Sunday, December 2, 2007

على هامش عصور الظلام 2 من 2



وردني السؤال التالي من القارئ مازن النجار حول مقالة عصور الظلام:
الأستاذ وليد
ذكرت في مقالك أن العرب تقدموا في عصورهم الذهبية في فترة عصور أوربا المظلمة, لأنهم فصلوا الدين عن الدولة, حبذا لو تذكر لنا ما الذي تم من خطوات تنفيذية في تلك الفترة أدت إلى فصل الدين عن الدولة أو السياسة؟ علماً بأني من دعاة الفصل هذا.
الإجابة:
الأخ العزيز مازن نجار
أشكرك على تفاعلك مع مقال عصور الظلام
أما موضوع فصل الدين عن الدولة فهو من الموضوعات التي لاقت الكثير من النقاشات بعضها متعصب وعنيف وبعضها عقلاني.
فصل الدين عن الدولة ضرورة لضمان احترام جميع المعتقدات الدينية والهوية الثقافية, واحترام دولة القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع باعتبارهم مواطنين متساويين بالحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والمذهب والاعتقاد أو العرق, كما أن المساواة بين المواطنين تكون بالواجبات والمسئوليات والحريات, فالقانون هو أولى مظاهر التحضر والعقلانية, فهو يحقق الوحدة بين الأفراد وهو فوق الأهواء والمصالح, ولذا فدولة القانون لا يحكم بها الأمام بشكل مطلق دون نقاش, ولا يمثل الله على الأرض كما حدث في التفويض الإلهي للبابا, ولكن الحكم للشعب عن طريق النظام المدني -أياً كان- الذي لا يفرق بين العقائد والانتماءات المذهبية, بل ويحترم الاختلاف. فالدين يعني علاقة الإنسان بربه ولا وسائط بين الإنسان وربه, وخاصة في الإسلام الذي لا كهنوت فيه ولا وصاية ,والقرآن الكريم جاء لتنظيم حياة الناس الاجتماعية ونقلهم من مجتمع الفوضى والبداوة إلى مجتمع منظم متحضر, ولم يأت القرآن كنظام أو منهج سياسي, فالقوانين الدينية يجب أن تكون قوانين أزلية, بينما السياسة آنية, وتسييس الدين إساءة له, وأسلمة القوانين تضييق لها وعرقلة لها عن مواكبة تقدم العصر.
ورغم أن الجماعات الإسلامية تستخدم القوانين الوضعية والنظام الديموقراطي التي ترفضها مبدئياً للسيطرة على الحكم, ورغم أنها رفضت التكنولوجيا فترات طويلة إلا أنها تستخدمها الآن لغايات الاستيلاء على الحكم والثراء المادي, فقد رفضت في السابق الراديو والمكيف والتلفزيون والانترنت ومعظم المكتشفات العلمية حتى مثل إمكانية معرفة جنس الجنين في بطن أمه, واعتبرتها حراماً وبدعاً وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, لكنها الآن تستخدم هذه التكنولوجيا لمصالحها, وفي نفس الوقت حاربت استخدام العقل والمنطق والفلسفة.
وهذا بالضبط ما حصل من الكنيسة أبان عصور الظلام التي حظرت البحث العلمي وعاقبت صاحبه, وقيدت حرية التفكير والعبادات ونصبت نفسها وصية على فكر الإنسان.
يبدأ فك الارتباط بين الدين والدولة, عندما تقوم دولة مدنية لها دستور وقوانين تساوي بين المواطنين بالحقوق والواجبات, ولا تفرق بينهم بسبب دين أو أصل أو مذهب أو قبيلة أو عائلة, فيها سلطات تشريعية تستند على دستور البلاد وسلطة تنفيذية مثل الوزارات وأجهزة الدولة وسلطة قضائية مستقلة, يكون الحكم هو الدستور في تسيير أمور الدولة ورسم الخطط التنموية والسياسية والاقتصادية, هذه الدولة المدنية تحترم الإنسان وحرية تفكيره وإبداعه وتقدم له العلم المواكب لأحدث التطورات العالمية, تحترم الفن والأدب وترعاهما, ولا تسمح للسلطة الدينية بالتدخل في شئون الدولة أو المواطنين, لكنها تهتم بالجوانب الروحية وتعليم العبادات والمحافظة على قدسية الأديان بعيداً عن المصالح السياسية الآنية, فالدين لله والوطن للجميع.
وأول مظاهر فصل الدين عن سلطة الدولة في الإسلام, كان عندما بايع المسلمين معاوية على الخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, وقالوا له كشرط للمبايعة نحن للأمة في أمور دينها, وأنت للأمة في أمور دنياها, كما أن معاوية توقف عن إمامة الصلاة ووضع إماماً يصلي بالناس بدلا عنه, لكن بلغ هذا الفصل مداه في الدولة العباسية حين عين الخليفة قضاة يحكمون في قضايا الناس, وتشكلت مؤسسات لتفسير الشريعة وأعطت الحرية للمواطنين في الاعتقاد وفي التفكير العلمي, ولذا تأسست الفلسفة في العصر العباسي, كما ساهم ذلك في انتعاش حركة الاجتهاد, وبروز الأئمة الأربعة, ابن حنبل, مالك, أبو حنيفة, والشافعي.
الخطوة العملية تبدأ برغبة الدول بفتح آفاق التقدم والتنمية وعدم الخشية من رجال الدين, وتأسيس دولهم على أسس مدنية, السيادة فيها للقانون الذي يعلو على المصالح الفئوية والخاصة, دولة يعيش فيها جميع المواطنين بأمان وحرية, دولة تعي منطق التاريخ وتستفيد من التجارب دون فقدان هويتها الثقافية والدينية.





2 comments:

فتى الجبل said...

والله ابتلشنا بالأحزاب اللي تستغل الدين لغاياتها الشخصية

وليد الرجيب said...

طبعا مشكلة راح تودي الكويت في نفق مظلم