Sunday, August 31, 2008

شمشون وعنترة 3 من 5




ما قيمة الأدب دون تأثيره على مشاعرنا وأفكارنا, وبالتالي سلوكنا؟ فالكلمة لها مفعول سحري على أذهاننا, فبرأيي السحر الحقيقي يكمن في الأفكار أما الكلمة فهي وعاء لهذه الأفكار, وقد مرت على البشرية حكايات كثيرة, ما صمد منها هو ماأثر بنا, حتى في حالة الشخصية والحدث الوهمي, مثل شخصية رستم في الشهنامة, فهو شخصية خيالية ابتدعها الفردوسي, لكي يكون لدى الفرس بطل كأخيلس, وبلغ تأثر الفرس وفخرهم برستم أنهم حفروا له قبراً في قمة جبل في شيراز, لكن في الواقع لم يكن هناك غير إيحاءه وتأثيره.
والملاحظ أن الشخصيات البطولية التي نسجت حولها أساطير, تتشابه في أوجه كثيرة, أو تكون عالمية مثل كلكامش وشمشون.
فشمشون كان يعتقد أن مصدر قوته الجبارة هو شعره, ولذا كان يبقيه طويلاً, وقد بلغ شمشون أو سامسن _كما يطلق عليه الغرب_ من القوة أنه حارب جيوش الملك بفك حمار, ولم يستطع الملك رغم كل المحاولات أن يعتقله, ففكر بأقوى سلاح يضعف الأبطال, وهو المرأة فأرسل دليلة التي جعلته يقع في حبها, وسقته نبيذاً حتى ثمل ثم قامت بقص شعر رأسه, وكان جنود الملك مختفين خلف الأشجار, فأشارت دليلة لهم, فقبضوا عليه, وعندما حاول المقاومة قالت له دليلة:" تلمس شعرك" وعندما فعل انهارت قوته, فقيد وأخذ إلى الملك الذي أمر بتسبيل عينيه, وربط بسلاسل على ساقية أو طاحونة, وظل لأشهر يدفع بالطاحونة وهو يبكي خيانة دليلة التي أحبها كثيراً, وبعد أشهر تلمس شمشون شعر رأسه بالصدفة فوجده قد طال كالسابق, فأحس بالقوة والثقة تعودان إليه, كسر قيده, وذهب مستنداً على الجدران يتبع الصوت, حتى وصل إلى القاعة الرئيسية, وقف بين عمودين وقال:"علي وعلى أعدائي يارب" ودفع العمودين وانهار المعبد على الجميع.
شعره الطويل يعطيه الإيحاء بالقوة, وهو فكرة يستخدمها الرياضيين تحت التنويم في المباريات الأولمبية, فمثلاً كلما صفق الجمهور ازدادت سرعة اللاعب, أو كلما عزف بوق عزفاً معيناً ازداد حماس اللاعبين, أي يقوم المنوم بخلق رابط شرطي.
أما في حالة عنترة بن شداد, فإن تأثيره الإيحائي على الآخرين يأتي من اسمه وهيئته وصوته, فمن المعروف أن لعنترة صرخة حرب مميزة وقوية, ويقال أنه يجعل الخيول تجفل في المعارك بهذه الصرخة, وعندما أطلق عليه الأسد الرهيض سهماً وهو في العراق, كما اعتاد مع اسرته وحاشيته بعد أن أصبح أميراً, في تلك اللحظة لم يتألم عنترة بل قال شعراً, فظن الأسد الرهيض أنه لم يصبه فشهق ومات وهرب عبده, وبعد أيام طلب عنترة من أخيه شيبوب وزوجته عبلة أن ينقل إلى أرض الشربة والعلم السعدي, وهي منازل عبس, فوضعوه على محفة مغطاة, وركبت عبلة كوكبة حصانه وساروا به, وفي الصحراء هجم عليهم قطاع طرق من البدو, فخافوا ولكن عنترة رفع ستارة المحفة وصرخ صرخته المعروفة, فخاف البدو وهربوا.
عندها اقترح عنترة أن يضعوه على حصانه ويذهبوا بسرعة إلى قبيلة عبس كي يأتوا ويحملوه, واستند على رمحه الطويل وهو على حصانه فوق تلة, فإذا مر البدو وشاهدوه يخشون الاقتراب منه أو من عبس, فظل على هذه الحال ليومين, فاحتار البدو هل هو ميت أم يقول الشعر, فأرسلوا مهرة صغيرة أمام كوكبة فتحرك الحصان إلى الأمام وسقط عنترة على ظهره, فقال البدو:"لقد حميت أهلك حياً وميتاً".
وعندما كان في المعارك يضرب الضعيف ضربة يرتاع لها قلب الشجاع, في الواقع كان يبث الخوف بهذا الإيحاء, فقد كان اسمه وهيئته وصوته إيحاءً إلى الآخرين.
هناك تفصيلات كثيرة لإيحاءات في هذه الحكاية, وفي الأساطير بشكل عام, إلا أن المساحة لا تحتمل, وفي المقال القادم سنتطرق إلى أبي الأدباء شكسبير, وهي مرحلة تاريخية أخرى, لكن شكسبير أعطى قوة للإيحاء بفهم واع للنفس البشرية في كثير من أعماله.

No comments: