Sunday, November 4, 2007

نادر فرس يسجل خبرة تاريخية تشكيلية أولى




كنت في يوم الخميس 2 أغسطس الماضي, كعادتي كل خميس برابطة الأدباء, ولأن المناسبة كانت بالضبط هي تاريخ الخميس الأسود, تاريخ الغزو العراقي على الكويت, جلسنا نتذكر أنا وزملائي أين كنا في مثل هذا اليوم عام 1990م, وما كان شعورنا في ذلك الوقت, وسمعت الأخ عبد العزيز السريع يقول أنه كان بالقاهرة في 2 أغسطس عام 1990م عندما اتصلت به إذاعة صوت العرب من القاهرة, وطلبوا منه الحضور يوم السبت مع صورة شخصية, وفي يوم السبت 4 أغسطس أعطوه هوية باعتباره مديراً لإذاعة الكويت من القاهرة, وبالفعل باشر عمله الوطني من هذا الموقع, وسمعته يقول أن الدكتور سليمان العسكري لعب دوراً ثقافياً هاماً في القاهرة للحفاظ على الدور الثقافي للكويت, وقد سمعت هذا الموضوع من الدكتور سليمان نفسه, وتذكر الدكتور سليمان الشطي صدمته ودهشته من أحداث اليوم الأول ورؤيته للإسعاف ورجال الشرطة وهم ينقلون الجرحى والمصابين من الشوارع, ويذكر كذلك معاناته في المستشفيات التي سرقت إمكانياتها مع أبنه الذي كان في غيبوبة, وتذكر الشاعر يعقوب السبيعي اليوم الأول للغزو عندما كان في تركيا, وعد المبلغ المتبقي له من الدولارات, فوجد أنه يكفيه أسبوعين فقط, وكان الدكتور خليفة الوقيان يتذكر أنه اختير ليكون الأمين العام المساعد لتحضير المؤتمر الشعبي بجده, والذي تم فيه تأكيد الشعب الكويتي على التمسك بالنهج الديمقراطي, والذي للأسف تم نقضه في سنوات ما بعد التحرير.
أنا كنت متابعاً للمباحثات التي جرت في جده عشية الغزو بين عزت الدوري والشيخ الأمير الوالد سعد العبدلله الصباح, ومتابعاً للحشود العراقية الكبيرة على حدود بلادي الشمالية, وفي العاشرة مساء مر بي الصديق أحمد الديين وسألني عن رأيي بما يحدث, فقلت له انهيار تام وخطر محدق, ولم أنم تلك الليلة وتابعت إذاعة الكويت وسمعت النداء الأول وظللت أتابع إلى أن بدأت الانفجارات تبدو قريبة وواضحة, وبعد يومين انضممت إلى المقاومة العسكرية بقيادة العقيد في سلاح الطيران ناصر بوعركي, هذا الإنسان الباسل والوطني البطل, وصدرت سبعة أعداد من نشرتي "الوطنيون الأحرار" وسأحاول أن أكتب تفاصيل أكثر في مقال منفصل.
الفنان التشكيلي الكويتي نادر عبد الحميد فرس كانت له تجربة فريدة تاريخياً, وهامة وملفتة للنظر, فالفنان نادر هو عقيد متقاعد في سلاح الطيران, وقد كان رائداً عندما اعتقل هو ومجموعة كبيرة من الضباط والعسكريين في الجيش والشرطة, وسجنوا في المعتقلات العراقية لمدة ثمانية أشهر.
في متحف بطرس برغ الحربي, سابقاً لينين غراد, التي حاصرها الجيش النازي فترة طويلة وقدمت أكبر عدد من الضحايا في الحرب العالمية الثانية, هناك اسكتشات وبورتريهات لضباط وجنود رسمها أحد الضباط, ولأهميتها التاريخية وضعت بالمتحف, وكذلك هناك رسومات رسمها أحد الضباط الأمريكان وهو في معتقله أثناء الحرب الكورية, وهذه الرسومات تمثل قيمة فنية وتوثيقية لشعوبها, خاصة لغياب آلة الكاميرا في السجون.
نادر فرس قام بهذا العمل التاريخي الرائع أثناء أسره ومجموعة كبيرة من الضباط الكويتيين, فبحسه الفني والوطني رسم على ما تيسر له من أوراق وأقلام, المعتقلات التي تنقلوا بينها, وحياة الأسرى في هذه المعتقلات, فهناك رسومات تبين كل تفاصيل معيشتهم, مثل التحقيق معهم ومحاولة إغرائهم بمناصب, وأحاديثهم والأشغال اليدوية الرائعة التي أبدعوها, وانتظارهم لخبر الحرب, وخبر التحرير, تبدو على وجوههم مشاعر الألم والخيبة والرجاء والأمل, في الواقع هذه رسومات مذهلة.
والأعمال الأجمل هي بورتريهات لوجوه الأسرى, وكل منها عمل متقن للغاية ورغم أني أعرف بعض هذه الشخصيات, فإن الناظر إليها يستطيع التفريق بين الضباط الكبار والضباط الأقل رتبة, ونقل نادر فرس المتقن للملامح والتعبيرات يجعلنا نقرأ بسهولة هذه التراتبية, لقد ظللت لساعات طوال ولعدة أيام أتمعن في صور هذه اللوحات الجميلة بحق, وأتخيل قيمتها التاريخية, وأتصور فائدتها لعلم النفس والأنثروبولوجي, وللباحث التاريخي والباحث التشكيلي.
وقد لا يعلم البعض أن نادر فرس لم يدرس الفن التشكيلي أكاديمياً, ولكنه درس الهندسة في الولايات المتحدة الأمريكية, كما قد لا يعلم البعض أنه والفنان فاضل العبار من العازفين الممتازين لآلة البيانو, ويعزفون الموسيقى الكلاسيكية بإتقان مذهل.
صحيح أن اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين اشترت بعد التحرير لوحات نادر الفرس الأصلية بسعر بخس, لكن اللوحات للأسف ضاعت في المخازن, كما أخذ بعض أصحاب البورتريهات لوحاتهم, وكان من المفترض أن تعتبر هذه اللوحات كنزاً وطنياً يوضع بالمتحف الوطني, ونريد من النقاد دراسة وافية ومتعمقة لأعمال نادر فرس, وخاصة للبورتريهات أثناء الأسر.
وقد اقترحت على الأستاذ نادر أن يطبع هذه اللوحات في كتاب مع شروحات يكتبها بنفسه, ويوزع هذا الكتاب على السفارات والضيوف, ويكون متاحاً للجميع, ولكني أعلم أن تكلفة طبع الكتاب عالية, ليس بمقدور الفنانين تحملها, ولذا أناشد الأيادي البيضاء أن تقوم بدورها الوطني, لإنصاف المبدعين من أبناء الكويت, ولتخليد مرحلة صمود الشعب الكويتي, وهمجية المحتل الذي لا يجب أن تنسى أبداً على مر الأجيال, ومهما شرحنا لأحفادنا معاناتنا أثناء الاحتلال فلن نستطيع إيصال الصورة كما أبدعها نادر فرس.


osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com

No comments: