Tuesday, November 6, 2007

الشيخ الفنان





فقدت الكويت وأهلها الأسبوع الماضي, المغفور له الشيخ سالم صباح السالم الصباح, أبن أمير الكويت الأسبق الشيخ صباح السالم الصباح, ورجل الدولة المحبوب شعبياً الذي تقلد عدد من المناصب الحكومية.
في مرحلة الدراسة الثانوية جمعتني صداقة وزمالة مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الحالي الشيخ محمد صباح السالم الصباح, ومعرفة جيدة وعلاقة احترام مع أخويه الشيخ أحمد الصباح والشيخ بدر الصباح, وأحتفظ بذكريات جميلة مع الشيخ محمد منها الخروج للبر وصيد الجرابيع, ومنها اجتماعنا شبه الأسبوعي في قصر المسيلة, والتجمع عند "ملك العصير" بالسالمية, كانت هذه الأسرة من أكثر الأسر تواضعاً وحباً للناس رغم أن والدهم رحمه الله كان أميراً لدولة الكويت, كل طلبة ثانوية الرميثية وأساتذتها يلمسون حجم تواضع هؤلاء الأخوة وحسن تربيتهم, ولذا فالشيخ محمد حظي بشعبية كبيرة في المدرسة, كان يعاني في الدراسة معاناة طالب الثانوية, وكنا ندرس سوياً ولم يكن مستهتراً بصفته أبن الأمير, وعندما حصلت حادثة "الصامتة" عام 1973م, وهي حادثة اعتداء العراق على الحدود الكويتية, وقفنا في الساحة ورفضنا الدخول إلى الفصول, وعندما جاءنا ناظر المدرسة الأستاذ الفاضل أطال الله في عمره عبدالله اللقمان مستفسراً, قلنا له الشيخ محمد وأنا لن ندرس, نريد أن نحمل السلاح ونتعلم حماية الكويت, وكانت وجوهنا غاضبة, فكان رد الأستاذ عبدالله :"لا تدرسون وشوفوا شتبون وأنا حاضر", وأذكر أنني كتبت قصيدة على وزن وقافية قصيدة حمود الناصر البدر "ياراكبين أكوار ست تبارى", وتجمع حولنا مجموعة كبيرة من الطلبة يستفسرون عن سبب اعتصامنا, فأخبرناهم بأننا نطالب بتدريب عسكري وحمل السلاح, وحتى يتم ذلك لن ندرس, وبالفعل ما هي إلا أيام حتى أعلن الحرس الوطني عن حملة تدريب أسماها "نظام الفتوة", وكنا الشيخ محمد وأنا أول المتحمسين والمسجلين في هذا النظام, وكنا نجتهد في التدريب ونتسابق على دقة التصويب, كان الغبار يعلو وجوهنا جميعاً, لم نكن نشعر بفرق بين شيخ ومواطن عادي, كلنا كنا كويتيين, بل كان الشيخ محمد بكرم أخلاقه العالية مثال الانضباط.
في تلك الفترة كانت معرفتي بالمرحوم الشيخ علي الصباح سطحية, ولم تكن لي معرفة إطلاقاً بالمرحوم الشيخ سالم الصباح, لكني تصورت خطأً أن تواضع الشيخ محمد والشيخ بدر راجع لشخصيتيهما وسماتهما الشخصية, وليس بسبب تربية أسرية راسخة, رغم أني كنت قابلت الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله في الكويت ولبنان في أكثر من مناسبة ولمست حجم تواضعه الأبوي.
وفي رمضان عام1975م كان الشيخ سالم رحمه الله للتو قد تولى وزارة الشئون, قابلت مدير مكتبه للتوقيع على معاملة, ثم فوجئت به يقول :"الشيخ يبي يشوفك", فدخلت عليه نهض وصافحني وقال مشيراً للكرسي:"تفضل", كنت شاباً أدرس في القاهرة, وسألني عن بعض أمور تتعلق بأسرتي, ومن هو والدي, ثم تفرع الحديث إلى الفن والثقافة في الكويت, وسألني إن كنت أكتب أو أعزف على آلة موسيقية, فأخبرته أنني كنت أكتب الشعر والآن أكتب القصة القصيرة, فطالت الجلسة واستمتعنا بالحديث, وطلب أن أزوره دون مواعيد عندما أعود إلى الكويت في الإجازات.
هنا تذكرت صداقتي مع الشيخ محمد, وعرفت أن التواضع والأخلاق الراقية ومحبة الناس هي غرس في تربية والدهم, هي نشأة جعلت أبناء هذا الرجل في غاية الشعبية, كان أبو باسل متواضعاً ودوداً محباً بشكل كبير للكويت وأهلها وفنها وثقافتها, كان ذو عقل متفتح محباً للحوار, وكان يفتح قلبه ببساطة وعفوية حالما يتأكد من جالسه, كنت أشعر أنه أخي الكبير أثناء حديثه الصادق.
عرفت منه أنه يهوى الفن والموسيقى, بل لديه مؤلفات جيدة موسيقياً, رغم أنه لم يدرس الموسيقى, بل أنه قدم مساعدات كبيرة للفنانين, حتى أنه ذكر لي تشجيعه لفرقة رباعي الكويت, التي كان الفنان عبدالله رويشد عضواً فيها, وذكر أكثر من مرة بأسف أنه ساعد أناس داخل وخارج الكويت جحدوا لاحقاً, لكن ذلك لم يوقف عمله للخير, فأياديه البيضاء امتدت للجميع, سواء طلبوا أم لم يطلبوا, غمر الجميع بطيبته وابتسامته.
ثم التقيت به في مناسبات رسمية واجتماعية مختلفة, كان آخرها ربما عام 1998م في مسرح الشامية عندما كنا المرحوم حمد الرجيب وأنا نحضر تدريبات وبروفات الفرقة الوطنية للموسيقى لتقديم أمسية في مهرجان القرين الثقافي, والذي يقيمه سنوياً المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, فحضر الشيخ سالم بوجود المرحوم عبدالرؤوف إسماعيل الذي وزع ألحان الشيخ سالم وقاد الفرقة لعزفها, وتبادلنا خلال وجودنا أحاديث جميلة تتعلق بالفن والموسيقى, كان سعيداً بفكرة تأسيس الفرقة, وقلت له نفكر بتأسيس فرقة للموسيقى الكلاسيكية العالمية وأخرى للأطفال, فابتهج رحمه الله وقال أنا مستعد لأي خدمة أو مساعدة في سبيل الفن في الكويت ورفعته, لكن للأسف لم يتحقق هذا المشروع.
ولدي الآن صورة تجمعني مع العمالقة في هذا اللقاء الأخير, الشيخ سالم الصباح والأستاذ حمد الرجيب, والأستاذ عبدالرؤوف اسماعيل رحمهم الله جميعاً.
نسأل الله أن يرحم الشيخ سالم صباح السالم الصباح, ويسكنه الجنات, ويلهم ذويه الصبر والسلوان.

osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com

No comments: