Sunday, November 4, 2007

الاستثمار الثقافي



كان لقاءً مع الشاعر الأستاذ ورجل الأعمال عبد العزيز البابطين, وذلك في جريدة القبس التي صدرت يوم الثلاثاء 29 مايو 2007م, وفي اللقاء ذكر البابطين أهمية الاستثمار في الثقافة, رغم عدم عائدها المادي.
وفي خبر آخر نشر في مجلة البيان التي تصدرها رابطة الأدباء في الكويت, العدد442 مايو 2007م, مفاده أنه تم إنشاء صندوق لدعم الإبداع الكويتي, بمساهمة من أحد رجال الأعمال الكويتيين.
وبالتأكيد, فإن هذين الخبرين يبعثان على الأمل, ويبشران بتدفق إبداعي, فكثير من الأدباء والمبدعين لديهم كتب ومؤلفات لا يستطيعون تحمل كلفة طباعتها بأنفسهم, ويخجلون عند السؤال: لماذا لا تنشر؟, وخاصة أن النشر باهظ الثمن في الكويت, وقد يكون باهظاً على الاثنين الكاتب والناشر, وهذا ينطبق على المسرح الجاد غير الجماهيري, مثل العرض المسرحي الجميل " غسيل ممنوع من النشر", لفرقة مسرح الخليج العربي, والذي أدهش جمهور المثقفين ومحبي المسرح, ولكنه غير مجز تجارياً, بسبب سيادة مسرح التسطيح والتهريج والتفاهة, التي لا تتناسب وتاريخ المسرح الكويتي العريق.
كنت قد كتبت في جريدة الحياة قبل سنوات, وقبلها بسنوات في جريدة الطليعة, حول صناديق دعم الثقافة, كما طرحتها كمشروع ثقافي في احتفالية الكويت عاصمة للثقافة العربية عام 2001م عندما كنت مديراً لإدارة الثقافة والفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, بحيث يسهم بموازنتها مجموعة من التجار والشركات, ويصب عائد الاستثمار في صالح الثقافة والإبداع, مثل المشروعات الوقفية, التي تمول نفسها بنفسها.
نعم, لا أحد ينكر أهمية المبادرة الفردية, مثل مبادرات الأستاذ عبد العزيز البابطين, والتي يمتد تأثيرها ونورها إلى كل الدول العربية, ودول كثيرة أخرى بالعالم, ويكفي هذا الصرح الرائع " مركز عبد العزيز الباطين للشعر" الذي أسسه, ليكون إحدى المنارات الثقافية في الكويت, وهو إحدى المشروعات التي كان مقرراً وضع حجر الأساس لها في احتفالية الكويت عاصمة للثقافة العربية.
ولا ننكر الدور العربي لجوائز الشاعرة سعاد الصباح, وغيرها من الجوائز, التي تشكل تشجيعاً وتقديراً للإبداع والمبدعين, لكن الجوائز في النهاية لا تحل مشكلة فقر الدعم للمنشورات والمشروعات والنشاطات الثقافية, مثل العروض المسرحية والموسيقية والمعارض التشكيلية, وتكاد تقتصر هذه الأنشطة على المؤسسة الثقافية الرسمية, وفي ظل غياب أجندة ثقافية تنموية للدولة, واستمرار تجاهل أهمية التنمية الثقافية كأساس وشرط أولي لتنمية المجتمع, سينحسر دور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, بينما كان المؤمل أنه بعد هذه التجربة الثقافية العريقة للكويت, أن يتحول المجلس إلى وزارة ثقافة, بأي صيغة دستورية مناسبة.
كما أسلفت, أنني قد كتبت قبل سنوات, أن الشركات في دول العالم تشترك في صندوق لدعم جانب ثقافي معين, فمثلاً في بريطانيا تشترك مجموعة من الشركات في صندوق لتمويل ودعم فرقة تختص بأعمال شكسبير, وصندوق آخر لبناء صالات عرض ضخمة للفنون التشكيلية, أو توفير ما يلزم الفنان التشكيلي لإبداعه, أو حتى دور عرض مسرحي وسينمائي, ودعم الطباعة والنشر, ومراكز صحية لمعالجة الإدمان.
وتتسابق هذه الشركات بدفع مبالغ أكثر, حتى يوضع أسم التاجر أو الشركة في أعلى اللوحة التي تحمل أسماء الرعاة, وتعرف هذه الشركات أن مساهمتها هذه لها مردود بعيد المدى.
فأولاً: المواطن المتعلم الواعي والمثقف, هو في النهاية مستهلك أفضل, إذا نظر التاجر إلى الانتعاش بنظرة شاملة ومستقبلية للبلد, فالتاجر الحقيقي لا يفكر بنفسه فقط, ولا يتعامل كصاحب دكان, يبيع ويقبض فوراً, ولكنه يفكر بعقلية اقتصادية متطورة, ذات نظرة بعيدة.
ثانياً: هذه المساهمات, ترفع من ثقة المواطن بالشركة والتاجر, فالتاجر المتواصل مع الجماهير عبر ثقافاته واهتماماته, أفضل من التاجر الذي يمتص دماء المواطنين, ولا يعبأ بالوسائل.
ثالثاً: يعلم التاجر الواعي, أن الثقافة تخلد الأسماء, لتظل في ذاكرة تاريخ البلد إلى الأبد, ولنلاحظ أن تجار الكويت كان لهم دور تاريخي في الكويت, في نهضته وتطوره, سواء من الناحية السياسية, مثل المرحوم عبد العزيز الصقر, أو من الناحية التعليمية والثقافية مثل الشيخ يوسف بن عيسى القناعي, وخالد الفرج وغيرهم, ولذا بقي هؤلاء في أذهان وضمائر الكويتيين.
ومن المؤسسات المتقدمة في الكويت, مؤسسة الكويت للتقدم العلمي, التي ما زال على رأسها, الدكتور على الشملان الذي استطاع أن يصل بها إلى مستويات مرموقة ومشرفة, وأظن أن على هذه المؤسسة أن تفكر جدياً بمشروع صندوق دعم الثقافة, وليس تقديم المساعدات فقط, ولا أقصد هنا إقامة أنشطة ثقافية, إذ أن أي صندوق من هذا النوع يجب أن يدار باتجاهين, ثقافي وتجاري, ويمكن إنشاء شركة متخصصة لذلك.
إذا قد تكون المبادرة الفردية المشكورة غير ذات جدوى على مستوى الثقافة والإبداع في الكويت بشكل عام, إذ قد تضعف ومن الممكن أن تتلاشى مع ذهاب الشخص المهتم, لكن المؤسسة يمكن لها الاستمرار والتطور, ويمكن جمع المبادرات الفرية المتناثرة في صندوق أو شركة واحدة, وتشكل لها إدارة ذات نظرة تنموية ثقافية, تضع أسس الاستثمار الثقافي, وأوجه الإنفاق.
في ظني أن الاستثمار الثقافي هو الاستثمار الحقيقي, بدءً من التعليم وانتهاءً بدعم مبدع شاب.

No comments: