كنت في زيارة للفنان التشكيلي الكويتي الرائد الأستاذ حسين مسيب, وهو من جيل التشكيلين الأوائل, حيث التسجيلية تميز أعماله, فلوحاته الأولى عبارة عن تسجيل للبيئة الكويتية في فترات الأربعينيات والخمسينيات والستينيات, أما أعماله في المرحلة الأخيرة فهي تعكس حالات إنسانية, مثل العتال والعمال والحرب والسلم, كما يعتبر من النحاتين الأوائل في الكويت, وأنا أفخر باقتنائي لمجموعة من أعماله وخاصةً رائعته "الحمالي".
حكا لي الفنان حسين مسيب عن بداياته الفنية والتي لم تكن تخلو من معاناة العمل في شركة نفط الكويت والدراسة الليلية, قال أنه في عام 1958م قام بنحت تمثال مستخدماً سكين مطبخ, إذ لم يكن باستطاعة الفنانين توفير أدوات الرسم والنحت الضرورية, وعندما انتهى العمل أخذه إلى الأستاذ عبد العزيز حسين الذي كان مديراً للمعارف, ويكمل حسين مسيب: انتظرت في مكتب السكرتير الذي أدخل التمثال على المدير ثم بعد دقائق طلب رؤيتي, دخلت عليه فنهض من مكتبه وتقدم وصافحني بحرارة وتواضع ثم سألني: نحت هذا العمل وحدك؟ فأجبته: نعم وحدي, ثم أخذ عبد العزيز حسين يتأمل التمثال الذي كان عبارة عن رجل شبه عاري, وأخيراً علق: "جميل", وكتب توصية إلى موجه التربية الفنية بالمعارف السيد حامد حميده, "يرجى الاهتمام به وتوفير كل الإمكانيات والمواد اللازمة وتسهيل إبداعه", ولأن الموجه لم يكن موجوداً في مكتبه ترك حسين مسيب الورقة على المكتب, ثم فوجئ بالأستاذ حميده يطرق باب بيته بعد ساعات, وقام الموجه بأخذ حسين مسيب بسيارته الخاصة إلى المرسم الحر, وأخبر الحارس بأن يفتح الباب للفنان في أي وقت, ويأخذ خامات وأدوات مثلما يحب.
يقول حسين مسيب أن عبد العزيز حسين كان له فضل على الفنانين وعلى الفن التشكيلي, من خلال التشجيع والاقتناء وتوفير كل الإمكانات, وكان مقدراً للفن الرفيع, ولم يكن هناك استهجان للعري الفني في المنحوتات, وحتى رئيس المعارف في ذلك الوقت الشيخ عبدالله الجابر الذي كان يفتتح المعارض الفنية ويثني على الأعمال الفنية دون احتجاج على العري الفني, كان ذلك قبل غزوة الجهل.
وحتى عندما أصبح خالد المسعود وزيراً للتربية والتعليم, استمر بتشجيع الفن التشكيلي, بل كان يضع أحد أعمال حسين مسيب على مكتبه, وأهديت أعمال كويتية للسفير الأمريكي في ذلك الوقت, وقام المرحوم صالح شهاب بأخذ عدد من أعمال الفنانين الكويتيين لافتتاح سفارتنا في نيويورك.
كان ذلك في الخمسينيات والستينيات, ويستغرب الأستاذ حسين مسيب من موقف الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية, عندما عرض في الثمانينات لوحة له تمثل رجل عار في كهف ورفضتها الجمعية بحجة أن العري ممنوع في الأعمال الفنية.
هذا التغير في القيم الفكرية أحبط الكثير من الفنانين التشكيليين الكويتيين, إذ لا يتوافق الإبداع مع التخلف أو الرقابة والقيود, بل أن الفن التشكيلي الكويتي كان متقدماً, وكانت للفنان مكانة, والآن يقبع هؤلاء الرواد في زوايا النسيان, وبعضهم مريض مثل الفنان حسين مسيب والفنان المؤرخ التشكيلي حميد خزعل, دون اهتمام من الدولة أو الجمعية لعطائهم وتاريخهم الفني, وعزاء هؤلاء الفنانين أنهم يجتمعون في منزل أحدهم يتذاكرون الأيام الخوالي, ومنهم فاضل العبار ونادر فرس وحسين مسيب وحميد خزعل وغيرهم.
في الكويت هناك مجموعة من المسئولين في الحكومة كان لهم فضل على الحركة التشكيلية, اهتموا بها لإيمانهم وعشقهم لهذا الفن, فإضافة إلى عبد العزيز حسين كان صالح شهاب وسعدون الجاسم ود. سليمان العسكري وآخرين, كان حبهم وتقديرهم للفن التشكيلي عاملاً من عوامل تقدم هذا الفن, لم يكونوا مجرد موظفين يهزون رؤوسهم أمام اللوحات دون أن يفقهوا شيئاً, بل كانوا يحللون اللوحة ويتذوقون اللون وضربات الفرشاة, ويناقشون طويلاً مع الفنانين.
الآن في المجلس الوطني هناك آلاف من اللوحات والأعمال النحتية المقتناة من فنانين كويتيين وعرب وعالميين, والتي تعتبر ثروة لقيمتها الفنية ولقيمة أسماء الفنانين, عدا عن الأعمال التي دمرت ونهبت أثناء الاحتلال, ونتمنى أن يتم إخراجها من مخازنها, واستخدامها الاستخدام الأمثل, وأن يتم تكريم هؤلاء الفنانين الرواد ومنحهم جائزة الدولة التقديرية لأعمالهم التي رفعت رأس الكويت على مدى عقود, وتوثيق سيرهم وأعمالهم بشكل لائق, إذ نخشى أن يرحلوا بعد عمر طويل ويطويهم النسيان, وتختفي مرحلة ريادية هامة في تاريخ الفن التشكيلي الكويتي.
osbohatw@gmail.com
www.alrujaibcenter.com
No comments:
Post a Comment