Sunday, August 31, 2008

الحكايات والأساطير 2 من 5




منذ فجر التاريخ, استخدم الإنسان القصص والحكايات بحثاً عن المثالية, ولتغيير حياته وحل مشكلاته, والبحث عن إجابات لأسئلته, ولوضع قوانين تنظم سلوكه ورغباته, ولوضع أطر وقواعد طموحاً في حياة سعيدة منتجة, تقوده للتحضر والأنسنة.
واستخدم الإنسان خياله وإمكاناته العقلية, لخلق حياة بديلة لا توجد فيها مآس أو ألم, بمحاولة منه لخلق عبر ومواعظ, بالتأثير على عقول ومشاعر المستمعين والقراء لا حقاً, وأدرك منذ البدء أهمية الفكرة والإيحاء للتغيير, سواء لمشاعر إيجابية وذلك لارتباط الفكر والشعور بعلاقة جدلية, أو للتعليم والتربية, فقد ثبت في العلم الحديث أن العقل يقبل التغير أما بوجود خيارات أمامه وإما بواسطة الحكاية, لكنه يقاوم التوجيه والوعظ المباشرين.
كما أن الأدب والفن يرفعان من المستوى الشعوري الإنساني, ويزيدان من مستوى تهذيبه وتحضره, لذا تستخدم الموسيقى كثيراً في التهدئة والاسترخاء, أو تهذيب دواخلنا, والمعروف أن الإنسان كلما استخدم خياله, كلما زادت آفاق معرفته واتسعت حدود الاعتقاد لديه.
ما يهمنا هنا الإيحاء ضمن الأدب نفسه وتأثيره على الشخوص الاسطورية, ففي الإلياذة يذكر هوميروس أن ثيتيس أم أخيلس أمسكته من كعبه عندما كان صغيراً, وغطسته في نهر مقدس, كي لا تؤثر به الأسلحة, فغمر الماء كل جسده ما عدا كعبه.
وعاش أخيلس حياته كلها شجاعاً بطلاً تاريخياً, لا يهاب الموت لعلمه أن الماء المقدس شكل لجسده درعاً يمنع السيوف والرماح والسهام من اختراقه, كما أنه قال لصديقه الحميم بتروكيلس:" اقهر الخوف تقهر الموت", وفي طروادة قاتل لعشر سنوات وقتل الكثير من الأبطال, بمن فيهم هكتور بطل طروادة, ودخل أخيلس طروادة مع من دخلوا في خدعة الحصان, ولكن باريس الذي بدأ هذه الحرب بسبب سرقتة للجميلة هيلين, رماه بسهم فأصاب كعبه الذي لم يمسه الماء المقدس, ولأنه يعرف أن السهم أصاب منطقة غير محمية في جسده, وقع فانهالت عليه السهام فمات.
يقينه وقناعته أن لا سلاح يضره, جعله يدخل المعارك بقلب قوي, وقناعته أن منطقة ضعفه هي كعبه, اضعفته, ومن هناك جاء مثل "كعب أخيلس" كتعبير عن نقطة الضعف.
والأساطير والحكايات مليئة بالإيحاءات, والإيحاء فكرة مرئية أو مسموعة أو ملموسة, مثل صرخة عنترة بن شداد, أو اسمه أو هيأته التي سنأتي على ذكرها في المقال القادم, وهذا الإيحاء يشكل مع الوقت قناعة أو يغير القناعة الموجودة أصلاً ويستبدلها بأخرى, وهذا ما يستخدمه علم التنويم, ويستخدمه أيضاً من يعمل بالشعوذة.
وهذا ما يجعل الأدب الصادق مؤثراً على المشاعر والقناعات, بينما الأدب المصطنع لا يترك أي أثر عند المتلقي, كالنفاق والمجاملة الزائفين أو كالذهب المزيف.
في المقال القادم سوف أتناول الإيحاء في أسطورة شمشون وقصة موت عنترة بن شداد, ونحن كمتلقين تأثرنا بإيحاءات الحكايتين, وشخوص الحكايتين تأثرا وأثرا على الآخرين كذلك.

No comments: