Tuesday, May 20, 2008

انتباه




كل الدول استفادت من عثراتها ومن دروس الماضي, ما عدا الدول العربية, تظل في كل مرة تقع في نفس الحفرة, ولا أعلم ما الذي ينقص دولنا, أهو الثروة؟ أم العنصر البشري؟ أم العقل؟ لا أدري في الواقع.
تعرض لبنان العزيز في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي, إلى حرب طاحنة راح ضحيتها العديد من أبناء الشعب اللبناني, وهجر منه العديد, ودمرت مؤسساته وبنيته التحتية, وخلفت الحرب جروحاً وندوباً في النفوس.
كان ضعف كيان الدولة, والتراخي في فرض هيبة القانون, هما أهم الأسباب للانفلات الأمني, وكذلك التشرذم الديني والطائفي, والقتل على الهوية, كما كان النفوذ الخارجي يلعب دوره خفية وجهاراً, للسيطرة الإقليمية, ممدداً جذوره عبر الموالين له في الداخل اللبناني.
وبعد اتفاق الطائف, ومجيء رجل البناء والتعمير, الرئيس رفيق الحريري, ساد السلام في لبنان, وأعيد بناء كل المؤسسات, لكن هذه السعادة اللبنانية لم تعجب قوى التخلف والسيطرة, فقتلوه.
وحزب الله الذي كبر ونما, واحتضن على أنه جزء هام من المقاومة اللبنانية, ضد العدو الصهيوني, وجه في الأيام القليلة الماضية سلاح المقاومة إلى صدور اللبنانيين, إلى أخوته وأبناء بلده, ناسفاً بذلك كل الأوهام عن بطولاته, ففي معركة 2006 مع إسرائيل, نظرنا بتشكك إلى المبالغة في افتعال الحرب, وشعرنا وكأن ذلك مخطط تمهيدي لأمر آخر, رغم الانقسام الذي أحدثه هذا السلوك عند شعوبنا, وارتفاع نبرة التعصب الطائفي, ورغم أن السيد حسن نصر الله, قد اعتذر ضمناً عما ألحقه سلوكه في الشعب اللبناني ومؤسساته, إلا أن التعصب أعمى العيون وسد الآذان.
وها هو اليوم يقدم أفضل خدمة لإسرائيل, بقتله أبناء شعبه, وتدمير المؤسسات الإعلامية التي تخالف رأيه, محاولاً جر لبنان الحر إلى العصور الماضية, إلى الغلو, إلى الدولة الشمولية, ويجعل منارة الثقافة والتحضر في الأمة العربية, بلداً للخوف والتخلف والدمار, فأي مقاومة هذه؟! لكن للأسف سترتفع أصوات مؤيدة, فقط لأنه طائفي بجدارة, بيد أن نظرة أكثر وضوحاً تبين أنه تحالف مع ميشيل عون المسيحي, الذي فقد شعبيته بأفعاله, فهل هي طائفية أم سياسية؟ هل هي لخدمة لبنان أم خدمة لمن؟ فعندما تشتعل الفتنة, لا تتوقف حتى يأكل أوارها الأخضر واليابس.
ومن هنا جاء عنوان هذا المقال, "انتباه", ففقدان الدولة لسيطرتها وهيبتها له أثمان باهظة, وعندما يستبدل الولاء للدولة باعتبارها وطن الجميع, بالولاء للقبيلة والطائفة, فهذا ينذر بالخطر على البلد, وإذا أضفنا إلى هذا إلى عنصر انتشار السلاح بأيدي الرعونة والتعصب, فالخطر أكبر.
هناك توأمة بين الكويت ولبنان, فروح الانفتاح والتحضر, والانحياز للثقافة, تميز الشخصيتين الكويتية واللبنانية, والدولتان ميناءان هامان, ونافذتان على الثقافات الأخرى, كما أنهما مستهدفان في مشروعاتهما الحضارية والثقافية, ويشكلان مشكلة وفضيحة للأنظمة الأخرى, بتبنيهما نهج الديمقراطية والعيش المشترك.
إن المؤسسات المدنية, والقانون والقضاء, هي أسس الدول الحديثة والقوية, التي تسعى إلى التقدم والتنمية, والتي تحتوي الشعب بكل انتماءاته وطوائفه وأديانه, ضمن نسيج اجتماعي واحد, وتجرم الخروج على وحدة هذا النسيج.
تابعت عبر الصحف ووسائل الإعلام الأخرى, بعض ما يثار في الحملات الانتخابية, وشممت رائحة العنصرية والنعرات, تنبعث من مفردات بعض المرشحين, وهذا يشي بخطر يجب الانتباه له, فتجاربنا وتجارب أشقائنا في لبنان دروساً يجب التعلم منها قبل فوات الأوان.

No comments: