الآن وبعد حل الوزارة ومجلس الأمة, هي فرصة لا تعوض للنظر بجدية إلى إستراتيجية التنمية, إلى جوهر ومعنى التنمية بعقل مفتوح, آن الأوان لفهم أن التنمية لها أساسات لا غنى عنها, وأساس التنمية هو الثقافة, وقد كتبنا مراراً أن لا تنمية اقتصادية دون تنمية ثقافية, فهذا قانون حتمي يقول ما أهمية النقود والأبراج والمجمعات التجارية دون إنسان؟ فهو المصدر الأساسي للتنمية وهو المتلقي الأساسي للتنمية, وعندما يفكر المستثمر الحكيم بأساس الاستثمار لن يجد غير الإنسان, فدونه لن يستطيع البناء ولن يعود عليه عائد.
فالإنسان كان رجل الدولة الذي بنا وأسس الكويت الحديثة, والإنسان هو الذي بنا المؤسسات واحترم القانون, وهو الذي وصل بالكويت إلى مكانتها المرموقة, وهو الذي حرر الكويت من الاحتلال وأعاد بناءها, هو الذي جعل الكويت مكاناً جميلاً.
لكن عندما غاب هذا الإنسان وأصبح النظر إلى التنمية والإصلاح بسطحية وضيق أفق, محصور بالاقتصاد والتجارة والمال, تدهورت الكويت في جميع المجالات, فهل ستستفيد الكويت من حل الوزارة ومجلس الأمة حتى وإن كان ألف مرة؟ إطلاقاً فالإنسان هو الإنسان والنظرة هي النظرة, ومن يقود البلد في السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يعودوا رجال دولة, حكومة ضعيفة ليس لها قدرة على اتخاذ القرار, ومجلس يحرض على انتهاك القانون وعلى الفساد وإضعاف الدولة, والضحية هي الشعب والوطن, تدني الثقافة هي تدني لغة الحوار والخطاب ليس للإنسان السوقي, ولكن لممثل الأمة والشعب.
والنظرة للثقافة عند السلطة قاصرة في كل مرة, محصورة بالتجليات وبعض نتاجاتها الإبداعية, فقط اسأل أي مسئول كبير عن ماهية الثقافة سيقول لك هي الأدب والفن والمسرح والموسيقى, وهي ليست شيئاً أساسياً للدولة وللتنمية, لكن الثقافة هي أعمق من ذلك بكثير, هي مجمل النتاج المادي والفكري وأنماط السلوك لمجتمع معين في لحظة تاريخية معينة, الثقافة ليست القدرة على قراءة الكتب فقط, بل هي الإنسان المتحضر الذي يعي مسئولياته ويحترم وطنه وقوانين الدولة, هو النائب الذي يحفظ وعده وقسمه بالحفاظ على أمن البلد وأمواله, وليس التحريض على الاعتداء على البلد ومقدراته وأمنه, هو التعليم المنفتح المتطور المواكب للتقدم العالمي, هو صمام الأمان لهذا الوطن المترنح جراء الجهل والتخلف والتعصب.
تميزنا كدولة وشعب عندما كان المانشيت العريض لنا هو الثقافة, وتخلفنا عندما توارت الثقافة, وقفت دول العالم معنا في أزمتنا لأننا شعب لنا كيان ثقافي متقدم, ومظاهره تبدأ من الرياضة إلى الأدب والفن وصولاً إلى نظام ديمقراطي ومؤسسات مدنية.
عندما نفكر بالإصلاح لا يجب أن نفكر بالمجمعات التجارية والأبراج فقط, ولكن الإصلاح الأساسي يبدأ بالإنسان المنتج والمتلقي لهذا الإصلاح, علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً جاداً, لماذا فشلت حتى الآن خطوات الإصلاح؟ فمهما بحثنا وألقينا اللوم على بعضنا وعلى الظروف الإقليمية والعربية, لن نجد جواباً حقيقياً وواضحاً غير الإنسان وثقافته, فهو الوزير وهو النائب وهو المواطن, ومن دون وعي وثقافة فسيقاد الوطن إلى المحرقة.
آن الأوان, وهي فرصة تاريخية لا تعوض للنظر بجدية للعامل الثقافي, لوضع الإصلاح على الطريق الصحيح, فعندما أسس الأمير الراحل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, ومعهد الكويت للأبحاث العلمية, ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي, كانت نظرته شاملة للتنمية, وضع أساساً صلباً للتقدم, لذا فالاستحقاق هو إنشاء وزارة ثقافة, وقد يقول قائل هناك مأزق دستوري, وأقول هناك مخارج دستورية.
آن الأوان أن تلتفت السلطة إلى الثقافة باعتبارها عنصراً أساسياً للإصلاح والتنمية, وهو العنصر الناقص في معادلة التنمية وهو العنصر الأهم في معادلة الإصلاح, فدول الخليج سبقتنا بخطوات لأنها وجدت الجواب بالثقافة, فأسست وزارات للثقافة والإعلام, ووضعت الثقافة قبل الإعلام, والإعلام ليس كل الثقافة ولكنه انعكاس للثقافة, ولذا يجب فصل المؤسسة الإعلامية عن الثقافة.
مرة أخرى الثقافة تعني التعليم والرؤية الاقتصادية والمؤسسات القانونية والمدنية, تعني الإنسان الذي حلت من أجله الحكومة وحل من أجله مجلس الأمة.
آن الأوان لإنشاء وزارة ثقافة كويتية.
1 comment:
تسلم والله يعطيك العافية .. شرفني على البلوق .. نحتاج نقاطك وخبرتك :)
وبالتوفيق
Post a Comment