Sunday, November 4, 2007

فتيل الزيت




طوبى لفتيل الزيت الذي يحترق لينير دروبنا.
الأدباء والفنانون متعبون بهمومهم, يمضون حياتهم لخدمة الأدب والثقافة والفن, يعطون بنبل وصدق, يحترقون ببطء مثل فتيل الزيت, ينيرون دروبنا دون منة أو مقابل, في الوقت نفسه ينعم المتسلق الثقافي بالمجد ويقتات من جسد الوطن, وكأن التاريخ لا يستطيع التفريق بين فنان وأديب ومثقف حقيقي وبين مدع ومزيف, بين من يعمل بصدق للوطن وللثقافة وللتاريخ, وبين من يسعى للكسب الآني, لكن عبر التاريخ الماضي بقي الحقيقي وتلاشى المزيف, وعبر التاريخ الآتي لن يبقى سوى النور الذي صنعه فتيل الزيت.
متعبون يعملون بصمت مهيب في الظل, بعيداً عن الأضواء وكاميرات الشهرة والتلميع, وفي كويت اليوم, كويت الإجحاف بحق الثقافة والفن والأدب يزدادون تعباً دون يد بيضاء تمتد لهم, لدينا من يرفع أسم الكويت عالياً, لدينا من نفخر بوجودهم وإبداعهم, لكن الضوء مسلط على سارقي مال الدولة ومنتهكي سمعتها الثقافية, مثلاً أليس ظلماً وإجحافاً أن تعلق لوحة في رابطة الأدباء تضم وجوه ليس لها علاقة بالأدب أو حتى الثقافة على الإطلاق, وتختفي منها وجوه منتجة للأدب؟!
الفنان والمؤرخ التشكيلي حميد خزعل, قد يكون الوحيد في تاريخ الكويت الذي عمل بجهد على تأريخ الفن التشكيلي الكويتي ودراسته بشكل فني ورؤية فلسفية جميلة ومميزة, كل تسجيل الآخرين للفن التشكيلي الكويتي بمن فيهم الأخوة العرب, مع التقدير كان أما سطحياً أو متحيزاً يبرز البعض ويواري البعض, أو يحوي أخطاء مضللة, لكن عمل حميد خزعل يظل مميزاً عن كل الكتابات التشكيلية الأخرى, التي كان معظمها سير ذاتية للفنانين وكتالوجات للوحاتهم, بينما كتابات خزعل تتميز بالتحليل لفلسفة الفنان اللونية والشكلية والموضوعية, سواء لعمل واحد أو مجمل الأعمال, إضافة إلى هم كبير يحمله حميد خزعل, وهو هم نشر الفن التشكيلي الكويتي وتعريف العالم به, والدفاع عنه أمام تعالي النقد العربي.
عرفت حميد خزعل عندما كنت مديراً لإدارة الثقافة والفنون بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, وكانت مراقبة الفنون التشكيلية ضمن مسئولياتي, وكان لدينا مشروع هام هو توثيق الفن التشكيلي الكويتي بشكل يتسم بالعلمية والموضوعية لجميع الفنانين وبالتساوي, إذا لا يخفى وجود حزازات وخلافات وغيرة بين التشكيليين, مثلما هي موجودة بين الأدباء وغيرهم, وكان حميد خزعل هو الاختيار الأمثل لمثل هذا العمل, فهو يتميز بالهدوء والتهذيب والتسامي عن الشخصانية والصراعات, سواء مع الوسط التشكيلي أو مع المؤسسات الثقافية الرسمية, إضافة إلى إمكانياته الفكرية والكتابية, وقد خبرته شخصياً في محاضرات وندوات حول الفن التشكيلي الكويتي في عدد من الأسابيع الثقافية في الخارج أذكر منها البحرين.
وبالفعل عملنا على المشروع الثقافي الهام, مثلما عملنا على إصدار منارات ثقافية لمجموعة من الأدباء والمثقفين الراحلين, وكنا نعلم مقدار النقص الكبير في النشر التشكيلي الكويتي, كما كنا نعلم أن الصعوبات قد تنحصر في الموازنات وفي حصر المعلومات, لكننا كنا نثق في حميد خزعل الذي جمع مادة ودراسات كثيرة حول الفن التشكيلي, وبعدما استقلت من وظيفتي استمر تعاون إدارة الفنون التشكيلية مع حميد خزعل في هذا المشروع.
في الأسبوع الماضي ضمني لقاء مع حميد خزعل ومجموعة من الفنانين التشكيليين, وسألته عن مشروع النشر التشكيلي, فقال صدر عن المجلس الكتب التالية:
-سلسلة الفنانين التشكيليين, وهي سلسلة كتب تتناول جميع الفنانين التشكيليين الكويتيين, لكن المجلس اعتذر عن طبع كتاب الفنان حسين مسيب.
-كتاب التراث في الفن التشكيلي الكويتي.
-مع على العوض الخزاف في الكويت.
-السباحة في بحر قصاصات الورق, عن الفنان الراحل أحمد عبد الرضا.
ولاستيفاء بقية الفنانين التشكيليين, تقدم حميد خزعل إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالجزء الأول من كتاب "سلسلة أوراق تشكيلية كويتية", وهو مشروع هام جداً يخدم الحركة التشكيلية والفنانين التشكيليين الكويتيين, ويقدمهم للعالم, لكن للأسف أيضاً اعتذر المجلس عن هذا المشروع الهام.
لكن ذلك لم يوقف الفنان حميد خزعل عن هدفه النبيل, فأنشأ مشروع "نقطة" على الشبكة الإلكترونية "الإنترنت", وعلى نفقته الخاصة, وهذا المشروع الذي سأتشرف بكتابة مقدمته بطلب من حميد خزعل, عبارة عن كتاب إلكتروني, وهو نفس الكتاب الذي اعتذر المجلس عن طباعته, وسيقدم الفن التشكيلي الكويتي إلى العالم الواسع مجاناً, وقد أطلعني الأستاذ حميد على نماذج منه, فهو من الفنانين القلائل الذين يطورون مهاراتهم التقنية ويتابعون أحدث التطورات التكنولوجية التي تخدم الثقافة والفن والأدب.
وكنت أتمنى أن تمتد يد بيضاء لتعينه على خدمة الوطن, وهو ليس الوحيد الذي لا يستطيع تحمل نفقة طباعة كتبه, بل الفنان نادر فرس الذي لديه " إسكتشات" نادرة لواقع الأسر وبورتريهات الضباط الأسرى الذين كانوا معه بالأسر, وهو شئ نادر في تاريخ الكويت, وأيضاً هناك أدباء وشعراء لا يستطيعون طباعة كتبهم, ويتعففون عن طلب المساعدة.
قد لا يعرف الجميع, أن الفنان حميد خزعل مريض بتكسر الصفائح الدموية, ويصل في بعض الفترات مرحلة حرجة, وينزف بشكل مؤلم, وهو ممنوع من الخروج نهاراً, لأن الأدوية التي يتناولها تسبب سرطان الجلد في الشمس, لكن إرادته وحلمه يجعلانه لا يكف عن العمل, لا يوقفه إلا الإنهاك فيستلقي على سريره, فهو الآن مع الفنان فاضل العبار يعملان لإقامة معرض نحتي في العام القادم, والنحت منهك للإنسان العادي, ولأن صب التماثيل من البرونز مكلف, فحميد خزعل كلما وفر مبلغاً بسيطاً أرسل عملاً إلى المسبك بالصين.
وإضافة إلى كل ذلك فقد أنشأ عدة مواقع إلكترونية لخدمة الفن التشكيلي منها:
www.altshkeely.com
وهو موقع لنشر مجمل كتابات الفنانين التشكيليين العرب, وقد جمع حميد خزعل حتى الآن أكثر من 700 موضوع تشكيلي عربي وعالمي, وسيوثق ذلك على فترات في أقراص مدمجة.
www.q8art.net
وهو موقع حول الفن التشكيلي الكويتي
www.dot4art.com
موقع آخر للفن التشكيلي الكويتي
www.daleely.net
وهو دليل للفنانين التشكيليين العرب, عبارة عن معلومات شخصية لتسهيل الوصول لهم, عناوينهم وهواتفهم ومواقعهم.
www.almohallab.info
وهو يضم المواقع التشكيلية العربية
www.khazaalart.com
موقعه الشخصي
هذا ما أعرفه عن العمل اليومي الجبار, لصاحب العزيمة الذي يصارع المرض والزمن دون مساعدة أو اهتمام من الآخرين, المرض والزمن بالنسبة له عدوان يمنعانه من تحقيق حلمه برفعة وطنه الكويت, ونشر الفن التشكيلي الكويتي وإنصافه أمام العالم, يقوم بدور لم تستطع المؤسسات الثقافية القيام به.
شفاك الله وعافاك يا أبا فيصل, سأفرح فقط عندما أراك تستلم جائزة الدولة التقديرية على جهودك العظيمة, وسأرتاح عندما أعلم أن هناك من قدر جهدك الوطني فيمدك بالمال لتحقيق حلمك الكويتي.

osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com

No comments: