Saturday, November 24, 2007

على هامش عصور الظلام 1 من 2




بعد نشر سلسلة مقالات عصور الظلام, وردتني مجموعة من الرسائل الإلكترونية, سأختار منها رسالتين للرد عليهما ونشرهما, الأولى أرسلت من قبل صديق قديم, وهي كالتالي:
"السلام عليكم يا ولد الفريج
مقالتك اليوم ممتعة, ولكن لدي بعض الملاحظات وهي:
1-تعكس الكوميديا الإلهية لدانتي مأزق الكنيسة في مواجهة النهضة الإسلامية.
2-كان لعصيان مارتن لوثر وماكس وبر ومعاصريهم من "أهل الشمال" ضد السلطة البابوية, الأثر الأهم في تفوق الشمال الأوربي على الجنوب.
3-هل يا ترى هناك رابط فلسفي بين نظرية التفويض الإلهي للبابا وولاية الفقيه؟
4-لم يعدم غاليليو.

الرد:
الصديق العزيز
أولاً: أشكرك على ملاحظاتك القيمة التي سأحاول البحث بها ومناقشتها, وأن أذنتم لي قد تصلح الملاحظات والمناقشة مقالة بحد ذاتها تنشر لاحقاً, حيث سيتبع مقالة عصور الظلام مقالين مكملين.

1-تعكس الكوميديا الإلهية لدانتي مأزق الكنيسة في مواجهة النهضة الإسلامية.
كتب دانتي ملحمته الخالدة الكوميديا لإلهية ما بين 1313 و1314م , وبهذا العمل تحدى دانتي الكنيسة وسلطة البابا, وهي ملحمة شعرية تصور رحلة الإنسان في مواجهة العدالة الإلهية, هي رحلة خيالية إلى العالم الآخر لكن أهدافها كانت واقعية, أهدافها الإصلاح والتغيير وفضح ممارسات الكنيسة والمتاجرة بالدين وما صاحبها من فساد وظلم وانحطاط اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي.
أما ما أعرفه عن علاقة دانتي بالإسلام, فيقال أن دانتي استفاد في كتابة الكوميديا من التراث الإسلامي والصوفي, ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري, وكتاب معراج محمد لتصوير الانتقال إلى الآخرة, لكن المستشرق الاسباني أسين بلاثيوس قال أن دانتي قد يكون أخذ من التراث اليوناني ومن التوراة والإنجيل, وأن هناك تشابهاً بين التراث اليوناني والتوراة والإنجيل والتراث الشرقي والإسلامي.

2-كان لعصيان مارتن لوثر وماكس وبر ومعاصريهم من "أهل الشمال" ضد السلطة البابوية الأثر الأهم في تفوق الشمال الأوربي على الجنوب.
نعم أوافقك بأن الإصلاح الديني الذي قاده مارتن لوثر كان أحد معاول إضعاف النفوذ الكاثوليكي, إضافة إلى جهود المفكرين في عصر التنوير, وأوافقك أن الفكر المستنير والعقل المفتوح هو عمود الإصلاح والتقدم والتنمية, لكني لست متأكدا من مفاهيم الشمال والجنوب, أفهم تقدم شمال أوربا على جنوب الكرة الأرضية, لكن هل الموقع الجغرافي الشمالي له دور في التقدم؟ أو كما تقول بعض النظريات عن تأثير المناخ, فلنق نظرة على بعض الأمثلة هل سكان القطب الشمالي هم الأكثر تقدما؟ هل كندا أكثر تقدما من الولايات المتحدة؟ أما إذا كان المقصود شمال وجنوب أوربا, فأظن أن هناك ظروفا موضوعية وذاتية تسهم في تقدم وعدم تقدم الشعوب فمثلا اليونان خضعت للاحتلال العثماني وعانت من تبعات التخلف, لكنها كانت في يوم من الأيام مركز حضارة العالم في الوقت الذي كانت فيه مناطق شمال أوربا وقبائلها الجرمانية تعيش في بدائية لا تعرف حتى معنى الوطن.
أظن أن الدور الحاسم في التقدم هو الحريات الشخصية والفكر الحر المستنير, والتعليم العالي المستند على البحث والاكتشاف واحترام العلم والمنجزات التكنولوجية, أما المصادر والإمكانات الطبيعية فهي موجودة في كل بقاع العالم, لكنها تحتاج أيضا إلى أيدي عاملة ماهرة, تحتاج إلى قيم احترام العمل والقانون والمؤسسة, واحترام إبداع الإنسان الفني والأدبي والفكري وتقديره وتكريمه باعتبار أن الإنسان هو الثروة الحقيقية.
3-هل يا ترى هناك رابط فلسفي بين "التفويض الإلهي" للبابا و ولاية الفقيه؟
نعم هناك رابط فلسفي بين نظرية التفويض الإلهي وولاية الفقيه عند الشيعة وحاكمية الله عند السنة, فالتفويض الإلهي هو الحكم نيابة عن الله, وولاية الفقيه هي ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الأمام الحجة حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام المنتظر في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض, وتجب على الجميع طاعته بما في ذلك المجتهدون والعلماء, وهذا يعني منع حرية المسلم واجتهاده والتسليم بحكم الفقيه, كذلك حاكمية الله التي أتي بها أبو أعلى المودودي وتبناها سيد قطب وجماعات الإسلام السياسي, التي تقول بأن كل أنظمة الحكم المدني كافرة لأنها تشرع لنفسها بينما التشريع هو لله فقط, وهذا المصطلح أستخدم لمنع التفكير والاجتهاد, والخضوع لحكم الحاكم أو الإمام الذي يمثل حكم الله, وهو ينوب عنه ولا مجال لمناقشة الأمر.
والجدير بالذكر أن كل الأديان ومنذ فجر التاريخ سواء كانت وثنية أم سماوية قد استخدمت واستغلت الدين للسيطرة على الشعوب في مرحلة من تاريخها, فبالنسبة إلي الأنظمة السياسية هناك طريقان للسيطرة, أما القمع بالقوة وأما باستخدام الدين لترويض الشعب, ورغم أن الدين الإسلامي هو الدين الذي لا كهنوت فيه ولا واسطات بين العبد وربه, إلا أن الطمع السياسي والتخلف والانحطاط الحضاري أفرزا هذه الظواهر البدائية اللاعقلانية واللاإنسانية.

4- لم يعدم غاليليو.
نعم ياسيدي, هناك مراجع تفيد أنه لم يعدم ولكنه نفي ثم حدد بإقامة جبرية لمدة عشر سنوات على أن يكف عن الكتابة والبحث العلمي, وهذا ما حدث فقد اعتذر للبابا والكنسية ولكنه عاد يكتب مرة أخرى حتى وفاته عام 1642م عن عمر يناهز 78 عاماً, في الواقع ليس لدي عذر فيما كتبت لأني استعجلت بالاطلاع على مرجع في الشبكة الالكترونية وهو وكيبيديا (الموسوعة الحرة) ظاناً أنها على مستوى الموسوعات العلمية, إضافة إلى استعجالي النشر لقرب موعده ولكن بعد اطلاعي على مجموعة أخرى من المراجع بما فيها The world book encyclopedia لم يثبت أنه أعدم وقطع رأسه كما ذكرت وكيبيديا, ولكن فات موعد التصحيح.
وهذا في الواقع يعطينا درساً بأن لا نعتمد على مصادر ركيكة وغير موثوقة خاصة في الانترنت الذي يختلط فيه طيف واسع من المعلومات بعضها مظلل وبعضها منقول حرفيا دون تمحيص, بيد أن كنوز المعرفة الحقيقية موجودة لكنها تحتاج إلى جهد ومثابرة.






No comments: