سيذكر تاريخ الدفاع عن الحريات في الكويت, قرار وزير الإعلام رقم 6 لسنة 2008م, والذي نشر مؤخراً بالجريدة الرسمية, بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 61 لسنة 2007م, بشأن الإعلام المرئي والمسموع.
ورغم يقيني بأن هذه اللائحة لن يعمل بها, ولن تستمر إن عمل بها, إلا أن مجرد التفكير بها وصدورها يعتبر إهانة لعقول الشعب الكويتي, والمؤسسات ومحطات التلفزيون المنتجة, وتضييقاً لا يتناسب مع مكانة الكويت التي تفخر بحرياتها منذ عقود.
وبرأيي أنه من المستحيل العمل بهذه اللائحة لعدة أسباب, أولاً هي ضد الدستور والقانون, ثانياً ضد المنطق وآلية العمل التلفزيوني والإذاعي, وثالثاً كيف يمكن تطبيق العقوبات التي وردت بالقانون على أعمال راقبتها وأجازتها الحكومة؟ وكيف يمكن مراقبة برامج البث المباشر أو الأخبار؟
ورغم أن القانون الذي صدر في العام الماضي, نص على الرقابة اللاحقة, لكن لائحة الوزير جاءت مخالفة ونصت على الرقابة المسبقة, كما جاء فيها:"لا يجوز لمنشآت الإنتاج الفني بغير إجازة مسبقة من وزارة الإعلام, بأي عمل من الأعمال الآتية والمتعلقة بالمصنفات المرئية والمسموعة, لناحية تصويرها أو تسجيلها, أو نسخها أو تحويلها بقصد الاستغلال وعرضها أو بثها أو إذاعتها في مكان عام, وتوزيعها أو تأجيرها أو تداولها أو بيعها أو عرضها للبيع".(انتهى الاقتباس).
والمثير للسخرية أن الرقابة المسبقة شملت حتى مواقع التسجيل, ولا نعلم ما أهمية مواقع التسجيل لوزارة الإعلام, وكيف سيتم إجازتها هل بخروج الرقيب إلى المواقع؟ وهذا بالتأكيد سيستنزف الكثير من الوقت والجهد, وحتى الرقابة المسبقة ستعني تعطيلاً للبرامج والأعمال الدرامية, وتأخيراً ليس في صالح المحطات والمشاهدين.
إن مجرد التفكير بهذا التوجه, هو بذاته ضد التوجه لتحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي عالمي, فأي مستثمر لن يثق بدولة لا تحترم الحريات, وتمارس التعسف الرقابي, إذ ما الذي يضمن ألا ينسحب ذلك على القوانين التجارية والاقتصادية, فالتجارب تبين أن المستثمرين يبحثون عن البيئات التي فيها مساحات من الحرية, فيها تسهيلات وليس تعقيدات.
وفي ظني أن من اقترح أو صاغ هذه اللائحة, أما أنه لا يعرف الشعب الكويتي الذي لن يرضى إطلاقاً بتقييد حرياته, أو أنه يتعمد أن يجعل المؤسسات الإعلامية الخاصة متخلفة كتلفزيون الكويت, أو أنه غير متابع لما يحدث في العالم من تسابق على حرية التعبير, وسرعة الإنجاز الإعلامي والفني.
ولا نعرف إلى أين تريد أن تصل بنا هذه الوزارة, فبالأمس القريب منعت البرامج الحوارية, واليوم تفرض رقابة مسبقة على المرئي والمسموع, بل لا نعرف لصالح من تسن هذه القرارات واللوائح, من المستفيد منها إذا لم يكن الشعب الكويتي ودولة الكويت التي اعتمدت سمعتها في الماضي وفخرها على مساحات الحرية الممنوحة للمواطنين والفنانين والأدباء والمفكرين.
وكل ما نرجوه إلا يكون ذلك توجه حكومي لتكميم الأفواه, وفرض قيود على حريات المواطن, فأي توجه من هذا القبيل, لن يتسق مع الرغبة الأميرية السامية بالتنمية والتطور ومواكبة العصر, التي طال انتظار المواطن لها لأكثر من ثلاثين عاماً, وخشيتنا من أن يكون ذلك توجهاً حكومياً له ما يبرره, فوزارة المواصلات تريد مراقبة المدونات الإلكترونية والمواقع الشخصية للمواطنين, وهو بلا شك يعد انقلاباً على منجزات الكويت في مجال الحريات, ومشروعاً استفزازياً يؤدي إلى احتقان سياسي, وسخط شعبي.
قلنا من قبل, أن لا تقدم بلا حرية ولا احترام لحقوق الإنسان الكويتي الأساسية, وخاصة حرية التعبير التي لم يفقدها حتى في أحلك الظروف التي مرت بالبلاد.
ونرجو أن لا تطول فترة مراجعة القرار, وخاصة أنه من غير الواقعي تطبيقه, بل نقول من المستحيل.
2 comments:
استاذي الكريم
هل سيطول الانتظار ؟؟
اتمنى المرور على مدونتي
تحية لك
حمد
منطق التاريخ يقول
أنه من المستحيل أن يكون الانتظار أبدي
Post a Comment