Saturday, November 21, 2009

عندما شاخت المدينة




يصدف في كثير من الأحيان، أن أجلس أمام شاشة اللاب توب، ولا أعرف عماذا أكتب، رغم رغبتي بالكتابة، وأحياناً حاجتي لها، ولم اعرف حتى الآن كيف أحلل هذا الشعور، وهذا الموقف، وكأن هذه الحاجة للكتابة لم تترجم إلى كلمات في عقلي، ولكنها حتماً موجودة، وتحتاج أما إلى بحث أو تلقائية بالتعامل مع الصفحة البيضاء وأزرار الأحرف.
أنا موجود في بيروت، وهي تحوي غنى في الموضوعات، يرجع إلى غنى في الثقافة، لكني قررت أن أحتك بالناس العاديين، وأتداول معهم في شئون حياتهم اليومية، وقد كان أبرز ما لمست عند جميع اللبنانيين باختلاف طوائفهم وتوجهاتهم السياسية، هو الاستقرار النفسي بعد تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة الحريري الأبن، وهذا الاستقرار النفسي جعلهم يلتفتون إلى الأمور التي افتقدوها، مثل الحديث عن جمال مدينة بيروت، وقد أخذني سائق تاكسي محدود التعليم إلى نصب تذكاري عبارة عن كتب متراكمة على بعضها، وقال لي كلما مررت بهذا النصب أتذكر بيروت القديمة التي أعرفها، قبل أن يغزوها التخلف، كان السائق مسلماً، وقال سأريك مظهراً لم يكن يوجد في بيروت في سنوات الستينيات والسبعينيات، وبعد قليل أشار لي على إمرأة منقبة، يغطيها السواد إلى أخمص قدميها، ولأننا تحدثنا عن بيروت قبل ثلاثة عقود، سألني: هل كنت ترى هذا المظهر في الزمانات؟
وأكمل: لم أعد أعرف بيروت التي ألفتها، صمت متفكراً، وكلمت نفسي قائلاً بالفعل هذه مظاهر جديدة على مدينة النور، وتذكرت أنني قبل ثلاثة أسابيع كنت في القاهرة، ورأيت مظاهر جديدة على مدينة التنوير والأزهر الشريف، كان لباس الرجال لباساً على الطريقة الوهابية، أي دشداشة قصيرة ولحية طويلة، وكانت النساء يلبسن نقاباً وملابساً تشبه الملابس الأفغانية، وقد كان بالفعل مظهراً يدعو إلى الاستغراب والدهشة، كيف؟!! هل يعقل أن تتحول عاصمة التنوير العربي إلى الفكر الطالباني؟ والمظهر الموغل في اللا تحضر.
لكنني انتبهت إلى حقيقة مفادها أن جميع بلداننا التي خرجت بجدارة من قبضة الاستعمار، وقادت شعوبها إلى التحرر، والسير باتجاه المدنية، كل هذه البلدان ساد فيها التجهيل والتخلف، ولعب قادتها دوراً حاسماً في انكفائها، كما لعبت قوى التحرر الوطني لدينا دوراً متخاذلاً، وابتعدت عن آمال شعوبها في التقدم والسير على طرق التنمية.
هل نحكي عن مظاهر ضد المدنية؟ لنتكلم عن مساجد الصفيح بالكويت، لنتكلم عن فئة لا تؤمن بالدموقراطية، لكنها تستخدمها لتدمير المدنية والتحضر، لنتكلم عن السلوك المتخلف، وسرقة الشعب الكويتي ومحاولة تقييد حرياته باسم الدين، لنتكلم عن استهداف مشروع التحضر داخلياً وخارجياً.
هل شاخت مدينة بيروت؟ وهل شاخت الكويت؟ هل شاخت كلمة أمير الكويت الأسبق الشيخ عبدالله السالم؟ وهو يقود بلاده على خطوات العالم المتقدم، هل شاخت روح الشخصية الكويتية، روح البحار المنفتح على ثقافات العالم؟ بالتأكيد لا، لكني متيقن أن هناك مؤامرة على الشخصية الكويتية المتحضرة، مؤامرة تريد أن تنشر الفساد والتخلف، تريد امتصاص دم الكويتيين، وتريد حرمانه حتى من الموسيقى، وهي اللغة الأولية للبشرية.
الآن عرفت لم لم أعرف ماذا أكتب، أعرف جيداً أنني غاضب جداً على ما يحدث في بلدي، غاضب على سلب أبنائي وأحفادي حقهم بالفرح والسعادة، على أملهم ببناء وطن سعيد، غاضب على الجميع حكومة ومجلس وقوى وطنية، على سلبنا حقنا بالحرية والسعادة، على سلبنا فخرنا بكوننا شعب مميز، غاضب على التخلف والغباء والتفاهة، غاضب على عقود الفرص الضائعة.
السؤال الذي لم أجبه هو سؤال سائق التاكسي عندما قال، "وين الكويتيين اللي كنا نشوفهم بالزمانات"؟

1 comment:

مريضة ٌ بالوطن said...

لقد ولى زمن عبدالله السالم , والاولياء الصالحين , واتي زمن لا يشتهي حتى ابن اوى العيش فيه , كان الله في عوننا و ,, عونهم