Monday, November 5, 2007

صباح الخير يا روما





استراحة المحارب




تدهشني روما كلما زرتها, فبعض المدن عندما تزورها مرة, تقع في عشقها فتزورها باستمرار, أنا وقعت في حب روما من الزيارة الأولى قبل سنوات عديدة.
عندما زرتها أول مرة قبل عدة سنوات, كانت زيارة مرور (ترانزيت) وعندما رأيت شوارعها ومبانيها القديمة وآثارها وأنا في التاكسي من المطار إلى الفندق, أحسست بأن هذه المدينة مألوفة, وكأنني قد عشت بها من قبل, فنزلت من التاكسي وتجولت على قدمي لساعات طويلة دون أن أشعر بتعب أو كلل, ومن يومها وأنا أكرر زيارتي لروما ومدن إيطاليا الأخرى.
في حياتي زرت كثيراً من المدن الأوربية المهمة, ولكني لم أجد ما يضاهي سحر وروعة روما وجميع المناطق الإيطالية, فروما متحف كبير لا يخلو شارع أو زقاق فيها من أثر تاريخي, وحتى أن كثيراً من المباني والعمارات التي ما زالت مسكونة تعتبر أثراً تاريخياً, فهناك مبان عمرها أكثر من أربعمائة عام وما تزال مسكونة وبحال جيدة, وتجد الحكومة الإيطالية أحياناً مشكلة في الحفر لغرض بناء نفق مترو مثلاً بسبب غنى الأرض بالآثار التي تمثل كل العصور والحضارات, هناك غنى مذهل في الثقافة والتاريخ, وأنا أظن أن إيطاليا دولة فقيرة غنية مثلما الكويت دولة غنية فقيرة.
في روما كنت أسير بمعدل عشر ساعات يوميا, وعندما أتعب أجلس في أحد المقاهي المنتشرة في كل الشوارع والأزقة والساحات, واشعر بمتعة كبيرة جداً لعيشي في هذا الكنز الثقافي, ورغم أني غطيت معظم مناطق وشوارع روما مشياً على الأقدام, إلا أنني لم أغطي كل متاحفها ومعارضها وآثارها لكثرتها ولتزاحم السياح عليها, فازدحام السياحة في روما ليس له مثيل في العالم أجمع, فطوابير السياح أمام شبابيك تذاكر الدخول إلى المتاحف تمتد إلى أكثر من كيلومتر ونصف وأحياناً أكثر, لذا ففرصة مشاهدة كل شئ صعبة عملياً في إجازة قصيرة نسبياً, وعندما تسأل الإيطاليين عن مواسم الذروة في السياحة, يقولون رسمياً بالصيف لكن عملياً طوال العام.
ولا تقتصر السياحة على ثقافة الآثار والمتاحف والفنون التشكيلية, ولكن تنتشر الفنون الموسيقية المختلفة في المسارح وبين الآثار في الهواء الطلق, فالأوركسترات والأوبرات والمهرجانات الموسيقية في كل مكان وعلى مدار العام, وقد سبق وزرت ساحات شهيرة مثل "بيازا نافونا" piazza navona "والعتبات الاسبانية" piazza di Spagnaفي فترات مختلفة من العام, وفي جميع هذه الفترات كانت هذه الساحات تعج بالسياح لدرجة يصعب فيها التحرك, "فنافورة الأمنيات" fontan di trevi لا تستطيع الوصول لها بسهولة بسبب اكتظاظ الناس وتدافعهم, والنوافير التي تحتوي على منحوتات وتماثيل شهيرة لمايكل أنجلو مثلاً, تجد متأملين لها بالساعات وعلى مدار الساعة من جميع أنحاء العالم ما عدا الخليجيين.
من النادر أن تجد خليجياً في مكان فني أو تاريخي بكل أسف, رغم أنك قد تصادف أناساً من دول فقيرة, وفروا مالاً فقط لزيارة ومشاهدة هذه الآثار, لكن يمكن أن تجد الكويتيين والخليجيين في الأسواق, لكني بالطبع أعلم أن هناك كويتيين يهتمون لهذه الثقافة, ويزورون إيطاليا كل عام, لكن الظاهرة أن الخليجي يفضل لندن وباريس على روما, والتسوق والماركات هي المحفز لسياحتهم, رغم وجود كل هذه الماركات في الخليج, وحتى في زياراتهم الدائمة للمدن الأوربية لم يدخلوا لمتحف أو مسرحية أو أوبرا.
وعندما تبتعد قليلاً عن أماكن السياحة التقليدية, وتدخل إلى الأزقة وأماكن السكن تجد الود والكرم الإيطالي, فالجميع يود التحدث معك ودعوتك للجلوس معه, وعندما تسألهم عن شارع أو مكان, يشرحون لك باللغة الإيطالية, والغريب أنك تفهم, فإضافة إلى أن بعض مفردات الإيطالية تشبه الإنجليزية, فهم يستخدمون لغة الإشارة مع الحديث, الشعب الإيطالي شعب أصيل وحميم وعريق بثقافته ومشاعره, يحترم الثقافة والمثقفين.
ما أثار شجني أنني زرت "فيلا بورغيس" villa borghese, وهو عبارة عن حديقة كبيرة وغابات وبيوت تاريخية تحولت إلى متاحف, وحديقة حيوانات, ومقابلها متحف الفن الحديث, وفي الحديقة ساحات وتماثيل لشعراء غير إيطاليين, وإحدى هذه الساحات باسم أحمد شوقي, وفيها تمثال ضخم له, وتماثيل أخرى لبوشكين الشاعر الروسي العظيم, وغوغول القصاص الروسي المبدع, وكذلك الروائي الفرنسي فكتور هوجو وغيرهم, أحسست بحزن وعبرة تخنق حنجرتي, في إيطاليا يقدر الشاعر العربي, وفي البلاد العربية يمنع الإبداع ويجرجر المفكر والأديب إلى النيابة والمحاكم.



osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com

2 comments:

AuThoress said...

رومــــا، هذا المتحف الكبير الذي يظل يدهشك كلما تعثرت بــ جمال جديد وخالد واصيل


من اجمل ما قرأت بـ وصف روما

محبتي

وليد الرجيب said...

العزيزة
هناك بقع أرضية مباركة, تسعد البشر تعلمهم وتضيف لهم
روما منذورة لذلك