخرى عذر كل صاحبه, وانصرفا صديقين متحابين, ثم خلف من بعدهم خلق قدسوا هذه الآراء, وبالغوا في التعصب لها, والطعن فيما سواها, فتشعبت بهم الطرق, وتعرجت المسالك, وأبعدتهم عن الأصل (الكتاب والسنة), وتعادوا كما يتخاصم ويتعادى أتباع الديانات المختلفة". انتهى الاقتباس.
ويذكر عبد الجليل عيسى العديد من نقاط الخلاف الثانوية بين المسلمين, والتي لا تحتاج إلا إلى استخدام العقل والمنطق, مثل جواز تخليل اللحية أثناء الوضوء, والتسمية عند الوضوء, وحلق اللحية, ووصل الأمر إلى التشكيك بإيمان المذاهب لبعضها وتكفيرها, ففي فصل "بعض آثار هذه الخلافات المحزنة", يذكر المؤلف أن أحد رجال الدين أفتى عندما سأل:"هل يجوز للحنفي الزواج من إمرأة شافعية؟", فأفتى:"يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية لا على أنها مؤمنة, بل بقياسها على الكتابية (اليهودية أو النصرانية), التي تجوز للمسلم بالاتفاق" ص 71.
وللعلم أن للشيخ عبد الجليل عدة مؤلفات منها "المصحف الميسر", وهو تفسير رائع وعقلاني للقرآن الكريم, لا يتمسك فيه بظواهر اللفظ, ويقرب الإنسان من دينه, ويبسطه له, ولكنك إن بحثت عنه في المكتبات الإسلامية (في شارع بن خلدون) لن تجده, وكأنه كتاب محرم, كما أن له أيضاً كتاب بعنوان "اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم", وهو منوه عنه في الانترنت, والمفترض أنه متاح للقراءة, ولكني زرت بعض المواقع, من أجل تحميل هذا الكتاب, فوجدت الملحوظة التالية باللغة الإنجليزية, "أزيل الكتاب نظراً لمحتواه", وهنا أعود للتذكير بأن المؤلف كان عميد كليتي اللغة العربية وأصول الدين, وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف.
ومثل هذا الكتاب, هناك كتب كثيرة في التفسير وغيره من الشؤون الدينية الإسلامية, تكاد تكون ممنوعة في بعض البلدان الإسلامية, رغم رصانتها العلمية, أو على الأقل مغيبة وغير متاحة للقارئ, بيد أن هذا التغييب يأتي من النفوذ الديني للجماعات المتشددة, والتي تؤثر حتى في قرارات وقوانين الحكومات, مثل منع بعض الكتب الدينية وغيرها, والتي تخالف آرائها من البيع في معارض الكتب.
وللمتتبع للكتاب الإسلاميين في الصحافة هذه الأيام, لا يجد مثلاً استشهادات بآراء الشيخ محمد عبده, وخاصة في موضوع شرعية الحجاب والنقاب, حيث قال أن "لا نص في الإسلام يوجب النقاب والحجاب (المجلدات-دار الشروق), أنما هي عادة اجتماعية عرضت عليهم من مخالطة الأمم فأخذوا فيها وبالغوا وألبسوها لباس الدين, كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء..وتغطية الوجه هي من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده" انتهى.
وواضح تماماً أنه صراع بين العلماء العقلانيين والمتشددين والأكثر تشدداً في الدين, كما هو حاصل دائماً, ففي النصف قرن الماضي وربما أبعد قليلاً, أصبح هناك نزوع أكثر نحو الانغلاق والغلو في الدين, واستبعاد كل ما هو عقلاني, وهناك حرب ضارية ضد مظاهر التسامح الديني والفرح وحتى البشاشة والابتسامة, والإخاء بين الشعوب والأديان.
فالكويتيين السنة الذين نزحوا من نجد وأرجاء الجزيرة العربية منذ مئات السنين كان معظمهم يتبع المذهب المالكي, وهو مذهب متسامح نسبياً, وأصبح هذا المذهب لاحقاً مذهب الدولة, لكن من نزح في بدايات القرن الماضي أو قبلها بقليل, كان كثير منهم يتبع المذهب الحنبلي, وهو مذهب الشيخ محمد عبد الوهاب, والذي يعتبر مذهباً متشدداً كما هو معروف, يرى أنه الأصح بالاتباع, وانتشر هذا الاتجاه المتشدد في الدول الإسلامية لظروف تاريخية موضوعية وذاتية معينة.
لكن عند قراءة متأنية للتاريخ الإسلامي, نجد أن هذا التشدد ليس أبدياً, ولن يكتب له النجاح كنمط حياة للمسلمين, بل هو حقبة تمر على الأمة الإسلامية, مثلما مرت من قبل, ثم يعود الإنسان إلى فطرته وطبيعته, فدماغ البشر موجود, والعقل في إتساع بسبب تراكم المعرفة, وما التناحر بين الفرق الإسلامية, الدامي أحياناً, وما الخسارة التي يمنى بها الغلو في كل يوم, إلا دليلاً على رسوخ أصل الأديان وتعاليمها الإنسانية والأخلاقية في ضمائر البشر.

No comments: