Sunday, April 18, 2010

مرروه




سينشر هذا المقال بعد جلسة مجلس الأمة يوم 15 أبريل المخصصة لمناقشة قانون الخصخصة, ولكني كما توقعت مسبقاً بأن هذا القانون مر في مداولته الأولى على الأقل, مع بعض تسجيل المواقف من قبل الأعضاء, الذين وافقوا فوراً على خطة التنمية, تقريباً دون مناقشة, وبالتالي موافقتهم ضمناً على قانون الخصخصة.
ويبدو جلياً أن هناك تغييب متعمد, لخطة ابتلاع مقدرات البلد من قبل القطاع الخاص, إذ تشير الأنباء عن النية لخصخصة قطاع النفط, وهو شريان الحياة بالنسبة للكويت والكويتيين, وهو مخالفة صريحة للدستور, وبذا تتضح نوايا طلب تنقيح الدستور مسبقاً, من بعض النواب.
إن ما يراه البعض تطويراً للخدمات, وقضاءً على الفساد, نراه كارثة قد تحل بمستقبل الأجيال القادمة, وإنتهاءً لعصر دولة الرعاية الاجتماعية, التي حظي خلالها المواطن الكويتي, بحياة كريمة.
هذا المستقبل المظلم, في حال تم اقرار قانون الخصخصة, سينذر ببطالة غير مسبوقة في تاريخ الكويت, وبانخفاض لمستوى معيشة المواطن, وبإلغاء كل حقوقه ومكتسباته في الرعاية الصحية والتعليمية, وحقه بالعمل, هذا إذا لم تصادر حرياته, فنغدو إحدى البلدان التي لا يطيب العيش بها.
فقط يكفي أن نراجع نتائج خصخصة مصنع الملح والكلورين الصغير, في عام 2000, والذي كان يتبع صناعة الكيماويات البترولية, والتي تم على اثرها طرد كل العاملين الكويتيين, والذين كان يبلغ عددهم ألفي مئة وعشرين موظفاً وعاملاً, هذا فقط جراء تخصيص مصنع واحد, من القطاع النفطي وملحقاته, فلنقس هذا على مجمل القطاع, وهو الوليمة الكبرى المنتظرة من القطاع الخاص.
هذا الشريان الذي كان سبباً في نهضة الكويت, وتحديثها, سينزف حتى موت الأرض والإنسان, وسيتخم القلة, ويفقر الأكثرية, خاصة في ظل كونه المصدر الوحيد للدخل, فلا توجد مصادر متعددة ومتنوعة للدخل في بلادنا, وإن وجدت في ظل هذه السياسة, فسيجري تخصيصها, فكل شيء لهم, ولا شيء لنا.
ولكن ألا نلاحظ أن هناك علاقة وثيقة, بين الأزمة الاقتصادية العالمية, وبين اتجاه الدول للتخصيص؟ فكثير من الدول اتجهت أو دفعت لبيع القطاع العام, للقطاع الخاص, وهو ما شكل صعوبات معيشية لمواطنيها, ودفعتهم في بعض الدول إلى الخروج إلى الشوارع, مثل اليونان وكوريا وتايلند, وهو ما لا نتمناه لدينا.
حتى إيران التي تطرح نفسها, بصفتها مستقلة عن السوق الرأسمالي, وتنتهج الاقتصاد الإسلامي, أعلنت قبل أيام عن الاتجاه لتخصيص خمسمائة شركة خلال العام 2010, بما فيها مصافي النفط وشركات كبرى مملوكة للدولة, لنتبين أن الأزمة لم تستثني أحداً, وأن معاناة الإنسان ستكون مشتركة, وإن مستقبل البشرية والبيئة على كف عفريت.
قبل فترة كشفت المصادر, تلاعب الشركات الدوائية الكبرى, وخضوع منظمة الصحة العالمية لهذه الشركات, فاليوم من يحكم العالم, هو المجمعات الصناعية الكبرى, مثل مصانع السلاح, ومصانع الدواء, والتخصيص هو من أجل إنقاذ مثل هذه الشركات, على المستوى المحلي, وبالتالي على المستوى العالمي, وبذلك يتم تركز وتمركز رأس المال, مما يعني إفلاس الشركات الصغيرة, وتحميل المواطنين والشعوب, أعباء هذه الأزمة.
ويبدو أن عين الشركات الخاصة, تتجه لتخصيص القطاع التعاوني, وهو ملكية حقيقية للشعب, لا ينازعه أحد فيه, وهو خطوة تراجعية كبيرة عن مكتسبات الشعب الكويتي, وفلنتخيل أن القطاع الخاص استولى على الجمعيات التعاونية, فكيف ستكون اسعار السلع؟ وماذا سيكون مصير المواد الغذائية المدعومة؟
لا أعلم إلى أين ستتجه عملية التخصيص, هل ستطال مجالات مهمة مثل الثقافة؟ هل سيتم تخصيص الإبداع, بعد تخصيص التعليم والصحة والقطاعات النفطية؟ لكن ما أعلمه في حال تمرير هذا القانون, سنكون مرهونين جميعاً للشركات, التي سوف تتحكم حتى في أحلامنا وأمالنا.

No comments: