Tuesday, November 6, 2007

العيد




في الماضي كان أهم ما في العيد هو عشيته بالنسبة للصغار, فأجواء التحضيرات مثل تنظيف أحواش المنازل بالليل ورشها بالماء, وتحضير "قرص العقيلي" وهو كعك العيد, وغسل الرجال لسياراتهم, والتزاحم عند الحلاقين, ويبالغ بعض الرجال فيذهبون إلى "حمام قبازرد", وتبذل النساء جهداً في تزيين أنفسهن وإزالة الشعر عن أجسادهن, أما الأطفال فليلتهم طويلة ينتظرون فجر الغد بفارغ الصبر, ويظلون طوال الليل ينظرون إلى ملابسهم الجديدة, يعلقون "الدشاديش" الجديدة وتحتها الجوارب والأحذية الجديدة وحتى الملابس الداخلية جديدة, كان إذاعة أغنية "العيد هل هلاله" لمحمود الكويتي ثبوتاً لرؤية الهلال بالنسبة للأطفال.
وفي الفجر قبل صلاة العيد تبدأ أصوات تحضير الإفطار, فتسمع "طقطقة" الفحم ب"الدوة" وغليان أباريق الشاي والحليب, وتشم رائحة قرص العقيلي ورائحة بخور المستعدين لصلاة العيد.
في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات, كنت مصاحباً لجدي, فكان رحمه الله يأخذني ليلة العيد في مشوار محدد, نذهب أولاً للسوق لشراء الحلوى والرهش والمكسرات والبن والشاي والفحم, لكن لدينا اكتفاء ذاتي بالحليب والبيض والدجاج والخراف, فبيتنا في حولي كان به حوش خاص "بالدبش" يحوي أبقاراً وأغناماً ودجاج وفرس وبعيرين, فلم يكن جدي يشتري هذه الحاجات.
وفي فجر العيد كنت أستيقظ على صوته, فأستحم وألبس ملابسي الجديدة ونذهب لصلاة العيد في المسجد المقرر أن تكون به الصلاة, وبعد الصلاة يعايد الناس على بعضهم, في هذا الوقت, تشرف النساء على غداء العيد, فبعد ذبح الخراف وتنظيفها يتم طبخها, ففي عيد الفطر لم يكن إفطار العيد هو المهم بل كان غداء العيد المبكر هو الأهم, كنت أجلس قرب جدي على "دكة" البيت الطويلة نراقب ذبح الخراف ونستقبل المعايدين, وكان أطفال الحي يدورون على البيوت ليعايدوا وليأخذوا العيدية, وكان جدي يوزع النقود حسب فئاتها, فالآنات في صرة, والروبيات في جيب وفئة الخمس روبيات في الجيب الآخر, وكان أحياناً يتحسس طرف العملة بلثته الدرداء ليعرف فئتها أو قيمتها, وأحياناً كان يسألني:"شهاذي؟" أو هذه كم؟ ثم يعطيها للأطفال.
لكن المظهر الأجمل أن السماط المفروش في البحرة أو من زاوية مسجد بن عويد الذي يبدأ بالامتداد فكل بيت يفرش سماطاً أو اثنين أو أكثر, حتى تصبح سفرة الطعام طويلة, وتبدأ صواني الرز واللحم والمرق بالوصول من البيوت, ويقف جدي ليتأكد من حضور الجميع, وإذا رأى أحد المارة أياً كان, عامل أو عابر, يقول: "نادوه", وبعد جلوس كل أعيان الحي وأبناءهم وصبيانهم أو خدمهم, يلتفت لي قائلاً: "باجي أحد؟", فأجيب وأنا متلهف على الغداء الشهي: "لا يبا ما بقى أحد", يقول: " يلا أقعد وسم", فأجلس إلى جانبه وأشاركه ومجموعة من الرجال إحدى الصواني الكبيرة, أتذكر أن الغداء كان وقت الضحى تقريباً, وهذا المظهر الجميل رسخ في ذهني, وشكل رمزاً للعيد أكثر من العيدية و"الدوارف" أو "الديارف" بلهجة البعض.
افتقدت هذا المظهر الذي كان يعكس التلاحم والمشاركة والكرم بين أبناء الحي, لم يعد موجوداً في هذه الأيام, ولا يشعر الشباب والأطفال بهذه القيمة المعنوية لمظاهر العيد, بل أن في بعض البيوت لا يبارك الأبناء أهلهم بالعيد, ويعتبرون ذلك من مظاهر الماضي المتخلف, مثل مظهر الوداع والسلام قبل وبعد السفر, الذي لم يعد موجوداً في بعض البيوت, فبعض الأبناء يستنكفون تقبيل والديهم أو حتى لمسهم.
للأعياد تأثير نفسي غالباً ما يكون إيجابيا, فبالنسبة للإنسان فإن المناسبات التي تتضمن استعدادات ومظاهر خاصة, لها تأثير إيجابي على النفس, وخاصة أن الأمر متعلق بلبس جديد ومظهر جديد, ومن الناحية العلمية فإن شراء ملابس جديدة, أو تغيير شكل مثل الحلاقة, يترك تأثيراً إيجابياً على النفس البشرية, ولذا فإن كثيراً من النساء يشعرن بارتياح بعد التسوق, أو إذا شعرن بتوتر أو اكتئاب يتجهن إلى الشراء, وعادة عندما يأتي إلى عيادتي إنسان مكتئب, غير حليق ويبدو من شكله الإهمال, أول نصيحة أقدمها له بأن يحلق ويستحم ويلبس ملابس جديدة أو نظيفة على الأقل, وهذا كفيل بتعديل مزاجه, إذ أن هناك علاقة جدلية بين الشكل والمضمون, فالشخص السعيد يحاول اختيار أجمل ملابسه, بينما المكتئب يلبس الموجود أمامه, وهذا ينطبق على شكل جلسته ومشيته ونبرة صوته.
إذاً لو جعلنا كل أيام حياتنا عيداً, فقد نساعد أنفسنا على الشعور الإيجابي.
وكل عام وأنتم بخير وفرح.

osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com

No comments: