Saturday, December 15, 2007

الهيبز وسارتر




خلط صديقي بين حركة "الهيبز" وفلسفة سارتر, لا أعلم لماذا, ولكنه علل بخطأ آخر, إذا قال فلسفة سارتر تؤمن بعدم الوجود, أو كما قال "الوجود والعدم", وهذا خطأ شائع عند بعض المثقفين العرب, فالعدمية في فلسفة سارتر لا تعني عدم الوجود, ولكنها تعني العبثية.
أما حركة "الهيبز" hippies التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا, فقد كانت حركة احتجاجية ضد حرب فيتنام والخط اليميني الرجعي في أمريكا, وخاصة إجراءات مكارثي ومحاكماته ضد الأدباء والفنانين والمفكرين على اعتبار أنهم شيوعيين.
كانت فترة الستينيات مفصل في التغييرات السياسية والاجتماعية, ولعل أشهر الحركات الاحتجاجية حركة مارتن لوثر كنج ضد التفرقة العنصرية, وكذلك حركة الطلبة في فرنسا عام 1968م, والتي من قادتها ميشيل فوكو المفكر المعروف, وكذا الحركات النسائية احتجاجاً على التفرقة بين المرأة والرجل..الخ
حركة الهيبز حركة احتجاجية عشوائية, لم تكن ضمن الاستراتيجيات للأحزاب السياسية, لكن الأحزاب استغلت هذا النهوض لتصعيد عملها السياسي, مثلما حدث مع حركة "نبيها خمس" الشبابية في الكويت, بدأت كحركة شبابية ثم انضمت لها شخصيات وتنظيمات وطنية, وانضمت كذلك شخصيات انتهازية ومتسلقة.
لكن حركة الهيبز التي ساهمت بإثارة الرأي العام الأمريكي والعالمي للمطالبة بالسلام ووقف الحرب, خرجت في جزء منها عن الانضباط بسبب عدم تأطيرها بالعمل الحزبي المنظم, ولذا تحول الشعار الأساسي "اصنع الحب لا الحرب" إلى "مارس الحب لا الحرب" لأن make love تحتمل المعنيين, وهذا يشبه الوجودية والعدمية كما فهمه وترجمه بعض المثقفين العرب, وبناء على فهم عبارة make love not war وحيث أنها حركة احتجاجية ضد القيود والقديم والسياسة وسلطة الدولة, بالغ البعض بالسلوكات والأفكار, مثل الممارسات الجنسية العشوائية وتدخين الحشيش وتعاطي المخدرات, وإطالة الشعور واللحى, والنوم بالشوارع والحدائق.
قادنا هذا النقاش مع الصديق المثقف إلى السؤال التالي:"هل هذا يعني أن الأحزاب هي التي تصنع التغيير في المجتمع والجماهير تتبعها؟ أحياناً, ولكن الأساس هو حركة المجتمع والشعب, وتلعب الأحزاب والتنظيمات السياسية بخبرتها السياسية, دور ضابط الإيقاع خشية الانفلات أو الاستغلال.
لكن التنظيمات العربية تتعامل أحياناً مع جماهيرها وكأنها قطيع, وكأنها (التنظيمات) تمتلك الحقيقة كاملة, لكن الممارسة الحياتية وليست النظرية هي الحاسم بالأمر, فالممارسة العملية وحركة الناس تظل في ذاكرة الشعوب وتاريخها, ولذا تكرر وتقلد لنجاح تجربتها.
ففي العام الماضي افترش الشباب ساحة الإرادة مطالبين بالإصلاح السياسي, وقبل أسبوعين افترش المطالبين بإسقاط القروض نفس الساحة وبنفس الأسلوب, وحتى أنهم استخدموا الشموع التي استخدمتها حركة "مبدعون كويتيون", رغم أن الأولى كانت للمطالبة بالإصلاح والثانية كانت للمطالبة بتدمير اقتصاد البلد.
هناك من يعتقد أن الخبرة السياسية هي المنطق الوحيد للنضال والإصلاح والتغيير, لكن الخبرة السياسية وحدها تعني العيش في برج عاجي بعيداً عن نبض الجماهير, يجب أن تكون الخبرة السياسية على صلة وثيقة بما يحدث بالمجتمع والشارع, يجب أن تكون متنبهة كي تستطيع قيادة وتنظيم الاحتجاج بخبرتها, ولنتذكر أن التنظيمات السياسية العربية لا تثق بجماهيرها, وتتعامل معها بريبة وتشكك, أو "شوية يهال".
في انتفاضة 17 و18 يناير 1979م في القاهرة, والتي سماها الرئيس السادات "انتفاضة حراميه", كانت انتفاضة شعبية عشوائية لكن مطالبها شرعية, مثل مطالب الهيبز الشرعية, ولم تستطع الأحزاب المصرية بخبرتها العريقة أن تستشعر السخط المتنامي عند الجماهير بسبب المعاناة المعيشية, كانت الأحزاب مشغولة بقضايا أكبر وأهم من الجماهير وأبناء الشعب, ولذا قمعت بسهولة وبسرعة.
الآن اختفت ظاهرة الهيبز, لكن بقى جوهر التغيير, وبالمناسبة لا ألوم صديقي المثقف لخلطه بين حركة الهيبز والسارترية, لأني عندما بحثت عن معنى هيبي في القاموس وجدتها: الخنفوس, الهيبي, الوجودي.

osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com
www.osboha.blogspot.com

No comments: