Saturday, December 12, 2009

الرموز والقدسية



في البدء أود أثبت رأيي في أهمية حرية المعتقدات والأديان, كحق للبشر أجمعين, وأشير إلى أن منع المآذن في سويسرا بناء على استفتاء شعبي, يشوبه شيء من إقصاء الآخر, ورغم أنه قرار دموقراطي, اختلفت معه الدولة السويسرية نفسها, والقيادة الدينية المسيحية في العالم, والعديد من الهيئات والتجمعات المدافعة عن حرية ممارسة العقائد, إلا أن ذلك لا يمنع من اختلافنا معه.
وهذا ينطبق على الكويت وبعض الدول الإسلامية, التي تحجر على الديانات الأخرى حرية الممارسة الدينية, وحرمانها من بناء دور عبادتها, وحرمانها من الجنسية, وذلك بواسطة ممثلي الشعب من أعضاء مجلس الأمة, مناقضين بذلك نصوص الدستور التي تكفل حرية العبادة, ورغم أن الكويت والجماعات الإسلامية بنت العديد من المساجد, ومارست الدعوة للإسلام في كل دول العالم, دون اعتراض من هذه الدول, بل وبتسهيلات وامتيازات تكفل الأمان والطمأنينة للمسلمين في تلك الدول.
ولن أخوض كثيراً في موقف الشعوب الأوربية من الإسلام الحالي, والذي تمثله مجموعات أساءت إلى هذه الدول وقوانينها, وأساءت إلى الإسلام المتسامح نفسه, كما روعت شعوب أوروبا وأمريكا, بالقتل والإرهاب والتهديد والعداء السافر, وهذا ما سبب ما سمي بالإسلاموفوبيا, أو رهاب الإسلام, أو الخوف المرضي من الإسلام.
ولكني سأتوقف عند موضوع الدفاع الهستيري عن المآذن, وكأنها شيء قدسي, فالمئذنة رمز غير مقدس, ولم تكن في أصل الدين, ففي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, لم تكن هناك مآذن, بل بني سقف المسجد الأول من سعف النخيل المستند على دعامات خشبية, وكان بلال يعتلي سطح أحد المنازل ليرفع الآذان, ولكن مع اتساع رقعة المدينة, نشأت الحاجة إلى المآذن, ويذكر موقع وزارة الأوقاف الكويتية الإلكتروني, أن أول مئذنة بنيت في الإسلام, كان في عام 45 هجرية, بناها زياد بن ابيه عامل معاوية بن أبي سفيان على مصر.
وكانت أولى المآذن مربعة لأنها أقيمت فوق أنقاض أبراج معابد رومانية قديمة, بعد الفتوحات الإسلامية, ثم تحولت المآذن إلى أشكال جمالية في العمارة الإسلامية, اختلفت في أشكالها وأحجامها في العصور المختلفة, علماً أن المئذنة التي كانت أحياناً تسمى منارة في العصر الجاهلي, كان يعلق عليها سراج للاستلال على المدينة, وكانت عبارة عن أبراج فوق بعض البيوت.
وهذا ينطبق على القبب في المساجد, فلم تكن القبة من ضمن بناء المساجد الأولى, وأول قبة بنيت في الإسلام, هي قبة الصخرة في الحرم القدسي, بناها عبد الملك بن مروان عام 72 هجرية, ثم أصبحت من روائع فن العمارة الإسلامية, ولكنها كانت موجودة في العمارة اليونانية والرومانية وحضارة ما بين النهرين, فأسقف بيوت العراق كانت قبباً, وذلك لاعتبارات بيئية.
ولم تكن المآذن والقبب في أصل الدين الإسلامي, ولكنها وجدت قبله, كما أن تطور المدن الإسلامية واتساعها, تطلب أن يرفع الأذان من مكان عال, حتى يصل إلى أقصى مكان ممكن, كما لعبت القبب دوراً في إيصال صوت خطيب المسجد, وتردد صداه, خاصة بعدما كبرت المساجد, وقبل أن يكتشف المايكروفون, وهناك كنائس تحولت إلى مساجد, مثل مسجد أيا صوفيا باسطنبول, ومسجد في الأندلس تحول إلى كنيسة بعد احتلال اسبانيا.
نحن البشر من يضفى الأهمية على الرموز, فعلم البلاد عبارة عن قطعة قماش, ولكننا مستعدين للموت من أجلها, وعلم اسرائيل أيضاً قطعة قماش, ولكنه يثير فينا مشاعر سلبية.
وقد كانت للقبائل العربية رايات ترمز لها, ورغم أن اللون الأسود يرمز للحزن والموت عند الحضارات البشرية, إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم, اختاره لراية الجيوش الإسلامية, وأصبح رمزاً لها, وكما أن اللون الأبيض معروف عند الحضارات برمزه للفرح والعرس, فإن اللون الأحمر عند الصينيين هو رمز الفرح, كما أن الهلال ليس له علاقة بالإسلام, ولكن وضعته الدولة العثمانية كشعار ورمز لها, بل أنه أقدم كرمز عند الحضارات القديمة في الجزيرة العربية, أيضاً الصليب ليس له علاقة بالديانة المسيحية, واستخدم بعد المسيح بفترة طويلة, بيد أننا نرى كيف يستخدم كقوة للشفاء, وكقوة ضد الشر والشياطين.
نحن من يمنح القوة والدلالة للرموز, ولا تحمل هي قوة في ذاتها, ولا قدسية في وجودها في حياتنا, ولكن الغريب كلما فتحت هذا الموضوع مع أحد الأخوة, يتعامل معي وكأني أسأت إلى الإسلام, وبدأت بالتجديف
.

No comments: