Saturday, November 28, 2009

حروب التخلف العربي



في الستينيات, عندما كان تلفزيون الكويت بالأسود والأبيض, كان هناك برنامج فكاهي اجتماعي توعوي, بعنوان "عائلة بوجسوم", يعالج أحياناً بعض السلبيات في المجتمع ويلقي الضوء على بعض الظواهر السلبية, ومن هذه الظواهر التعصب في الرياضة, وفي احدى الحلقات وبعد مباراة مفترضة بين ناديي القادسية والعربي, يلتقي مرزوق سعيد لاعب العربي بالعصفور لاعب القادسية, وكان رويشد الابن الأصغر في العائلة يعتقد أن المباراة هي رياضة عدائية, ويعتقد أيضاً أنه حالما يلتقي هذان اللاعبان سيتعاركان ويتضاربان, بينما كان أخوه جسوم يحاول افهامه أن ما يحدث هو رياضة ودية, وبالفعل يقف اللاعبان ويتعانقان بعد المباراة, ويندهش رويشد من غبائه.
في تلك الفترة كانت هناك أغاني وبرامج عربية توعي جمهور المشجعين, التوعية الرياضية الصحيحة, مثل أغنية مها صبري "بين الأهلي والزمالك محتارة والله", وهذه التوعية العربية لشعوبها, كانت نزعة للتحضر والتقدم بعد التخلص من براثن الاستعمار, والتعصب المتخلف للرياضة, ففي أيام الجاهلية دارت حرب شعواء دامت أربعين عاماً بين قبيلتي عبس وذبيان, بسبب رياضة سباق خيل, بين حصان اسمه داحس وفرس اسمها الغبراء, وأرخت باسم "حرب داحس والغبراء", حرب راحت فيها كثير من النفوس, وسالت خلالها كثير من الدماء.
ولأني مقتنع تماماً, بأن هناك تراجعاً حضارياً عند الشعوب العربية, ومنذ ثلاثين عاماً تقريباً, لأسباب ناقشتها كثيراً, أفرز هذا التراجع الكثير من مظاهر وسلوك التخلف لديها, فكان من المنطقي عودة شريعة الغاب, والتعصب العرقي والطائفي والقبلي والديني, فمع التحضر يسمو الإنسان بسلوكه ويرقى, ومع التخلف ينحط سلوكه حتى يقترب من السلوك الحيواني.
توقف الأنظمة العربية عن مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية, وانشغالها وانحيازها لمشاريع النهب والفساد, أتاح الفرصة لسيادة أفكار وسلوكات الفساد والتخلف, مع تضافر عوامل أخرى, مما ترك أثراً على ثقافة المجتمعات العربية, فتوارت قيم مثل التضامن العربي والإخاء بين الشعوب العربية, وغيرها من قيم الوطنية الحقيقية النبيلة, وبرزت أفكار وسلوكات التعصب الجاهلي, كل ذلك في ظل غياب قوى المجتمعات الحية, والتي تركت فراغاً سياسياً, وأخلت الساحة لقوى التخلف.
فالجزائر, البلد الذي قدم مليون شهيد, اثناء مقاومته للاستعمار الفرنسي, وانتزع حريته بمساعدة الدول العربية ومنها الكويت, البلد الذي انطلق بعدها بمشاريع التنمية والتقدم, فرخ خلايا إرهابية أزهقت من أرواح مواطنيها, وأعادت الجزائر إلى ما قبل الثورة وما قبل الاستعمار, ومصر بلد التنوير ورأس حربة الدول العربية, والتي ساهمت بنهضة هذه الدول, ونهل الكثير من أبناء العرب من علمها, فرخت فئات تكفيرية إرهابية, متعطشة للدماء, حتى لم يعد الإنسان يتعرف على ملامح قاهرة المعز, وأرض المفكرين, والكويت التي كانت منارة للثقافة والتسامح الديني, وملجأ للمثقفين العرب الباحثين عن الحرية, فرخت فئات وأفكار وسلوكات غريبة على أهلها وتاريخها التنويري.
كل تلك الهشاشة الحضارية, كشفتها مباراة لكرة القدم بين مصر والجزائر, تحولت إلى حرب استخدمت فيها السكاكين والسواطير, ونقلاً عن طلبة كويتيين في القاهرة, أن فتيات جزائريات تعرضن لمحاولات اغتصاب, ومنع أساتذة الجامعات بما فيهم الخاصة في مصر, طلبة وطالبات من الجزائر دخول الامتحانات, أكرر من قبل أساتذة جامعة, وخرج مذيع مصري على فضائية يشتم بأقذع الألفاظ الجزائر والشعوب العربية, قائلاً:" احنا اللي علمنا الشعوب العربية ازاي تمشي وتاكل, واحنا مستعدين نبقى ولاد كلب نكذب ونلفق في سبيل مصر", وغيرها من ألفاظ لا يصدقها عقل, ولم يكن بعض الجزائريين أقل تخلفاً ووحشية, فإضافة إلى العنف ضد المصريين, قال أحدهم في سبيل الجزائر نحن على استعداد أن نصبح حيوانات, كل ذلك يمكن متابعته على اليوتيوب والإنترنت, وماذا عن موقف زعيمي الدولتين العربيتين؟ لقد كانا مؤيدين لسلوك المشجعين من الطرفين للأسف الشديد.
وفي الكويت بلد عبدالله السالم, بلد الدستور والدموقراطية, وتحت قبة أسمى صرح كويتي, تنحط لغة ممثلي الشعب إلى أدنى من السوقية, وتعلو الشتائم والألفاظ البذيئة, التي يخشى المواطن من أن يسمعها أبناؤه, كان انحطاطاً مخجلاً للإنسان والمواطن الكويتي, حري بأن يجعله غريباً في بلده.
لكن مع ذلك مازلنا نلوم الاستعمار والاستكبار والصهيونية, ونلوم الموسيقى والفلسفة والتفكير والتقدم العلميين, ونعزو تعاستنا لمؤامرات ضد الإسلام والعروبة.

2 comments:

مقاول بناء الكويت 99796914 said...

انا لا أعلم بالسياسة أكثر منك سيدي ولكن لماذا لا تؤمن بان هناك مؤامرة على الاسلام
لماذا أغلب السياسيين يكونون ملكيين أكثر من الملك
اذا الغرب نفسه يعلن بان الاسلام عدوة فلماذا لا تعترفون با هناك سياسة غربية للقضاء على الاسلام
المهم
تبقى وجهة نظرك
تحياتي

مريضة ٌ بالوطن said...

إن التخلف يسكن بين جلودنا ، وعظامِنا !!

والله أعلم لا يمكنك ولايمكنناأن نصلح الأعوجاج من على بكرة أبيه

فالجذور فيها خلل ، وهذا أمر جلي

نحن نعيش مرحلة (الإغماء الحضاري) الذي يتلوه الموت , إلا أن يتداركنا الله برحمته