Sunday, November 4, 2007

صباح الخير يا سعدي






يقول سعدي الشيرازي:
لم أر أحداً سلك طريق الصواب فضاع

في ملتقى سعدي الشيرازي الذي أقيم في طهران وشيراز أوائل شهر يوليو 2000م، بالتعاون بين مؤسسة عبدالعزيز البابطين و رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في إيران، تشكلت حالة حماس بين المفكرين والشعراء عرباً و إيرانيين لإقامة مؤسسات مشتركة عربية إيرانية، منهم من طرح مشروع جمعية صداقة إيرانية عربية، و منهم من طرح مشروع أمانة عامة لإتحاد كتاب عرب و إيرانيين، ولكن للأسف فإن جميع تلك المشروعات انطلقت من إطار إسلامي فقط، أو ثقافة إسلامية مشتركة.
ليس لدينا أدنى شك في ضرورة وجود حوار ثقافي و انفتاح ثقافي لأننا نتحدث عن ثقافتين مختلفتين، بيد أن الانطلاق من الإسلام غير مجد في هذه الحالة، حيث أن الثقافة الإسلامية واحدة في جميع الدول الإسلامية هندية كانت أو إيرانية أو أفريقية أو أوربية، مع تفصيلات جزئية متأثرة بالتراث القومي لكل بلد، لذا فنحن لا نحتاج إلى الانطلاق من الاتفاق بل نحتاج أن نبدأ بالاختلاف و من الخصوصية التي تميز كل ثقافة على حدة.
ومن ناحية أخرى فإن الرؤية الإسلامية للثقافة تختلف من بلد إسلامي إلى آخر، فهناك توجه إسلامي يحارب الثقافة والانفتاح في بعض البلدان ويعتبرها شيء مناقض للدين، بل أن بعض البلدان تمنع تعليم وعمل النساء.
كما انه في هذا المجال الإسلامي, لا يمكن قصر الحوار الثقافي بين العرب والإيرانيين ضمن فقط, إذ أن هناك ديانات أخرى و قوميات مختلفة تعيش في هذه البلدان، ورغم أن الإسلام قد صنع خطوطاً مشتركة بينها إلا إنه لم يلغ خصوصيات وثقافة كل قومية والتي تعتبر أسبق من ثقافتها بعد الإسلام.
فالحديث عن الثقافة الإسلامية شيء، والحديث عن الثقافات القومية في ظل الإسلام شيء ثان، أما الحديث عن التراث الثقافي القومي فأمر ثالث، قد تتقاطع، ولكنها بالتأكيد ليست الشيء ذاته.
إن مركز الحوار المطلوب يجب أن تكون مهمته دراسة الأفكار ومناقشتها والاستفادة من اختلاف البيئة الفكرية والموروث الثقافي لكل قومية، فالثقافة المشتركة كما هو معروف لا ترتكز على عنصر واحد مثل الدين أو اللغة, ففي مصر مثلاً, تتعدد الثقافات رغم أن الدين واحد, وفي العراق مثلاً, تتعدد القوميات المشتركة بثقافة معينة.
أما منطلق المفردات اللغوية المشتركة وبالأخص العربية في اللغة الفارسية فهو أمر طبيعي ويعني فقط أن اللغة كالكائن الحي قابل للتطور والنمو، وبالفعل أثر الإسلام تأثيراً بالغاً في اللغة الفارسية، ولكن قبل ذلك تأثرت اللغة العربية بمفردات فارسية وهندية ولاتينية حتى قبل الإسلام، وما تزال تتأثر حتى الآن، بل أن هناك مفردات فارسية في اللغات الهندية بسبب الاحتلال الفارسي للهند.
في فترة ما بعد الإسلام تطورت الثقافة العربية لأنها احتكت بجميع الحضارات بما فيها الفارسية، وتطورت الثقافة الفارسية لأنها تلاقحت مع حضارات أخرى بما فيها العربية وكانت اللغة عنصراً وأداة في هذا التطور.
لقد تراكمت أفكار ومؤلفات أدبية وفكرية عديدة لدى العرب والفرس في فترات الانقطاع والانفصال كدول، فلا تجد ترجمات فارسية للأدب العربي الحديث في مكتبات إيران, ولا تجد في المكتبات العربية غير الشهنامة للفردوسي و دواوين حافظ وسعدي، بل أن أحدث ترجمات عربية للفارسية هي لكتاب رحلوا منذ عقود, مثل "صادق هدايت" و "صمد بهرنجي" و "بروين إعتصامي"، وغالباً ما تكون تلك دراسات أكاديمية, بينما يترجم الطرفان آداباً غربية باستمرار.
لا أحد ينكر تطور الشعر العربي باحتكاكه بالبيئة الفارسية أو الأسبانية، ولا تطور الشعر الفارسي باحتكاكه بالبيئة و الفكر العربيين، ففي فترات الانفتاح الإسلامي على الثقافات المختلفة أخذ العرب والفرس محاسن بعضهم، و في فترات الانغلاق والتعصب فقدوا حتى محاسنهم الخاصة بهم، وبهذا المعنى يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
" إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه".
نحن قريبان جغرافياً, وبعيدان في خصوصياتنا الثقافية, والثقافة هي الجسور والنوافذ التي نطل منها على أفكار ومشاعر وإبداع الشعوب الأخرى, وما نريده حقاً من العلاقات الثقافية مع إيران, هو التعرف بشكل أقرب على الثقافة والآدب والفنون الإيرانية.
نحن نعرف عن الأدب في أوربا وأمريكا وروسيا, أكثر مما نعرف عن الأدب الفارسي والإيراني, نحتاج إلى ثقافة التسامح والاختلاف, نحتاج إلى توسيع آفاق تفكيرنا.

osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com

No comments: