Saturday, February 23, 2008

الموسيقى والسياسة




خرجت رابطة الأدباء بفكرة جميلة لأنشطتها الثقافية, فقد خصصت شهور الموسم الثقافي لأنشطة نوعية محددة أو ضمن محاور, كشهر الأدب العربي وشهر الموسيقى, وشهر للفن التشكيلي وهكذا, وقيمة الفكرة ليست بالتنوع والابتكار فقط, ولكنها مهمة للمهتمين بالمجالات الفنية والأدبية المحددة, ومهمة كذلك للباحثين والدارسين, إذ ستتجمع مادة لا بأس بها يستطيع الباحث أو المتابع الاستفادة منها, بينما كانت الأنشطة سابقاً ترصد بتنوع عشوائي, وأظن أنها فكرة موفقة تعطي زخماً لنشاط الرابطة الثقافي.
ومحور هذا الشهر هو الموسيقى, حيث أقامت الرابطة حتى كتابة هذا المقال محاضرتين حول الموسيقى, الأولى والتي كان بودي حضورها كانت بعنوان "الموسيقى والسياسة", والتي أقيمت بتاريخ 6 فبراير الجاري, ألقاها الدكتور يوسف الرشيد, والثانية بعنوان "نوادر التراث الموسيقي بين الفرد والمؤسسة" قدمها الباحث يوسف السريع بتاريخ 13 فبراير.
حاولت متابعة المحاضرة الأولى في تغطيات الصحف اليومية, ولكنها كانت تغطيات مختصرة, لم توضح من خلالها العلاقة بين الموسيقى والسياسة, وهذا ما كنت أبحث عنه, بل ركزت على البعد التاريخي للموسيقى, وقد يكون التركيز من الباحث نفسه, فتحدثت التغطيات عن الموسيقى في العصور العباسية والمماليك, ودور محمد على في مصر..الخ
والواقع أن هناك صلة وثيقة بين الموسيقى والسياسة, بل بين كل الآداب والفنون والسياسة, فإضافة إلى أنها تعكس التطور الحضاري للشعوب وطرق تعبيرها الفني, تعكس في نفس الوقت رأي المجتمعات ومواقفها من الأحداث السياسية, كما تعكس الطبيعة والبيئة والعلاقات الإنسانية, ومدى وعي وثقافة هذه الشعوب, وتعكس أيضاً الانحطاط الثقافي والسياسي والاجتماعي, فتؤلف الأغاني التافهة والموسيقى الضحلة.
ومن المعروف أن بتهوفن كتب سيمفونية رائعة تحت اسم "الإمبراطور" Emperor, ورائعته الثانية Pathetic أو "المثير للشفقة", تعكسان رأيه في نابليون بونابرت حيث كان من أشد المعجبين به, لكنه بعدما رأى أفعاله وجنوده في فينا غير رأيه وكتب هاتين الرائعتين, اللتين ظلتا في ضمير التاريخ, ومعظم الموسيقيين الكلاسيكيين كتبوا لبلادهم وعنها سيمفونيات رائعة.
والمعروف أن الأناشيد الوطنية لمختلف دول العالم, لها قصص نضالية أو ذكريات ومكانة في قلوب الشعوب, ومن أشهر الأناشيد الوطنية النشيد الفرنسي La Marseillaise, الذي كان نشيد الحرب لجيش الراين كتب عام 1792م, ثم اعتمد كنشيد وطني عام 1795م بعد الثورة الفرنسية وسقوط الباستيل, وكذلك النشيد الوطني الأمريكي "العلم ذو النجوم المتلألئة", الذي كتب عام 1814م عن حرب 1812م ضد المملكة المتحدة, وكذلك نشيد "الأممية" للثورة البولشفية ونشيد الجيش الأحمر في الاتحاد السوفييتي سابقاً, وحتى النشيد الوطني الإسرائيلي "هتيكفا" (الأمل), كتب ليمجد الصهيونية التي تبحث عن وطن, وهذا ينطبق على كل الشعوب تقريباً, وأحياناً تؤلف الشعوب أناشيد وطنية لها تختلف عن النشيد الوطني الرسمي, خاصة في الدول الدكتاتورية التي تتشكل بها جبهات معارضة.
كانت الفنون والآداب قديماً تعبر عن الملوك والطبقات العليا في المجتمعات, لكن كانت هناك موسيقى وأغاني وأهازيج شعبية, تعبر عن الشعوب ومواقفها ومعاناتها, ونذكر أن فنان الشعب سيد درويش كتب رائعته الخالدة "بلادي بلادي", والتي كانت تعبر عن موقف الشعب المصري من زعيمها سعد زغلول, مثلما كتب "سالمة يا سلامة" عند عودة زغلول من المنفى, إضافة إلى الأغاني الوطنية الأخرى مثل "وطني الأكبر" و"الله أكبر" التي كتبت بعد ثورة 23 يوليو, وكذلك أغاني الانتقاد السياسي التي غناها الشيخ إمام.
في الكويت هناك أمثلة كثيرة عن علاقة الموسيقى بالسياسة, وأغلبها أغاني وطنية, أغنية عوض الدوخي "الفجر نور يا سلام" التي عبرت عن فرحة الشعب الكويتي بالاستقلال, والتي كان يستمع إليها رائد النهضة والاستقلال الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم بشكل يومي, وكذلك الأغنية التي غنتها أم كلثوم بنفس المناسبة "يا دارنا يا دار" وأغنية شادي الخليج "بلادي أتيت إليك أهني", كما ظهرت الحاجة إلى أغاني ترصد صفوف الكويتيين ضد هجمة عبد الكريم قاسم, مثل أغنية "آن أن نحمي الحمى والوطن" و"علم الكويت سلمت خفاق البنود", و"رفرف يا علم بلادي" لسعود الراشد, والجدير بالذكر أن أغنية آن أن نحمي الحمى, ظلت تذاع من خارج الكويت أثناء الاحتلال وكانت ترفع معنويات الصامدين في الداخل, وخاصة أنها ظلت موسيقى الأخبار لفترة طويلة منذ ستينيات القرن الماضي, قبل محاولات طمس التاريخ المشرق للإذاعة والتلفزيون, وقبل أن يطالب بعض أعضاء مجلس الأمة بالقبض على الورد لأنه يدعو إلى الفساد والتفسخ.
إن موضوع علاقة الموسيقى بالسياسة, موضوع عميق وذو أبعاد متشعبة, تاريخية ووطنية ونفسية أيضاً, ويستطيع الباحث أن يكتب فيه أبحاثاً كثيرة وطويلة, لكنه بالتأكيد موضوع هام وحيوي وممتع في نفس الوقت.

3 comments:

sologa-bologa said...

ملاحظة بسيطة على الأغنية الوطنية الكويتية

كانت الأغنية للوطن لكنها تحولت
إلى أغاني لأشخاص
وشتان ما بين الاثنين

أغنية الوطن باقية ببقاء الوطن
وأغنية الأشخاص باقية ببقاء الأشخاص
أي اذا مات الانسان انتهت الأغنية
التي تغنت باسمه
والدلائل كثيرة


في أغنية جميلة لسيد درويش
كانت استفزازية
يقول جزء من كلماتها

عشان ما نعلا نعلا نعلا
لازم نطاطي نطاطي نطاطي

وشكرا

Hamad Alderbas said...

وهو كذلك

القراءة في هذا المجال شيقة كهذه المقدمة التي تمنيتها ان لا تنتهي

تحية لك ..

وليد الرجيب said...

سلوقه بلوقه
صحيح تماما أن هناك الكثير من الأغاني التي تمجد الأشخاص وتدعو إلى عبادة الفرد دون مسوغ
وان الأغنية الوطنية يجب ان تكون للوطن, لكن الوطن أيضا بأبنائه وليس بترابه وطبيعته فقط, على شرط أن يكون هؤلاء الرجال أو النساء أبناء الشعب حقيقة وليس نفاقا او مجاملة
وبالنسبة إلى أغنية سيد درويش فحسب ما يعرف كثير من الناس أنها ساخرة وتقول في معناها إذا أردنا أن نعلو يجب أن ننافق ونتملق
مع حياتي وشكرا للمعلومات

حمد
بالتأكيد الوطن ليس أحدثا سياسيا فقط
فالأحداث السياسية هي انعكاس لثقافة المجتمع تعبير عن تقدمه أو انحطاطه
والفن والثقافة تعكسان حالات المجتمع وموقع على خارطة التاريخ
شكرا