Saturday, April 11, 2009

نزيف وطن



ما بال هذا الوطن, وهو ينزف منذ عام 1990م, ولم يتوقف نزيفه, ولم تلتئم جروحه, جرح غائر سببه الغزاة, وجرح آخر يسببه له أبناءه, حتى غدا وطناً حزيناً, مثخناً بجراح الأقربين, أكثر من جراح البعيدين.
كل جرح فيه يحمل سراً تاريخياً, سر يشي بالمؤامرة وبمحاولة وأد الوطن, يشي بتكالب الذئاب التي اجتذبتها رائحة دم الجرح, تكالبت الذئاب بعقوق وصفاقة, تلعق الدم من أفواه بعضها بشراسة وشراهة, دون أن تلتفت إلى أنات وعويل أمنا الكويت.
كل جرح في خاصرة البلد, شقته مخالب العقوق, وولغت فيه أنياب التخلف والتفاهة, بعدما نشفوا ضرعها, امتصوا دمها كقراد الجمال, ثم لاموها على فقر الدم.
رأيت في التاريخ خياماً وعششاً تتحول إلى مبان وقصور ومساجد, رأيت مدناً تتدمر, ولم أرى قصوراً ومساجد تتحول إلى خيام وعشش, رأيت مجتمعات تتقدم مع ارتفاع قيمها, وتنحط مع انحطاط القيم, رأيت أن عصور التنوير تلحق عصور الظلام, ولم أرى عصر ظلام يلي عصر تنوير, لأن التاريخ لا يشبه الكرة الأرضية, بل هو ممتد إلى أمام, كالأنهار المتعرجة التي تسعى إلى هدفها.
رأيت صحاري تخضر وتونع, ولم أرى غابات تقتلع بحجة حجبها للشمس, ففي زمن الانحطاط الأخلاقي يودع الأبناء أمهم دار العجزة, بحجة عدم أهليتها لإدارة أموالها, ويستبدل الناس مبادئ الدولة بمبادئ أقل, ويصبح الصراخ والزعيق, بديلاً عن المنطق والحوار, وتصبح العادة أقوى من القانون.
في زمن الانحطاط الأخلاقي, "تموت الأسد في الغابات جوعاً, ولحم الضأن تأكله الكلاب", وتستأسد الفئران, ويشد اللجام على النمور, ويصلب الأوفياء لأمهم, وينبذون لأنهم يستحرمون دمها, ويكمم أفواه البررة, وتكافأ الهمجية بالميكروفونات والمناقصات, وبسيول من التنازلات.
في زمن الانحطاط الأخلاقي, يشح المطر فيتزايد الجفاف والغبر, وتغدو البساتين والزهور, صحاري جرداء إلا من شوك وسحالي وثعبان أصفر, يلتف على أعشاش الصقور والنسور, يلتهم صغارها, لا يبقي ولا يذر.
في زمن الانحطاط الأخلاقي, تصبح مساجد الصفيح وكراً للمؤامرة, وللمؤامرة أجندات, وقوائم تضم كل أبناء السندباد, وأحفاده المحاصرين بعواصف الغبار, والمهددين بإرهاب المجزرة, والمسربلين بالأصفاد, إلى أخمص العقل والفؤاد.
والأم تستصرخ أبناءها, ألم يأتي أوان رد الجميل, أوان حرق الفتيل وإنارة القلب والنظر, أوان هدم أسوار البحر, أين السواعد السمر التي أعرفها؟ أين الجباه الغاضبة, التي طعنت خاصرة الغدر بصمودها؟ أين القلوب التي حملتني في جوفها؟ وزرعت على صدري الذي يمتد من الشمال إلى الجنوب, ومن الخليج إلى الغرب, الحب والعهود والنذور.
ويرتد الصدى, " يا واهب المحار والردى", وكأنه تاريخ دفين تحت كثبان الصحراء, وكأن المراكب والأبوام إنكفأت على أجنابها, وكأن شارعي "التيل والجهرا", انطمرا تحت الركام كمدينة أتلانتس الأسطورية.
الجرح غائر نازف, والوجه ضامر شاحب, والدموع جافة, والطبل مثقوب, والصارية مكسورة, وحنجرة "الهولو" مبحوحة, يأتي صوتها من زمن آخر, غير زمن الانحطاط, وفجأة تسمع صوت شاب يقول:
- "يما خطاك السو
عسى يخطي ولا يجيك
يما ترى حنا عيالك
بحزة الحزات نفديك".



6 comments:

Nikon 8 said...

سعدت جدا بمعرفة مدونتك
:)
عرفت ذلك من الزميل مطقوق
أحببت روايتك موستيك
ولي عودة بالتعليقات على بوستاتك
:))

Deema said...

سلالة السندباد؟

أهذه التي كانت قبل أن تلقى صخور و تبنى حوائط تصد البحر؟

http://deemaland.blogspot.com/2009/03/blog-post_27.html

ليته يعود

وليد الرجيب said...

nikon 8
شكرا لمورورك الرائق
شكرا كذلك على رأيك واشادتك بموستيك
وأظن أن الرواية الجديدة اليوم التالي لأمس ستعجبك أكثر
وبانتظار تعليقاتك

وليد الرجيب said...

deema
أليس من المؤسف أن يحرم ابناء السندباد من الابحار
ويسمح للقراصنة بالاستحواذ على الخليج؟

شكرا لمرورك وتعليقك

fastfooder said...

معجب بقلمك

وليد الرجيب said...

fastfooder

شكرا لمرورك ورأيك
مررت على مدونتك
جميلة تستحق المتابعة
ابقى بخير
وعلى تواصل