Sunday, August 31, 2008

شكسبير 4 من 5




يقول شكسبير على لسان هملت:" لايوجد شيء حسن أو شيء سيئ ولكن عقولنا تجعله كذلك", وهذا الإيحاء والمجاز يمكن استخدامهما للعلاج والتغير, وقد استخدمته كثيراً لمساعدة عملائي على التغير, ومن هنا تأتي قوة تأثير الأدب, فكل شيء يبدأ بفكرة تتحول إلى فعل يتحول إلى عادة تشكل نمط شخصية وإذا عرفنا نمط الشخصية نعرف مصير ومستقبل الشخص.
عندما كنت في الابتدائية حاول بعض الصبية ضربي, ففوراً بدأت باخبارهم بقصة خيالية, ولا أعرف كيف تفتق ذهني عنها فدخلوا في غشوة تنويمية, وتغير بؤبؤ العين وانشدوا بجمدة, ومن حدث لحدث ومن شخصية لأخرى, حتى رن الجرس فتوقفت عن الحكاية, فألحوا أن أكمل فقلت لهم غداً أكمل, وفي الغد أتوا في الاستراحة فأكملت لهم رغم أني لا أعرف ماذا أقول لكن شيء يجر شيء, فأدركت أن لدي سلطة ولا أحتاج للعضلات.
وفي العطلة الصيفية, كان والدي رحمه الله يجعلني مسؤولاً عن أخوتي بصفتي الأكبر, حتى لا يخرجوا في الحارة في الظهر, بينما يأخذ قيلولته, فكنت أجمعهم وأحكي لهم حكاية خيالية, تنتهي عندما يستيقظ والدي, وأكملها ظهر اليوم التالي, حكاية تبدأ في بداية العطلة الصيفية وتنتهي في نهايتها, وكان أخوتي ينشدون للأبطال والقراصنة والتنين, لدرجة أن أصغرنا تبول على نفسه, لأنه لا يريد تفويت كلمة, وهذا يذكرني بشهرزاد عندما كانت تحكي لشهريار فتؤجل إعدامها.
نعم للقص والأدب سطوة كبيرة على الفكر والمشاعر, وتسهم بفعالية بغيير النفس, ففي سينما حولي الصيفي بالستينيات كانت تعرض أفلام فريد شوقي, وفي نهاية كل فلم كان الصبيان يتعاركون نفس فريد شوقي, وفي العصور الوسطى خرج الناس من مسرحية في مظاهرات, لأن المسرحية كانت تنتقد قيام النبلاء بالنوم مع العروس في ليلتها الأولى وقبل زوجها.
شكسبير بين تأثير الإيحاء في رائعته "ماكبث", فعندما كان ماكبث شاباً مر بثلاث ساحرات أخبرنه أنه سيصبح ملكاً ومن يقتله لم تلده أمه, وأصبح ملكاً وفكر أي إنسان لم تلده أمه, كل البشر يولدون, إذاً لن أموت أبداً.
ويصف شكسبير كيف أصبح ماكبث مغروراً وجباراً لدرجة أن الممالك الأخرى تضررت منه ومن هجماته, كما أن زوجته انتحرت وألقت بنفسها من أسوار القلعة, وهربت جميع حاشيته, وترك وحيداً في قلعته.
وفي يوم قرر نبلاء الممالك أن يشكلوا جيوشاً مشتركة لهزيمة جيش ماكبث الجبار, وعندما علم ماكبث لبس درعه وجلس على عرشه ممسكاً بسيفه, ولما وصلت الجيوش وجدوا باب القلعة مفتوحاً, وخشوا من خديعة, فأرسلوا بعض الفرسان ليدخلوا داخل القلعة, فلما دخلوا وجدوا ماكبث الواثق أنه لن يموت, جالساً بهدوء ولما تقدموا قتلهم جميعاً بكل بساطة, ولما لم يخرج الفرسان أرسل النبلاء فرساناً أكثر, وتكرر ما حدث مع الدفعة الأولى, فظلوا حائرين ماذا يفعلون, وماذا يمكن أن يكون بالداخل, فخرج في هذا الوقت ماكبث وخاطب الجيوش قائلاً:" هل أنتم مجانين تأتون لتقتلوني, أنا ماكبث من يقتلني لم تلده أمه" وفجأة سمع صوتاً يقول:" استدر أيها الكلب أنا لم تلدني أمي, ولكن انتزعت من بطنها انتزاعا" (أي ولد قيصرياً), وما أن سمع ماكبث هذا القول حتى تداعت قوته, ولم يستطع أن يحمل سيفه, فصعد ماكدف الدرج بينما كان ماكبث يتراجع وقطع رأسه.
الإيحاء والفكرة جعلا ماكبث قوياً جباراً واثقاً من خلوده, والإيحاء قتله, وأدب شكسبير يزخر بالكثير من الإيحاءات والمجازات والأفكار التي تعلم البشرية منها الكثير من الحكم, وأيضاً يزخر الأدب الحديث بقوة التأثير والتغيير.

No comments: