Sunday, June 7, 2009

الظلم التاريخي 2 من 2 نساء ولسن حريم



في المقال السابق, تحدثت عن الأصل التاريخي لظلم المرأة, والذي ظل إرثه الاجتماعي حتى يومنا هذا, بتصديق المرأة لدورها الدوني, واستسلامها لتعسف الرجل واستغلاله لها, حتى بدا الأمر وكأنه جزء لا يتجزأ من تركيبتها البيولوجية, بما فيها تركيب الدماغ, والمعروف في علم البيولوجيا, أن المكتسب لعصور طويلة يصبح وكأنه جزء من الجينات, أو التطور البيولوجي, مثل الأجزاء العضوية غير المستخدمة, فإنها تضمر وتنتهي وظيفتها.
رغم وجود شواهد تاريخية, على عكس ذلك, فمثلاً عبر التاريخ كان هناك نساء يتملكن الأراضي والثروات, واستطعن إخضاع الرجل, أو على الأقل لم يستطع الرجل استغلالهن, لكن السمة الغالبة كانت ما ورثته المرأة اجتماعياً من مكانة متدنية في نظر الرجل.
ورغم تطور البشرية, وتقدم المجتمعات والعلوم, وحصول المرأة على بعض حقوقها الإنسانية المشروعة, إلا أن القوانين التي تقودها الأعراف والتقاليد في تلك المجتمعات, والدساتير لاحقاً, كلها ظلت تكبل المرأة بأغلال يصعب كسرها.
وهذه الأعراف عملت على تهيئة الأطفال منذ الصغر, على الأدوار التي اخترعها الرجل منذ عصور قديمة, لسيطرة الرجل على المرأة وعلى مقدرات المجتمع, ورسخت في ذهن الأطفال قواعد السلوك والقيم المختارة, في علاقة الرجل بالمرأة كمسلمات.
إذ فحتى وقت قريب كان البعض (ولا أدري إذا لم يزل) يقول الرجل عن زوجته "تكرم المرة" أو "كرمك الله المرة", وكأن المرأة شيء نجس وقذر ومحتقر, والنظر للمرأة بنجاسة جاءت من الكهنة اليهود, وربما قبلها, وكان العرب في الجاهلية يئدون البنات, لشعورهم بأنها عار, وكانت كل تضحيات الآلهة في الحضارات القديمة تتم بتقديم فتيات, وقليل منها قدم الرجل كقربان, إلا فيما عدا أسرى الحرب.
وحتى في عصرنا هذا, تغلبت العادة وتغلب العرف حتى على التعاليم الدينية, التي من المفترض أنها كرمت المرأة, فالمرأة في الإسلام حملت السيف وحاربت إلى جانب الرجل, وعلمت الرجال التعاليم الدينية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, وعملت وكسبت رغم أنها حملت عبأً زائداً هو عبء التربية والأعمال المنزلية.
وتأصلت هذه الأعراف وهذه التقاليد لدرجة, أن أحد أصدقائي قال لي أنه سعيد لفوز الحريم في الانتخابات, فقلت له انتهى عصر الحريم والجواري, قل نساء فمن العيب أن تصف زوجتك بالحرمة, وكذلك هناك الكثيرين ممن يدعون نصرة المرأة للحصول على حقوقها, لكنهم يعاملون زوجاتهم معاملة دونية, وبعضهم يخجل من الخروج معها علناً, ورغم أن دساتير العالم أنصفت المرأة, إلا أن الرجل تمسك بعادات العصور الماضية, ورفض إنصافها.
وما زالت المرأة في المجتمعات المتخلفة, تعاني من الظلم والجور, فما زالت تجارة الرقيق وبيع الفتيات, في البوسنة والصومال والعراق, وما زال تزويج الفتاة قسرياً في سن الطفولة, وما زال ختان البنات, وحتى بعض حالات الزواج تعتبر تحالفات مربحة, وحتى استغلال المرأة للانتحار وتفجير نفسها من أجل لقمة عيش أسرتها, أو الخلاص من واقعها المؤلم.
لكن المرأة ناضلت نضالاً دؤوباً من أجل نيل أبسط حقوقها المشروعة, وحصلت عليه, وما زالت تناضل بشجاعة وضراوة, إذهلت الرجل وأفقدته توازنه, فشن عليها حملات لا أخلاقية تتهمها بالفسق وتلفق لها تهماً تتسم بغياب الضمير والإنسانية, كل ذلك خوفاً من منافستها له, أو خروجها عن طوعه.
إن وصول المرأة الكويتية إلى البرلمان عن جدارة, كان بفضل نضالها الذي بدأ قبل خمسين عاماً, وكان واضحاً في مقاومتها الاحتلال والاستشهاد في سبيل الوطن, في الوقت الذي هرب فيه بعض الرجال, دون أن يكون هناك خطر محدق بهم.
وستظل المرأة الكويتية, تتعرض إلى محاولات الانتقاص من قدرها, وضرورة خضوعها للرجل, مرة بفرض الحجاب على نائبات البرلمان, وبما يسمى بالضوابض الشرعية, ومرة بمنعها من الاختلاط مع زميلها الرجل, وسيستخدم بعض الرجال كل إرث التخلف منذ العصور القديمة, لاستعادة السيطرة على نصف المجتمع, وعلى نصفه الآخر بالترهيب, وبتقييد حرياته.
لكن كما قلت مراراً, أنه من العبث إيقاف عجلة التاريخ, التي تسير للأمام دوماً, وإذا كان وعي الشعب الكويتي, قد أفرز اربع نساء في البرلمان, فإن الأمل أنه سيعيد الكويت إلى طريق التقدم والنماء, بتكاتف الرجل مع المرأة الأخت والبنت والزوجة والأم, مع ابنة الكويت التي لم تخيب الرجاء, لكن الطريق طويل, والنضال عسير.

2 comments: