Saturday, December 19, 2009

أعداء النور




كلما استبشرنا خيراً بصحوة الحكومة, واستنهاضها لنفسها, واستعادة هيبتها, كلما قابلتنا بالخذلان, وتركتنا لقمة سائغة للمتخلفين من أعداء النور والحرية, أعداء التقدم والتنمية.
فالشعب الكويتي الذي استبشر خيراً بمواجهة الحكومة, لاستجوابات استعراض العضلات, والانتقاص من هيبتها, سعياً إلى تدمير مكتسبات الشعب, وفرض دولة داخل دولة, وجد أن انتصار الحكومة لم يكن انتصاراً للشعب, وآماله باستعادة دولة المؤسسات المدنية, ولكنه كان انتصار هش وضعيف, فقط لتضمن عبره استمرارها, وتبييض وجهها, وكأنها تعمل لنفسها وليس من أجل شعب يتوق منذ عقود لاستعادة حريته وكرامته, التي سلبها أنصار التخلف.
إن العار الذي ارتكبته الحكومة, برضوخها لنواب الإسلام السياسي, ومنع مفكر من دخول الكويت, هو عار سيحمل وزره الشعب الكويتي, الذي اعتاد احتضان المفكرين, على اختلاف مشاربهم وآرائهم منذ أكثر من قرن, مثل محمود أمين العالم وفؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي, عار على كويت الثقافة والتنوير, التي قدمت للعرب مثالاً ليس له شبيه, في التسامح والدمقراطية, وإثراء الفكر العربي.
إن منع المفكر المصري نصر حامد أبو زيد من دخول الكويت, رغم أنه غير مدان قانونياً, وليس عليه تهمة أو قضية في الكويت, هو إجراء لا تمارسه إلا الدول الدكتاتورية المتخلفة, القامعة لحريات الفكر, وهو إجراء يفقد الشعب الثقة بإمكانية الحكومة وقدرتها على تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري.
أثبتت الحكومة بأنها تخاف من القلة المتخلفة, وأثبتت هذه القلة بأنها تخاف من الفكر المستنير, فهي لم تسعى في يوم من الأيام إلى مواجهة الأفكار بالأفكار, بل سعت دائماً إلى التكفير والإقصاء, لكل ما يخالف فكرها الظلامي.
ولدينا مثال آخر في الأمس القريب, عندما طالبت مجموعة من المشايخ, وسائل الإعلام بمنع نشر فتوى رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة, والتي أجاز فيها الاختلاط, ولم تسعى إلى مقارعة الحجة بالحجة, فهذه الفئة لا تعرف معنى الحوار والنقاش, بل ليس لديها أية قدرات فكرية.
الإسلام السياسي الذي أختطف الكويت, وأطفأ نورها الثقافي والعلمي والحضاري, لن يكتفي ولن يتوقف عن عدائه للحرية والتقدم, حتى تتحقق له دولته الإسلامية, ويفرض أجندته على المجتمع بأسره, على الكويت حكومة وشعباً.
ماذا تبقى من الكويت, ومن عزتها وكرامتها؟ إذا كانت فئة قليلة متخلفة, تستطيع منع الشعب من القراءة والإبداع, إذا كانت تستطيع جرجرة الأدباء والمفكرين إلى المحاكم, إذا كانت تستطيع فرض أفكارها الإرهابية على أطفالنا, ومن خلال مناهج التربية والتعليم, إذا كانت تستطيع إعاقة التنمية وإهدار ثروة البلاد, إذا كانت تنتهك الدستور كل يوم باسم الدستور.
استطاعت هذه الفئة المتخلفة, إدخال عشرات الإرهابيين ومثيري الفتن إلى الكويت, دون أن تحرك الحكومة ساكناً, استطاعت تصدير الإرهابيين, لقتل المسلمين والعرب, في أفغانستان والعراق وغيرها من البلدان, واستطاعت تكوين ثروات لدعم القتل والدمار, من خلال مؤسسات وبنوك وجمعيات, كثير منها غير قانوني, استطاعت إيصال نواب للأمة بطرق غير قانونية, وتهدد أكبر رأس في السلطة التنفيذية, دون رادع من حكومة يتطلع إليها الشعب لانصافه.
هل تريد الحكومة كسب أصوات المشاغبين, وأصحاب الأصوات العالية, على حساب شعبيتها؟ هل تفضل رضاء فئة متخلفة على رضاء الشعب الكويتي عنها؟ هل تفضل الحكومة تلطيخ اسم الكويت, واعتبارها حاضنة للتخلف, ومحاربة للحرية والفكر والثقافة؟ هل تريد إلغاء تاريخ الكويت الذي قدمت خلاله أهم المطبوعات الثقافية والفكرية العربية, وقدمت خلاله أرقى المسرحيات والفنون والآداب, هل تريد إلغاء سمة الكويت المدافعة عن الحريات؟ والتي جعلت شعوب العالم تقف معها في محنة الغزو؟
أظن أن الحكومة تقرأ الشعب الكويتي قراءة خاطئة, وتبالغ في تقدير فئة قليلة, أظن أن الحكومة غافلة عن أجندة هذه الفئة, التي تسعى لتشكيل دولة وفرض قوانين, خارج السياق الكويتي, ومخالفة لآمال وطموحات الشعب في اللحاق بالركب الدولي.
من يمنع مفكر من دخول البلاد اليوم, لا يمكن أن يكون جاداً في السعي للتنمية والتقدم, ومن يربي وحشاً في بيته, فعليه توقع أن يلتهمه وأبناءه, ومن يخضع اليوم, يخضع كل يوم
.

1 comment:

العلم نور said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الحقيقة عندما نشرت هذه الفتوى فهي كانت ضحك على الذقون ليس إلا فالإختلاط في البلد يتم ولكن بشكل متستر .. غير أن السبب الرئيسي لنشر الفتوى افتتاح الجامعة المختلطة التي كسرت جميع القيود ورمت بفتاوى الشيوخ عرض الحائط

وإن لم يكن الأمر عن حجة وعن حاجة ماسة لمتطلبات العصر فهو لا يستحق مناقشته

تقبلي مروري